مداخلة حول الإعلام و الانتقال الديمقراطي – الإذاعة نموذجا
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7623
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
دُعيت للنّدوة العلميّة التي نظّمتها إذاعة صفاقس بعنوان "الإعلام و الانتقال الديمقراطي – الإذاعة نموذجا " و لعلّ الإنصاف و الاعتراف بمجهود الآخرين يوجب عليّ شكر القائمين على هذه النّدوة من حيث الفكرة و الّتنظيم قبل البدء في إبداء الرأي في الموضوع و في الندوة.
فبادئ ذي بدء، يكون من المهمّ الملاحظة بأنّ المُتدخّلين في هذه الفعاليّة، لا يعكسون النّسيج العامّ المهتم بهذا القطاع، و أنّ جلّ مداخلاتهم أتت تعكس محاولة تبرير بعض الممارسات الإعلامية العمومية و الخاصّة في الأيّام الأخيرة، بتبريرات أكاديميّة و فكــــــــــــريّة و مثاليّة من باب "الإعلام الحرّ" و "ضمير الأمّة " إلى غير ذلك ممَّا عهدنا... أو كانت في شكل تربيع لدائرة الموضوع الرئيس، و إقحامٍ لمفاهيم أراها لا تناسب المقام حاليّا رغم أهميتها، كالعلاقة بين الخطاب الإعلامي و حقوق الإنسان. إذ كيف لإعلام لا يزال يتخبّط في تراكمات التّسيّس أن يناقش هذه المقاربة التي سيكون طرحها أنجع بعدما يتطهّر بماء الثورة.
و الواضح في هذه النّدوة ذاك الحـــــسّ الخفيّ و غير الصّريح لدى بعض المسؤولين على الإعــــــــــلام و رموزه الحاضرين - و الذين عهدتُ أغلبهم يُعدّدون مكاسب الإعلام أيام عناية المخلوع الموصولة له، في ما كنتُ أسمعه عنهم - في تبرير أفعال مؤسساتهم أمام رأي عام- أصبح ذو زخم كبير- يتّهمهم بعداء خيارات الشعب. و قد لمست هذا الحسّ في مداخلات هؤلاء السادة كما في المحاورات التي كانت لي مع بعضهم على هامش النّدوة.
و إليكم ملخّص مداخلتي التي شاركتُ بها في هذه الندوة طبعا بعد شكر القائمين على تنظيمها:
" السلام عليكم...
إنّني و إن أنطلق من مقولة من سبقني على هذا المنبر، بأن الإعلام هو ضمير الأمّة... فإني أريد بدايةً الوقوف على معاني هذه الكلمات.. فالضّمير كما تعلّمنا في المدارس، هو ذلك الوازع الذي يَصرِف الفـــرد عن فعل ما حرّم الله و القانون و العرف و المجتمع... و بما أن التّواطُؤ مع الجلاّد يعتبر حراما و جريمة في كلّ الأعراف، فإنّ إعلامنا قد ارتكب هذا الجُرم بتواطئه مع الدّكتاتوريّة و مع النّظام البائد... و من هنا أُقرّ بأنه كان بلا ضمير... و بما أنّه كان كذلك لعقود طويلة، فكيف له أن يلبس جبّة الضّمير هذه الأيّام؟ خاصّة و أنّ القائمين عليه أيّامها، هم جُلّهم الذين يضطلعون بنفس المهمّة اليوم... فهل لفاقد شيء بالأمس أن يُحكّمه في عمله اليوم؟
فإعلامنا اليوم حسب رأيي،مصطفّ وراء خيارات سياسيّة ليست خيارات الأغلبيّة، و أقتبس هذا المُعطى من الانتخابات الأخيرة، و هو بذلك لا يعكس نبض الشّارع، بل يعكس رأي المخالفين لخيارات تلك الأغلبيّة... و من هنا أؤكد على أنّ الحياد في الإعلام مفهوم لا وجود له في نظري، و هو غير موجود في أعتى النُّـــــــــــظم الدّيمقراطية... بل يجب أن يكون عاكسًا لنبض الشّعب و لهمومه و لتطلّعاته، لما له من قوّة تأثيرٍ، و بالغ أثرٍ في الحياة العامّة لكلّ شعب."
فإعلامنا هذه الأيام هو إعلام أخرس و أعرج و مريض بأمراض مزمنة قد بدأت منذ خمسين سنة، و لا أراه يتخلّص منها إلاّ في حالات استثنائيّة شخصيّة بعينها.... و هنا و تقيّدا بعنوان الندوة من اعتماد الإذاعة نموذجا،أنوّه بما تبثّ إذاعة صفاقس من اهتمام برأي النّاس كافّة، عبر برامجها المختلفة عمومًا، و أنّها و منذ يوم 12-12-2010 قد اتّجهت نحو الشّعب مع كل ما يُمثّل ذلك من مغامرة بحدّ ذاته، و أنّها كانت صوتنا أيام الثّورة في نشاطنا المدني و الشّعبي. ولا يسعني و أنا على هذا المنبر إلاّ أن أشدّ على يدي هذه المؤسّسة العريقة لتُواصل في هذا المسار و تزيد من تكريسه، عبر إجراءات أخرى ننتظرها، كإبعاد بعض الأصوات المناشدة و المطبّلة للمخلوع و لزوجة المخلوع و لأصهار المخلوع، من أثيرها و هي الرّائدة بين مثيلاتها من المؤسّسات في هذا الجانب."
و قد ردّ الصّحفي بقناة الجزيرة "الحبيب الغريبي" بأنّ هذا المنطق قد يؤدّي بنا إلى إعطاء رأي لممثّل الأغلبيّة في إعلامـنا، و نصف رأي لممثّل الأقليّة، و هو منطق مرفوض. و ردّي عليه... أنّ المقصود أن يُعطى كلَّ ذي رأي عددا من الفرص يتناسب مع حجمه الحقيقيّ في المجتمع. فكيف بنا نرفض إعطاء فرصة لنصف رأي... و إعلامنا يمنع في الواقع فرصة واحدة فقط لمن يرشق له سهام الفشل قبل الامتحان؟
فتحي الزغل
ناشط مدني
-----------
وردنا المقال من دون عنوان، ولذلك وقع اختيار العنوان الأعلى من طرف محرر الموقع
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: