الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
لازالت بعض الصُحف تتحدث عن الثورة، وعن عَظمتها، وروعَة ما أفلح الشعب المصريّ في تحقيقه، ويكرّر هذه النغمة، ويغنّى على هذه الوتيرة. وهو أمرٌ مقصودٌ، يرادُ به أن يتركَ انطباعاً عند عَامة الشعب أنّ ثورتَهم قد تحققت، وأنها تَجنى بالفعل ثمارها، وانها نَجَحت نَجاحاً لا مثيل له.
ثم إذا نَظرنا بعين البَاحث المُحلّل، وجَدنا أن تلك أكذوبة أكبرُ وأمَرُّ من أكذوبة ثورة 52. فإن الجَهد الذي بذَله الشعب، والدم الذي أراقه فداءاً للحُرية، قد سَلبهُ المجلس العسكريّ، واستحوذ عليه، وجعله هباءاً منثوراً، لا فائدة منه إلا كلماتٍ تُطبع في الصحف، باتت تاريخاً وكأنه جزء من تاريخنا القديم!
ليس على أرض الواقع أي دليل على أنّ الثورة قد نجحت في تحقيق أي مطلب من مطالبها. مبارك ليس في محاكمة ولا شبه محاكمة. سوزان مبارك، الشيطانة التي من وراء كثيرٍ من الفساد، ومدبرة سيناريو التوريث، ووليه نعمة فاروق حسنى وإبراهيم سليمان، قد سَافرت على أعين الملأ، تلمْلم ثورة الشَعب المَغصوبة، وتَضمَنُ أمنها، ومنها بالطبع ثروة الطنطاوى وصحبه. الطَوارئ لا تزال في مَحلّها. أمن الدولة لا يزال عاملاً مرعباً للناس. الجامعات في هرجٍ واضطراب. المجالس المحلية لم يُنتخب بَديلاً لها. النائبُ العامُّ العميلُ لا يزال في مكانه يزيّف الأدلة لصالح النظام. الإعلام، تحت إشراف منافق جديد، أسوأ مما كان من قبل. الداخلية، وما أدراك ما الداخلية، فسادٌ وتوحشّ أشد مما كانت من قبل. القبط الخونة، وعلى رأسهم الكَافر العميل نظير جيد (المعروف بشنودة)، قد تغَوّلوا أكثر وأكثر، ولانَ لهم العسكر كما لانَ لهم مبارك، وصاروا يقتّلون الجنود دون خوفٍ رادع.
لماذا إذن الحديث عن الثورة؟ ولماذا الحديث عن مُنجزاتها؟ هو أسلوبٌ من التعْمِية والتدليس، يُراد به خداعُ الناس عن الحقيقة المرّة، أنّ انتفاضتهم قد خَمدَت، وأنّ ثورتَهم قد شُلّت، بفعل فاعلٍ أثيمٍ، مجرمٍ زنيمٍ، يتخفّى في زيٍّ عسكريٍّ، وبتواطئ مجموعة من الغرِّ المنتمين للإسلاميين، قادة ومشايخاً.
الحَدَثُ الذي نحن بصدده أكبر وأخطر مما يتخيّل الناس. الأمرُ أمر اغتيال أمّة. اغتيال أحلام أمة، ومستقبلها، وحضارتها، وثروتها، باغتيال ثورتها، أو شبه ثورتها. الأمر أمر ابتلاءٍ عامٍ من الله سبحانه لكلِ من هُم على الأرض، خاصة أرض الإسلام. الأمر أمر تاريخٍ يُشوّه، وماضى يُزيّف، ومُستقبلٍ يُنسَف. الأمر أمر أجيالٍ تُستعبَد وتُحتَكرُ وتُضَيّع. الأمرُ أمر فهم لحقيقة الواقع، لا تزييفه، ثم الركون الى التزييف، وإلى المُزَيّف. فما أبشعها من جريمةٍ يرتكبُها هؤلاء الخَونة القابعون على سُدّة الحكم، بلا ضميرٍ ولا خَشيةٍ، ويا لها من جَريمةٍ يرتكبُها الصَامتون المُتواطئون مع العَسكر. "أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـٰمُهُم بِهَـٰذَآ ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌۭ طَاغُونَ" الطور 32، بل هم قومٌ طاغون ومستبدون وكافرون وظالمون وفاسقون.
إنّ الحدثَ الجلل الذي تمر به الأمة، يُضارعُ ما حدث في عِشرينيات القرن الماضى، حين سقوط الخلافة. فالخلافة لم تسقط مرة واحدة، بل جاء السقوط حلقةً في سلسلةٍ من الأحداث التاريخية المعروفة. وما نرى اليوم إلا حلقة في نفس السلسلة، سلسلة تدمير الإسلام، وتدمير أهله وقيَمه ومبادِئه.
وما لم يَعى الناس حَجم هذا الذي تمرُ به الأمة، وما لم يستشرِفوا ما هو قادمٌ قريب، لتصيبنّنا من الله آزفة كآزفة الخلافة. ما لم يعد هؤلاء المغيّبين من القادة والمشايخ إلى أحلامهم، وإن لم يرَ الشباب مَوضعَ قدميه في هذه الجماعات والتجمعات، فإن الأمة ستمر بمِحنة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه. يومئذٍ لا يلومَن أحدٌ إلا نفسه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: