الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم
تلقيت مُعاتبة من أخٍ حبيبٍ، لحملى على الإخوان في عددٍ من مقالاتي، مما حملنى، مرو أخرى أن أُبين موقفى، وموقف من ينتمى لهذا الفكر الذي أحمل، من موضوع الخلاف المشروع، وحدوده ومجاله، وما يجب قبوله مما لا يتعدى على الحق، وما يجب رفضه ورده.
وأود أولا أن أذكّر بقولِ الله تعالى "وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ" التوبة 71. ثم أُذكر بما ردّدته قبل، من أنّ ظفر أحد الإخوان أو السلفيين يزِنُ، عند الله وعند الناس، كلّ من وطئ أرض مصر من اللادينيين العلمانييين، وليرجع من أراد إلى مقالنا تحت عنوان "السلفيون .. ولاءٌ وذمة" حيث قلت: " لكن، يجب أن يكون مَعلوماَ أننا ملتزمون بالدفاع عن إخواننا، من السلفيين، أو من الإخوان المسلمين، ضد هذه الهجمات الشرسَة من وسائل الإعلام، المُوجّهة من اللادينيين المتسترين وراء أسماءٍ مُسلمةٍ. فهى دعواتٍ تجتمع على كراهةِ الإسلام، وإبعاده عن الحَياة وإلغاء مَرجعيته في الدولة والمجتمع." هذا ما ندين به والحمد لله.
ثم أخرى، إن خلافَنا مع الإخوان أو غَيرهم، هو في طريق البحث عن الحقّ، وفي سبيل إعلاء كلمة الله، لا لأمر خاصٍ أو مصلحة شخصية. وهو ما يوجب على المُتخالفين من كلا الطرفين إمعان النظر في أدلة الطرفِ الآخر، لعلمهم أن الأمر أمر دليلٍ قبل أي شئ آخر.
وقد عرفت الإخوان مَنهجاً وفكراً، منذ دوّنتُ كتاب "حقيقة الإيمان"، مقارعةً لكتابِ "دُعاة لا قضاة" حُجة بحجة، وأشخاصاً منذ أيام مصطفى مشهور رحمه الله، وعبد المتعال الجبرى، الذي جرت بينى وبينه مناظرات في بيته في منتصف السبعينيات، رحمه الله تعالى، فقد كان كريماً مضيافاً. ولكن لم يكن ليَ قدَرٌ في التعرفِ على جيل الوسط من الإخوان كعصام العريان، الذي يَصغُرني بسنواتٍ عديدة، فصَلتنى عنه بعد أن تخرّجت من الجامعة في عهد عبد الناصر، ولم يكن دخلها بعد، والذي عُرف بتوجهه الصّوفي على طريقة بن عطاء السكندرى الشاذليّ.
نعم، نقدتُ الإخوان، وحمَلت عليهم، ورَددت ما قالوه من توَجّه عَقدىّ، في أمر الإيمان والتصديق، وفي أمر المُشرّع بغير ما أنزل الله سبحانه، ثم فيما ترتب على هذا الفكر من مواقف عملية، أحسبها لم تكن موافقهٌ لما عليه منهج السلف الصالح، أو موفقةٌ في تصحيح مَسار الدّعوة، قولاً او عملاً، وفي أمور الأخذ بالتصوف عمّن داخل حديثه عبارات من وحدة الوجود. لكنّ حدودَ الولاء، الذي هو شقّ التوحيد، كانت نَصب عينيّ على الدوام، أحزن أشد الحُزن لمُصَابهم، أو إعتقالهم، وأغضب أشد الغضب لما يُحاك لهم من مؤامراتٍ، من النظام المَارق عن دين الله.
ولم أكن بدعاً في ذلك التوجيه، فقد وجههم إلى التصحيح من هم أفضل منى وارفع مقاماً، واقصد العلامة المحدث أحمد شاكر وأخيه العلامة محمود شاكر، وكانا اشد عليهم من كلّ ما قلت، وغيرهم كثير من اعلام دعوة أهل السنة. فالدين، أحبائي، ليس فيه مجاملة ولا مداهنةٌ، وإنما فيه حقٌ وباطل، وفيه صالحٌ وفاسد، وفيه حلالٌ وحرام. الدين لا يعرف أمراً نصف حلال ونصف حرام! أو أمر نصف جائزٍ ونصفُ ممنوع. هذا لا يكون في دين الله. وهذا لا يعنى أن يرى المرء كلّ شيئ بمنظار الأبيض والأسود، فهذا التحديد هو في مجال المَبدأ والأصل. لكنّ مجالَ التصرّفِ تأتي فيه الحِكمة والتأنّي والتدرّج.
والنقد ليس كُرها، ولا عداءاً، إن كان بين أبناء الدين الخالص، لكنه إيثارٌ للحق على الخلق، وبيانً للحق بين الخلق، وإقامةٌ للحق في الخلق، ليس إلا. فلا يجب أن نتَحسّس من كلمة النقد، فمنه بنّاءٌ هدّامٌ، أما البنّاء، فهو ما يقدمُ دَليلاً، ويعرضُ بديلاً. وأما الهَدّام، فهو ما يقذف غِلاً، ولا يقدم بدلاً. وقد قاطع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، الثلاثة الذين خُلفوا.
ثم إنّ علماءنا قد علمونا أن الدليل الشرعيّ هو الحَكَمُ بين المسلمين، وأن الرجال يعرفون بالحق، لا العكس، وأنّ التقليد مذموم حتى للعاميّ، وإنما هو إتباع لا تقليد، وعليك بما دوّن بن القيم في رائعته "إعلام الموقعين عن رب العالمين" ففيه غنى عن غيره. لكن مع الأسف، يردّد كثير من الشباب هذه المَعالم الفكرية المنهجية، دون أي تطبيق لمفهومها على أنفسهم خاصة، وعلي جماعاتهم عامة.
وكثيرٌ من الإتجاهات الإسلامية، قد قلّلت من وَزن العلم الشرعيّ في مَناهجها، ورفعت في المُقابل من قيمة الحركة، مما ناسب الكثير من الشباب المتحمس النشط، وإن عاد على الحركة ذاتها بعيوبٍ قد لا يدركها إلا الناظر الخبير. وكان تحليلٌ ذلك عند كثير ممن نظروا في تاريخ الحركات عامة، حتى غير الإسلامي منها، أن ذلك يرجع اساساً إلى توجه القيادة، إن ضعف فيها قدر العلم، تسرّب ذلك الضعف إلى المستويات الأدنى، والعكس بالعكس.
وأبناء الإخوان، وأبناء السّلفيين، هم أبناؤنا، وشبابنا، ودماء حركة نهضتنا، ونبض دعوتنا. إلا إنهم يجب أن يكونوا ممن يستمع إلى الدليل، وهو الكتاب والسنة، لا قول أحدٍ مهما علا قدره، بما في ذلك حسن البنا او سيد قطب او من هم أجلّ منهما. فلا تقديس لبشرٍ مهما كان. إنما الأمر أمر إحترامٍ وتوقيرٍ، لا إنقيادٍ وإذعان.
وأنا أدعو شباب الإخوان وشباب السلفيين، أن يذكروا إننا، كُلنا، عبيدٌ لله، اتباعٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرُدّ عليه كلمة، ولا نقفُ من حديثه إلا مَوقف التسليم والطاعة، فلا نقول: لكن قال فلانٌ كذا وكذا، فهذا أمر لا يقبله دين ولا يرضى عنه إسلام.
ثم إننا نُكمل بعضنا البعض، فمن فهِم عن الله أمرٌ، شرحَه لمن لم يفهم، ومن حَقّق في الشريعة عِلمٌ، أدّاه إلى من لم يُحقق. هكذا المُسلمون، لا يتعالون على بَعضهم، ولا يُجادلون في الله بغير علمٍ.
هل يعنى هذا رفعُ الخلاف، وتَجاهُله؟ لا، فهو دين كما قلت، لا يحق لأحد التنازلَ عن الحقّ فيه. لكنّ حدود الخلاف ترتسم بالبيان، والمحاجة، والحوار، والإتفاق على قبول الدليل، لا قول الرأس بالتأويل. فإن جرى الناس على هذا المنوال، ورَضوا بهذا التوجّه والمقال، صَار إلى الحق من أخطأه، ورجع إلى المحَجّة من فارقها، من أي الفريقين كان.
وهذه دعوة إلى شباب المسلمين عامة، إخوانٌ وسلفيون وسنيّون، أن دعونا نلتقى على هذه المعاني، ولا ننحازُ إلى صفوف رؤوس إلا بالحق، بعد أن ينبلِج بالدليل، وطريق ذلك عقد حلقات دراسية مشتركة، تلمُ الشملَ وتبينُ الحق، ويكون شعارها "السّنة اولاً".
بارك الله في شَبابنا وهدى الجميع إلى الحق بإذنه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: