الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو كانت هناك ميزة واحدة لحركة 25 يناير، لكانت رفع الأضواء عن ذلك الفساد المُتوَطِّن، المُلتحف رداء "الفن"، بعد أن أصبح مخدّراً للشعب، وملهياً عن كافة حقوق الله والمجتمع، بل صار الناس يعيشون، فيما قبل يناير، إحتفاليات ومهرجانات متصلة متوالية لاتمت بصلة لما يعانيه الناس من خراب وفقر ومرض، تُنفَق عليها أمواله بالباطل، لتزيد من ثروات العَاهرات، العَاريات، وتزيد من فقر الشُرفاء من المواطنين الأبرياء.
ومِلف "الفن" في مصر لا يقل أهمية عن ملفات الفَساد التي كشَفت الحركة الغطاء عنها، فزكمَت رائحتها المُنتنة الأنوف، بل هي، فيما أحسب، تأتي على رأس هذه المِلفات، لما سَببّه ما أسمَوه "الفن"، ومن أسمَوهم "الفنانين"، من تدميرٍ شاملٍ لأخلاقيات الأجيال التى عايشَت هذه المَساخر المُنحطة، التي يسمونها بالأعمال الفنية والإبداعية.
لكن لم أر من تناول هذا الملف، على خطورته بحديث. وما أظن ذلك إلا بسبب أن اللادينيين العلمانيين لا يريدون فتحه بالطبع. أما الإخوان، فلم يفتحوه لسبب في نفس يعقوب، كما لم يفتحوا ملف كاميليا! ولا أريد أن أتقوّل عليهم. وأما السّلفيون، فهُم في دنيا غيرَ الدنيا. إلا أنّ هذا الملف ينخر فسَاده بشكلٍ يوميّ في خَلق الشَعب ودينه، في بيوت الناس وفى عُقول صِغارهم وكِبارهم.
صحيحٌ أن تصحيح هذه المظاهر اللادينية مرتبطٌ بتعديل المَرجعية العامة للدولة من العِلمانية إلى الإسلام، ومن ثمّ يكون المَنهج الإجتماعي متناسِبٌ مع القيم الإسلامية، وهو ما ليس مطروحاً على بساط البحث بجدية بعد، إلا إنه يجب التنبيه على مواطن الفساد التي تعملُ على تخريب القيم والخلق، وتهيئة العقول إلى ما قد يؤثر سلباً على الوصول إلى هذا الهدف ذاته.
وأهل الفنّ هؤلاء، مع إخوانهم من مُنافقى الإعلام، هم "سَحرةُ فرعون" الذين يزيّنون للناس غير ما يَجرى حقيقة على الأرض وبين الناس، يزيّنون الفاحِشة، ويُحسّنون الخنا والخيانة، ويُعطون الشَباب مُثُلاً هابطة، بعد أن طال تغييب عقله بهذا السُقوط المُزرى. هؤلاء هم من ينطبق عليهم قولُ الله تعالى: "إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلَْاخِرَةِ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" النور 19. هؤلاء هم أهل الفاحشة التي يدعو لها العلمانيون والليبراليون وما شئت ممن إنحلّ عن الخلق والدين، ليغيّبوا عقول الناس، ويغرقونهم في أوهام تتحرك على حوائط الأحلام. فهذه الأفلام الخسيسة والمُسلسلات الهَابطة، ما إلا هى توليفة شيطانية من المُخدّرات المَخلوطة بكل ذنبٍ عظيمٍ، من جنسٍ وخمر وعريٍ ودعواتٍ إلى العُهرِ والحياة البوهيمية، دعكْ من تفاهة الفكرة ورُخص العَرض وتدهور الإمكانيات وهبوط المواهب.
لا أدرى إلى متى سيظل إعلامنا اللادينيّ يتحدّث عن "الفن"، الذي يمارسه هؤلاء البشر، على أنه قيمةٌ حَضارية هادفة، أو أنه عملٌ يضع بلادَنا على عتبات الحضارة مع الدول المتقدمة؟ هذا الفن الذى أخرج لنا عادل إمام، مَسخرة الرجال، وجعله يسير بين الناس وكأنه زعيم حقيقيّ، محاطٌ بحرسٍ شديد من بغال الرجال، يحميه من .. والله لا أدرى مِمّنْ؟ وأخرج إيناس الدغيدى، التي لولا أنها مثال حيّ لما نقصده هنا من فضح الشذوذ والعهر الذي أنتجه نظام مبارك، ما أنجَسنا القلم بذكرها على هذه الصفحة. ثم أطنان من مثل هؤلاء، من الراقصات العَاهرات، والمُمثلين والممثلات، الذين يتبارون في إظهار أكبر قدرٍ من لحومهم للكلاب البشرية التي تطعَم عليها، بلا خجلٍ ولا حياء، بل منهم من يتحدث عن شذوذه ولوطيته كأنها تاجٌ على جبينه! وأخيراً رأينا مذيعة لادينية من قناة أون لاين، تحذر وتأسف لقرار رئيس الإذاعة والتليفزيون – والذي ورد أنه أنكره بالفعل! – بمنع الأفعال المُشينة من الأفلام والمُسلسلات! بل وتُقرّر المذيعة الساقطة، ريم ماجد، أن هذا القرار قد يكون مقبولاً بشرط أن لا يكون صادراً عن خلفية دينية، وتقول بالحرف الواحد "ربنا يستر"!! ولا ندرى أين تنبت هذه النبتات الشيطانية، وكيف يُسمح لهُم أو لَهُنّ بالحديث إلى ملايين المُسلمين بهذا الغثاء الكفرىّ؟
ويكفى أن نستمع لذلك الغُثاء الذي أفرزه علاء الأسوانيّ على برنامج "آخر كلام"، شاهداً على سقوط هذه العُصْبة من اللادينيين، حيث ذهب يبرّر مشاهد العِرى والإغتصاب بضرورة الإبداع وإيصالِ رسالة الفن، الذي يعكس الواقع إلى المُشاهد، دون تدخّل الدين في هذه "التفاصيل"، كما أسماها!
بل والأدهى من ذلك، أن هؤلاء الشياطين، لا ينشُطون كما ينشُطون في رمضان، شهر الصيام والقيام، شهر التقى والقرآن، فإذا هؤلاء الفجرة يتنافسون على إفسادِ صيام الصائمين، و تخريبِ دين المتدينين، وقد سَمعنا أن العام الماضى، تنافس على العرض حواليّ 250 مسلسل في رمضان!! يا الله! أي شيطانٍ أوعز لهؤلاء بمثل هذا الفجور؟ وأيّ قوى تدفع من وراء هؤلاء لتَجعَلهم قوة فَسادٍ طاغيةٍ، تمنع أية محاولة لتحكيم الخُلُق، وإعطاء الفرصة لإعمال الضمير والعقل، ولتمكين الناس من الصِدق في العمل، والجدية في البناء والأمانة في التعامل، كيف وهذا الفسق يمكر بهم مكر الليل والنهار؟ يتربي على ثقافته الصغير، ويترنح من خمره الكبير، والهارب من فساد الواقع إلى فساد الخيال.
ولا غروّ أنّ كان غالب هؤلاء الفاسدين ممن تصدّى للثورة أولاً، وبكى على مبارك ونظامه ثانياً، فقد حققوا في عهده الفاسد، وبفسادهم الداعر ما لم يكن يخطر لهم في بال. وقد تناولت صُحفٌ خبر أن أحد ساقطات "الفن" تقاضت خمسة عشر مليوناّ من الجنيهات عن عملٍ ساقطٍ! وهى، لمن أراد الحق، لا تصلح أن تكون أكثر من خادمة بارٍ في مَخمرةٍ صَليبية.
ولا ننسى أن هذا "الفن" كان محمِياً، بفاروق حسنى، اللواطيّ الشاذ، الذى فرض خربشاته على الناس كأنّها آثار مايكل أنجلو! فوزارة "الثقافة"، التي يفترض أن تنشر ثقافة الأمة وتعكسها في نشاطاتها، بما لا يتجاوز المتفق عليه والمَسموح به في دين الأمة. لكن نرى أن الخراب قد تعدّى إلى فتاوى بعض العُلماء الذين لهم حُضور وقوة، فأثـّر الواقع على فتاواهم، فقالوا بحلّ الموسيقى الوترية والغناء! وهو أمر مخيبٌ للآمال، ولكن، لعل تغيير الواقع يعيد هؤلاء إلى صَوابِهم في هذا الصدد.
وقل ذلك فيما أسموه "الإبداع الفكرى"، والذي لا يعنى إلا كتابة رخيصَة ركيكة، تتناول دين الإسلام بالتشويه، والذات الإلهية والمقام النبويّ، ومقامات الصحابة الأجلاء، بالقذف والتعدى. وهو ما يعكس في منطق هؤلاء اللادينيين الليبراليين الحرية المُطلقة والديموقراطية المَنشودة. وهو، في حقيقة الأمر، ليس إلا عُهراً فكرياً، ورِدّة عَقائدية، يجب أن يعاقب عليها بما يمليه دين الغالبية.
آن أوان الجدّ والعمل، والإحتراز ممن يريد هَدم الدين، والقضَاء على الثورة، سواءاً بالإبقاء على رُموز الفساد، أو بتخريب أخلاق ودين الصفوة الجديدة! آن أوان أن يسير المِصريّ المُسلم في بلده، لا يرى وجوها شَوّهتها المَساحيق، وأجساداً كشفت عنها المَلابس، مُعلقة في إعلانات بين السَماء والأرض، تعلن عن فضيحة مصر التي عيّرتنا بها الأمم، عن حق. وهو ما يستلزم فرضَ رقابة على القنوات الفضائية الخاصة في المَادة المَعروضة وفيمن يعرضها، لا لكبتِ حرية التعبير، كما يزعم هؤلاء المَلاحدة، بل لوضعِ حريةِ التعبيرِ في إطارٍ يراعى دين الأمة وأخلاقها.
ولا علينا من تلك الجَماعات الإسلامية التي تتلوّن مع الواقِع، وتصْطبغُ بصبغته، سياسة وتصَنّعاً، فإن الإسلام لا تتغير مبادئه وثوابته مع تغيّر الزَمان والمكان. وإختلاف الفتوى مع إختلاف الزمان والمكان والحال، الذي يتحدث عنها الفقهاء، لا يمت بصلةٍ لإباحة محرمٍ ثابت في الشرع إلا ضرورةً. ومحاولة مُسايرة "الفن" ومغازلة "الذوق العام" على حِساب تبديل حكم شرعيّ ثابتٍ، كتحريم المَعازف، هو خيانة لله ورسوله، لا مَحلّ فيه لفقهٍ ولا إفتاء.
الثورة، لمن يعرِف معناها، هي خروجٌ عن كلِ فسادٍ بكافة أشكاله، سواءاً كان فَساداً إدارياً أو مَالياً أو إجتماعيّاً، ومن أي شكلٍ مبتدعٍ ظهر في العهد الحديث، كعمل "الصّييّتة"، أى أصحاب الأصوات من المُغنين، أو دور الخيّالة، كما أسماها العرب، لمَا تحمله من خيال مريضٍ في جُلّ ما تَعرِض. ثم، في المَادة التعليمية النظيفة والأفكار المُصَورة الهَادفة، المَقروءة أو المسموعة أو المرئية، التي تحفظ الخُلق وترعى الدين، كفاية من هذا الهبوط الخُلقيّ المُفسِد.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
12-06-2011 / 12:55:49 رشيد السيد احمد
هل انت ضد الفن .. ام ضد الفن الهابط
لم توضح افكارك من تهاجم بهذه الطريقة سوى ما اسميته ( بالفساد الفنّي ) .. كما انّك تحدثت عن ( الفن الهابط ) كأنّ سبب هبوطه هم المصريون فقط .. التعميم في هكذا موضوع هو خطر .. تكاد تقترب فيه من فتاوى ابن باز ، و لفيفه ، و النظرة السعوديّة لما يسمى بالفنّ .. كم أنني احتجّ على لفظ ( صليبيّة ) في وارد مقالتك عن الخمّارة .. و اشكّ بأنّ المقصود منها .. مسيحيو مصر .. و بهذا تكون قد ذهبت بعيدا ، و انتقلت من توصيف حالة تعيشها مصر دون ان تطرح بدائل .. الى التحريض الطائفي المبطّن ...
8-06-2011 / 23:36:00 فتحي قاره بيبان
متى الثورة على الفن الهابط في مصر؟
أشكر الكاتب على مقاله.
لقد كانت مصر رائدة للعالم العربي في الفنون الحديثة وخاصة منها السينما. ولكن الانتاج السينمائي المصرى كله تقريبا إنتاج استفزازي إباحي خارج عن كل نطاق أخلاقي أو رسالة تربوية. والموضوع الوحيد المطروق هو علاقة الرجل بالمرأة في بعدها الشهواني الجسدى لا غير. والمادة الأساسية التي لا يجب أن تغيب عن أي فيلم هي تعرية مفاتن المرأة الجسدية أو تصويرها في أوضاع التلاصق الجسدي مع الرجل.
ويظن منتج الفيلم والعاملون معه، الذين يبدو أن عقولهم قد تبلدت في تصورات ساذجة وحمقاء نقلوها عن الغرب منذ بدايات السينما، يظنون أن المشاهد لا يقبل على فيلمهم إلا إذا كانت به مشاهد تثير فيه، خـيا ليــا، شهوة النكاح.
وحيث أن غاية هؤلاء من أفلامهم هي كسب المال لا غير. فإنهم يظنون أن المشاهد المثيرة للشهوة في النساء هي أفضل طعم يصطادون به المشاهد ويستولون على أمواله.
وإني إذ أعجب لشيء فكيف وقع هذا الأمر بمصر التي يوجد بها الأزهر الشريف وآلاف علماء الدين البارزين على مستوى العالم الإسلامي. وكيف قبل شعب مصر مشاهد الاستفزاز والانحطاط الاخلاقي لعقود وهي تبث يوميا في بلاده وفي غيرها من البلدان العربية.
إلى هذا اليوم وبعد ثورة الشعب المصرى تبث الفضائيات المصرية أفلام الدعارة والعرى والاستفزاز والدعوة للانحلال الاخلاقي والرذيلة،
إلى هذا اليوم تبث فضائيات مصرية أفلام الممثلين الفاسقين وهم يمارسون الدعارة والزنا وشرب الخمر وكل الفواحش والموبقات ويدعون إليها أمام المشاهدين جهارا وبكل وقاحة وجرأة واستهتار.
فيا عجبي لمصر ويا عجبي لشعب مصر ويا عجبي لعلماء الدين في الأزهر الشريف ويا عجبي لكل رجال مصر كيف قبلوا بذلك لعقود من الزمن وسكتوا عليه ولا يزالوا صامتين فهل من عجز ذلك وقد قدروا على الاطاحة بأكبر فراعنة هذا العصر ونظامه أم ماذا؟
12-06-2011 / 12:55:49 رشيد السيد احمد