د. طارق عبد الحليم
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6761
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعل من المُفيد، في هذه المَرحلة من التطوّر نحو الثورة في مصر، أن نعيد التأكيد على بعض النقاط التي يجب أن تستقر في وَعى المُخلصين من المِصريين العاملين على رِفعة هذا البلد، تحت راية القرآن.
1. أن التطابق الشَكليّ بين بعض المَطالب الشرعية الوطنية ومطالب العِلمانية الليبرالية أو القبْطية، لا يعنى أنّهما يتلاقيا أو يتوازيا أو يشتركا في الأهداف، بل يعنى أن "لكلٍ وجهة هو موليها"، فهؤلاء يطالبون بحرية تختلف عن الحرية التي يطالب بها المسلمون، وبمرجعية غير التي يرضاها المسلمون، وهكذا في كلّ من يُتوهم أنه من المُشتركات.
2. أن الهجمة الشرسة على نتائج الإستفتاء، التي تنص على إجراء الإنتخابات ثم تكوين هيئة مستقلة من الأعضاء المنتخبين لصياغة الدستور، هي هجمةٌ على دين الإسلام، يقوم بها محترفو اللادينية العلمانية في الإعلام خاصة، وفي المراكز "الثقافية" عامة، ليلتفوا حول حكم الأغلبية المتوقع، في نصر التحاكم إلى شرع الله، وحول الهوية الإسلامية للأمة.
3. أن إدعاء الإعلام، على قنوات التبشير اللاديني، من خلال كبار مُبشّرى اللادينية، مثل ريم ماجد ومنى الشاذليّ وجابر القرموطى وأمثالهم كثير، أن الشعب البسيط الأميّ ورجل الشارع، يتحدث لُغة غير اللغة الرفيعة التي يتحدثها اللادينيون، وأنّ "الفكهَاني" "وبائع الخضار"، بنصّ ما قالا في برنامج "مصر في أسبوع" مساء أمس الأول 27 مايو، يحتاج إلى لغة أخرى ليفهم عنهم ما يقولون، ويرضى بالعلمانية اللادينية بديلاً، هو إدعاء خَسيسٌ مغرضٌ لا دليل عليه من واقع ولا شاهدٌ من عقل. فالمسلمون المعارضون لهذا المنهج اللادينيّ هم من أكابر المُفكرين والكتاب والباحثين والمُثقفين، منهم الطبيب والمهندس والجامعيّ وحاملي الشهادات العليا، وغير ذلك من طبقات الشعب. ثم، ما الذي ينقِمه هؤلاء الأدعياء على البسطاء من الشعب العَامل، الذي يريدون غسل أدمغته بما يفقده دينه وهويته؟ ونبشر هؤلاء الأدعياء أن البُسطاء من الناس هم أقوى وأشد من يرتكز عليه الإسلام، دين البساطة والفطرة، وهم أشد شراسة في مقاومتهم مما يتخيلون.
4. أنّ الحركات الإسلامية، خاصّة التي تركز على تحقيق هَدفٍ محدد، وهو إجراء الإنتخابات في موعدها، وعدم الإلتفاف حول تدوين الدستور، لا يجب أن تتخذ من هذا ذريعة للتخلى عن كافة المَطَالب الأخرى التي لا تقل أهمّية لجموع الشعب، مثل التطهير الحقيقيّ والشامل للمؤسسات والهيئات والجامعات والإعلام، وإطلاق الحريات، وتقييد عمل الأمن الوطنى (أعنى أمن الدولة)، ورفع قوائم الممنوعين حقيقة لا إدعاءاً. والحقّ أن هذه الجَماعات ستظل تعمل من منطلق أحاديّ، يترفّع عن الشعب، ويتعامى عن مطالبه، مما يجعل إختيارهم للتمثيل الشَعبيّ أو الرئاسيّ مَشكوك في جَدواه، خاصّة لتبنيهم العَقلية العَسكرية الآمرة الناهية داخل مؤسساتهم القائمة. ولا يأمن أحد إن كان هؤلاء أفضلُ في مجال تطبيق الحُريات العامة من النظُم الديكتاتورية. ذلك أنهم لا يرون الشُورى إلا بين أعضَاء مجلسٍ بعينه، ضَاربين عَرْضَ الحَائط بالقاعدة العَريضَة لأعضائهم.
5. أن مبدأ "طاعة وليّ الأمر" في غير محلها، الذي تتبناه بعض الجماعات الإسلامية، سَتظلّ تُعرقل أداء هذه المجموعات، وتمنعها من أن تقدم إية إضافةٍ حقيقيةٍ للعَملية السياسية الإسلامية.
6. أن الوقوف في وجه ديكتاتورية العَسكر واجبٌ للحُصول على الحرية الحقة، دون مُحاكماتٍ عسكرية أو إعتقالات مريبة.
7. أن التنطّعَ المُتواطئ في محاكمة رؤوس الفساد، يعطى الفرصة كامِلة لفروعه أن تستعيد قوتها، وهو بالضبط ما تريده القوى التي تسوق مصر اليوم لقدرٍ معلوم، يَتخذُ فيه الفَسَاد شَكلاً مُختلفاً.
8. أن ما ظهر في مَطلب الجيش وضعَ بند خاص به بالدستور، يخرجه من تحت المِظلة البرلمانية وطائل المُساءلة، ليكون الجيش مؤسسة مستقلة تمثل تهديداً قائماً دائما للنظام الديموقراطيّ على طريقة الأتراك، ويضَعُه على رأس الحكم "من الباب الخلفيّ"، يُظهر غَفلة تلك الجَماعات الإسلامية التي تظن أن الجَيش سَيترك السَيطرة على مُقدرات الدولة لحُكم ديموقراطيّ أو إسلاميّ حقيقيّ.
9. أن إسترداد المَال المنهوب، بواسطة المَخلوع وأسرته وأعوانه، بدلاً من مُعاملتهم كملوكٍ مخلوعين لا كلصوصٍ مُحترفين، أولى وأقرب من التسوّل من دول الغرب التي ستثقل كاهِل مِصرٍ بديون لها فوائد باهظة، ولا ندرى كيف ومن وكلّ شرف أن يترك مال الشعب مكدساً في أيدى الغرب وأمراء الخليج، ثم يذهب ليستجديهم المُساعدات المشروطة؟ أي منطقٍ هذا؟ هذه هي الخيانة بعينها، وهؤلاء الضِّعاف المُستذلون من "الحُكام الإنتقاليين" هم من يَسوقننا إلى مَهلِكِنا.
10. أن الثورة تعنى التغيير الشَامل في كلّ مناحى الحياة، وأن يكون التغيير قوياً سَريعاً سَاحقاً، لا يتلجْلج ولا يتعَثـّر، وهذا بالضبط عَكس ما نرصُده فيما أسموه ثورة 25 يناير، والتي بَاتت إنقلاباً على حُكم مبارك لا على نظامه، لا أكثر ولا أقل. وهؤلاء المَخدوعين في بعض مَظاهر التغيير الصُورىّ، لا يَعُون مَعنى الثورة، ولا يعرفون تاريخ الثورات، كالثورة الفرنسية أو الأمريكية، ولا يقدّرون أن الثورات لا تُمْهِل ولا تتلكّأ. أشباه الثورات فقط هي التي تتراخى وتتلَكعْ.
هذه النقاط تمثل قاسِماً مُشتركاً بين كلّ من له توجّه إسلاميّ، وفكر منطقيّ، مع إختلافٍ في نوعية رُدود الفعلِ عليها. وهي ما يجبُ أن يكون مَرصوداً ومَحسوباً في كلّ معادلةٍ توضَع من أجل التقدّم بهذا البلد في سَبيل الحُرية والثورة الحقيقية، التي لم يُدقُ ناقوسها بعد.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: