البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

إذا أتاك حديث المدارس الخاصة التونسية

كاتب المقال د.الضاوي خوالدية - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3775


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لقد صادف أن دخلت المدرسة الابتدائية بُعيْدَ خروج المستعمر المباشر وتولي بورقيبة الحُكم وإعلانه الإصلاح التربويّ 1958 إصلاحا علمانيّا ذا توجّه غربيّ ثقافيّ إيديولوجيّ مناقض لهوية تونس حتى أنّ واضعيه خبراء فرنسيون،اعتقادا منه أنّه سيُنشِئُ جيلا فرنسيّ العقل بورقيبي الهوى.

لكن ما كادت الستينات تنتهي(1968) حتى اكتشفت خلايا سياسية (آفاق- عامل تونسي) وبعض القوميين معارضين للمجاهد الأكبر، مطالبين بالحريات، فصُدم بورقيبة صدمةً عنيفةً آمرا بإعادة النظر في الإصلاح التربويّ. ومنذ ذلك الحين إلى نهاية الثمانينات والنظام التربوي يصدق فيه مثل سروال عبد الرحمان! ثمّ جاء إصلاح محمد الشرفي بأمر من بن علي، لكن تصور الإصلاح وأهدافه منبثقان من تفكير هذا الوزير اليساريّ (مجلة آفاق) مدعومًا ومؤيدا من رفاقه في باريس والجامعة التونسية. ولعلّ أقلّ ما يمكن ملاحظته في هذا الإصلاح مسخُهُ الهوية وتجديفه بالثقافة الأم وقيمها. ومما أتذكره أنّ منشورا من وزارة التربية وُجّه إلى المعاهد يطلب من الأساتذة إبداءَ رأيهم، لكن الغريب في الأمر أنّى زرت بعد يوم من وصول منشور الاستشارة مديرا صديقا لي فوجدته يلخّص الاستشارات، فقلت له لقد وصلت إلى المعاهد أمس فقط، إذن فماذا تلخّصُ؟ فقال لي ليس ذلك مهمّا،لأنّ السيد الوزير ورفاقه على وشك إتمام الإصلاح.والتقيت بعد يومين بأحد رفاق الوزير فقلت له: أين وصل الإصلاح؟ فقال لي:كدنا نفرغ منه، وهذه عناصره الأساسية:

- المعاهد النموذجية خاصة بأبناء الطبقة المتوسطة، ووظيفتها إعداد إطار تدريس وإدارة.

- المعاهد الفرنسية وبعثتها في تونس يؤمها أبناء الطبقة العليا الذين سيكونون وزراء أو رؤساء لتونس.

- الطبقة الشعبية الداخلية يتوجه أبناؤها إلى المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية كي يصبحوا عمّالا مختصين في معامل المستثمرين الأوروبيين الموعودة.

إنّ هذا الحيف والتمييز مع ما سبق ذكره من مَسْخٍ حضاريّ وتجديف بالدين ولائكية جعلت تونس أكبر مصنع للتطرف الإسلاميّ والسلفية الجهادية وأخواتها القراوسطية. وأخذت البلاد تنهار بسبب الفساد والتهريب والمافيا حتى أوشكت على السقوط النهائي،فثار الجياع البائسون، لكن المافيات والفَسَدَةَ تحيّلوا عليهم مُعلنين أنّ بن علي هرب، فظنّ البؤساء أنّ أبواب الجنة قد فتحت، وهم لا يعلمون أنّ جماعة بن علي رجعوا بقوة أكبر.

إنّ هذا الانهيار عهد الزين وأيام الثورة المخدوعة قد دمّر الطبقة المتوسطة، فأصبحت هي والشعبية صِنوين، وساد الفسادُ، فكانت سياسة تدمير كلّ قطاع عام في تونس وخصخصته، من ذلك جعلوا مدارس التعليم العام والثانوي والجامعيّ غير قابلة لأداء وظيفتها. فكان البديل المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة التي لا يقدر على وُلوجها إلا أبناء الفَسَدَةِ المهربين، لكن الناظر في برامج هذه المؤسسات الخاصة يجدها مضرّة حتى بأبناء هذه المافيات السائدة في هذا البلد المسكين.

تمّ ذلك في سياق تذمّر من كفاءة المدرسة العمومية وتراجع مستواها، تذمرا أفضى إلى البحث عن بدائل "مرضية" تضمن تعليما "متوازنا" للأبناء ولو كان مُكْلِفًا مُختلا. وقد تنبّه رأس المال لهذه الرغبة الملحّة، وسارع إلى الاستثمار فيها، ممّا ضاعف عدد المؤسسات التعليمية الخاصة، من ذلك أنّها بلغت سنة 2010-2011 109 مؤسسة، وتضاعف عددها سنة 2015-2016 ليبلغ 324 مؤسسة.

ولعلّ أبرز ما يمكن ملاحظته في منظومة التعليم الخاص ما يلي:

- ارتفاع التكلفة: التعليم الخاص تعليمٌ مُكلفٌ للأولياء، فهو يناهز 2000 دينار سنويا للتلميذ الواحد.
- إنّه مؤشر على الانتماء الطبقيّ والاجتماعيّ.
- إنّه يضرب مبدأ المساواة من أساسه، إذ يُعيد إنتاج النخب على أساس طبقيّ.
- جودتُهُ نسبيةٌ، وهي مُتفاوتةٌ بحسب المؤسسات: موقعُها وخدماتُها ونسبةُ مواردها وبرامجُها البيداغوجية.
- يضمن مرونة في الارتقاء وحظوظا أوفر في مواطن الشغل.
- فقّر التعليم الخاصّ المدارس العمومية من التلاميذ النجباء ممّا جعل مستوى المنافسة يتدنّى.
- قلّل التعليم الخاصّ من مكانة المعلّم وهيبته إذ صار مجرّد موظف في مؤسسة تجارية عليه تحمّل سلطة مُسيريها وتدلّل تلاميذها.
- صارت المعرفة وشهاداتها سلعةً مُعَيَّرَةً طُلاّبها كثرٌ.
- تنامى عند تلاميذ التعليم الخاص شعورٌ بالتفضّلِ على المدرسة والمدرّس باعتبارهم عِمادُها ومصدر تمويلها، فتنامى تبعا لذلك تنمّرهم وتطاولهم عليها.
- كثيرا ما عِيبَ على المدارس الخاصّة حرصها على كمّ التلقين لا كيفيته واعتمادهم على كتب فرنسية في الغالب لا تتناسب والبرامج الوطنية.

وإلى ذلك كلّه بدت وتيرة تطور المدرسة العمومية بطيئة جدا، فتنامى التنبّهُ إلى نقائصها معرفيا وبيداغوجيا وتسييريا ناهيك عن معمارها وشروط السلامة فيها.






 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، المدارس الخاصة، التعليم،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 14-07-2017  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  أيصحّ إطلاق لفظة "دولة" على الحكم في البلاد العربية؟ تونس الحديثة نموذجًا
  السحرُ بلية الشباب التونسي الثالثة
  مرض تونس العضال انقسام شعبها بين هويتين
  تونس بعد الثورة المجهضة بين حكام أمس وتوافقيي اليوم
  من معالم الإبداع في الفكر البورقيبي في الاقتصاد: السياحة
  إذا أتاك حديث المدارس الخاصة التونسية
  ما أجهل و أسخف من تجرأ على نقد بورقيبة !
  من هو الشعب الضحية الثالث في العالم؟
  قمة الأعراب أيأست العرب و أضحكت غيرهم
  أسلحة استئصال الإرهاب
  أمراض تونس الخبيثة :طبقة حكم و تلوث و عنصرية
  الشعب التونسي في صور من شعر الشابي
  أمثال تونسية تصور نخبة حكم بلادها
  حكاية لقب: بن متيشة أو بن تيشة؟ حكاية مثل: من أشبه "جده" فما ظلم!
  رسالة إلى السيد وزير الثقافة : الثقافة الثقافةَ "إن سر تخلف تونس يعود إلى قتل الأفكار و إفساد الأخلاق و موت الكتاب و مسخ الهوية"
  صالحونا يا كبراء الثورة المضادة المجيدة
  النخب العربية مريضة ثقافة و أخلاقا النخبة التونسية نموذجا
  حج التونسي الأغلى و الأشق و ...
  ومن التنازل ما قتل تعليق على منزِّه سياسة النهضة من الزلل
  في أسباب فساد نظام الحكم في تونس " الحديثة"
  مأساة تونس منذ 814 ق.م، الحكام ملهاة الحكام منذ 814 ق.م، تونس
  رسالة عاجلة إلى مؤرخي تونس في ذكرى الجمهورية الفاشلة
  الفسدة يٌستأصلون
  المتلوي عاصمة مناجم الفسفاط تُباد
  أحزابنا ثلاثة أصناف : صنف جثة متعفنة و صنفان يعظمان في السر و يصغران في العلن
  الفساد و الإفساد الحداثيان نعمة خُصت بها تونس
  فلسطين المثخنة بالجراح بين أبطال عزل و دياييث و أشرس عدو
  إلتماس إستعطافي من رجال إعلام "تونس" الحداثي...
  بورقيبة و الاتحاد العام التونسي للشغل أو إعقام حركة التحديث في تونس
  مرضا النخبة "التونسية" الخبيثان: الوصولية و الضحالة الفكرية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الياسين، أنس الشابي، محمود طرشوبي، د- محمد رحال، طارق خفاجي، د- جابر قميحة، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، مراد قميزة، د. عبد الآله المالكي، محمد اسعد بيوض التميمي، مصطفى منيغ، محرر "بوابتي"، أحمد الحباسي، صالح النعامي ، أحمد النعيمي، فوزي مسعود ، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، صلاح المختار، عواطف منصور، فتحـي قاره بيبـان، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، وائل بنجدو، نادية سعد، تونسي، د - محمد بنيعيش، صلاح الحريري، د. أحمد بشير، أبو سمية، سليمان أحمد أبو ستة، صفاء العربي، سعود السبعاني، رافع القارصي، صفاء العراقي، جاسم الرصيف، عمار غيلوفي، يزيد بن الحسين، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفي زهران، أشرف إبراهيم حجاج، كريم فارق، د - عادل رضا، إياد محمود حسين ، سامر أبو رمان ، عبد الله الفقير، يحيي البوليني، صباح الموسوي ، د. خالد الطراولي ، د- هاني ابوالفتوح، ضحى عبد الرحمن، رضا الدبّابي، رمضان حينوني، د- محمود علي عريقات، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الرزاق قيراط ، إسراء أبو رمان، خالد الجاف ، أحمد بوادي، أحمد ملحم، الناصر الرقيق، منجي باكير، حسن الطرابلسي، د - الضاوي خوالدية، بيلسان قيصر، محمد يحي، حسن عثمان، عبد الله زيدان، عزيز العرباوي، كريم السليتي، محمد عمر غرس الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فهمي شراب، د - مصطفى فهمي، الهيثم زعفان، المولدي اليوسفي، خبَّاب بن مروان الحمد، عمر غازي، د. أحمد محمد سليمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - المنجي الكعبي، الهادي المثلوثي، إيمى الأشقر، سفيان عبد الكافي، علي عبد العال، محمد علي العقربي، المولدي الفرجاني، ياسين أحمد، د - شاكر الحوكي ، طلال قسومي، حميدة الطيلوش، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلوى المغربي، محمد الطرابلسي، العادل السمعلي، محمود سلطان، محمود فاروق سيد شعبان، رشيد السيد أحمد، سامح لطف الله، سيد السباعي، ماهر عدنان قنديل، محمد العيادي، عراق المطيري، مجدى داود، رافد العزاوي، أ.د. مصطفى رجب، د. مصطفى يوسف اللداوي، علي الكاش، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سلام الشماع، فتحي العابد، د - صالح المازقي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، عبد العزيز كحيل، د. ضرغام عبد الله الدباغ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز