ومن التنازل ما قتل
تعليق على منزِّه سياسة النهضة من الزلل
د.الضاوي خوالدية - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4076 Dr_khoualdia@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أنا قومي عربي ثقافة (بعد أن كنت قوميا إديولوجيا) أؤمن بأن لا قومية عربية دون إسلام ولا إسلام دون عروبة وبأن الفصل بينهما خور ذهني هدام وأنهما الوحيدان مندمجان يحملان في أحشائهما خلاص الأمة العربية الإسلامية لو وجدا الطبيب الماهر لتوليده منهما وبأن حضور الإيديولوجيا القومية أو الإسلامية أو الماركسية ... دون أساس ثقافي متين عمى بصيرة وتغييب عقل.
إن هذا العمى الملاحظ لدى المتأدلجين التونسيين لمرئي شيء منه أو بالأحرى عشا لدى الصديق بحري العرفاوي الذي هو صديقي أيام كنا على مقاعد الدراسة (إن لم تخني الذاكرة) المعروف بالاجتهاد غير أن ما كتبه على صفحات جريدة "الضمير" العددين الأخيرين أثار استغرابي لأنه برأ ونزه وعصم سياسة حزب النهضة من كل خطإ أو بالأحرى ذنوب كبيرة، وهذا الحكم التنزيهي لا يصح إسلاما لأن الإسلام يؤمن بالعقل والحرية أي الاختلاف ونسبية الحقيقة (إذ السياسة صراع أفكار فمشاريع...) ولا ممارسة سياسية نهضوية منذ قلب جبهة الإنقاذ الترويكا واستعادتها ملكية رقاب شعب بتمامها وكمالها (رجع الدر إلى معدنه واستعاد الملاك ملكيتهم وعاد الكراي كـــرّاية !) إن من كبائر حزب النهضة السياسية والوطنية التي آلمت كثيرين من النهضاويين رغم جهد بعض قادتهم في التبرير والتنزيه وقول المنغصين منهم: الضرورات تبيح المحظــــورات وسقطت في أيدي متعاطفين كثر:
• إعلان هذا الحزب أنّ تنازله للنداء يخدم الوطن سلما وسلامة وثورة وتمشيا ديمقراطيا واقتصادا... أغاب عن كبار قادة النهضة أن الحزب الذي توافقوا معه أو تحالفوا سليل حزب الدستور وحزب التجمع اللذين صنعا متعمدين بثلثي تــــــــونس ( القصرين وقفصة والكاف وسيدي بوزيد وجندوبة...) ماهو مشاهد الآن: لا مستشفيات صالحة ولا طرقات صالحة ولا مدارس صالحة ولا مياه صالحة ولا بيئة صالحة... فكانت الأمراض الخبيثة والأوبئة والأمية والجوع... أحزب أبواه المذكوران وحاضنوه الفسدة المهربون نهابو الثروات الوطنية مستحلو أموال البنوك... يمكن أن يخطر ببال قادته مصلحة الوطن والمواطنين ومستحقات الثورة والعدالة الانتقالية...إن رسالة هذا الحزب تكريه الناس في الثورة وتحميل الثورة كل مآسي تونس وتحميل الترويكا التي حكمت أقلّ من عامين مسؤولية الخراب الذي عرفته تونس طيلة ستين سنة من حكم الدستور والتجمع...
• مجاراة الحزب الحاكم ذي "الأغلبية" في خياراته اللاوطنية التي منها المصالحة الاقتصادية التي تطورت إلى مصالحة شاملة والتي لا تعني غير شطب هيئة الحقيقة والكرامة من الوجود وإيقاف كل تمش هادف إلى إقامة مؤسسات تحصّن الشعب من الاستبداد والفساد وتحارب كل المجرمين في حق الوطن والشعب في الماضي والحاضر والمستقبل.
• تطليق الثورة والشارع الثوري.
• نسيان الزنزانات والمنافي ومئات الشهداء بل مد يد المساعدة القوية لحزب النداء أي الدستور والتجمع اللذين نكلا بالاتجاه الإسلامي ثم النهضة سليلته.
إنّ "تأويلي" لأسباب ارتكاب حزب النهضة هذه الكبائر السياسية التي الممت ببعضها ليختلف عما ذهب إليه صديقي بحري العرفاوي، فمواقف الحركات الإسلامية العربية ذات المرجعية الحنبلية متذبذبة إذ الحنابلة بدءا بابن حنبل وليس انتهاء بمحمد بن عبدالوهــاب والمتأثرين به لا "يرون" الحاضر/الآني مهمّا لذا يمكن التلاعب بقضاياه لأن المهم هو الماضي سلف القرون الثلاثة الأولى لذا كل إسلاميي القرن العشرين ومطلع هذا القرن قد كانت لهم تنازلات سياسية (الوهابيون، المهديون، الإخوان المسلمون، جماعة التكفيــــــــر والهجرة، القاعدة...) إن حزب النهضة ليحاول جادا أن يتخلص من هذا الإرث الثقيل لكن ليس بقرار مؤتمر يتحول مجلو النقل ومعادو العقل إلى عقلانيين ووعي حزب النهضة الحاد بعد تجربة الحكم بأن الإسلاميين لم يتأهلوا بعد لحكم دولة جعلهم يبقون في الظل متنازلين عن كل شيء ريثما يتوفرون على آليات الحكم النظــــــــــــــــــرية والمشـاريعية والتسييرية... وتحقق حزب النهضة المغادر للتو الزنزانات والمنافي وساحات الإعدام أنّ عدم الانحناء لنظام حزب الدستور والتجمع الماسك برقاب كل شيء في تونس المدجج بالمال والإدارة والدعم الخارجي... لا يعني غير انقلاب دموي على الطريقة السيسيــــــة ( وهذا معلن أيام جبهة الإنقاذ) وأختم، خوف الإطالة، بالقول لصديقي بحري العرفاوي إن النداء قبل "التوافق" مع النهضة لحل مشاكله وضرب خصومه ومحاصرة النهضة ذاتهــا وأن الناس في الشارع يقولون: لن نثق في النهضة بعد اليوم إلا بشروط منها:
- إجبار النهضة النداء على تقديم كل فاسديه ومهربيه وناهبيه ورافضي القيام بواجباتهم الجبائية طيلة 60 سنة إلى المحاكمة.
- إكمال بناء كل المؤسسات التي لا مجتمع ديمقراطية ولا عدالة ولا حقوق ولا واجبات ولا إنسانية بدونها وتفعيل هذه المؤسسات طبعا.
- سن قانون التمييز الإيجابي بين الجهات والولايات وتنفيذه حالا لرد الحقوق إلى الذين سلبت منهم طيلة أكثر من نصف قرن.
فإنجاز هذه الشروط قد يكفر عن ذنوب حزب النهضة المتمثلة خاصة في إبقائه، أيام حكمه، أشرار الستين السنة الماضية طلقاء فرحين مسرورين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: