مُناورات عسكريّة شرق المتوسّط ... روتين عسكريٌّ أم رسالةٌ إستراتيجيّة؟
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4216
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تناقلت وسائل الإعلام الأنباءَ هذه الأيّام عن مناورات عسكريّةٍ بحريّةٍ ستجريها روسيا في منطقة شرق المتوسّط. مناوراتٌ وُصِفت بأنّها الأضخم في تحرّكات الجيش الرّوسي منذ سنوات. ممّا يطرح السّؤال عمّا إذا كانت هذه المناورات هي إجراءٌ روتينيٌّ عسكريٌّ غايته الرّفع من جاهزيّة الجيش كغيرها من المناورات، أو أنّها لا تعدو أن تكون رسالةُ إستراتيجيةُ في ضرف عسكريٍّ للمتدخّلين في الملفّ السّوري من القوى الكبرى في الإقليم و في العالم عامّة، لا سيّما و أنّ هذه المناورات ستكون في عرض البحر المقابل مباشرة للسّواحل السّورية.
فقد بدأ النّظام السّوري يخسر أوراقه الدّاخلية واحدةً تلو الأخرى منذ قيام الثّورة عليه و على حكمه. و هو الذي ما كان له أن يَصمُد طوال هذين العامين لولا السّند الرّوسي و الإيراني و من بعدهما الصّيني له. سندٌ تقاسمــته هذه الدّول و وزّعت أدواره بينها. فكان أن تولّت إيران المساعدة على الأرض بما لديها من حضور علني و سرّي في هذا البلد، وتولّت الصّين المساعدة في المنابر الدّولية و خاصّة مجلس الأمن الدّولي بما لديها من قدرة على إجهاض كلّ قرار قد يصطبغ بصبغة عسكريّة، و جمع الاتحاد الفدرالي الرّوسي هذين المُهمَّتينِ في سياسته فكان لاعبا نشيطا لفائدة النّظام السوريّ داخل الملعب السّوري و خارجه، سياسيّا و لوجستيّا.
و قراءتي لهذه المناورات لا تشذّ عن توزيع الأدوار هذا... إذ تقوم روسيا بالمهمّة التي لا تستطيع الدّولتين الأُخرتين القيام بها. فالصّين لم تعُوِّد العالمَ على الذّهاب بعيدا لتعلن عن نفسها عسكريّا بإجراء مناورات- التي و إن كثر عددها هذه السّنوات- فإنّها تشترك كلّها في أنّها لم تتجاوز الحرم الصّيني أو منطقة جنوب شرق أسيا. كما أنّها لم تُعوّد العالم على الرّسائل العسكريّة في القضايا الدّوليّة، و اكتفت بممارسة هدا الأسلوب مع جيرانها فقط. أمّا إيران فلا يُمكنها تحويل قطعها البحريّة أو جزءٌ من قُوّاتها العسكريّة خارج حدودها الإقليمية و حدودها الجيوسيساسيّة، لأنّها لم تصل إلى تلك المرحلة من القوّة بعد، و بحُكم تربّص أعدائها بها في عُقرِ دارٍها، و اعتبارها لنفسها في حالة استعدادٍ دائم لهجوم عسكريّ ما انفكّ الكيان الصّهيونيُّ يُطبّل له منذ سنوات، وقد يقع في أيّ وقت و في أيّ ساعة.
و الرّسالة التي سيقرؤها اللاّعبون الإقليميّون و الدُّوليّون الدّاعمون للثّورة الشّعبية في سوريا، هي إمكانيّة دعم الرّوس للنظام السّوري عسكريّا إذا حصلت إمكانية تدخّلهم عسكريّا ضدّه، خاصّة و أنّ عديد الأطراف السّوريّة و غير السّوريّة تنادي بهذا التّدخل في أروقة و كواليس السّياسة الدّولية على الأقلّ في مستوى فرض منطقة حضر جويّ في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحرّ في الشّمال و الجنوب.
إلاّ أنّي لا أعتبر هذه الرسالة بالقوّة التي كانت ستُقرَأُ بها لو كانت هذه المناورات في الأشهر الأولى لاندلاع الثّورة الشّعبية في سوريا، إذ يعلم العسكريّون و المختصّون في الشّأن العسكري، أنّ مناورات كهذه لن تُغيِّر أيّ وضع على الأرض داخل سوريا، و لو طلب النّظام ذلك. حيث لا يخفى أن لروسيا قاعدةً عسكريّةً كبيرة في مدينة طرطوس السّوريّة السّاحليّة، و كلّ تحرّك عسكريٍّ يكون قد وقع سرّا لا محالة، أو سيقع مستقبلا، سيكون محوره ختما تلك القاعدة في الساحل، لا وجودٌ عسكريٌّ ظرفيٌّ في العمق البحريِّ للبلد. لما يتطلّبه التّدخل في مثل هذه الحالات من سرعةٍ و نقطةِ ارتكازٍ، الشّرطان الذين لا تُوفّرهما مناوراتٌ بحريّةٌ و إن عظُمت. علاوةٌ على أنّ الوضع على الأرض يتطوّر كلّ يومٍ في اتجاه يُضيِّق هامشَ مناورات الرّوس العسكرية. إذ تتناقل وسائل الإعلام يوميّا إحراز الجيش الحرّ مزيدا من التّقدم الميدانيَّ بسيطرته على مزيد من المناطق و الحواجز و الثّكنات و المطارات في سوريا.
و عليه فإنّ هذه الرّسالة الرّوسيّة قد تكون بحقّ مضمونة الوصول لمن تريد روسيا تحذيرهم... إلاّ أنّها في تقديري رسالةٌ بخطٍّ رديء أفقدتها أغلب معانيها، لأنّها و بكل بساطة لا تحمل في طيّاتها ... أيّ جديد.
------------
فتحي الزّغـــــــــــل
محلّل سياسي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: