فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4479
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نحن نستذكر كلّ سنة في مثل هذه الأيّام ما أصبحنا نُطلق عليه مقاومة التّطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب. و تهبّ دائما في مثل هذه الأيّام من كلّ سنة القوى و الفعاليّات الغيــــورة على قضيـــــّتنا الأمّ - القضيّة الفلسطينيّة - فترى نشاطها الفاضح للمطبّعين و لكشف مظاهـــــر التطبيع منحسرا في النّدوات و الاجتماعات لقلّة ذات يدها، و لعدم اهتمام أغلب مؤسساتنا الإعلاميّة بهكذا موضوع، أو لأقل لتجاهلها إيّاه لأنّ... "المجراب تاكلو مناكبو"
لكنّي أصبحت ألمحُ سلوكا و تسمياتٍ تُحيل حتما إلى بداية التّطبيع في إعلامنا و في نقاشاتنا و في أثرنا المكتوب و حتّى في خطاباتنا المحسوبة على رفض التّطبيع، و أقصد تماما تسمية الكيان الصهيوني عند تعرّض أغلب النّاس له ، و المصيبة أنّ منهم المثقفون. فيسمّونه بكلمة "إسرائيل" و ذلك خطر دلالي كبير في نظري. لأنّ استعــمال هذه الكلمة بتلك الطّريقة المفردة هي انتـــــــــصار لجهود التّطبيع و لمحاولات الدّخول التّدريجي في الوعي الاجتماعي للشّعوب العربيّة من خلال التّسلّل إلى اللغة المستعملة الدّارجة اليوميّة و الأكاديمية، و في ما بين هاتين الدّرجتين من الاستخدام بين مستعمليها.
و لأفسّر أكثر، فذلك المصـــــطلح لم يكن يُطلق أبدا على ذلك الكيان منذ اغتصابه لأرضنا إلى العقود الأخيرة في السّتّــــينات و الّسبعينات و الثّمانينات، إذ كانت التّسمية دائما "الكيان الاسرائيليّ" . أمّا اليوم، فبعضُنا لا يجد حرجا في نزع كلمة كيان (المتداولة قبلا) و تسمية الصّهاينة بما يُحبّون. الصّهاينة الذين وصلوا مُبتغاهم بتصرّف أولائك الجهلة عن قصد أو عن غير قصدٍ، عندما صار من اغتصبوهم يلقّبونهم باسم اختاروه هم لأنفسهم، دون ذكر كلمة "كيان" ... لأنّ لفظ "كيان" هو موقف بحدّ ذاته بما يحيل استعماله إلى عدم الاعتراف بما حقّـــــــقته قوّة السّلاح، و من وراء ذاك الاستعمال التصميمُ على تحرير الأرض المغتصبة و لو بعد أجيالٍ. أمّا تلك التّسمية فهي اعتراف بواقــــــــعٍ فُرض علينا لضعفنا و لجهلنا، تسلّل إلينا بعد إعداده في بيوتٍ مغلقة.
و أتذكر هنا جيّدا ما قاله لي عجوز أمريكي شاءت الصّدف أن أقابله و كان من مناصري القضيّة العربيّة ، إذ سألني: كيف تريدون تحرير فلسطين و أنتم مختلفون على صفة من يحتلّها؟
لذا فإنّي أدعــــو إلى الحذر كل الحذر من كلّ الأشكال و التّصرفات و التّعاليق التي يتسلّل التّطبيع منها دون علم القائم عليها أو مصدرها، خاصّ في الخطابات الإعلاميّة و السياسيّة و الثقافيّة. لأنّ الرّفض في هذه القضيّة المصيريّة المحوريّة الضاربة جذورها في أمّتنا العربيّة الإسلاميّة، كلٌّ لا يتجزّأ، خاصة إذا كان الرّفض انتصارٌ لحقٍّ لا يزول و لا يبلى ما بقي من يطلبه و لو ...حثيثا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: