البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

البراغماتية الثورية العلمية لصناعة الدولة التونسية

كاتب المقال سفيان عبد الكافي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6570


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الدولة التكنوقراطية (منظومة حكم تعتمد الوسائل التقنية الحديثة في التسير) ليست مصطلحا مستحدثا، ولا توجها إيديولوجيا، هوتصور واقعي علمي يعتني بحتمية الوصول إلى نتيجة ملموسة باعتماد الطاقة المعرفية البشرية والتكنولوجيا.
أصبح هذا المطلب اليوم في تونس ما بعد الثورة اساسيا بعد ان استكملت الدولة بناء البنية التحتية ماديا وبشريا بعد ان كان في الومن المنقضي امرا صعبا المنال، لنحقق نقلة تنموية نوعية تليق بالثورة التونسية الأنموذج المحتذى به من جميع دول العالم.
أسست تونس الحديثة ابان الإستقلال على أيدي كفئات من أصحاب المعرفة والخبرات ووضعوا الدستور لم يكن من الممكن ان نركز فيه هذه القيم بحكم الجهل لدى الشعب و الأمية والتخلف الذي أرساه الاستعمار.
اهتمّ النظام البورقيبي بالتعليم واستطاع خفض نسبة الأمية ومحيت اليوم بالكامل. وهذا ما مكن تونس من أن تتبوؤ مراتب متقدمة في مصاف الدول النامية بحكم ارتفاع نسبة التمدرس بين سكانها.
نماء البلاد سكانيا وحضريا ورفاهيا على مر السنين عسر على القادة الإمساك بالحكم، بسبب تفوق متطلبات التنمية على قدرة الحكومات في ابتكار الحلول السياسية الجديدة المواكبة لهذا النسق، مما يضيق دائرة والإقناع الجماهيري. خاصة عندما تواجه شعبا مثقفا وفاهما، وبظهور الصعوبات وتكنشف الأخطاء ويرفضها الشعب.
بدأت تظهر المشاكل والصعوبات الإجتماعية والسياسية في تونس في اواخر الحقبة البورقيبية وتعاظمت في الحقبة النوفمبرية، لأنهم عجزوا عن الخلق والإبداع والإبتكار، واعتماد سياسة غير ممنهجة وغير علمية، وهذه أصعب مرحلة يمر بها السياسي عندما ينهي برنامجه السياسي والتنموي ولا يريد أن يتخلى عن موقعه لقوة سياسية اخرى لها برنامج آخر.
ولم يكن التغير الحاصل في سدة الحكم أوما سمي بالتحول إلا تسكينا لوجع ألم بالدولة وحقنة مخدرة، ولم يكن هذا النظام بمنأى عن هذه التحديات التي تعترضه، ولكنه جابه هذا التحدي بانجازات وهمية على فضاء وهمي وافتراضي واحاطه بهالة اعلامية تبرز انجازات غير موجودة، وللأسف لم يفكر حتى في ارساء هذه المنظومة العلمية التقنية في التسيير والمراقبة.
ازدياد الفساد عطل الإدارة، وتجاوز القوانين عطل التنمية، والنتيجة فقر وبطالة ودحر للطبقة الوسطى، وهمشت القيمة العلمية المدرسية في الفعل التنموي والقيادي، وألغي الإحتكام إلى الكفاءة والأهلية لتحل الوساطة والرشوة والمحسوبية كمقياس عملي.
انتجت هذه الأزمة حراكا سياسيا يبحث عن الحلول السياسية في إطار الإديولوجيات المختلفة، إلا أنها عجزت عن التغلب على النظام الفاسد بكل مكوناته.
لم يقتلع النظام إلا بثورة شعبية قلبت كل الموازين وسط ذهول العالم و دهشة الساسة و المحللين والخبراء والأحزاب والتيارات والمنظرين.
أظهرت الثورة التونسية حقيقة مدهشة:" الثورة قرار عملي علمي حاسم لشعب متعلّم بلغ لديه السيل الزبى.. الثورة نتيجة حتمية للرغبة الشديدة في الإحساس بقيمة الذات مهما ضاقت بها السبل.".
لا يحتاج الأمر إلى البحث النظري، بل يتعيّن فهم الأمر بمنطق علميّ بحت، لكم كان الشعب عمليّا وعلميا وتقنيا في البحث عن حل لمأساته، فهو لم ينظّر، ولم يسعى إلى تكوين أحزاب معارضة جديدة وفقا لأفكار وإيديولوجيات أكثر تشدّدا ورفضا للنظام، ولم يعبأ حتى بالأحزاب الكائنة على الساحة. بلّ مرّ مباشرة إلى الحلّ الفعلى الملموس إيمانا منه بأنه الأنسب لواقع معيش. إنها البراغماتية في أبهى صورها.
فلا غرابة أن الثورة قام بها أناس متعلمون ومتخرجون من الجامعات قادوها دون سابق تنظيم أو قيادة ما دامت تتخذ منهجا واقعيا بعيدا كل البعد عن السياسة والأحزاب والتنظير والمكاتب والبيروقراطية، وقريب كل القرب من المناهج العلمية التطبيقية والفنية التي تفترض الحلول المباشرة للأمور المستعصية.
إنها طريقة جديدة في طرح حل تطبيقي للمسائل بصفة مباشرة بغض النظر عن طبيعة الأفكار والإيديولوجيات المستخدمة والتي لا تمثل هدفا في حدّ ذاتها بقدر ما قد تمثّل قناعات ذاتية للفرد له مطلق الحرية في تبنيها، على أن لا يقف عندها ويتقيّد بها بشكل يعيقه أو يحول دونه والتوصّل إلى طرح الحل الجذري والعملي المباشر للمشكل المطروح أمامه.
إن الأسلوب العملي التطبيقي العلمي في تناول القضايا وطرح الحلول الناجعة أصبح تلقائيا هو الأسلوب المعتمد من قبل كل شباب تونس المثقّف، وهذه هي النتيجة الطبيعية للوعي الذي اكتسبه من خلال تفاعل ما تلقاه من معارف وعلوم في الجامعات وما تشبّع به من ثقافة في المجتمع.
الحلّ الذي طرحه المواطن التونسي كان قويا جدا، واجه نظاما سياسيا يتناقض تماما مع أسلوبه العلمي العملي في التفكير، واجه نظاما بيروقراطيا عقيما يعتمد التنظير ويستخدم الخطاب السياسي ولا يرتبط بالواقع ولا يطرح أي حلول عملية علمية، حيث كانت أطروحاته خالية من الجدوى التطبيقية الملموسة.
قد اقتنع الشباب طوال السنوات الماضية أن البيروقراطية هي سلاح الأنظمة الفاشلة التي لا تمتلك الحلول لقضاياها لأنها تعتمد في الحقيقة على اجهاض المبادرة وتعسير الفعل حتى لا يكون هناك فعل غير فعلها، وهي طريقة إقصائية لكل الحركات العلمية المنبثقة من قدر المعرفة المكتسبة عند الشعوب.
أما المنهج التطبيقي التكنوقراطي الذي جنح إليه رجال البلاد و شبّانها بصفة تلقائية لتغيير الوضع السّائد، يقوم على النظرة الواقية في تحليل الأمور، وعلى النظرة العلمية في البحث عن الحلول، وأهمية الوصول لحلّ ناجع ولنتيجة ملموسة، يمثّل ركيزة ودعامة هذا التنظيم.
نريد اليوم من خلال هذه البراغماتية العلمية التقنية المدهشة التي صنعت الثورة المتميزة، ان تصنع لنا تنمية مدهشة ودولة متطورة علمية وتقنية في كل مجالاتها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، التكنوقراطية، التنمية، الديموقراطية، دراسات سياسية، الفكر السياسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-01-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  القائمة السوداء "فيتو" المواطن
  الجمع ما بين القائمة والأفراد لتشكيل البرلمان: الشعب يرتب القوائم وليس الأحزاب
  مساوئ الانتخاب على القوائم
  إيجابيات الانتخاب على القوائم
  ايجابيات وسلبيات الانتخاب على الأفراد
  ديباجة في مفهوم الحوكمة المفتوحة في الديمقراطية التشاركية ذات البيانات المتاحة
  البيعة الإنتخابية
  ملخص منظومة الحوكمة التشاركية ذات البيانات المفتوحة
  القيم الإنتخابية في منظومة الحوكمة المفتوحة
  فلسفة العبور في المنظومة العالمية الرقمية
  السيادة للشعب... فتح البيان لوضع الميزان...
  القوائم والإنتخابات البرلمانية
  الديمقراطية التشاركية في البرلمان
  البرلمان المفتوح: كيف تصنع البرلمانات؟... هل نحن في حاجة لبرلمان؟
  الممارسة التنفيذية لرئيس الدولة
  شروط الترشح لإنتخابات رئيس الجمهورية
  التصفية الأولية في الترشاحات للرئاسية
  تصنيف في صلاحيات رئيس الجمهورية
  التعادلية أساس حكم الديمقراطية التشاركية
  الثرثرة الدستورية
  الديمقراطية التشاركية: مشروع مجتمعي الكل منخرط فيه
  مشروع دستور (2)
  مشروع دستور (1)
  أي نظام حكم يستوعب الحوكمة؟
  هل تتفاعل البرلمانية والحوكمة التشاركية؟
  حوكمة الحكم الرئاسي
  حوكمة المؤسسة الدينية
  تقنين وتأطير السلطة الدينية
  السلطة الدينية في منظومة الحوكمة الإلكترونية
  المنظومة التقنية العلمية في الدولة

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رضا الدبّابي، ماهر عدنان قنديل، فتحي العابد، الهيثم زعفان، عبد الرزاق قيراط ، سفيان عبد الكافي، العادل السمعلي، د. طارق عبد الحليم، عراق المطيري، محمد شمام ، أبو سمية، د. أحمد محمد سليمان، سامح لطف الله، كريم السليتي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد علي العقربي، د. خالد الطراولي ، فتحـي قاره بيبـان، إسراء أبو رمان، عبد الله الفقير، ياسين أحمد، حسن الطرابلسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، د - عادل رضا، صالح النعامي ، خالد الجاف ، رمضان حينوني، تونسي، علي الكاش، الناصر الرقيق، مصطفى منيغ، مراد قميزة، عواطف منصور، صفاء العراقي، صلاح الحريري، د. عبد الآله المالكي، عبد الغني مزوز، بيلسان قيصر، أ.د. مصطفى رجب، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد بوادي، إياد محمود حسين ، رشيد السيد أحمد، د - الضاوي خوالدية، ضحى عبد الرحمن، سعود السبعاني، د- جابر قميحة، فتحي الزغل، طارق خفاجي، عبد الله زيدان، مصطفي زهران، منجي باكير، عبد العزيز كحيل، محمد يحي، المولدي الفرجاني، جاسم الرصيف، محمود طرشوبي، يزيد بن الحسين، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح المختار، سامر أبو رمان ، عمار غيلوفي، حاتم الصولي، د.محمد فتحي عبد العال، نادية سعد، رافد العزاوي، د - المنجي الكعبي، الهادي المثلوثي، د. صلاح عودة الله ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد اسعد بيوض التميمي، طلال قسومي، فوزي مسعود ، إيمى الأشقر، محمد الياسين، د - محمد بنيعيش، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد عمر غرس الله، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد ملحم، فهمي شراب، سليمان أحمد أبو ستة، علي عبد العال، محمد الطرابلسي، د - مصطفى فهمي، وائل بنجدو، المولدي اليوسفي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محرر "بوابتي"، د- هاني ابوالفتوح، مجدى داود، صفاء العربي، رافع القارصي، أشرف إبراهيم حجاج، حميدة الطيلوش، حسني إبراهيم عبد العظيم، حسن عثمان، محمود سلطان، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلوى المغربي، محمد أحمد عزوز، عمر غازي، يحيي البوليني، د. أحمد بشير، عزيز العرباوي، محمد العيادي، سلام الشماع، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم فارق، د- محمد رحال، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد النعيمي، أنس الشابي، د - شاكر الحوكي ، سيد السباعي، صباح الموسوي ، أحمد الحباسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة