يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5691
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
جعل الله لكل نبي آيات ومعجزات جاء بها إلى الناس ليدلل بها على كونه نبيا مرسلا من عند الله، جاء ليفوق بها أبناء عصره الذين بعث إليهم، وجاء بها على غير علم منه بهذا الأمر ولا دراسة له قبل ذلك، فما كان موسى عليه السلام ساحرا ولم يتخذ السحر مهنة له قبل ذلك وما عرف عنه، وما كان عيسى عليه السلام طبيبا ولم يتخذها مهنة له وما عرفت عنه، ولهذه عندما يأتي بها ويعجز أبناء تلك المهنة بها على غير علم منه ولا ادعاء معرفة فيمكن حينها التصديق بكونه نبيا مرسلا.
وكانت تنتهي معجزة كل نبي بانتهاء عصره وزمنه، يشهد عليها من رآها ويرويها لمن لم يشهدها كدليل صدق النبوة، ولأن عِقد النبوة لم ينته بعد كانت كل معجزة خاصة بزمان ومكان ذلك النبي
وجاء محمد صلى الله عليه وسلم خاتما النبيين ورسولا للعالمين، فليس بعده نبي يأتي بمعجزة أخرى، فكانت له المعجزة التي تبقى إلى أن تقوم الساعة، وكان لابد وأن تكون فيما برع فيه أهله ومعاصروه في البلاغة والبيان، فكانت كتابا مقروءً أعجز الفصحاء والبلغاء على مر العصور والأزمان
وتشكك فيه أقوام وقالوا أنه ليس كتابا إلهيا، بل كاتبه من البشر، وهذا القول قديم قِدم نزول القرآن، ورد عليه ربنا سبحانه في مواضع عدة، ولكن الله سبحانه تحدى البشر – كل البشر على اختلاف الأزمان والأماكن ولا يزال التحدي قائما – أن يأتوا بمثله أو بعشر سور منه أو بسورة من مثله، وتحداهم أجمعين أن يجدوا فيه تضاربا أو اختلافا على الرغم من تكرار المعاني فيه.
وحاول كثيرون أن يخوضوا ذلك التحدي وان يُثبتوا أخطاء القرآن الكريم خدمة لأديانهم وعقائدهم التي لا يهتمون بنشرها أو بتبيانها للناس بقدر ما يهتمون بالحديث عن الإسلام والقرآن ومحاولة النيل منهما كعادة الأقزام حينما لا يستطيعون أن يتطاولوا بين الكبار فيحاولون التسلق على أكتافهم أو اتهامهم بأي اتهام ينال منهم.
وممن أراد أن يخدم النشاط التبشيري قس كندي أراد أن يسدي لإخوته المبشرين خدمة عظيمة بأن ينقد وينقض القرآن من أساسه، ليستعين المبشرون بهذا النقد في دعوتهم للمسلمين للتخلي عن الإسلام ودخولهم ديانتهم وذلك في عام 1977.
وأراد أن يكون أكثر فهما للقرآن لينقده على بصيرة، فبدأ - وهو الأستاذ المتخصص في الرياضيات والمنطق في جامعة تورنتو بكندا – في تعلم اللغة العربية لكي يقرأ القرآن باللغة التي بها أنزل ليكون ذلك أيسر له في النقد، وحتى لا يتهم بالتحيز لأنه ينقد ترجمة للقرآن فلا يستفيد المبشرون بعمله الكبير وإنجازه الضخم.
وبالفعل تعلم العربية ثم بدأ في قراءة وتلاوة القرآن، وهو على يقين بأنه سيخرج بمجموعة هائلة من التناقضات والسطحية التي سيجدها في كتاب مكتوب منذ ألف وخمسمائة عاما حيث السذاجة والبساطة والسطحية والهذيان - حسبما تصور – وحيث أن هذا الكتاب لن يتحدث إلا عن الصحراء والجمال والخيل والرماح والسيوف وعادات العرب.
وفوجئ الرجل بعدة ملاحظات أخذ في تدوينها مثل :
- ذكر هذا الكتاب اسم النبي عيسى خمسة وعشرين مرة في حين لم يذكر اسم النبي الذي انزل عليه إلا أربع مرات فقط !!!.
- وجد فيه سورة سميت باسم أم النبي عيسى السيدة مريم وتحدثت عنها بأسلوب فيه من التكريم الشديد والتبرئة من النقص والعيب ما لم يجد مثله في العهد القديم ولا الجديد، في حين لم يجد سورة باسم السيدة آمنة أم نبيهم ولا السيدة فاطمة ابنته ولا السيدة خديجة أول وأحب زوجاته إليه .
- وجده مختلفا عن كتب السير الذاتية التي تمجد صاحبها وبراعته عند انتصاراته والتي تبرر الهزائم وتعلقها على شماعات، فوجده عند النصر يتحدث عن كون الذين معه أذله ونصرهم الله في حين يقول لهم عند الهزيمة لا تحزنوا فأنتم الأعلون.
- وجد فيه ذلك النبي يعلن أنه ليس كاتب هذا الكتاب، ويقول أنه لا يستطيع ولا يجرؤ أن يضيف إليه حرفا ولا أن يكتم منه حرفا، ففيه آيات ومواقف لو كان نبيهم صاحب الكتاب لمحاها، إذ أن فيها تصويبا له على أفعال.
- وجد فيه سورة فيها اسم المشرك الوحيد في القرآن، وفيها وعيد له بأنه سيصلى نارا ذات لهب، وتساءل لماذا لم يفكر هذا الرجل- وهو الكاره للإسلام المعادي لمحمد - في الدخول في الإسلام ولو ظاهرا فقط لمجرد تكذيب القرآن في وعيده ووضع ذلك النبي في موضع حرج ؟، فبحث عن زمن نزول تلك الآيات فوجد أنها قبل موت ذلك الرجل بعشر سنين كاملة، فتعجب أكثر لظنه أنها نزلت بعد وفاته أو قبلها بقليل، فلماذا لم يفعلها ذلك الرجل وكانت أمامه 3650 فرصة يومية لتكذيب ذلك النبي ؟
- قرأ آية تسبب في اختلال توازنه، أن القرآن يدعوه للبحث عن الأخطاء فيه، بل ويخبره أنه مهما بحث فلن يجد فيه خطأ فيقول " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وهنا تعجب فليس هذا أسلوب الكُتاب المؤلفين في العالم، فكل مؤلف عند الطبعة الثانية ينقح ويزيد ويضيف ويحذف ويغير من الطبعة الأولى، ولا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ليؤلف كتابا ثم يقول هذا الكتاب خالي من الأخطاء فكيف يقول كاتبه " هذا الكتاب ليس به خطأ " ؟؟؟
- توقف كثيرا عند الآية " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون " واجتهد في فهم معناها، أنها تقول أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ثم تفككتا عن بعضهما البعض، وتذكر أن موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل في عام 1973، كان عن نظرية الانفجار الكبير التي تقول نفس الكلام حرفيا فما الذي أعلم به هذا الكاتب منذ هذه القرون الطويلة ؟
- قال في نفسه ربما استعان كاتبه بقوة خارجية فوق قدرات البشر كالجن أصحاب الخوارق، فوجد في القرآن نفي نسبته إلى الجن، بل فيه أنه عند بدئ قراءته لابد من التعوذ بالله منهم، فهل يعقل أن تؤلف الجن كتابا وتقول لك عندما تقرؤه تعوذ بالله مني ؟
- وجد آيات في القرآن فيها معلومات، ثم يذكر القرآن أن هذه المعلومة جديدة لم يكن النبي يعرفها هو ولا قومه مثل قوله " تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ "، وقال كيف يجزم صاحب الكتاب بهذا ؟ ولماذا لم يكذبه المحيطون ولو على سبيل التشويش فقط بل صمتوا إقرارا بما فيه ؟
- هل من الممكن أن يترك الإنسان المطارَد نفسه بلا حراسة ويدعي أنه لن يصاب بأذى كما فعل محمد وجاء في القرآن " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ " وحينها يأمر أصحابه بأن يتركوه بلا حراسة وحده ؟!!!
- قرأ آية عجيبة ظنها من الأساطير، إذ تعلقت بتجربة قام بها هو ومجموعة من الدارسين بجامعة تورنتو بدراستها، وكانت حول " فعالية المناقشة الجماعية "، وفيها جرب عدة تجارب ووصل إلى أن أقصى فعالية للنقاش تكون عندما يكون عدد المتحاورين اثنين وأن الفعالية تقل إذا زاد هذا العدد، فقرأ آية تقول " قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " فوجدها تأمر الناس للتفكر بأقصى فاعلية، وهي تلك النتيجة التي وصل إليها بعد تجربته العلمية، فتساءل مذهولا كيف وصل هذا العلم لبشر في ذلك الزمن السحيق الموغل في القدم ؟
وهنا لم يستطع الدكتور جاري ميللر الذي تعلم العربية وقرأ القرآن الكريم بغية هدمه وخدمة إخوانه المبشرين، لم يستطع إلا أن ينطق شهادتي الحق ويغير اسمه بعد ذلك إلى الدكتور عبد الأحد عمر، ويكتب بعدها كتابا يضم فيه ملاحظاته حول القرآن الكريم واسماه " القرآن المذهل " " The Amazing Qura'an " ثم يعمل فترة في جامعة سعودية، ثم يعود بعدها إلى كندا داعية إلى الله عز وجل متفرغا لتعليم الناس دين الله.
حقا صدق الله العظيم إذ يقول " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً "
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: