الآثار السلبية لانشغال الإسلاميين بملوثات السياسة والبعد عن المساجد
يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5149
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أليس عجيبا أن تأتي المعارضة الأقوى لأول رئيس من الإسلاميين في مصر من الإسلاميين أنفسهم ؟ , وأليس من الأعجب أن يقف اكبر حزب سلفي – النور- في خندق واحد مع الجانب العلماني الذي يتترس بهم ليستمد منها شرعيته المفقودة في الشارع المصري ؟
وأليس مخالفا لكل فَهم أن يجد هؤلاء الإسلاميون أرضية مشتركة مع العلمانيين الرافضين لكل ما هو إسلامي أكثر مما يجدونها مع الرئيس ذي المرجعية الإسلامية والمنتخب الشرعي الذي طالما أفتوا تلاميذهم وطلاب العلم لديهم بعدم الخروج على سابقه المخلوع بدعوى أنهم يقفون دوما مع ولي الأمر ؟
أسئلة كثيرة تشغل المحللين السياسيين في مصر فضلا عن أنها تشغل الشارع المصري كله , فهم سلفيون وإخوان وغيرهم – كإسلاميين جميعا - شركاء في الهم الإسلامي , وكلهم أيضا تعرض للإقصاء والتعذيب والضغوط من النظام السابق الذي يؤيد بعضهم رجاله اليوم .
والشارع المصري كله يدرك أن جبهة الإنقاذ العلمانية كانت في أدنى درجات ضعفها وانحدارها وانحسار الأضواء وانفضاض الموالين عنها لسوء تصرفاتهم السياسية ولوقوعهم في عدة أخطاء كبيرة ولإحساس الناس أنهم يعملون وفق أجندات خارجية , فلا تهمهم مصلحة الوطن ولا المواطن المصري , فإذا بقُبلة الحياة تأتيهم من الفصيل الإسلامي عدو الأمس الذي صار بين عشية وضحاها حليف اليوم بل الداعم الأساسي أيضا .
والغريب أنه عادة في مفهوم تحالفات القوى أنه بانحياز الضعيف إلى القوي يأتي دائما على حساب تنازلات من الضعيف لا من القوي , ولكن ما حدث عكس ذلك تماما حيث بدأ حزب النور في التنازلات فطالب بنفس المطالب التي طالبت بها جبهة الإنقاذ , وكلها تشكل اعتراضات على إدارة الحكم من الرئيس مرسي , ولم يحدث أدنى تنازل من جبهة الإنقاذ عن مطالبهم بعد انضمام حزب النور القوي مما شكل علامة استفهام كبرى ولغزا سياسيا يصعب فهمه إلا بما يستقر في ذهن الكثيرين من حدوث مفاوضات لم تكن في " النور " بل أديرت وأحكمت في ظلمات الأبواب الخلفية .
وتشكل معارضة حزب النور متضامنة مع جبهة الإنقاذ العلمانية جبهة المعارضة القوية حاليا للرئيس المصري , فليس في المجتمع المصري قوة غيرهم - رغم وجود مظاهر وتجمعات متعددة للمعارضين - إلا أنها ليست بالمعارضة المنظمة ولا القادرة على الحشد مثلما يملك حزب النور, ولهذا كان لانضمام حزب النور لجبهة الإنقاذ العلمانية تأثير كبير في التأثير السياسي في مصر
ويدرك الغرب أيضا تلك الحقائق كما يدركها المصريون , فقد اعتبرت عدة صحف غربية في تقارير لها ومنها صحيفة " لوس أنجلوس تايمز "، الأمريكية السلفيين هم المعارضة الأساسية للرئيس مرسي وذلك تعقيبا لها على افتتاح أول فندق لا يقدم الخمور في مُنتجع بالغردقة على سواحل البحر الأحمر وسط تأييد وهتافات من إسلاميين واعتبرت أن هذا مؤشر على تحكم السلفيين في الشارع المصري , وقالت أنهم هم المعارضة الحقيقية الداخلة في صراع مع جماعة الإخوان حول تشكيل طابع البلاد وليس الليبراليون والعلمانيون.
وبالفعل فقوة تأثير السلفيين في الشارع المصري كبيرة ولم يقلل منها إلا اهتمامهم الزائد عن الحد بالسياسة بعدما كانوا غير عابئين بها نهائيا في أثناء حكم المخلوع , فضعفت شعبيتهم قليلا , وربما تكون النتائج في الانتخابات القادمة أكثر وضوحا على فقد أماكنهم التي كانت لهم فيها الصدارة وخاصة بعد تحالفهم مع جبهة الإنقاذ الذي سيؤثر حتما على مصداقيتهم وشعبيتهم .
وكان من التأثير السلبي لاهتمام السلفيين بالسياسة أن تركت منهم إعداد كبيرة ميدانهم الأول وهو المساجد حيث كان لهم دور كبير جدا في إعادة تصحيح العقيدة الإسلامية بين المصريين وإعانتهم على أداء العبادات الصحيحة , وكان لهم قصب السبق في محاربة المنكرات والبدع التي يحاول أهل الصوفية إنباتها وسقيها ورعايتها في المجتمع المصري , وكان لهم أيضا دور هام لا يستطيع إنكاره احد في رد البدع المستحدثة مثل عبدة الشيطان أو الملحدين من أن تنتشر أفكارهم المستوردة من الانترنت بين الشباب , وكان لهم دور كبير جدا في مقاومة النشاط الهائل الشديد لشبكات التنصير التي تستغل حاجة الفقراء لكي تلوث عقيدتهم , فكل هذه الأعمال الجليلة وغيرها كثير قد تأثرت وبشدة منذ أن بدأت الثورة حتى الآن ومنذ أن انشغل هذا القطاع الضخم في ميدان السياسة بغالبية أفراده .
ولهذا لا نتعجب في هذه الآونة أن تقوم مدرسة نصرانية بالتجرؤ على الله عز وجل وعلى رسوله , بان تقوم بسب النبي صلى الله عليه وسلم أمام طلابها المسلمين , وان تقوم بمحاولات مستمرة لتنصيرهم , وهذه المدرسة بالقطع لم ولن تكون وحدها في ذلك بل تتبع شبكة متصلة وهو أسلوبهم الدائم .
فقد قامت من تدعى "دميانة عبيد عبد النور" وهي معلمة دراسات بمدرسة الشيخ سلطان بالعديسات بازدراء الدين الإسلامي وسب النبي صلى الله عليه وسلم ودعوة تلاميذ الصف الرابع الابتدائي في نفس المدرسة لاعتناق المسيحية .
وقدم أولياء الأمور عدة شكاوى وبلاغات ضدها للنيابة التي أمرت بإلقاء القبض عليها .
وبكل تأكيد – كعادة النصارى أيضا - سوف تتصاعد هذه المشكلة وسيتم إخفاء هذه المدرسة في أحد الأديرة التي تبلغ مساحاتها قريبا من مساحة عدة دول عربية مجتمعة والتي لا تستطيع الدولة ان تقربها , وسيهدأ الأمر يقينا , وسيحاول الأقباط التهديد بإثارة الموضوع والصراخ والعويل أمام المجتمع الدولي بنفس لعبة أقباط المهجر المعروفة , وربما تنال هذه المُدرسة حق لجوء سياسي للاضطهاد أو سيتم إغلاق الموضوع نهائيا كما حدث في كل مرة سابقة .
فلم بكن هذا الحدث وأشباهه ليحدث لولا تخلي العاملين في حقل الدعوة الإسلامية- وأولهم السلفيون - عن المهمة الأساسية التي يجيدونها ويبدعون فيها وهي الدعوة إلى الله في المساجد وفي المحافل والأسواق .
إن ما يحدث الآن يجب أن يكون نذيرا لما سيحدث بعد ذلك من تخلي العاملين في الدعوة الإسلامية عن المهمة الكبرى لهم وانشغالهم فقط في ميدان السياسة الذي يجب إلا يأخذ منهم وقتهم وجهدهم ويستنفذ طاقاتهم .
إن ما حدث اليوم من مُدرسة نصرانية سيحدث غدا وأكثر منه من الشيعة الذي سيبدءون في التحرك النشط استغلالا للحالة السياسية والأمنية المصرية والتي تحتاج بالتأكيد لجهود. السلفيين بدلا من استهلاك طاقاتهم في ميادين السياسة التي لا يجيدونها والتي ظهر من تصرفات كثير من الأخطاء , هذا مع افتراض حسن النوايا .
--------
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: