يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5281
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إذا كانت العلمانية بكل ما فيها من مساوئ رد فعل على ممارسات الكنيسة النصرانية إلا أنها لم تكن رد الفعل الوحيد للمروق من سيطرة كهنة الكنيسة على حياة الناس وحكمهم باسم الدين بحكم بشري وفق أهواء الآباء الكهنة الذي افسدوا حياة الناس بأهوائهم وأفكارهم المظلمة ,
فكانت هناك ردود أفعال أخرى تنبع من فكرة واحدة وهي رفض السيطرة البش رية باسم الدين على حياة الناس , وكانت ردة الفعل هذه على هيئة جماعة كبيرة جدا من مسيحي الغرب وخاصة في غرب الولايات المتحدة وحملوا اسم" طائفة المورمون".
ولعل الكثيرين لا يعلمون أن المرشح الجمهوري الذي خسر مقعد الرئاسة الأمريكية في 2012 ميت رومني كان ينتمي لتلك الطائفة , بل عمل كمبشر للطائفة في فرنسا في فترة من فترات حياته في منتصف 1966 حين أقام طوال 30 شهرا في الجنوب الفرنسي , ولذا فهي طائفة تتوسع وتتمدد أفقيا ورأسيا في ظل غياب تأثير حقيقي للديانة النصرانية التي تتهاوى كل يوم وأصبحت في حالة رثة يلفظها الجميع حتى في أكثر البلدان ادعاء بأنها نصرانية وليس أدل على ذلك من ان الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الإعادة ترشح لها
مرشحان أحدهما رجل من أصول مسلمة والآخر من أصول ترفض العقيدة النصرانية التي تمثلها الكنيسة وتعتبر الإنجيل الذي بين أيديهم محرفا .
فرومني من أتباع ديانة "المورمون" التي ترفض النصرانية الغربية تماما بل تعتبرها دينا زائفا , ولا تقدس الصليب ولا ترفض نبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) , وتحرّم الخمر والقهوة والشاي والقمار والإجهاض والتدخين , وترى الجنس خارج الزواج زنا ومن أكبر المحرمات , وتؤمن بان عذرية الفتاة والشاب مقدسة لا يجب مسها إلا بزواج شرعي "مورموني" صحيح .
ولهذا سنتوقف مع طائفة المورمون ومع ظروف نشأتها وعقائدها تفصيليا
يصف الدكتور إبراهيم موسى وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة "ديوك" في ولاية كارولينا الشمالية [1]طائفة المورمون التي يزيد أتباعها عن 14 مليون نسمة نصفهم تقريبا في الولايات المتحدة بأنها " أسرع الطوائف النصرانية انتشارا بين المجتمعات الغربية في العالم، وهي لا ترفض إجمالا وجود رسالة الإسلام لكنها في نفس الوقت لا تعترف بها وأنها تشكك بأصالة الإنجيل فيعتقد أتباعها بأنه تعرض لتحريفات من الأصل .
البداية والنشأة
اتسمت البداية الحقيقية لهذه الطائفة ببداية أسطورية خيالية عام 1805م , فزعم منشئ هذه الطائفة أو ما يطلق عليها هذه الديانة " جوزيف سميث " أنه تلقى وحيا وهو ابن الثامنة عشر عاما بأنه سيكون رسولا للقارة الأمريكية وأنه سيعثر يوما على ألواح مصرية ذهبية مختفية تبين له الديانة الجديدة وأعلن ذلك للناس .
وبعدها بأربعة أعوام زعم أنه قد زاره طيف سماوي لشخص يدعى "مورموني" ودله على الألواح المنشودة في كهف مهجور عند "تل كومورا" في مدينة مانشستر بولاية نيويورك , وزعم أن المورمون هذا شخص عاش قبل 1700 عام في القارة الأمريكية وأنه كان ابن نبي كان على الديانة النصرانية , وعندما حل الدمار بابيه جمع كتبه وصحائفه ودفنها في هذا الكهف ثم دل جوزيف سميث عليها وأنه يطلب منه أن يكون نبي هذه الفترة ليعلم تلك التعاليم للناس
فترجم سميث – الذي استلهم قصة موسى عليه السلام - ما في الألواح بعد أن استعان بقوة غامضة – لكي لا ينازعه في كلامه احد – لأنها كانت باللغة المصرية القديمة , وعندها في 1830 انشأ أول معبد لطائفته وسماه "كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة" .
وانتشرت تعاليمه وزاد متبعوه في الولايات المتحدة وأوروبا ولا توجد في منطقتنا العربية إلا في لبنان حيث يتواجد فيها بضع عشرات منهم ويسعون منذ فترة باعتراف رسمي وديني بهم .
ونتيجة لما دعا إليه ولانتشار دعوته بسرعة اعتبرته الكنيسة مرتدا , فاعتقل هو وشقيقه في عام 1844 ثم أعدم من قبل الأهالي دون محاكمة بعد هجومهم عليهما في السجن .
ترك سميت 29 زوجة كما ترك العشرات من الأبناء حيث لا يرون مانعا دينيا في التعدد بغير حد أقصى , ولكن بهجوم الأهالي على كل من ينتمي لهذه الديانة وحرق منازلهم وكنائسهم وتدمير ممتلكاتهم تشتت اتباع سميث في كل مكان , فزاد دعوتهم انتشارا لتغنيهم بظلم الكنيسة والأهالي لهم , ولحنق الناس من الأصل على الكنيسة ودعاتها .
العقائد والأفكار
- ينكرون معظم الحقائق الموجودة في المسيحية وفي الإنجيل , ويقولون أن عقائدهم غير مسيحية رغم أنهم يدعون بالإيمان بالمسيح ويؤمنون – كما النصارى تماما - بأن الله هو الأب الأبدي وبابنه المسيح والروح القدس وهو الثالوث المقدس عند كل النصارى , بكنهم يعتبرون أن المسيح نبي وليس إلها وأن الروح القدس ليست إلا كينونة روحية فقط تربط بينهم .
- يعتقدون أنهم الفرقة الناجية الوحيدة وان لهم وحدهم الحق بإصدار القوانين للأفراد وللشعوب وجميع الحكومات من غيرهم حكومات غير شرعية ورغم ذلك قدموا واحدا منهم لرئاسة أمريكا
- يسمحون بتعدد الزوجات رغم أنهم – بحسب اعتقادهم يؤمنون بأن ذلك مخالف لتعاليم السيد المسيح , وليس لعدد الزوجات حد نهائي , فقد كان الجد الأكبر لميت رومني واسمه بارلي برات , كانت له 13 زوجة في وقت واحد , لدرجة أنهم كتبوا عنه بأنه لم يكن يمر عليه شهر كامل من دون أن يكون له فيه ولد يولد .
- يضعون الله – عز وجل وتنزه عن ذلك - في مرتبة الإنسان , فالله عندهم هو إنسان مرتفع بعض الشيء ويخلطونه بآدم عليه السلام فيقولون أنه هو آدم الذي نزل من الجنة على الأرض ثم ارتفع ثانية , ولهذا يعتقدون أنه – أي الله سبحانه حاش لله - متزوج وله عائلة وأولاد .
- يؤمنون بأن يسوع المتجسد – عيسى عليه السام – ولد من أب وأم بشريين لكنهما يؤمنون أن مريم العذراء كانت لمدة من الزمن زوجة الله الشرعية .
- يؤمنون أن كنيستهم هي دار العبادة الحقيقية والوحيدة في العالم التي يعبد فيها الإله الحي وأن ما سواها تبشر بعقائد كاذبة وهي تحت لعنة الله.
- يعتبرون جوزيف سميث نبي الله المختار وأن كل من يخلفه بعد موته نبي أيضا واستمروا على هذا حتى اليوم , وبالطبع يؤمنون بأنه يوحي إليه ويؤمنون أنه شاهد الخالق سبحانه وشاهد المسيح والملائكة ويتواصل معهم يوميا ولا يزال كل نبي من أنبيائهم حتى اليوم يمارس نفس الملكات والقدرات – بحسب زعمهم – لأنها إحدى الأركان المهمة في الكنيسة المورمونية .
- ليس للصليب ذكر في طائفتهم إذ يعتبرون أن المسيح حي لم يمت ولم يصلب ويعتبرون المسيح موجود وأبدي لكونه ابن الإله .
- يتزوجون مبكرا جدا ويزوجون بناتهم وهن قاصرات أو بمجرد البلوغ حتى لو كان عمرها 11 سنة أو أقل
- منع أحد أنبيائهم المزعومين ويدعي وارين جيفز أبناء الطائفة من التعليم بالمدارس الحكومية الأمريكية , وأشترط عليهم الدراسة أن يدرسوا بمدارس داخل المزرعة التابعة لهم بدعوى أن العالم الخارجي كله أشرار ومشركين , بل حرم عليهم الكتب الدنيوية كلها حتى كتب الأطفال ولم يسمح لأفراد طائفته باقتناء التلفاز أو تناول الحلوى .
وفي النهاية اعتذر إن كانت هذه الأفكار متضاربة وغير مفهومة , ولكنها حقيقة ما يؤمنون به , فهي عبارة عن عقائد متضاربة متباينة لأنها نتيجة أهواء بشرية وضلال يعقبه ضلال .
وأخيرا تأمل معي قارئنا الكريم أن هذه العقائد العجيبة لو صدرت من مسلمين بتحريم الكتب والانعزال وتزويج القاصرات والتعدد بغير حد , ولتتخيل معي كيف يكون تعامل الإعلام الأمريكي , وتعامل أذنابه من علمانيي العرب معنا الذي لا يتركون فيه مظهرا إسلاميا أو مسلما على وجه الأرض إلا ووجهوا له الانتقادات واتهموه بالرجعية والظلامية والتخلف , لكن إذا صدرت من الغرب النصراني أخرست ألسنتهم وصمتوا صمتا مطبقا .
-----------
[1] في لقاء له على الموقع الإخباري العربية نت
---------------
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: