2013 عام المظالم
يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 5133
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لو جاز وصف وتسمية الأعوام بما غلب عليها لسمي العام المنقضي بعام المظالم , ولكني لا أستطيع أن ادعي انه كان أكثر الأعوام في تاريخ البشرية في ظلم الإنسان لأخيه , ولا يمكنني أيضا أن أتوقع أن يكون 2014 اقل منه بل العكس يظل هو الأقرب احتمالا في ظل هذا التصاعد العالمي في المظالم , والملاحظ أن المظالم ترتفع وتنتقل من مكان لآخر بسرعة فائقة يوما بعد يوم وفي الجانب المقابل يختفي العدل وحرية الإنسان وحقوق ضعيفه من الكون تدريجيا .
وهنا يمكنني القول بان العام المنصرم كان عاما مشهودا في مظالمه التي انتشرت قسوتها في أرجاء الأرض فلا نستطيع استثناء موضع قدم منها إلا ما رحم الله , فلا تكاد تضع إصبعك على بقعة في خريطة العالم إلا وفيها من يئن ويشكو ما يحل به من ظلم أو غدر أو خيانة فضلا عن سلب حق أو عدة حقوق منه في شراسة ووحشية تنبئ بان أقوياء العالم يستعدون للتخلص من ضعفائه ولاتخاذ من يتبقى منهم حيا كرقيق جديد سواء كان رقا حقيقيا صريحا أو مغلفا بأي غلاف براق زائف .
فقد حفل هذا العام بمظالم شتى على كافة أشكالها وأصعدتها , فضجت شكوى الضعفاء بمظالم سياسية بين الدول وجيرانها وبين أبناء الوطن الواحد داخل بلدانهم , ومظالم اجتماعية في تعاملات الناس التي اتسمت بالقسوة وعدم الرحمة , ومظالم اقتصادية ظلم من يملك القوة فيها الأضعف منه , وهكذا تمضي البشرية في خطوات متسارعة نحو فنائها بكثرة مظالمها وعدم إيجاد مأوى يأوي إليه الضعفاء من بطش الأقوياء .
ونتيجة لوقوع معظم الدول الإسلامية في الدول الفقيرة أو ما تسمى بالعالم الثالث وكنتيجة أيضا لعدم وجود مؤسسة تعني بالمسلمين تستطيع أن تدافع عن حقهم وان تتكلم باسمهم خلافا لأهل كل الأديان , نتيجة لذلك أصبح المسلمون قاسما مشتركا عاما في غالب المظالم على المستوى العالمي , فلا تكاد تجد دولة إلا والمسلمون فيها مستضعفون لا ناصر لهم بعد الله سبحانه , وأصبح من المألوف قراءة خبر عن مقتل عشرات من المسلمين بل والمئات وربما حرقهم إحياء أو تدمير قرى كاملة مسلمة ولا يتحرك للعالم ساكن في حين أن قتل فرد واحد من غير المسلمين يمكن أن يحرك الأساطيل والسفن حاملة الطائرات وتصدر القرارات الأممية وتعقبها تشن الحروب الشرسة التي تقضي على الأخضر واليابس .
طيلة العام كله ومظلمة مسلمي بورما لم تتقدم إلا في اتجاه المزيد من الآلام وحرق القرى الكاملة بمن فيها من الرجال والأطفال والعجائز أحياء وإجبار النساء الشابات على العمل كبغايا عند الجيش البورمي , وذلك بالإضافة لمعاناتهم التي فاقت كل الحدود إذ يحاولون الهرب في أي اتجاه فيلقون الهوان في الحالين كالمستجير من الرمضاء بالنار .
ألم يسمع العالم بهذه المظلمة ؟ أليس للأمم المتحدة التي حركت الجيوش تحت اسم قوات التحالف أن تتدخل لإنقاذ هؤلاء ؟ والأغلب لن يفعلوا حتى ينتهي البوذيون من قتل آخر رجل مسلم , فإذا كان العالم لم يسمع بندائهم واستغاثتهم ولن يسمع لأنهم مسلمون , فهل لم يسمع حكام المسلمين أيضا بهذه المظلمة وهم إخوانهم في الدين والعقيدة ؟! .
طيلة العام كله ومظلمة الشعب السوري مستمرة تتفاقم يوما بعد يوم , فلم يشبع مجرم الحرب بشار الأسد ومن معه من الشيعة الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين ومرتزقة آخرون من دماء السوريين التي تسيل انهارا كل يوم .
طيلة العام كله ومشكلة بشار الأولى مع شعبه هي كيفية التوصل لطريقة لقتل اكبر عدد من الرجال والنساء والأطفال السوريين بأقل مجهود ممكن , فضربهم بالأسلحة الكيماوية التي قتلت جموعا كثيرة من السوريين ثم تفتق ذهنه عن طريقة جديدة لقتلهم بالبراميل المتفجرة التي تحصدهم حصدا , فهل لم يسمع العالم بهذه المظلمة , أم أن للجميع حسابات وموائمات ليس لقضية الظلم والعدل فيها نصيب ؟
فإذا كان العالم لم يتحرك جفنه ولم يتمعر وجهه لما يحدث للسوريين فهل لم يسمع حكام العرب وأثرياؤهم بالفتوى التي استصدرت بجواز أكل المحاصرين في سوريا للقطط والكلاب الضالة لكي يبقوا على قيد الحياة ؟ وبعد أن فنيت القطط والكلاب ماتوا جوعا وبردا , فمن سيسأل عن موت مسلمين جوعا وبردا في بلدان يتباهى جيرانهم في البلدان المسلمة المحيطة أنهم سينفقون على صواريخ ليلة رأس السنة رقما ضخما من الدولارات بما يمثل أكبر مبلغ ينفق في العالم على الصواريخ والألعاب النارية ويتفاخرون أيضا بأنهم أنشئوا أكبر شجرة عيد ميلاد في العالم لكي يدخلوا موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأكبر عدد من الألعاب النارية والليزرية , وآخرون من جيرانهم يدفعون الملايين لقاء استضافة لاعب كرة في منزلهم أو التصوير مع مغنية والجلوس معها لمدة ربع ساعة , وآخرون ينفقون الملايين في التصويت على أفضل مغن في الوطن العربي , ألسنا جميعا سنسأل عن هذه المظالم ؟
طيلة العام كله ولا يزال الشيعة الذين يقتاتون على فكرة المظلومية ولا يتوقفون عنها , لا يزالون تزداد جرائمهم تجاه أهل السنة ولم تتوقف , فأعواد المشانق لا تزال تنصب في ميادين طهران لأهل السنة فيها وفي الأحواز العربية المغتصبة , وحوثية اليمن يحاصرون مدينة صعدة ويضربونها بالأسلحة الثقيلة ولا يفعل معهم الجيش اليمني سوى محاولة الوساطة لفك الحصار , ولا تزال الحكومة العراقية الشيعية تذيق أهل السنة ألوانا شتى من الجرائم فالاغتيالات السياسية لرموز أهل السنة وتفجيرات المساجد والاعتداءات الشيعية من جيش المهدي وغيره من الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة الطائفية لم تتوقف , فهل لم يسمع العالم أيضا بهذه المظالم ؟ وكيف يسمع العالم وهو من سلم العراق للشيعة على طبق من ذهب ؟
هذا غيض من فيض , وهناك بؤر ملتهبة كثيرة أخرى في عالمنا الإسلامي لا نستطيع حصرها مثل ما يحدث لمسلمي نيجريا وأفريقيا الوسطى وانجولا التي ألغت الديانة الإسلامية فيها وحاربت المسلمين , وما تعله فرنسا التي تريد أن تعيد القارة الأوروبية إلى فترة الاحتلال الفرنسي مرة أخرى فتعربد في أفريقيا دون قلق من رد فعل عالمي والكيان الصهيوني الذي لا يزال يغتصب كل ما في يد الفلسطينيين ويعذب معتقليهم ويحفر الأنفاق تحت الأقصى لهدمه , وما يحدث في مصر من قتل مستمر لم يتوقف على مدى العام كله حتى بلغ في يوم واحد عدة آلاف من القتلى الذين حرقوا وهم أحياء ثم جرفوا بالجرافات حتى ألقوا في صناديق القمامة , وغير ذلك من المظالم الكثير التي تستعصي على الجمع والاستقصاء .
فان كان هذا على مستوى الدول فلا تزال هناك سلوكيات على مستوى الأشخاص من المظالم لم تتوقف , فاغلب المتضررين من المظالم هما من حرج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على حقهما فقال : " إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة " [1] , فلا تزال حقوق كثير من النساء والأطفال مهدرة في العالم بصفة عامة وفي بلاد المسلمين بصفة خاصة , ولا تزال الطبقية المقيتة تحكم كثيرا من علاقات الدول والشعوب والأفراد حتى داخل المجتمع الواحد , ولا تزال كثير من مظاهر الظلم الاجتماعي للفقراء والضعفاء تزداد شراسة بينما يزداد فيها الغني غنى والفقير فقرا .
إن علبة بسكويت سرقها طفل هندي فقير ربما تاقت نفسه إليها ولم يملك ثمنها كانت كفيلة بمعاقبته بتجريده من ملابسه وتعليقه من قدميه ورأسه إلى الأسفل وضربه أمام والديه رغم قيام والديه بالتوسل للقضاة بالعفو عنه بعد أن تدهورت حالته الصحية حتى مات ذلك الطفل في لحظة أضيئت فيها سماء العالم بالصواريخ الملونة احتفالا بمطلع السنة الجديدة , فكانت هذه من أواخر مظالم عام 2013 .
بالقطع لم تبدأ هذه المظالم في 2013 وأيضا لن تنتهي يقينا في 2014, لكن الشاهد الأهم أن العالم ينحدر خلقيا ويفقد كل لحظة الكثير من قيمه وأخلاقه والتي ستسبب في لحظة قادمة يقينية بانفجار كبير ينفجر فيه الضعفاء والفقراء كقنبلة موقوتة في أوجه وصدور من ظلموهم وأذلوهم .
وبعد كل هذه المظالم لا يزال هناك أناس لا يعلمون أو لا يهتمون بما يعانيه غيرهم , فلا يزالون يعيشون نشوة الفرح في مقدم كل عام جديد متبادلين التهاني بالسنة الجديدة السعيدة , وأي سعادة تلك التي تبنى على جماجم البشر ؟ !!
كل الأمل أن يستفيق عقلاء العالم فيخاطبوا من يملكون صنع القرارات كي لا تدفعهم الرغبة الجامحة إلى التملك والسيطرة على كل مقدرات وممتلكات الشعوب الأخرى , وأن يدركوا أن حريتهم وسعادتهم لا تبنى بالضرورة على تعاسة وإفقار واغتصاب ممتلكات الغير , كل الأمل أن يستفيق العالم وخصوصا عالمنا العربي والإسلامي قبل ألا تصلح أية حلول يحاولون تقديمها .
[1] أخرجه ابن ماجه (3678) وابن حبان (1266) والحاكم (1 / 63 و 4 / 128) وأحمد (2 / 439) وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة 1015
11-01-2014
|