تحت ضغوط الاتهامات بالإرهاب التي ألصقت بالمسلمين وتحت دعاوى الحرية والمدنية والتعايش السلمي وهي المصطلحات البراقة الخادعة تناسى المسلمون مضطرين جرائم وكوارث وفظائع ارتكبها النصارى ضدهم .
فمن يستطيع من المسلمين أن يذكر – دون أن يتهم بالإرهاب وبإثارة الأحقاد وبالفتنة الطائفية - في كتاباته أو أقواله اليوم أن الحروب الصليبية التي استمرت أكثر من ثلاثة قرون ضد الإسلام والمسلمين قد أبادت الملايين من المسلمين ودمرت قراهم ومدنهم وخربت كل شئ وانتهكت حرمات المساجد ودور العبادة لأي ملة أو نحلة غيرهم , بل كانوا يبقرون بطون الحوامل لإخراج الأجنة من داخلها – كما فعلوا ذلك وكرروه في البوسنة والهرسك تماما - ثم حرقها بعد ذلك على أنغام التراتيل وتحت أضواء الشموع والمشاعل وهم يتقربون بذلك إلى معبودهم الذي لا نعرفه ولا نؤمن به .
ومن يود أن يحاول نبش التاريخ واستنطاقه بالحقائق الكثيرة والمفجعة لكي يخرج ما حواه عن مدى الخسة والغدر والإجرام الذي مورس ضد المسلمين من قبل النصارى في حوادث شتى منها ما فعلوه عندما دخلوا بيت المقدس لما ذُبح داخل المسجد الأقصى سبعون ألف مسلم رجالا ونساء وأطفالا حتى يقول مؤرخ معاصر للحروب الصليبية " Raymond d`Aigles " أنه عندما زار الحرم الشريف غداة المذبحة الرهيبة التي أحدثها الصليبيون فيه، لم يستطع أن يشقَّ طريقه وسط أشلاء المسلمين إلاَّ في صعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه " [1] .
وأكد فعلهم هذا ما قالته ملكة منهم " ”بما أن أرواح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبداً ؛ فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض”
فهل كان ما فعلوه ناتجا عن تصرف شخصي يمكنهم التبرؤ منه ونسبته لفعل الأشخاص أم كان بدافع ديني عقائدي؟
واليوم يؤكد بابا الفاتيكان الجديد الذي يمثل أعلى سلطة كهنوتية لمعظم نصارى العالم الذي أراد تذكرة العالم بان هناك يوما لا يزال محفورا في أذهانهم ولم يفارق مخيلتهم حتى الآن , إلا وهو يوم فتح القسطنطينية على يد المسلمين .
في احتفال كبير أقامه "فرانسيس الأول" بابا الكنيسة الكاثوليكية في ساحة القديس بطرس بمشاركة عشرات الآلاف منح ما يزيد عن 800 مقاتل ممكن شهدوا الفتح الإسلامي للقسطنطينية لقب " قديس " , وأعلن في كلمة له عن كثير احترامه لأولئك المقاتلين ومتمنيا من "الرب" أن يمنح الشجاعة والصداقة للمسيحيين الذي يعانون من العنف في أرجاء كثيرة من العالم !!!
وحقق بابا الفاتيكان الجديد بهذا العمل رغبة سلفه المستقيل التي كان يود تحقيقها ليوصل رسالة للعالم أنه جاء امتدادا لسلفه محققا ما لم يستطع تحقيقه فليس بينهما خلاف لا في المظهر ولا في الجوهر ولا الأفكار ولا الأهداف .
وزعم فرانسيس الأول في كلمته أن " قوات السلطان محمد الفاتح قتلت المقاتلين الـ800 وقطعت رؤوسهم بعدما رفضوا الدخول في الإسلام رغم أن ما قاله لم يرد في أي كتاب موثق يتحدث عن فتح القسطنطينية بل ما ذكر عكس ذلك تماما , فقاله ليؤجج مشاعر النصارى ضد المسلمين , وكأنه يهيئ العالم كله لموجه هجوم على المسلمين سواء في أوروبا أو المشرق الإسلامي وذلك بعد ارتفاع معدلات المسلمين في أوروبا مما يهددها بان تكون دولها ذات أغلبية مسلمة خلال عقود قليلة
وهنا استنطق بابا الفاتيكان بطن التاريخ لإخراج ذكريات هذا اليوم وليزيدها – كذبا – بأحداث مؤلمة بم تحدث ليزيد احتقان النصارى على المسلمين في كل مكان وليزيد بذلك الشعور بوجوب إخراج المسلمين ومضايقتهم في القارة الأوروبية والأمريكية.
فعلى الرغم من أن المسلمين عندما دخلوا القسطنطينية أنقذوا أهلها من الظلم البيزنطي وحب بهم أهلها ليخلصوهم من القهر المادي والمعنوي الذي سببه لهم الرومان , فحينما توجه محمد الفاتح بعد دخوله مباشرة نحو كنيسة آيا صوفيا واجتمع فيها عدد كبير من الناس وحضر معهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون
صلواتهم وأدعيتهم وحدث خوف عظيم لخشيتهم أن يذبحهم المسلمون , فقام أحد الرهبان وفتح الأبواب للسلطان فطمأن الناس وطلبهم بالعودة إلى بيوتهم آمنين فأطمأن الناس , حتى إن بعض الرهبان خرجوا من مخابئهم في السراديب وعادوا إلى أعمالهم الكنسية مطمئنين .
إن ما فعله بابا الفاتيكان لا يمكن اعتباره حدثا اعتراضيا أو موقفا نبيلا إنسانيا بقدر ما يمكن فهمه على انه رسالة موجهة للنصارى وللمسلمين على حد سواء , رسالة استعدائية للنصارى في كل العالم على المسلمين , ورسالة تهديدية في نفس الوقت للمسلمين بان النصارى لم ينسوا ثأرهم , وأنهم لن ينسوا أن الآستانة - وهي استنبول الحالية عاصمة الدولة التركية - كانت يوما ما عاصمة الدولة البيزنطية .
ان التقارب الذي تم أثناء فتح القسطنطينية بين الارثوذوكس والكاثوليك هو ما يتكرر اليوم بالزيارة التي لم تحدث من قبل من تواضروس بابا الارثوذوكس لبابا الفاتيكان التي لم تنل حقها من الاهتمام من المسلمين والتي تم فيها تحديد يوم العاشر من مايو "يوما للمحبة الأخوية بين الكنيستين الكاثوليكية والكنيسة القبطية . فبين الفرقتين عداوات كثيرة وخلافات عقائدية تصل لحد التكفير المتبادل , ولهذا لم يسمح شنودة بدخول يوحنا بولس كنائسه في زيارة الأخير لمصر , وبينهما دماء سالت أنهارا على مدى قرون , ورغم ذلك يفتحون مرحلة جديدة ليس لهم عدو مشترك فيها إلا المسلمون , ولهذا كان من نتائج زيارة تواضروس للفاتيكان ما صدر عن البابا بخصوص القسطنطينية الذي لم يأت بلا منهج ولا تخطيط ولا لمجرد رد فعل إنساني.
---------
[1] Raymond d`Aigles, p. 300
[2] سفر التثنية 2 (31-36)
---------
المصدر مركز التاصيل للدراسات والبحوث
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: