الدب الروسي يعد العدة لحرب ضد المد الإسلامي الداخلي
يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4980
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يتميز الإسلام بخصيصة تجعله متفردا بين الأديان والعقائد والأفكار, وهي قدرته الفائقة على تحمل الشدائد ومقاومتها ثم سرعة النهوض والتأثير والانتشار مرة أخرى بمنظومة عجيبة لا تكاد تتكرر في غيره.
فبعد فترة مظلمة حالكة السواد ساد روسيا فيها الحزب الشيوعي بأفكاره المعادية للأديان جميعا والتي نادت فيه بالإلحاد فلا وجود للإله ولا يعترفون بدين بل كانوا يقولون بقول ماركس " لا إله والحياة مادة " وقول لينين " الدين هو أفيون الشعوب وهو نوع من الخمر الروحية يغرق فيها عبيد الرأسمالية صورتهم الإنسانية والبحث عن الله لا فائدة فيه , ومن العبث البحث عن شئ لا وجود له , لابد من محاربة الدين هذا هو لب الماركسية وينبغي أن نعرف كيف نحارب الدين " وكذلك كما كان يكرر دوما " الدين نوع من ( السيفوخا) وهى أردأ أنواع الفودكا ( نوع من الخمور ) ردئ الرائحة ".
فبعد هذه الفترة الحالكة التي عانى فيها المسلمون اشد المعاناة فحوربوا وحوصروا واضطروا لإخفاء هويتهم الإسلامية مدة طويلة تقترب من القرن الكامل , وبعد سقوط الشيوعية رسميا مع تفكيك الكيان المسمى سياسيا بـ " الاتحاد السوفيتي " قبل حوالي العشرين عاما - ديسمبر من العام 1991 - لم يكن هناك في روسيا إلا عدد من المساجد التي تعد على أصابع اليد.
وربما ظن كثيرون أن الإسلام قد اضمحل أثره وابتعدت الأجيال الجديدة من المسلمين عنه ولم يبق متمسكا به أحد إلا الشيوخ والعجائز , مما أكد لهم - وفق افتراضاتهم - انه لن تقوم للإسلام قائمة بعد هذه الضربات المتلاحقة.
ولكن ما حدث كان العكس تماما وكان مفاجئا بصورة شديدة عليهم إذ وجودا ان المسلمين قد خرجوا من تحت ركام القهر إلى الحياة مرة أخرى ومعهم أجيال شابة تربت على الإسلام وأحبته واتخذته منهج حياة على الرغم من إظهارهم العكس من ذلك تماما , فانتشرت مظاهر الالتزام بالإسلام فظهرت اللحى على وجوه الشباب والرجال وظهرت أغطية الرأس الشرعية على رؤوس النساء , وأزعجهم وأفزعهم بالفعل ظهورها على رؤوس الفتيات الصغيرات التي لم تفلح كل وسائل القمع والإبعاد والإلحاد أن تصرفهم عن دينهم.
ورصد تنامي أعداد المسلمين وعودتهم إلى إظهار دينهم المستشرق البروفيسور روبرت لاندا الذي أصدر في العام الماضي كتابا بعنوان:"روسيا وعالم الإسلام الروسي " , والذي قال فيه : " إن الأحداث التي رافقت بدء البيريسترويكا في أواسط ثمانينات القرن العشرين حين رفع في الاتحاد السوفيتي الحظر على ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية وتقاليدهم. وتحولت عودتهم كالسيل الجامح لممارسة معتقداتهم وتقاليدهم إلى عملية أطلقت عليها تسمية " الصحوة الإسلامية". علما أنها شملت جميع الجمهوريات والأقاليم الإسلامية في الاتحاد السوفيتي ".
وأشار البروفيسور في الكتاب إلى ازدهار أعمال إنشاء المساجد وإصدار الكتب الدينية وافتتاح المدارس والجامعات الإسلامية وغيرها , وقال " وفي الوقت الحاضر يوجد في روسيا ما يربو على 7500 مسجد ومصلى , كما افتتحت في البلاد في الأعوام الأخيرة 96 مؤسسة تعليمية إسلامية ".
وفوجئ القادة الروس بهذا الازدياد المضطرد , وكان من أشد ما ازعجهم إحصائيا ازدياد عدد المساجد بصورة كبيرة في حين أن الكنائس التي كان يفترض أن تزيد بصورة متوازية مع سقوط الشيوعية لم تنم بتلك السرعة , بل ثبتت عددا وربما تتناقص , مما أدى بالزعماء الروس والسياسيين بعد رصد الظاهرة إعلان تخوفهم منها وخاصة بعد ما قالت ذكرت وكالة نوفوبرس في تقرير لها على موقعها باللغة الفرنسية " أنه من المرجح أن يصبح الإسلام الديانة الأولى في روسيا بحلول عام 2050 نظرا لزيادة الإقبال على اعتناق الإسلام ولتزايد معدل المواليد بين المسلمين الروس وأضافت " أن الجالية المسلمة في روسيا يمكن أن تصبح أكبر الجاليات بحلول منتصف هذا القرن، كما أن الإسلام يمتلك كل المقومات ليصبح الدين الرئيسي في البلاد".
ومن هنا عقد مؤتمر شبه عسكري في الأكاديمية العسكرية للأركان العامة بموسكو بحضور ممثلي وزارتي الدفاع والداخلية والعديد من دوائر القوة الأخرى مما أوحى بخطورة القضية التي يناقشونها فيه , وحمل عنوانا ضخما لهم وهو " النزعة الإسلامية والأمن القومي للبلاد " .
وعلى الرغم من ندرة الإحصائيات الرسمية عن المسلمين بشكل خاص في روسيا إذ أنهم لا يعترفون بالإحصائيات على أساس الديانة , إلا أن الإحصائية الوحيدة التي يمكن البناء عليها هي الإحصائية التي ذكرها مسئول روسي كبير في محاضرته أمام هذا المؤتمر.
فألقى الجنرال كوليكوف أناتولي كوليكوف رئيس نادي القادة العسكريين في روسيا في كلمته في المؤتمر رقما هاما جدا يبين مدى انتشار الإسلام فقال أن " عدد المساجد في البلاد تضاعف بمقدار 72 مرة في الأعوام الـ20 الماضية " أي منذ سقوط الشيوعية تماما وهو ما أثار انزعاجهم بشدة .
ثم وضح كوليكوف هذه الجملة قائلا " إننا نلاحظ ظهور هيئات إسلامية في 55 كيانا بروسيا الاتحادية، وكان يوجد في روسيا في عام 1989 ما لا يزيد عن 27 مسجدا. وفي الأعوام العشرين الماضية ازداد بهذه الصورة المتزايدة , فأصبح عدد المساجد في داغستان يبلغ حوالي ألفي مسجد، وفي تتارستان أكثر من 1100 مسجد، وفي بشكيريا – 470 مسجدا، وفي جمهورية الشيشان – 465 مسجدا، وفي جمهورية الانغوش – 300 مسجد ".
ثم طالب المؤتمرين - أو بالأحرى المتآمرين - باعتبار هذه الإحصاءات الإسلامية تهديدا أكثر واقعية بالنسبة إلى روسيا وخاصة أنها تمت في الدول التي تعلن دوما رغبتها في الانفصال عن روسيا وتحررها من الحكم الروسي بالجهاد , واستعدى الحضور بقوله " إن مواصلة التسامح حيال الحركات الراديكالية لا علاقة له البتة بحرية الضمير" .
وتحدث كثيرون غيره في المؤتمر, منهم"ميخائيل رميزوف" - مدير معهد الإستراتيجيات الوطنية الذي قال:" إن الأصولية الإسلامية في روسيا ظاهرة لا تلقى الاهتمام الوطني، وأنه ينبغي مكافحة الأصولية الإسلامية والإسلام السياسي والوهابية، والتي تعتبر مفاهيم إسلامية تناقض الأيديولوجية الروسية".
ولفت رميزوف انتباه الحضور بخشيته من امتداد التأثر بالربيع العربي في المناطق ذات الكثافة الإسلامية حتى لا تشكل خطرًا على البلاد , ولمح إلى ضرورة محاصرة ومحاربة وانتشار أبناء الجماعات الإسلامية في المكاتب الحكومية الروسية , ملمحا إلى خطورة وصولهم إلى طبقات صنَّاع القرار على المستويات المختلفة , وطالب بعدة إجراءات بالحيلولة دون سيطرة " الأصولية الإسلامية " على المناخ الإسلامي اجتماعيا وسياسيا وعلى مستوى علماء الدين والقضاء وطالب بتعديل قوانين الهجرة للحد من هجرات المسلمين وازدياد أعدادهم .
وصدرت توصيات المؤتمر بمطالبة مجلس الأمن القومي الروسي بإجراء دراسة للوضع حول العلاقات بين القوميات ، وإعداد برنامج لمكافحة ما أسموه "التطرف الديني" , والعمل على إصدار تشريعات يراعى فيها ظهور "النزعة الإسلامية الراديكالية" في شمال القوقاز ومناطق الفولغا، واستحداث وزارة لشؤون القوميات والطوائف الدينية، وافتتاح كليات للدراسات الدينية في الجامعات الروسية .
أن الدب الروسي يسعى هذه المرة لحرب دفاعية لم تحدث منه منذ وقت طويل مضى حينما كان للدولة العثمانية الغلبة عليه في حروب دامت قريبا من أربعة قرون , فمعظم حروبه مع الإسلام في القرن الأخير بعد سقوط الخلافة كانت حروبا هجومية , ولكن انتقال الدب الروسي لهذه الحرب الدفاعية بعد أن استشعر الخطر الشديد هو بداية انتصار الإسلام في هذه الدولة التي كان الإسلام فيها ذا مكان مرموق في سابق الزمن .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
------------
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: