"تواضروس" والمقامرة بمستقبل النصارى في مصر
يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 5490
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
على مدى خمسة عشر قرنا من الزمان ومنذ الفتح الإسلامي لمصر لم يكن النصارى فيها على موعد مع لحظة مفصلية وشديدة الخطورة مثلما يحدث في هذه الأيام التي أعقبت تجليس تواضروس على رأس الكنيسة الارثوكسية في مصر .
ولقد اتخذ تواضروس منذ مقدمة عدة مواقف وقرارات تنبئ بأن هذا الرجل جاء لهدف خطر جدا ويحاول أن يضرب فيه الضربة الأخيرة الفاصلة وهي التي يقامر فيها بكل تاريخ النصارى المصريين ليقف بها على إحدى عتبتين إما إقامة دولة نصرانية
فليس غريبا أبدا على قساوسة مصر الذين يختلفون عن قساوسة العالم كله في أزيائهم المتشحة بالسواد أن يكون هذا الانفصال عن مصر مطمع كبرائهم الحاليين ليكون هذا تواؤما مع فعل كبارهم الدائم على مر التاريخ في محاولات متكررة ومتعاقبة كتب عليها دائما الفشل .
وتشهد بطون الكتب التاريخية عن وجود مظاهر متعددة مما ليس له مسمى سوى الخيانة وكانت على أنواع متسقة ومتوالية , فهناك عدد كبير من محاولات التمرد المسلح واقتطاع أجزاء من مصر والاستيلاء عليها وتكوين جيوش نصرانية ومحاربة الجيش الإسلامي مرات عديدة للوصول لهذا الهدف بفصلها عن مصر , وهناك حالات كثيرة أخرى من استنجاد بنصارى الخارج على مسلمي الداخل الذي من المفترض أنهم أبناء وطن واحد , وهناك مظاهر ثالثة لمعاونة المحتلين على دخول مصر والسير في ركابهم وتيسير كل الوسائل لهم في احتلال مصر وقتل المصريين المسلمين وسفك دمائهم لنيل تعاطف ديني بين المحتلين وبينهم إذ يجتمعون معهم في الديانة وحينها يضربون بما يسمى اليوم بالمواطنة عرض الحائط .
ففي مجال العمل المسلح للانفصال عن مصر ونقض العهد المبرم في اتفاقيتي بابليون الأولى والثانية سنة 20هـ كان منهم هذه الحوادث التاريخية المشهورة التي كان لها عدة قواسم مشتركة , أولا الموافقة على الاتفاقيتين المبرمتين سنة 20 ثم استغلال لأي حالة يمر بها الحكام المسلمون ثم التسلح الدائم والحرص على جمع اكبر قدر منه ثم الاتصال بملوك الشرق والغرب من النصارى لاستعدائهم على المسلمين وأخيرا القيام بالتمرد وقتل عدد كبير من المسلمين العزل واغتصاب نسائهم واستحلال أموالهم ونهبها ثم بعد هزيمتهم يعودون بعفو من أمير مصر لينضموا لنسيجها ويظهروا المودة في نفس الوقت الذي يجهز فيه قادتهم للتمرد الذي يليه ويكررون فيه نفس خطواتهم السابقة :
-" تمرد مسلح أثناء ولاية عبد العزيز بن مروان من عام 65 : 86هـ باتصال خائن بين بطريك الكنيسة بملكي الحبشة والنوبة .
- تمرد بقيادة قساوسة وادي النطرون وبطرك الكنيسة القبطية في الإسكندرية وذلك في عهد الوالي عبد الله بن عبد الملك بن مروان (86-90هـ)
- تمرد في عهد والي مصر قرة بن شريك (90-96هـ) تمرد النصارى وظل يطاردهم واستمر حتى وفاة قرة وأكمل بعده والي مصر الجديد أسامة بن زيد التنوخي حتى أنهى هذه الفتنة .
- تمرد مسلح في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99ـ101هـ) وتم إنهاؤه
- تمرد مسلح في عهد الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك (101ـ105هـ) للانفصال فأرسل جيشا من الجزيرة لمساعدة الجيش المسلم في مصر
- تمرد أقباط الصعيد في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (105ـ125هـ) وأعلنوا نقضهم لاتفاقيتي بابليون الأولى والثانية وقتلوا عمال الحكومة وثاروا على واليها حنظلة بن صفوان .
- تمرد مسلح في سنة 121هـ في عهد هشام بن عبد الملك فأرسل لهم جيشاً لقتالهم فانتصر عليهم
- تمرد على الخليفة الأموي مروان بن محمد عام 132هـ , فأعلنوا خروجهم المسلح بقيادة قساوستهم ورهبانهم في الوجه البحري , وذلك تزامنا مع تمرد آخر لمجموعة كبيرة مسلحة من نصارى سمنود مع رجل اسمه " يحنس " فحاربهم والي مصر عبد الملك بن موسى بن وانتصر عليهم وقتل يحنس .
- تمرد قبط رشيد وفي عهد مروان بن محمد أيضا فأرسل جيشا فقضى على تمردهم
- تمرد أقباط مدينة سمنود وفي عهد الخليفة العباسي أبو العباس , يقودهم شخص يدعى (أبو مينا) فقاتلهم والي مصر أبو عون (133ـ136هـ) وهزمهم وقتل زعيمهم
- تمرد أقباط سخا وأقباط (البشرود) سنة 150هـ وهزيمتهم لجيش الوالي بعد اتصالهم بالكنيسة البيزنطية حتى هزمهم موسى بن علي اللخمي عام 156هـ .
- تمرد أقباط الوجه البحري في سنة 216 هـ حيث يعتبر اعنف تمرد قاموا به لدرجة أن الخليفة المأمون جاء بنفسه بجيش إلى مصر فهزمهم بعد أن مكث في مصر أكثر من أربعين يوما , ثم عفا عنهم بعد أن اقروا بنصوص المعاهدتين السابقتين وأعادهم إلى كنائسهم وصوامعهم ثم عاد لبغداد " [1].
ودائما ما كان هذا شأن الأمراء والخلفاء المسلمين الذين كان بمقدورهم في كل مرة الاستمرار في قتالهم وقتلهم حتى إفناءهم بحكم حالة الحرب التي أعلنوها , ولكنهم كانوا يعلمون أن اغلب النصارى يريدون العيش مع المسلمين في وطن آمن , ولكن في كل عصر يكون لهم قساوسة وقادة لا يحسنون اتخاذ القرارات السياسية ودائما ما يتسببون لهم في مشكلات مع أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه ولم يروا منه يوما غير حسن تعامل وجوار من منطلق أوامر دينية مسلمة بحسن التعامل معهم ما لم يسيئوا
وأما في تاريخ تعاونهم مع المحتلين لمصر فحديث طويل , فلقد تعاونوا مع كل محتل فكر أو نفذ بالفعل احتلال مصر , فتعاونوا مع الصليبيين بحملاتهم الصليبية المتكررة وعاونوا فرنسا في حملتها وعاونوا الإنجليز في احتلالهم لمصر رغم أن الإنجليز انجلبيون لا تعترف الكنيسة المصرية بهم ولا يعترف كذلك بهم البريطانيون ولكن أمام الإسلام يجتمعون وينفقون , وحتى عندما جاء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م هرع إليه بعض الضباط النصارى والجنود معتبرين أنهم أمام عدو مشترك وهم أبناء وطنهم الذي يعيشون فيه , فهل هناك من يتساءل عن مفهوم للمواطنة عند النصارى قديما وحديثا ؟
انه تاريخ طويل صمت – عمدا - عنه المسلمون كثيرا ولابد الآن أن يكشف , ولابد للأجيال المسلمة أن تعي تلك الحقائق والمسلمات , فالتاريخ لا يكذب وكله عبر فهو يعيد نفسه باستمرار , ولكي تعلم الأجيال المسلمة في مصر خصوصا أن عداء الكنيسة المصرية لم يكن يوما ضد الجماعات الإسلامية أو حكم الرئيس مرسي فحسب بل عداء لكل ما هو إسلامي ويكفي المشهد الذي نشر مؤخرا حول تبول بعض النصارى على المصحف الشريف ليدل دلالة قاطعة أن عدوهم هو الإسلام وليس المسلمين ولا الإسلاميين .
ولابد للأجيال المسلمة أن تعي أن هؤلاء لا يبغون حتى مبدأ المواطنة الذي يزعمون أنهم ينادون به بل على العكس تماما فان تصرف النصارى في حين تمكنهم لن يختلف عن مشهد حملهم للأسلحة على ظهر الكاتدرائية وإطلاقهم الرصاص العشوائي فكل دم مسلم عندهم غنيمة وكل ممتلكاته المدمرة التي دمروها في طريقهم مباحة فلهم أن يفعلوا ما يشاءون , ويجب على الأجيال المسلمة أن تعي أن أكذوبة المحبة والسلام لم تكن موجودة في يوم من الأيام في أي مكان , فمحاكم التفتيش كانت نصرانية وسفاحو الصرب والكروات كانوا نصارى وهيلاسيلاسي المجرم بكل ما فعله بالمسلمين كان نصرانيا متشددا ينتمي منتميا إلى كنيسة التوحيد الأرثوذكسية التي تؤمن بأنها الوحيدة التي حافظت على نقاء المسيحية .
فأين ما يرفعونه من شعارات المحبة والسلام, وأين " سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لأعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " ؟[2] .
وأين ما يقولون عنه أنه دستور الحياة المسيحية التي ألقاها المسيح لكي تلتزم بها مملكته " سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن , وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا , ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا , ومن سخرك ميلا واحدًا فاذهب معه اثنين " [3] .
بل ظل شعارهم مع المسلمين دوما ما نسبوه زورا إلى سيدنا عيسى عليه السلام " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ., فَإِنِّي جِئْتُ لِأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ وَالاِبْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ " [4] , محققين بذلك الشعار الذي تنادوا به في الكاتدرائية " انسى القبطي بتاع زمان احنا هنضرب في المليان ".
اذن فهذا السعي النصراني ليس جديدا ولا مستغربا وليس شنودة أو تواضروس بدعا فيه , وهذا الغباء القيادي عندهم يجعلهم دوما رهن قيادة جاهلة لا تعي أن مصلحة مصر ومصلحة النصارى تكمن في توحدها لا تفرقها , وان النصارى في مصر يشهدون أفضل معاملة تجدها أقلية في العالم , فأغني أغنياء مصر منهم , وحتى ان كانوا لا يزيدون عن 6 % من شعب مصر فأفرادهم يمتلكون ما يزيد عن 50 % من اقتصادها , ورغم أن هذا خلل يستوجب التوقف عنده لخطورته إلا أن الشعب المصري قد قبله ولم يجد فيه غضاضة فلم يكن يفرق في التعامل على أساس الديانة أبدا حتى أشعلها النصارى بغباء قادتهم .
ما الفرق هذه المرة ؟
في كل مرة حدث فيها مثل هذا التمرد كان مصيره الفشل لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بنقاط القوة والضعف ومنها ما يتعلق بأخلاق المصريين الذين يتعايشون مع بعضهم البعض وخاصة عندما يفشل سافكو الدماء ومحبو إثارة المشكلات من القساوسة إقناع النصارى بقتال جيرانهم فلا يتحرك مع القساوسة إلا القلة من الصبيان المغرورين المخدوعين .
لكن الأمر مختلف هذه المرة حيث مثل وجود الآلة الإعلامية الشديدة الضغط والإلحاح والخبث أن تجعل من الجاني ضحية وأن تصور أن من يحمل السلاح الآلي - ويضرب به المحيطين من المدنيين والشرطة دونما تمييز ودونما سبب - ليس مجرما وأنه من الأقلية الضعيفة المقهورة المغلوبة على أمرها والتي تعاني من التهميش والحرمان , وهذا عجيب جدا.
والأمر أيضا مختلف حيث أن المخدوعين كثيرون جدا اليوم , فمجرد اختلافهم السياسي مع الإسلاميين الذين يشكلون السلطة الحاكمة – اسما فقط لا حقيقة – قد برر لهم ان يزجوا باسم الإسلاميين في كل ضائقة تمر بها البلاد , فلا ادري لأي سبب بعد شجار بين طرفين أحدهما مسلم والآخر قبطي فوقع فيه قتلى أن يخرج المشيعون ليكيلوا الاتهامات للرئاسة بصفتها إسلامية ويتنادوا في كنيستهم بالهتاف المقيت الذي لا يعبر عن شئ إلا عما يختلج في الصدور من حقد " يسقط حكم المرشد " , وما دخل هذا الشجار بالخلاف الديني لكي يتصايحوا في جنازتهم " بالروح والدم نفديك يا صليب " ثم يهاجموا أبواب البيوت ويتلفوا في طريقهم سيارات لا يدرون من أصحابها .
والأمر مختلف هذه المرة لان الكنيسة تمتلك من المساحات الشاسعة فيما يسمى بالأديرة وهي التي يوجد فيها إمكانية حياة متكاملة يمكنهم العيش فيها ولا يحتاجون شيئا من الخارج وللأسف لا تستطيع الدولة المصرية منذ عصر مبارك الاقتراب من الأديرة التي تزيد في مجموعها عن عشرين مرة ضعف حجم دولة خليجية .
وأخيرا فالأمر مختلف ففلول النظام السابق والعلمانيون وكارهو النظام الإسلامي والإعلام الموجه المغرض ومنظمات المجتمع المدني الممولة من الخارج ومخابرات الدول المختلفة وتدخلاتها ومن استطاع الإعلام أن يبدل انتماءاتهم ويجعلهم يكرهون كل إسلامي وأطفال الشوارع والبلطجية وأعداد من الصوفية والسطحيون المغيبون من المسلمين يجتمعون كلهم مع النصارى في بوتقة واحدة ضد الإسلاميين الذين لا يملكون إلا هذا المنصب الشرفي للرئيس الذي يكال له كل يوم كمية من الاتهامات والإهانات التي لا يمكن لرئيس بل لإنسان أن يتحمل بعضها .
لذا فشل التمرد في كل مرة سابقة ويبقى هذا التمرد الأخير الذي يقامر فيه تواضروس ومن وراءه بمستقبل مصر ومستقبل النصارى أنفسهم ليجعل منها حربا أهلية ليخسر الجميع وفي مقدمتهم النصارى بعدما فشلوا في إدخال الجيش المصري في الأزمة مع الحكم .
ويحاول تواضروس فيها إما أن يحصل على ما يريد من أو أن يتقدم خطوة شبه نهائية كنيل تنازلات حكومية متكررة ريثما تسنح له فرصة بعدها , وسيخطئ تواضروس كما اخطأ سلفه بحساباتهم السياسية الغبية , فالدين للمسلم المصري لا يعادله شئ , والمسلم يمكنه أن يتهاون في كثير من الطاعات ويمكنه أن يتنازل عن كثير من الرغبات والمطالب ولكنه عند تعرض دينه للخطر فلن يكون هناك إلا إسلام وكفر , وحينها سيخسرون كل ما ينوه على مدار عقود .
---------
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
------------
[1] هل كان للأقباط دور تاريخي في مقاومة المحتل , د.هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن
[2] آيات (43-48)
[3] انجيل متى آيات (38-42)
[4] (متى 10: 34-37).
7-05-2013
|