رشيد السيد احمد - سوريا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6520
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم نعد نعرف إلى أي فصل وصلت ثورتنا السورية ( لا بارك الله بها ).. مع تصريحات عبد الحليم خدام الناريّة للقناة العبرية الثانية، و التي بشر بها..عن حتميّة سقوط نظام بشار الأسد خلال شهرين..بتدخل حلف الناتو مع تركيا، و عن طريقها لاحتلال سوريا.. و لكن الذي اعرف تماما، و أنا في كامل وعيي أنّ ثورتنا المصونة كشفت عن عورتها تماما، و سقطت حتى ورقة التوت، بعد أن رفعت رجليها..
في كل مكان، و في تصريحات كل الذين مع سوريا، أو مع نظامها كان يُقال : " إنّه كانت هناك حركة مطالب شعبية تسللت من خلفها المؤامرة.. و كانوا يقصدون بذلك بداية الأحداث في درعا " حتى أنّ بشار الأسد قسمها إلى ثلاث حركات ( قبل استيعاب الصدمة ) ، و الذي قلته من قبل، و أقوله الآن : أنّها مؤامرة أشعلتها شرذمة من فلول الأخوان المسلمين التي بقيت في درعا، و التي تحمل بين جوانحها جذوة الثأر من النظام الذي استأصل شأفة تمرد حركتها المسلّح في الثمانينات من القرن الماضي، و الذي رفدته درعا بأخطر قادته ( الأخوين العطّار )، مستعينة بالشيطان الخارجي على ذلك، و أداة غبيّة لتنفيذ مصالحه.. دون حسابات واقعيّة.. فأوهمت ذلك الشيطان بقدرتها على تنفيذ الأجندات.. لتستفيق من وهمها هي، و شيطانها على قوة ضربات النظام لها، و سرعة حسمه...
و في درعا تمّت صياغة سيناريو اخطر من سيناريو الثمانينات.. حيث تم ّالتخطيط هنا لفصل درعا، و التحضير لقيام مجلس انتقالي " الأحداث كشفت ما تحدثت عنه في مقالات سابقة "، و بذات الأدوات، و لكن في الثمانينات.. كانت عناصر التنظيم المسلّح من خيرة شباب المحافظات السوريّة ( غالبيتهم حاصل على شهادة جامعية عالية.. و الباقي شباب متعلم تمّ استغلال عواطفهم الدينية، من خلال اللعب على الوتر الطائفي )، و كان هؤلاء الشباب يؤمنون بالقضية التي خرجوا من اجلها (حركة مسلّحة لقلب نظام الحكم )، و يعرفون أبعاد ما يقومون به، و عندهم كامل الاستعداد لتحمّل نتائجه.. أمّا في السيناريو الحالي فقد تمّ الاعتماد على حثالات مجرمة، تمّ تجييشها بناءا على انتماءات عشائرية، أو محض مناطقيّة.. و باللعب على حاجاتها الماديّة، و الاستفادة من حالة الفساد التي وصل إليها النظام لدعم هذا التجييش غير المسبوق، و الذي كانت درعا تعيش تداعياته مثلها مثل كل مناطق سوريا، و الذي رُكبّت عليه بشكل فج هرطقات طائفيّة كان ينادي بها رجال دين أميّون استغلتهم الطغمة المتعلمة من بقايا الأخوان في درعا...و بالتوالي تمّ نقل هذه التجربة البائسة الأدوات، و الأهداف إلى بانياس، و حمص ( هنا كانت المهزلة بمحاولة إقامة إمارات ).. و توقفت عند حدود اللاذقيّة..
الجيش السوري استطاع خلال 20 يوما القضاء على هذه العصابات التي كان عصبها المحرّك هذه الحثالات المنفلتة من العقال الأخلاقي الذي ظهرت تداعياته من خلال تمثيلها بالجثث، و التي كانت صورة نضال جنّود المثال الصارخ على الدرك الذي وصلت إليه، يضاف إلى ذلك عملية قطع الرؤوس على الطريقة القاعديّة.. و التي قبلت أن تخرج على النظام بالفتات القليل من المال ( 40 $ ) في الغالب ( هذا يفسّر سرعة الحسم، و بالجراحة النظيفة التي قام بها الجيش في الأماكن التي دخل إليها ) ..و هنا كان المشهد على عكس ما كانت عليه أحداث الثمانينات ( و في ظنّي أنّ النظام أدرك الفرق في النوعية التي أعلنت حربها عليه، فسارع لاختيار الحلّ الأمني، و هو على ثقة من سرعة الانجاز، و أنّه عرف تماما أنّ الأمر هنا يختلف بشكل جذري عن سابقه )..
إنّ الشهداء الذين تمّ اغتيالهم في هذه الأحداث ستكشف الأيّام أنّهم بالفعل كانوا أهمّ شهداء قدّمتهم سوريا خلال تاريخها الحديث لأنّ دمائهم في الواقع حمت سوريّا من تفتيتها على أساس طائفي، كما صانت عرض كل حرائر سوريّا من انتقال التجربة العراقيّة إليهن.. و صانت دماء إخوانهم من أن تسفك في حرب طائفية لن تنتهي إلاّ بانتهاء الكيان الجغرافي الذي اسمه سوريا.. أي بشكل مختصر " دماء من اجل سوريّة، و سوريّة فقط"
كما أنّ مهاجمة الإعلام الرسمي السوري، و الحملة المنظّمة عليه، لم تثبت فائدتها.. لأنّ المواطن السوري كان قد حسم خياراته في هذا الإعلام، و كان يعرف من قبل المستوى الذي وصل إليه..و لم يكن بحاجة إلى شهادة احد به، فقد أصبح الهجوم على هذا الإعلام كقول المتنبي " و صرت إذا أصابتني سهام... تكسرت النصال على النصال "، و لكن المشكلة كانت في الإعلام الصهيوني الناطق باللغة العربيّة، و الذي كانت رأس حربته الجزيرة.. و التي استهترت تماما، و بكل صفاقة بعقليّة المتعلمين السوريين ( لا اقصد المثقفين ) و الذين يشكلون نسبة عالية من الشعب السوري، فاكتشف هذا المواطن كميّة العهر الإعلامي الذي تتمتع به، و أنّ هناك الكثير من الأمور غير الصحيحة التي تلفّقها، و تتحدث عنها، و التي اعتمدت في غالب نقلها لأحداثها على شهود عيان غير معروفين ( غالبيتهم ثبت أنّهم ملفقون، و كاذبون، و تمّ تزويدهم بالهواتف من قناة الجزيرة )، و على صور مفبركة ( وجهت وكالة رويترز إليها الضربة القاضبة ).. و قد ظلّ الإعلام السوري عاجزا عن إشباع ظمأ المتلقّي السوري خلال هذه الحرب الكونيّة التي شعر بخطرها، الذي كان يجد ضالته في غير إعلام كشف أيضا أنّه يتلاعب به... و لربما كانت حسنة الإعلام السوري الوحيدة في عرضه اعترافات بعض عناصر العصابات المسلحة التي لم يستطع احد أن ينكر وجودهم كأشخاص ( اخفت الجزيرة وجوههم بحركة خائبة عندما كانت تهاجم الإعلام السوري )، و الحسنة الأخرى كانت في كشف سجلات بعض الذين يدّعون أنهم معارضة خارجية...
عورة الثورة السوريّة ركبتها موجة الاحتجاجات المطلبية فيما بعد.. و هذه كانت انتهازيّة أيضا.. فنحن السوريون نعرف بعضنا تماما.. كما نعرف نظامنا الحاكم تماما..و نعرف الذين يخرجون، و لماذا هم يخرجون، و ما هي الخلفيات التي يخرجون من أجلها، فسوريا رغم اتساعها كأنّها شارع، و رغم تنوع نسيجها البشري كأنّها بيت واحد.. و هي مطالب عرف معظمها رأس النظام من خلال مقابلته لشرائح متنوعة من هذا الشعب، و لربما رسمت له خارطة طريق.. يبدأ ميله الأول بتنظيف محيطه الحيوي من الطقم الفاسد الذي يكذب عليه من أجل مصالحه الضيقة ، و الذي يقف حجر عثرة في طريق خطط الإصلاح الموضوعة في الأدراج منذ 6 أعوام للحفاظ على هذه المصالح، و الذي أوصل سوريّا إلى هذا السيناريو،.. و ليفتح كشف الحساب، و ليدفّعهم ثمن جرائمهم.. فهم أوّل من خان سوريّا، و برقبتهم وزر دماء كل الشهداء، و هم أوّل من جعل كلاب الأرض تطمع بالركوب عليها، و تفتيتها...لولا هذا الشعب..
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: