رشيد السيد احمد - سوريا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6922
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كنت قد ذكرت من قبل أنّ نهاية ما يسمّى ثورة شباب ، أو ثورة شعب في سوريّا قد بدأت بمجرد بيان القرضاوي الناري الذي كان يحرّض على رأس النظام فيه من باب الطائفة ، و المذهب..، و هنا تمّ التحريض بطريقة تختلف تماما عن كلّ ما أثار المواطنين العرب في غير دول صنعت ثورتها ، و هذا خطير جدّا بالنسبة للشعب السوري الذي يمثل موزاييك ديني - طائفي – أثني – مذهبي ، حشّد شيوخ الشام ضدّه ( و هؤلاء ليسوا شيوخ الأزهر ليوافقوا على استباحة المساجد تحت أيّ مسميات ) ، و ثلاث جمع بتسمياتها الثوريّة مرّت ( تمّت التسميّة حسب مزاج أهل الفيسبوك )..ثلاث جمع لم تسمن الشعب السوري ، و لم تغني من جوع.. بل ساعدت على تحويل يوم الجمعة إلى يوم دم لدى الذين ابتلوا بمتظاهرين يصرّون على أنها ( سلميّة – سلميّة )، ثم يتحولون بعد عدّة هتافات إلى آلة لتخريب الممتلكات العامّة ، و الخاصّة ، وضرب ، و قتل رجال الأمن..
ثورتنا السوريّة ذات النكهة الدرعاوية.. كانت تمشي بسيناريوهين مختلفين.. أوّلهما خطّ إسقاط النظام ببروغندا ميديا اجتمع عليها القطريون ، و السعوديون ، و أذنابهما بلبنان ، و الأردن ، بالإضافة إلى ما يسمى معارضة خارجيّة ، و على هامشهما حزب العدالة ، و التنمية التركي.. الذي استدار دورة كاملة ،و أعاد حساباته ، و ثانيهما خطّ استيعاب النظام السوري لتداعيات هذا الهجوم ( الثورة ) ، و إن كلّف الأمر دماءا سوريّة طاهرة ، سفكت على مذبح الغايات ، و الصفقات ، و التي سنعرف كيف سننتقم لها نحن السوريّون...
كان النظام قد عرف تماما أنّ هناك خطّة لإسقاطه ، كان قد سهّل لها غباء ضابط أمن في مدينة درعا ، حين أعطى الذريعة لمن أعدّ سيناريو الإسقاط بقتله شبابا سوريّين ( ربما يكون لديه متواطئين )..و ما عدا شهداء اليوم الأول من المواطنين في درعا.. لم يقتل شهيد سوري خارج يوم الجمعة.. و من ثمّ كانت أخبار سوريّة تختفي عن نشرات أخبار الفضائيّات ، و حضر المشهد الخارجي قليلا.. مظاهرات التأييد ، و التنديد في فرنسا، انكلترا ( اظنّ أن الامر مدروس من الجانبين ) ، و على حين أظهرت الـ bbc هذا المشهد ، أظهرت القناة الفرنسيّة 24 مشهد المنددين فقط..
شبهة أنّ الأمن السوري قوي ، و أنّ الذبابة في سوريّة يُعرف خطّ سيرها ، و أنّه لا مجال لدخول مندسين أو سلاح إلى سوريّة ، و التي اتخذتها البروبوغندا سلاحا في الردّ على النظام السوري لإبطال نظرية المؤامرة الخارجيّة.. كان الشعب السوري ، و كلّ المخططين الذين في الخارج يعرفون ضمنيّا أنّها ليست صحيحة في المطلق..نعم إنّ الأمن السوري يقبض على الأمور بيد من حديد ، و لكنه بالنهاية أمن يحرس نظام كان للفساد فيه يدا في كلّ مفصل من مفاصل الدولة..بل انّ هناك تحالف فساد ، و أثبتت التجربة أنّ بين الصفّ الأوّل من رجال الأمن عديمو ضمير من الممكن أن يبيعوا كلّ النظام و أن يبيعوا آبائهم ، و الشعب السوري من أجل مبلغ مالي بسيط ، فكيف إذا كان بالملايين ( تسريب شريط فيديو يصوّر عبد الله أوجلان في شقّة في دمشق مثلا كان من الممكن أن يشعل حربا سوريّة تركيّة ) ، و بناءا على تجارب أخرى كثيرة حصلت ( كان النظام لا يصرح عنها ، و لكن تتسرب أخبارها ) فإنّك تستطيع أن تبني على الشيء مقتضاه ( من تهريب الدخان ، و المخدرات و السلاح..إلى تهريب الرجال ، و المخربين ، و من له ثارات مع النظام ) أضف إلى ذلك أنّنا لن ننسى أنّ هناك أيضا مهربون محترفون على أطراف المدن الحدوديّة يمكن أن يفعلوا أيّ شيء طالما أنّهم خارج السيطرة.. ( عرضت قناة الجزيرة سابقا برنامجا يظهر تهريب رجال إلى العراق )..
يؤكد ما ذهبت إليه تصريح هيثم المنّاع علنا عن جماعات عرضت عليه تهريب السلاح إلى درعا بالذات ( كيف عرف من عرض تهريب السلاح أنّ بإمكانه أن يوصل السلاح ، و لست هنا في وارد السؤال إلى من كان سيهربه في درعا ، و لكن هيثم المناع هنا لا يملك من مقومات المهرّب إلاّ أنّه من درعا )..
و عليه فإنّ النظام السوري لن يستطيع أن يبرر هذا الهبوط الفجائي لمسلحين تركزّت أعمالهم في مناطق معينة من سوريّة ، و كلّ هذه المدن حدوديّة إلاّ إذا قدّم الدلائل لنزع بوادر الشكّ لدى المواطن السوري ، من أنّه هو من يقوم بقتل مواطنيه بحجة المخربين ، و هذه سيكون لها تداعياتها الخطيرة عليه داخليّا ، و خارجيّا ، و بالتالي فإنّ كلمة المندسّين التي استخدمها إعلام النظام هنا ستكون ترديد صدى مقولة النظام المصري الذي قتل شبابه بهذه الحجّة..
و قد استطاع الإعلام السوري أخيرا بأن يصوّر بعض الملثمين الذين يطلقون النار في درعا ، و إن كان الإعلام يستطيع فعلها من قبل ، أو لا..، و إن كانت ملفّقة ، أو لا ، فإنّها كلّفت حرق المركز التلفزيوني في درعا ، و أظنّ أنّ هذه الصور قد وُظفت تماما في سياق سيناريو النظام السوري لتصفية حركة الاحتجاج ، و مخلفاتها.. ساعده على ذلك انفلات أمني في حمص عرف الجميع أنّه لمهربي مخدرات يعيش بعض الفارّين منهم بالسعوديّة ...
خطّة النظام بدأت مفاعيلها بمجرد أن صدر الأمر بعدم استعمال السلاح من قبل رجال الأمن ( كانت في خطّة المتآمرين أيضا ، و لكنّهم لم يحسبوا حساب ذكاء الشعب السوري الذي يعرفه النظام.، و ربما كانوا يراهنون على أنّه سيقلّد التجربة المصريّة ).. هذا التصرف ، جعل أهل المناطق التي حدثت فيها عمليات القتل يستجيرون بذات الأمن لفرض سلطة القانون ، و حماية المواطنين.. كما أنّ حزمة الإصلاحات ، و سرعة الاستجابة أسقطت في أيدي المتآمرين أيضا ، و على هذا الخط كان النظام يسير بخطى واضحة نحو وأد الفتنة..
رويدا ، رويدا اختفت كلمة ( قتل متظاهرين ) من الإعلام في السيناريو الأوّل ، و استبدلت هذه الكلمة بالـ ( معارضين ).. طبعا كان من ضمن هذا السيناريو توضيب خطط بديلة ، فمع عدم نجاح الخطّة وفق الطريقة المصريّة .. كانت الخطّة البديلة أن تكون ثورتنا السوريّة على الطريقة الليبيّة ( تمّ تصنيع أعلام خاصّة بثوّار درعا ، مع إصدار تعليمات بمهاجمة مراكز جيش للاستيلاء على السلاح الحكومي ) ، و لاحظ عزيزي القارئ : إنّ المعارضين خاصتنا كانوا يأخذون من كل ثورة جانبها الأسوأ ، و الذي يؤدي إلى سفك الدماء في النهاية..
ما أراح النظام تماما أنّ هناك بؤرة توتر واحدة في سوريّة هي ( درعا ) ، و ما تبقى يمكن السيطرة عليه إن من خلال رجال الأمن ، و اللجان الشعبيّة التي بدأت تأخذ فاعليتها في معظم الأحيان ( اللاذقية ) ، أو من خلال وجوه عشائر ، و قبائل تبصم للنظام بالعشرة.. كانت تتعهد بتنفيذ مطالب المتظاهرين على مسؤوليتها..أي أن النظام استطاع أن يحاصر بؤرة التوتر الوحيدة ، و الذي قضى على آمال درعا تماما باستنهاض ( ثورتها السوريّة ) أو ( المؤامرة على دماء شبابها ) هو أنّ الذين هبّوا ليفدوها بـ ( الروح، و الدم ) كانوا بضع مئات في مناطق بعيدة عنها تماما ( السويداء التي على حدودها لم يخرج منها احد ) ، و هذه المناطق لم تكن مراكز مدن هامّة ، و أن كانت فإنّها لن تصل إلى أيّ ساحة من الساحات في طريق خروجها من المساجد لتنفّذ اعتصاما ..و كل يوم جمعة سالت فيه دماء السوريين.. كان يليه ستة أيّام يستطيع من خلالها النظام أن يسترّد أنفاسه ، و يستعدّ للمواجهة بخطط بديلة ( ربما استوعب النظام بعض نقاط سيناريو إسقاطه من خلال الذين تمّ القُبض عليهم ) ..
الضربة القاضية جاءت من تصريح خدّام بأنّ له ( عناصر مسلحة ، بات لها قواعد على الأرض في سوريّا ).. أي أنّ الأمر ليس ثورة شعبية.. بل انقلاب مسلح وقوده دماء السوريين ، و هذه الدماء يلعب بها من يشاء للتحريض.. و هذا التصريح ساعد النظام تماما على إكمال خطته في تطويق هذه الظاهرة ، و هي ستة أيّام قبل حلول الجمعة القادمة ( لم يصرّح تحالف مواقع الفيسبوك عن اسمها بعد )..و من بعدها سنقول باي باي يا شباب
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: