رشيد السيد أحمد - سوريا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6547
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هو فقيه دمشقي.. و بحسب (سايكس – بيكو) هو دمشقي سوري.. و تستطيع بكل بساطة أن تعتبره مثقفا بمفاهيم هذا العصر.. كما تستطيع أن تكتشف من خلال فتاويه بأنّه شخصيّة قلقة.. و كون التاريخ يكرّر نفسه في بلادنا فقط ، و بصورة فاقعة لأننا لا نستفيد من العبر.. فأنت تستطيع أن تكتشف انّه عاش في ذات بيئة ظروفنا الحاليّة..وطن ممزّق تكالبت عليه قوى استكبار الشرق، و الغرب ( لم يكن فجر الإمبراطورية الأمريكية قد بزغ )..و فساد داخلي مدعوم بمن يركب على ظهر المسلمين..بمعنى آخر بيئة تفرّخ الإسلام ( الراديكالي ) كما يحبّ مثقفوا اليوم أن يطلقوه على ( من يقتل الناس بحجّة الإسلام ).. و لا أعرف إن كان للإسلام علاقة بمن يعتنقونه، فأنا أثق بحديث رسول الله ( أنّ المسلم لا يقتل، و هو مسلم )..
تعرّفت على اسمه فقط عندما تمّ اغتيال المفكر المصري ( فرج فوده ) الذي قال قبل أن يقتل : قتلتني فتوى ابن تيميّة..أو قتلني ابن تيميّة لم اعد أذكر.. و يومها كان يركب فقه ابن تيميّة حركات إسلامية تكفّر الحاكم، و تنفذ قانون الحسبة بيديها.. حركات إسلامية مصرّية صنعتها براغماتيّة أنور السادات.. ثم تفلتّت من عقالها.. و النهايات معروفة.. و يومها لم تكن إيران قد صنعت ثورتها بعد، فيخرج غول ابن تيميّة من كهفه على يد فقهاء الدين الوهابي لتنفي المسلم الآخر المخالف بالمذهب، و كانت كذبة ( أهل السنّة، و الجماعة ) مازالت ملجومة في كتب المكفّرين من السلف فقط..
بين ركوب الحنابلة على ظهر الدولة العبّاسية، و حلول ظلام الوهابيّة على ساحة الإسلام.. كان ابن تيميّة قرنا مثاليّا للشيطان يمثل جسر عبور نموذجي.. ففترة حكم المأمون العباسي.. كانت فسحة مضيئة.. سمحت بتلاقح الثقافات، و أعلت من شأن العقل، من جهة، و قبضت على حريّة الرأي، و التعبير من جهة أخرى، و بناء على ظروف برغماتيّة سياسيّة استدعتها ظروف مخلفّات صراع الأمين، و المأمون.. كان فكر المعتزلة قد ساد.. وكانوا أشد بطشا على مخالفيهم من خليفة المسلمين.. فصنعوا أزمة للحنابلة، و إمامهم احمد..التي جعلت قلوب البسطاء تلتّف عليهم، ثمّ جاء المتوكل.. الذي اركب الحنابلة على ظهر دولته.. فلم يوفروا خصوم الأمس.. إذ نكّلوا بهم، و عسفوا بأفكارهم، حتى اضمحلّوا..( 1 )
و في زمن الفتنة، و الاضطرابات التي أصابت المسلمين في العهد المملوكي.. ظهرت إلى الوجود ما تسمى ( حركة إحيائية ) قادها ابن تيميّة..كان هدفها البعيد ، و الحقيقي.. إحياء الصراعات الفكرية التي تنفي الآخر، و إحياء الصدامات العشوائية..و تحت حجّة مقاومة البدع، و الضلالات.. دخل ابن تيميّة في صراع فكري عبثي مع علماء عصره، و مع جماهير المسلمين..كانت في أحد وجوهها استفزازيّة.. و هي بهذا الشكل كانت تعبّر عن أزمة نفسيّة أكثر مما تعبّر عن مشروع فكري إحيائي.. و درجة واحدة نزلها على سلّم منبره.. كان قد أقرّ فيها ( بالتجسيم ) الذي يخالف عقائد أهل السنّة فأقام الدنيا، و لم يقعدها.. و قد قادته فيما بعد إلى محنة سجنه..( 2 )
تحدث ابن تيميّة طويلا في (علم الكلام)، بل توّغل فيه أكثر من غيره من علماء عصره..ثم هاجم المناطقة من أهل السنّة، و هاجم الغزالي..وفتاواه حافلة بتناقضه هذا.. و كان يقرّ لنفسه أن يستعين بفكر القدريّة عندما يردّ على ابن حزم ثمّ يستفيض بالضلال أكثر من الفلاسفة ذاتهم بحديث يجعله يمرق بهذا الجدل من الدين كما يمرق السهم..ثمّ، و من أجل أن يفرض رأيه لم يكن عنده مانع من أن يتحدث بحديث المشتبهين ليجادل في صفات الله تعالى، بصورة تخرجه من عقده مع أهل السنّة، و الجماعة التي تشدّق بها كثيرا، و تألّى بها على الله..و كانّما يرى في المخالفة، و الجدال لذّة، و سعادة كبيرتين..( 3 ).. ثم، و بحديث ( لا تشدّ الرحال ) الذي ألبسه قياساته، و أضاليله شنّ حربه التكفيريّة على الشيعة ( و قد أصبحت سنّة من مشى على نهجه )، و أخذ الحديث إلى غير مقاصده لغاية نفسيّة أكثر منها دفاعا عن الإسلام..ثمّ هاجم الصوفية، و تحدث بالتزكية أكثر من ابن عربي بذاته.. و لم يوفّر العقيدة المسيحيّة بهذره الذي عرف عنه ليشقّ صفّ المكونات البشرية لأرض الإسلام فيستعدي عليهم الغوغاء، و السطحيين..
و بالسيف وحده.. نشر آل سعود دينهم الوهابي.. و بحركة إحيائية أشدّ هولا، و رعبا من حركة ابن تيميّة.. كان أبن عبد الوهاب يبيح لآل سعود سفك دماء المسامين في جزيرة العرب.. لقد ركب ابن عبد الوهاب على فقه ابن تيميّة ليعيد المسلمين إلى واقع ما قبل الرسالة المحمديّة، و بلبوس الإسلام .. و كان على آل سعود أن ينهضوا من جديد بعد الضربات القاصمة التي وجهها محمد على باشا ( بتفويض من السلطنة العثمانيّة ) لتمددهم.. فقام حلف شيطان بينهم، و بين أحفاد أبن عبد الوهاب ذلك الحلف الذي أصبح يُعبّر عنه فيما بعد بتحالف ( آل سعود – آل الشيخ )، و برعاية بريطانيّة ( انتقلت إلى الإمبراطورية الأمريكية المارقة ).. و كان النفط وقتها قد بدا يظهر في جزيرة العرب.. و كانت الفتاوى الصادرة عن آل الشيخ قد بدأت تفوح منها رائحة السُخام.. و ما بدأه ( محمد عبده ) في الأزهر من اجل إعادة الحياة للإسلام عن طريق إحياء تراث ( السلف ).. سرقه نفط الدين الوهابي ( كمصطلح ) ليجعله مطيّة.. تحمل سلاحا ذو حدين يمزق وحدة المسلمين بأحد طرفيه ليبيح فساد آل سعود، و يحمي تواطئهم مع المستكبر الغربي، و يُقولَبْ فقهه لخدمة قوى الاستكبار التي تستبيح محميّات الخليج بالطرف الآخر..
قرنا شيطان يربطها بابن تيميّة رابط ما.. ظهرا فجأة على واجهة الأحداث التي تعصف بسوريّا.. لتفتيتها.. افترقت في كل شيء، و التقت على سوريّا..
لم يكن القرضاوي الذي تربى على يديّ (حسن البنا) ذو توجهات فقهية نفطيّة تُبيح دماء المسلمين، و لم يكن في يوم من الأيّام داعيا ثورويّا.. فجأة تراه في ميدان التحرير.. يركب على المشهد الختامي.. ثم تكتشف الدور القطري في ليبيا.. لتعرف سبب فتواه بقتل القذافي على الهواء مباشرة، ثم تراه يبيح سفك الدماء بسوريّا باعتماده على بيتي شعر للمتنبي.. إذا أنت بكل بساطة أمام فقيه طوّعه مال النفط.. و هو بالتالي يصمت عن الاحتلال الأمريكي لمحميات الخليج التي يَعْتاش فيها..و هو ضمنيا يلتقي مع فقهاء الدين الوهابي بهذا الوجه.. و يختلف بوجوه.. و ما بين عام 2001، و عام 2005 كانت النسخة اليمنيّة من فقهاء الدين الوهابي قد بدأت تطفوا على سطح الفتن المذهبية التي يقودها فقه النفط..و لم تشفع للقرضاوي لا لحيته، و لا عمامته الأزهرية فصدر الكتاب الأوّل، و كان عنوانه ( رفع اللثام عن مخالفة القرضاوي لشريعة الإسلام ).. لا حظ السجع الذي يرافق عادة كتب التراث !!..ثم اتبع بعد خمسة أعوام بكتاب تمّ طبعه في الرياض، و كان عنوانه ( إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي )، و هذا العنوان لا تستطيع بكل ما تملك من حرتقات فقهية أن تحلّل بها وصف إنسان بالكلب، و مع ذلك رافقت صدور هذا الكتاب فتاوي تثبت خروج القرضاوي من ملّة الإسلام لتجيز وصفه بـ (الكلب العاوي )..
و في سابقة مدروسة، و مفضوحة احتضنت قناة وصال (الوهابيّة) ضابطا سابقا في الجيش السوري هو (عدنان العرعور) الذي هرب إلى السعوديّة..و الذي أصبح بين ليلة، و ضحاها منظّرا للثورة السوريّة ( بشقّها التحريضي الطائفي).. ثمّ أطلقت عليه فيما بعد (صفة الشيخ).. و الذي زاد في الطنبور نغما.. دخوله على خطّ الثورة من خلال نقل بعض التجربة الخمينيّة في الثورة الإيرانية ( التكبير في وقت محدّد، و بطريقة محدّدة ) ، و هذا يطرح سؤال إشكالي ناتج عن حيثيات تسريح هذا الضابط في سبعينيات القرن العشرين، و التي كانت لأسباب محض أخلاقيّة تتعلق بشذوذه الجنسي.. فهل قرّر الوهابيون أنه يمكن قبول رجل على شاكلته فقط (كمنظّر) لأنّ له لحية وهابيّة، و أنّه يعيش في السعوديّة.. و يلبس لباس أهلها من طبقة الفقهاء، دون أن تبحث في خلفيات تسريحه من الجيش السوري، و أن تقبل مهاجمة القرضاوي فقط لأنّ فقهه يغرّد خارج سرب الدين الوهابي..
كان المواطن السوري فعلا أمام مشهدين مستفزّين صادمين.. القرضاوي المُكفّر، الذي يبيح الدماء السوريّة بلازمته المصريّة (و مالو)، و العرعور بخلفية الشذوذ، و هو يحرّض طائفيّا.. و كأنّ آل سعود يعدّون العدّة لسقوط سوريّا. ثمّ ليصبح احد أعمدة قرار (سوريّا ما بعد الثورة)..هذا الشيخ (الذي كان يجبر عساكره على اللواط به )..
و بين الثوّار السوريين، و بين ابن تيميّة..خطّ رفيع... كان السلاح المهرّب يستبيح دماء السوريين بأيدي العصابات المسلّحة..جيشا، و رجال امن، و مواطنين..و كانت الاعترافات لا تشير إلى عناصر اعتنقوا فكر السلفيّة الجهاديّة، أو السلفيّة التكفيريّة، و باستثناء أصحاب السوابق من المشاركين.. كان جميع المشاركين بهذه العصابات سوريون مسلمون بسطاء حملوا السلاح فجأة، و استباحوا الدماء بفتاوى غبّ الطلب.. تكفّر المسلم الآخر الشريك بالوطن.. و كان ورائها ذوي لحى ( يسمّون شيوخ ) باعوا إسلامهم بوهم إقامة إمارات إسلامية تمتّد من درعا..فحمص.. فتلكلخ.. فبانياس.. و كان احد رموز قياداتها " أبو قتادة الحمصي " خرّيج جماعات المخابرات الأمريكية الإسلامية في أفغانستان..
-----------
1 - أوهام الإسلام السياسي - عبد الوهاب المؤدب – دار النهار
2 – فقهاء النفط راية الإسلام أم راية آل سعود – صالح الورداني – مطبعة رمسيس
3 – السلفية : مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي – الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي – دار الفكر
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: