رشيد السيد احمد
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 15201
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تمّت خوزقة حاكمين على صفيح بارد، و الثالث يجري إعداد خازوقه على صفيح ساخن ..و ما تبقّى من أنظمة ..فإنّها توسّخ في نفسها خائفة .. لقد قال الشعب العربيّ كلمته ..و السابقون السابقون ممن لحقهم فضل الخلاص يقولون : إنّ هذه الأنظمة لهي أوهى من بيت العنكبوت، فما على الشعب إلاّ أن يقرر الخروج إلى الشارع .. حتى يولون الدبر ..فقط الخروج إلى الشارع، و سيناريو السمفونيّة الغاضبة يستطيع الجميع ضبط هارمونيته : ننزل إلى الشارع (الحركة الأولى) فيقابلنا الخطاب الأوّل للحاكم الذي يهدّد بقطع دابر الثائرين، و يتّهم ( الخارج بالتحريض، و لا ندري أيّ خارج متهم ) هنا يرافق هذه الحركة بالتوازي مناوشات مع أجهزة القمع .. نتمترس في الشارع، و نرفض الخروج (الحركة الثانية) يطلّ علينا الحاكم في الخطاب الثاني (يستجيب فيه لبعض المطالب .. استجابة تأتي متأخرة حركة عن طلبات الثوّار) .. و بالتوازي تعطى كلمة السر للبلطجيّة، و مرتزقة النظام بعد أن يصر الثوّار على عدم مغادرة الشارع .. يدخل هنا لون الدم على العمق السمفوني (شهداءنا يكونوا قد دقّوا المسمار الأخير في نعش النظام)، و هؤلاء في الواقع هم من يؤكّد حتميّة زوال النظام .. في (الحركة الثالثة) يكون الخطاب الثالث خطاب الهروب، و يكون الجيش قد دخل على خطّ الثورة، (نستطيع أن نسمي الحركة الثالثة : رقصة الديك المذبوح التي يقوم بها الحاكم) .. و من ثمّ تتم خوزقته من حيث لم يحتسب، فيزول الحاكم الظالم الطاغية، و نظامه ..و تتنصر إرادة الثورة .. و هذه ابسط، و أسهل وصفة .. و إذا ما تمّ تطوير أدوات هذه السمفونيّة، مع تطوّر ردود باقي الحكّام (بحكم التجربة) فإنّه، و على نفس الإيقاع المنتظم .. تبدأ أحجار الدومينو بالتهاوي .. و سنرى على طول البلاد، و عرضها خوازيق صنعن على مقاسات الطواغيت، و سنرى وطناً جميلا بلا ماموثات، و لا منقرضين ...
ما يسعدني في هذه الثورات إذا ما تمّ الأمر على نفس الوتيرة .. هو أننّي لن أرى بعد الآن وجه عمرو موسى (الكالح المالح)، أو وجها يشبه وجهه، و سواء أبقيت هذه الجامعة التي يُسكرتُرها، أم زالت (و زوالها - إن شاء الله - هو من منطق الأمور .. فعندما يزول مضمون العروبة المختزل في شخصيّة الحاكم .. لا بدّ أن يزول شكلها) ..
الجزيرة ما زالت تنقل نبض الشارع (هي تنقل طريقة صناعة الخازوق، و تنحاز للجماهير) .. أجمل ما في هذه الثورات هو أنّ الثوّار يضعون شاشة عملاقة يتم توليفها على تردّد قناة الجزيرة (لاحظ هنا العزوف عن القنوات المسماة وطنيّة) .. يخرج الحاكم إلى خطابه .. هنا تستطيع أن تستمتع بروعة المشهد، و أنت ترى أحذية الثوّار تنهال على الشاشة العملاقة (الكثيرون يسمّونه خطاب الحذاء) .. لاحظ الآن المفاهيم، و المفردات التي يصوغها الثوّار .. جميعها مفردات لا تستطيع إلاّ اللغة العربيّة التعبير عنها، و خذ مثالا رائعا : (الشعب يريد إسقاط النظام، أو خطاب الحذاء) فلن ترى أي عبارة في أيّ لغة تنقل نبضها بشكله الأنيق، و حاول تجربة ذلك ..تمتلك هذه الثورات حسّ الدعابة، و الفكاهة أيضا (اقرأ اللافتات الصغيرة التي رفعها ثوّار مصر) .. و تمتلك هذه الثورة كافّة أدوات التنظيم .. ما يزعجني هو أن اسمع، أو اقرأ مصطلحا مثل (ثورة الفيس بوك) .. تستطيع ترجمته الى الإنكليزيّة بسهولة، و لكنّه لا يحمل أيّ من حقائق ما نحسّ به، و نعيشه، و المصطلح الحقيقي برأي أنّها (ثورة الإرادة) التي تستخدم الفيس بوك كأداة تنظيم ..(ثورة الشباب) مصطلح ظالم أيضا (ثورة الشعب) أفضل .. لأنّ الشباب فئة عمريّة تعبّر في العربيّة عن (تكوين فيزيولوجي لا يتعدى 10 سنوات) ..نستطيع أن نقول (الشباب نواة هذه الثورات) وهذا من منطق الأمور أيضا لأنّ التركيبة السكّانيّة العربيّة عصبها (الفئات العمرية الفتيّة) فنسائنا في الواقع العملي هنّ (الودودات الولودات) .. و هذا يعبر عن حيويّة المجتمعات العربيّة، و بالتالي حيويّة هذه الثورات .. في الواقع كان رئيس اللجان الشعبيّة في مدينة السويس المصريّة كهلا تجاوز الثمانين .. أنت بالتالي تستطيع أن تلمس نبض الكهولة يدون إيقاعه على نبض الشباب ..
استشهاد محمد البوعزيزي كان الطريقة الوحيدة لصنع خازوق (بن عابدين) .. ما فعله لم يصبح ظاهرة لأنّها كانت حالة فريدة .. الحالات المشابهة في الوطن لم تصل إلى ما وصلت إليه الرسالة التي وجهها البوعزيزي للنظام التونسي .. هنا انشغل البائسون في التحليلات الفقهيّة .. هؤلاء لم يصلوا إلى مستوى الحدث .. هم أيضا انشغلوا من قبل في تحليلات فقهيّة غير ذات جدوى حول العمليّات الاستشهاديّة التي زعزعت الكيان الصهيوني، و الأمريكي (لن ننسى البلوي)
على ذكر الأمريكي ظاهرة إحراق النفس كان لها سابقة في حرب فيتنام (بالجلسة البوذيّة المعروفة) كان الرهبان يحتجّون على الاحتلال الأمريكي لفيتنام بإشعال أنفسهم .. كان المشهد صادما للمشاهدين، و أهمهم المشاهد الأمريكي يومها لم تكن الميديا على ما هي عليه الآن..هرطقة مصطلحات تصف الثورة التونسيّة بـ (ثورة الياسمين) .. يجب أن نحتجّ هنا .. هذه ثورة أشعلت ثورات .. يمكن أن نسمّيها (ثورة مركز الزلزال)، وهذه أليَق ..و تداعيات هذه الثورة لم تعرف نهاياتها بعد إن على مستوى تونس، أو على مستوى البلدان التي أشعلت ثوراتها ...
استشهاد خالد سعيد على أيدي زبانية النظام المصري الساقط بالضربة القاضية .. حالة فريدة أيضا .. هنا غباء النظام يظهر بأقبح صوره ..(وجهه المهشّم، و آثار التعذيب) جعل صورة هذا الشاب على صفحات الانترنيت .. المشهد الصادم حرّك مشاعر الطبقة المتمكنة من التكنولوجيا (الانترنيت ..)، و هنا تعرف فائدة (الفيس بوك).. أيضا هنا تلاحظ أنّ الأمر لا يتعلّق بطبقة اجتماعيّة بل بشعور أبناء الوطن بعضهم ببعض ..الثورة هذه نجحت بقطع راس الفتنة الإسلامية – المسيحيّة التي كان يحضّر لها النظام لتمرير خططه، و إلهاء المصريين بدماء بعضهم ..و مصر حالة عربيّة رائدة .. فقد كانت عبر العصور ملهمة العرب .. وحاضنهم الفكري ( كان أدباء النهضة يهربون من بلدانهم إليها) .. و هي الوعاء التاريخي لأحلام الشعب العربي على مختلف المستويات ..نهضتها هذه ستؤسس لشكل المرحلة المقبلة في الوطن العربي ...الخازوق الذي صنعه ثوّار مصر يمكن أن يكون نموذجا آخر لمن تبقى من طواغيت ..
سلامي إلى أبو القاسم الشابي ..هذا احد أبناء تونس المبدعين .. و حده بيت قصيدته (إذا الشعب أراد الحياة ....فلابدّ أن يستجيب القدر ) تبين انّه يفيد المرحلة الحاليّة التي يعيشها الشعب العربي .. هذا شعار يصلح لكلّ العصور ..و يجب أن يكتب بماء الذهب على واجهة البرلمانات التي حرّرها الثوّار من تزوير النظام الحاكم ..
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
26-02-2011 / 08:15:59 ابو زيد
ليست ثورة الياسمين بل ثورة الحرية والكرامة
الاخ رشيد اوافقك ان تسمية الثورة التونسية ام الثورات، بثورة الياسمين فيها اهانة لتونس وللتونسيين وللشهداء قبل ذلك
وللعلم فان التونسيين يرفضون جدا هذه التسمية التي اطلقتها وسائل اعلام غربية، لكأن هؤلاء يريدون التحكم حتى في مفاهيمنا وتسمياتنا، وهو مايعكس قدرا كبيرا من تسلط الغرب وحبه للهيمنة على الاخرين
التونسيون رفضوا هذه التسمية، والتونسيون يطلقون عليها تسمية ثورة الحرية والكرامة
26-02-2011 / 08:15:59 ابو زيد