عن التجربة المصريّة في سوريا .. وهمّ الثورة الشعبيّة
رشيد السيد احمد - سوريا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8271
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ظاهرا يختلف سيناريو الثورة المصريّة بشكل جذريّ عما جرى، و يجري في سوريا.. هناك فعلا قامت الثورة الشعبيّة و استقرّ كيانها..ثم جاء الذين ركبوا موجتها.. و هناك كانت ساحات للمعتصمين لم تبارحها جموع من آلاف الشباب انتشروا على مساحة مصر.. و كان يوم الجمعة بتسمياته عدّاد أيام، و لم تكن الجوامع ساحات للمطالبة بالحريّات، بل كانت ساحات الاعتصام هي مصلّى الجمعة ( المسيحيّون كانوا يحضرون )، و عليه لم تصبح صلاة الجمعة فيلم رعب للمواطنين، و لم تصبح كاميرات الخليوي أفخاخ يتم تصوير المصلّين بها من ظهورهم ثم تتم عمليات المونتاج عليها ، و هناك، و هنا لبّ الموضوع فاجأت الثورة الجميع داخلا و خارجا.. ومن ثمّ لم يتم اقتناص فرصة الاحتجاجات ليمرر عليه عمليّة قلب النظام..خطط لها في ليل من أرادها، و منذ سنوات، و دفع على تنفيذها مليارات الدولارات، و هناك أيضا لم يستبق القرضاوي الهجوم، بل جاء ليمتطي ظهر الثورة، و الثوّار بعد أن أيقن تماما أنّ حسني مبارك قد تمّ إسقاطه..و هناك كانت الجزيرة تأخذ شهاداتها عن الأحداث من أبطال الثورة المعروفين بالاسم الصريح، و الموقع الالكتروني الواضح ، و من بؤرة الحدث مباشرة، و لم تكن تأخذها من شاهد عيان مجهول الاسم، و المكان ، أو من ناشط حقوقي على شاكلة هيثم المالح.. يقول حدثني احدهم أنّه تمّ كذا.. و هناك لم تكن نشرات الأخبار تتحدث عن عمليات القتل، و التخريب التي يتمّ الإعلان عنها قبل ساعات من حدوثها، و هناك لم يكن وجود لما يسمى معارضة، داخليّة، أو خارجيّة.. بل كان هناك شباب يستقطبون الجميع، و يتحولون إلى جموع مليونيّة.. و هناك قبل كل ذلك كان نسيج واحد لشعب يدين بالمسيحيّة، و بالإسلام السنّي ( البهائيّة لا تشكّل تجمّع طائفي ذو قيمة عدديّة )..أي أنّ الشعب لم يكن فسيفساء تضمّ اثنيات، و طوائف ضمن إطار الوطن..و في مصر كان هناك جيش ذو تعداد قليل جدّا تحركه الوحيد كان في إطار المناورات المشتركة مع الجيش الأمريكي حيث يمارس فيها حربا وهميّة..
درعا على العموم تقع على الحدود مع فلسطين المحتلّة، و مملكة شرق الأردن ( ملكها أشد صهيونيّة من بن غوريون ).. و درعا بذلك تكون مسرحا لعمليات المخابرات الأردنية ( ذات الغطاء الصهيوني ) ، و الخلفيّة الإنكليزيّة، و التي عملت، و ما تزال تعمل لضرب النظام السوري الحاضن لحماس، و حزب الله، و بعض المقاومة العراقيّة.. و التي تقف على الضدّ من توجهات النظام الأردني العميل للصهيوني، و المتواطئ عليها ضمن اصطفاف ما يسمى عرب الاعتدال، و المروّج الأوّل لمصطلح الهلال الشيعي.. الذي كشف التشبيك الاقتصادي، و السياسي ( التركي ) – ( السوري ) – ( الإيراني ) كذبه..في صيرورة الاتفاقات، التي أثبتت أنّ حجم علاقات سوريا مع تركيا فيه.. هي اكبر من حجمها مع إيران...و لم تكن درعا في يوم بعيدة عن النظام إن كان لجهة رفده بعناصر عملوا تحت مظلّة السلطة بمراكز اتخاذ القرار، أو كان من خلال رؤوس الحركة المسلحة التي انبثقت عن حزب الإخوان المسلمين، للاستيلاء على السلطة، و التي قامت بعمليات القتل، و التخريب في أواخر سبعينيات القرن العشرين، و التي دعمها النظام الأردني في وقتها، بالمال، و السلاح ( يحاول البيانوني، و من معه البراءة منها ).. شرارة الاحتجاجات الدرعاويّة كانت الجسر الذي عبر عليه المخطّط الخارجي لضرب النظام.. مستتبعا قوسه الذي يضمّ ( دمشق ) بما تضمّ من الفسيفساء البشريّة السوريّة – و ( حمص ) القريبة من الحدود اللبنانيّة – و ( اللاذقيّة ) ذات التنوع الديني، و الطائفي.. ( هنا كانت مدينة طرطوس هي المرشحة لقربها من ساحل لبنان )..و بالتالي تمّ وأد الفتنة في أرضها، و تكلّف ذلك دماء سوريّة أهريقت في لعبة قذرة.. لشباب استشهدوا في حرب لا ناقة لهم فيها، و لا جمل، دفعتهم حميتهم، و رفضهم لقرارات المسؤولين الإداريين المجحفة بحقّ أبناء بلدتهم مع غباء مسئول امني إلى مقتلهم..
النظام السوري استوعب الصدمة ( كان على عمر قيادة بشار الأسد عرضة للمؤامرات.. بسبب معظم خياراته السياسيّة منها، و الاقتصاديّة )، و مرّر حزمة الإصلاح بالسرعة المطلوبة ( غالبية الشعب السوري لا يعرف ما هو قانون الطوارئ.. بل كان يخلط بين عمل الفروع الأمنية، و بنود هذا القانون )، و هنا تطلّ على آليّة عمل هذا النظام الذي أبدى صلابة على استيعاب الصدمات التي هددت وجوده، و وجود سوريا ككيان منذ نهايات السبعينات في القرن الماضي..( و أتحدث بواقعيّة ليكفّ من يعتقد من السوريين أنّ هناك ثورة شعبيّة في سوريّة عن إهراق الدم السوري، عبثا.. و لم يستطع احد بعد من تشكيل اعتصام من عشرة أشخاص، و لن يستطيع )..الشعب السوري لم يكن لديه دلائل محسوسة على تورط كائن من كان في تمويل المؤامرة من جانبها السعودي (تقرير نشره موقع فيلكا الصهيوني قبل عامين يظهر مخطط بندر بن سلطان )، كما لم يكن لديه دلائل على توّرط تيّار المستقبل ( خبر عن وصول 7 سفن من طرابلس تحمل السلاح ) فجأة كان هناك لافتة في مظاهرات التأييد المليونيّة طبعت عليها صورتي بندر، و سعد الحريري تتوسطهما النجمة السداسيّة باللون الأزرق.. و هذا النظام يعرف تماما ما هيّة الشعب الذي يحكم..فاستطاع ببساطة فرز اللذين ينادون بالحريّة، عن الذين يحملون السلاح ( عمليّا بضع مئات من المصلّين في مسجد هنا، أو مسجد هناك حسبوا تحت الضخ الإعلامي أنّ هناك ثورة عربيّة تنتشر ).. و هنا لم يكن ما يسمّى ثورة في سوريّا يشبه ثورة مصر إلاّ باللجان الشعبيّة ( و هذه عملت على عكس عمل آليتها في مصر )..و هنا كسب النظام النقطة الثالثة في سحب الفتيل، و توفير الدماء..يضاف إلى ذلك الوعي الكامن لدى أبناء الشعب السوري لمسألة إثنياته، و طوائفه، و التي يعرف تماما خطورة تداعياتها الدمويّة على وجود بلده على خارطة الجغرافيا، و تفتيت ما يسمى سوريا تماما ( تضاف النقطة الرابعة )..و هذا الشعب كان يلمس، و يعايش حجم الفساد، و تغلغل الفروع الأمنية، و لكنه كان ما زال يعطي الفرصة لنظامه مرغما في بعض الأحيان تحت عصا فروع الأمن، و آملا في أحيان أخرى..و لأنّ نهج ( التشبيك الإقتصادي ) الذي انطلقت ماكينته باتجاه ( تركيّا، و الدول المطلّة على البحر الأسود ) لا يحتمل حجم الفساد الذي باتت ترزح تحته سوريّا التي نفضت يدها من التضامن العربي بخاصرة معطوبة على الجانب العراقي، و رخوة على الجانب اللبناني، فهربت نحو الجغرافية لتحافظ على نفسها، كما لا يحتمل هذا الحدّ الأدنى من الحريّات المدنيّة التي يعيشها مواطنها..و هذا يعني أنّ عجلة الإصلاح كانت على قائمة أولوية النظام إن عاجلا أو آجلا.. و إلاّ فإنّها ستتآكل اقتصاديّا، و مع خيارات دورها الإقليمي الذي انتهجت.. فهذا يعني نهاية النظام إن لم يبادر لتحصين أدوات فعله الاقتصادي، و هي حدّ أدنى من الفساد، مع هامش اكبر من الحريّة المدنيّة، و لا بأس من تشكيل أحزاب..أي عمليّا ما كان يتحدث به رئيسها على مدى خمس سنوات.. تأخرت فيها الوعود، أو تقدمت بفعل الحركة ( اللاثوريّة ).. و التي حسب بعض الشعب الذي قام بها أنها ( ثورة على الطريقة المصريّة )
الأزمة السوريّة لا تستطيع عزلها تماما عن الكباش السياسي الحاصل في المنطقة، و بنظرة منطقيّة إلى قوس الأزمات في الشقّ الأسيوي من هذا الوطن العربي.. سترى السعوديّة محاصرة بثورتين ( اليمن من الجنوب، و البحرين من الشمال.. بالإضافة لأزمتها الداخليّة )، و سترى العراق مازالت ساحة صراع مصالح، و فوضى، و سترى الأردن مهدّدة بأيّام جمعة، و سترى على الحدود الشماليّة الشرقيّة إيران، و صراعات الوجود النووي، و التدخل غير المباشر في شؤون محيطها العربي..و سترى دولة الكيان الصهيوني، و قد فقدت عمقها الإستراتيجي في مصر، و تونس.. و هناك، و هو الأهمّ بحر النفط الأمريكي الهوى العربيّ المكان الذي تسيل من اجله دمائنا.. و هي رمية من رام ظنّ أنّه ماهر ، و قد استطاع السوريون نظاما، و شعبا تجاوز قطوعها الأخطر لكنّها أطلقت صفّارة الإنذار لتدارك الأمور، و هي ضربة لم تقصم الظهر... و لكنّها أسالت دما سوريّا طاهرا زكيّا أُخذ على حين غرّة من جانبين..نحتسبه عند الله
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: