صلاح المختار
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10241
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ومادمنا قد وضحنا معنى الوضع الستراتيجي بقي علينا ان نوضح معنى القضية المركزية. ان جعل القضية الفلسطينية هي القضية المركزية كان الاساس في تجسيد قومية المعركة والمعبر الدقيق عن الترابط العضوي والجدلي، بين ابناء الشعب العربي الواحد من موريتانيا وحتى عمان، وليس نتيجة تعاطف ودعم لقضية عادلة، كما تفعل الشعوب الغير عربية. ان دعم العرب للقضية الفلسطينية يعود لاسباب عديدة أهمها :
1- لان فلسطين جزء اصيل من الوطن العربي وشعبها جزء من الامة العربية.
2- لانها عندما احتلت اصبحت منطلقاً لتحقيق الخطوات الاخرى من المخطط الصهيوني القائم على شعار (دولتك يا اسرائيل من الفرات الى النيل)، ثم بعد الاستيلاء على هذه المنطقة المهمة جداً جيوبولتيكياً، سيتم فرض الهيمنة الاسرائيلية على كل الوطن العربي. من هنا فأن الخطر الاسرائيلي لايقتصر على غزو فلسطين، وهو غزو بحد ذاته يلزم العرب بمحاربة اسرائيل بلا تراجع او مساومة، بل هو ايضاً غزو اولي ومقدمة لغزو كل الوطن العربي اما جغرافياً وسكانياً، بين الفرات والنيل طبقا للصهيونية التقليدية، او بالهيمنة على بقية الوطن العربي، ونهب واستغلال موارد كل الوطن الكبير طبقا للصهيونية الجديدة. بهذا المعنى فأن وصف فلسطين بانها القضية المركزية لايعني انزال قيمة الاقطار العربية لاخرى خدمة لفلسطين! فذلك الموقف ليس خاطئاً فحسب بل هو خيانة للقضية الفلسطينية، مادامت قضية كل العرب، لان غزو او تقسيم أي قطر عربي، سواء من قبل ايران او اسرائيل او امريكا، هو اضعاف مباشر للقضية الفلسطينية، اضافة لكونه تفريط مجاني باراض عربية اخرى.كيف اذاً حينما يكون القطر العربي الذي يتعرض للاحتلال والغزو هو العراق، القوة العربية الاساسية تاريخياً وحديثاً والتي يعقد الامل ماضيا وحاضرا عليها قبل غيرها في تحرير فلسطين؟ ان الساداتيين الفلسطينيين بشكل خاص والساداتيين العرب بشكل عام يقولون : ان غزو الاحواز (وسكانها العرب ثمانية ملايين عربي وارضها اكبر من ارض فلسطين بكثير ومنها يتدفق كل النفط والغاز ويتعرض شعبها الى عملية تفريس منظمة كصهينة فلسطين)، واحتلال الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة، وشن الحرب على العراق في عام 1980، ونشر الفتن الطائفية في الوطن العربي، والعمل على غزو البحرين، وتغيير البنية الوطنية والقومية العربية لكم كبير من المجتمع اللبناني وجعله مواليا للطائفة قبل الوطن بفضل حزب الله، واخيرا وليس آخر غزو العراق وتدميره ومحاولة تقسيمه، يقول هؤلاء ان هذه القضايا قضايا ثانوية ويجب ان لاتجعلنا ننسى ان ايران تدعم القضية الفلسطينية، ومن ثم يجب ان نبقي على علاقات التحالف مع ايران حتى لو قامت بأكثر من ذلك!
ان هذا المنطق الساداتي الفلسطيني هو، في افضل الحالات، موقف ساذج في فهم القضايا القومية المبدأية، ومنها واهمها ان كافة الاراضي العربية وكافة المواطنين العرب، مهما اختلفت اقطارهم، متساوين في القيمة، وان فلسطين ليست افضل من العراق و لا العراق افضل من فلسطين. كما انه موقف ساذج على المستوى الستراتيجي لان الساداتيين هؤلاء لايرون، ولايفهمون مايجري في ساحات الصراع، خصوصاً اكتشاف ان الصراع الرئيسي والمعركة الرئيسية تقعان في العراق وليس في فلسطين، لان امريكا، وهي درع اسرائيل العسكري والسياسي ومزودها بقدراتها الاساسية المالية والعسكرية ومنقذها عندما تتعرض للهزيمة، هي التي تخوض الحرب في العراق مباشرة ومعها جيوش عشرات الدول، اما في فلسطين فأن الصراع همّش وقزم لدرجة ان انصار التسوية السياسية للصراع، على مستوى المنظمات، قد اصبحوا هم الاغلبية، بما في ذلك حماس التي اعلنت رسمياً، بعد فوزها في الانتخابات انها ستقبل بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع مقابل التخلي عن ارض فلسطين التأريخية، وتم تأكيد هذا الموقف مرارا خصوصا بعد زيارة كارتر واجتماعه بخالد مشعل.
وفي لبنان لم يدعي احد، بما في ذلك الذراع الايرانية الاهم والاخطر وهي حزب الله، انه يريد تحرير فلسطين، بل اعلن وكرر القول ان هدفه المركزي شكلياً ورسمياً الان هو تحرير مزارع شبعا، وهو ماقاله بالقلم العريض حسن نصرالله اثناء وبعد حرب عام 2006! وهنا، وفي ضوء ماتقدم، يجب ان نسقط كلياً تلك الفكرة التافهة والدعائية التي تقول ان ايران تقود المواجهة الاقليمية والعالمية ضد امريكا، لانها لا تتناقض فقط مع الواقع القتالي، والذي يقدم لنا المقاومة العراقية بصفتها القيادة العامة للصراع الاقليمي والعالمي كله، مع امريكا، بل انها تتناقض وبشكل صارخ مع الدور الايراني الفعلي والرسمي، فهي التي ساعدت امريكا على غزو العراق وتدميره ومحاولات تقسيم العراق، وهي تتفاوض مع امريكا لتقرير مصير العراق والمنطقة علناً وسراً، وهي الداعم الاساسي لسلطة الاحتلال في العراق مباشرة ومن خلال اذرعها في العراق، كالمالكي والحكيم والصدر وغيرهم، لذلك فأن صراعها مع امريكا يتمركز اساساً حول تقاسم الغنائم العربية وليس لدعم فلسطين او نشر الاسلام او التشيع العلوي. في ضوء ماتقدم فان القضية الفلسطينية، وان بقيت القضية المركزية في الامة العربية دون ادنى شك، الا ان الصراع الستراتيجي حولها وبسببها انتقل الى العراق، واصبحت الساحة العراقية هي بوابة تحرير فلسطين عند انتصار المقاومة العراقية، لان هزيمة امريكا في العراق، وهي الدرع الذي يحمي اسرائيل ويديمه، سوف يؤدي حتماً الى اخطر انكشاف ستراتيجي لاسرائيل ويمهد لتفككها وانحطاطها.
مامعنى ذلك عملياً؟ ان المعنى الاهم المتضمن فيما قلناه هو ان الموقف من المقاومة العراقية المسلحة هو الذي يحدد الخطأ والصواب في السياسات العربية الرسمية والشعبية في هذه المرحلة من النضال العربي العام، فدعمها الكامل والمباشر هو المعيار الحاسم لوطنية واسلامية وقومية ويسارية أي طرف او شخص، لانها هي، وليس غيرها، الامل في تحرير فلسطين انطلاقاً من تحرير العراق. ويترتب على هذا المعيار الحاسم ان من يقف ضد الثورة العراقية المسلحة يقصد حتماً خنق الامل بتحرير فلسطين، لان اغتيال هذه الثورة سيدشن عصر ظلام شامل في الوطن العربي، قد يستمر لعدة عقود من الزمن، ويجرد العرب من القدرة على مواصلة الوجود كعرب.
ان السؤال الذي يجب طرحه، بعد كل هذا التحليل الستراتيجي والمبدأي هو التالي : اين تقف ايران الآن؟ مع الثورة المسلحة ضد الاحتلال؟ ام مع امريكا ضد الثورة؟ دون ادنى شك ان ايران هي الشريك الاول والاساسي لامريكا، وقبل بريطانيا من حيث اهمية الدور، في غزو وتدمير العراق، وفي محاولات تقسيمه وتغيير هويته العربية، والمعنى الاخطر في هذه الحقيقة هو ان ايران تقوم بنفس الدور الاسرائيلي وتكمله. وفي ضوء هذا الجواب يطرح سؤال آخر وهو : هل مواقف ايران هذه قضايا ثانوية ويمكن تحملها مقابل دعم فلسطينيين، وليس فلسطين، ببضعة دولارات مغموسة بدم شهداء العراق؟ ام انها مواقف لاتقل خطورة عن مواقف اسرائيل وامريكا؟ الجواب : ان الاحتلال هو احتلال، وان المشاركة في الاحتلال هي مشاركة في الاحتلال، بغض النظر عمن يقوم بذلك، ومن يهاجم بريطانيا لانها شريك امريكا لا يغفر له تجاهل الدور الايراني في العراق.
ولايجوز ان نغفل حقيقة مجسدة في مواقف بعض الساداتيين الفلسطينيين وهي انهم يخفون رؤوسهم في الرمال، ويمارسون ازدواجية مقيتة، حينما يتحدثون حديث الاستحالة والغرابة، عن دعمهم لايران والمقاومة العراقية بنفس الوقت! انه بالضبط كحديث السادات عن ضرورة كامب ديفيد وضرورة دعم الشعب الفلسطيني! منطق الساداتيين الفلسطينيين يفرط حتما بالعراق لان ايران كاسرائيل شريك لامريكا في غزو العراق، كما ان الساداتية العامة تفرط بفلسطين من خلال تحالفها مع امريكا مع انها شريك اسرائيل! وهناك دليل أضافي على ان الصراع الاساسي يدور في العراق وليس في فلسطين وهو موقف امريكا من الفضائيات العربية، وبالاخص الجزيرة التي يعدها البعض منبرا للجميع وهذا غير صحيح، فالجزيرة مثلا تصف شهداء المقاومة الفلسطينية ومن يقتل على يد اسرائيل بالشهداء، وتصف من يقاتل في فلسطين بالمقاوم، وهذا بالتاكيد موقف سليم، ولكن : لماذا تصف الجزيرة المقاومة العراقية ب(العنف)؟ ولماذا لا تطلق على من يقتل، وهو يقاتل الاحتلال الامريكي، وصف (الشهيد)؟ اليس ذلك نتيجة الموقف الامريكي الذي يعرف تماما ان معركته الحاسمة تدور في العراق، وليس في فلسطين، تماما مثلما يعرف ان انتصار المقاومة العراقية سيبعث روح الثورة الفلسطينية ويمهد لتحرير فلسطين؟ ولذلك فان امريكا تتساهل في الاوصاف التي تستخدم لدعم الساحة الثانوية اوالاقل اهمية، ستراتيجيا طبعا وليس قوميا او مبدئيا، وهي الساحة الفلسطينية، بينما لا تتساهل مع الاوصاف التي تطلق على مقاتلي الساحة الرئيسية وهم ابطال المقاومة العراقية، خصوصا وان الدعم اللغوي المجرد لفلسطين في الجزيرة وغيرها لن يغير الواقع القتالي او يرفع من امكانيات المقاومة الفلسطينية ولا سقف مطاليبها بل انه، على العكس، سيعزز صدقية الجزيرة بنظر الجماهير العربية لتستطيع تجاهل المقاومة العراقية والمناضلين العراقيين والمفكرين العراقيين من انصار الثورة العراقية المسلحة دون تعرضها لنقد او ادانة قوية.
ومن الضروري ان يسأل كل ساداتي عربي يدعي انه يدعم المقاومة العراقية نفسه مايلي: هل يوجد فصيل عراقي مقاوم واحد لايتهم ايران بكل ماقلناه؟ كلا لايوجد، وهناك اجماع شامل من قبل كافة فصائل المقاومة العراقية (الوطنية والاسلامية والقومية) على ان ايران هي الشريك الاهم لامريكا في كل ماحدث ويحدث في العراق من كوارث منذ غزو عام 2003 وحتى الآن. وعلى الساداتي العربي، وبالاخص الساداتي الفلسطيني، الذي ينكر ذلك ان يقدم لنا فصيلاً واحداً مقاوماً للاحتلال يبرئ ايران. وهنا تسقط ادعاءات دعم المقاومة العراقية وتبدوا انها مجرد كلام قصد به اسقاط فرض، او منع توجيه تهمة، لان المقاوم العراقي الذي يستشهد على يد امريكا او فرق الموت الايرانية في العراق يعرف جيداً من هو العدو في العراق، ويعلم أي بندقية تغتاله، واي عاصمة تتخذ قرارات الاغتيالات، وأخيراً وليس آخرا ان المقاوم العراقي لا يريد، قلبياً وصدقا، ان تكون بندقية ايران تقاتله مع البندقية الامريكية، التي تقاتل في العراق نيابة عن اسرائيل، ولكن هذه الامنية ينسفها واقع السياسة الايرانية.