هل إيران دولة استعمارية؟
الجيتو الصفوي والجيتو اليهودي : السمات المشتركة (9 – 10)
صلاح المختار
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9840
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الجيتو هو، في المقام الاول، سايكولوجيا مشتركة بين مجموعة من البشر تجعلهم يتميزون بسلوك معين ونمط خاص بهم في التفكير، يعبر عنه بثقافة انعزالية في الواقع حتى لو تظاهرت بالتفاعل مع الاخر. والجيتو الصفوي الطائفي وجود قائم ونشط وهو يتحكم بكثير من الشيعة الصفويين، ورأيناه في العراق بعد الغزو يعبر عن نفسه في قدرته على تمزيق الروابط الاجتماعية والوطنية كافة، وتلك ظاهرة بالغة الخطورة على الرابطة الوطنية والهوية القومية للامة العربية، وتتجاوز خطورتها خطر الجيتو اليهودي، لان الجيتو الصفوي جزء منا، ويقع داخل الامة ويتبرقع بالاسلام، لذلك لا توجد حصانة فعالة ضده، بينما الجيتو اليهودي خارجنا وهو عدو صريح لنا، لذلك فان الحصانة ضد مخاطره موجودة وفعالة.
واذا اردنا ان نلخص السمات المشتركة بين الجيتو الصفوي والجيتو اليهودي، فان اهم الملاحظات بهذا الشأن هي ما يلي
1 – العمل بموجب التقية، فالجيتو الصفوي يقوم على التقية والتي تعبر عن نفسها في ممارسات وسلوكيات محددة مثل ازدواجية السلوك، المخادعة، الغدر، تدمير الثقة بين المواطنين، وجود جماعتين لا تلتقيان ابدا وعلاقتها علاقة تناحر دائم لابد ان ينتهي بانتصار احدهما وسحق الاخر...الخ، وهذه السمات هي ذاتها سمات الجيتو اليهودي.
2 – الحط من شأن الاخر سرا وتعظيم الذات، وهذا السلوك قاسم مشترك بين الجيتو اليهودي والجيتو الصفوي.
3 – تأهيل الاجيال سرا لتحطيم الاخر من خلال توارث كرهه بالتربية المنظمة.
4 – اعتماد كلام ناعم كالحرير واظهار التبعية والخضوع للاخر، باستخدام تعابير مثل (مولاي)، وتقبيل اليد وتكرار التعبير عن الاخلاص والولاء.
5 – التمسكن حتى التمكن تلك هي قاعدة سلوك مواطن الجيتو، سواء كان يهوديا او صفويا، ففي مرحلة الضعف لابد من التمسكن، التظاهر بالمسكنة والضعف والحاجة للحماية، لكنه ما يصبح قويا حتى يتنمر ويتجبر، فتنقلب مظاهر الخضوع والولاء الى تمرد عنيف جدا ويصبح من كان يبدو مسكينا وعطوفا ولينا عبارة عن دريل (مثقاب كهربائي) لا وظيفة له سوى تثقيب راس من كان يعده مولاه وقتله ببطء، لاجل جعله يعاني من عذاب ليس له نظير حتى الموت. ان العراق المحتل شهد هذا النوع من الانقلاب من التمسكن الى التنمر والتجبر. وهذا ايضا ما فعله اليهود قبل انشاء اسرائيل.
6 – ممارسة طقوس وثنية لا اسلامية تعمق كراهية الاخر، باحياء ذكريات عمرها مئات السنين، والتعامل معها وكأنها تحدث الان! ان اللطميات في ذكرى عاشوراء والمسيرات والضرب بسلاسل الحديد والسيوف، هي نوع فعال من عمليات غسل الدماغ الجماعي للكتل الجماهيرية، تضعها دائما في اجواء الثأر والانتقام والحزن على من قتل قبل مئات السنين! لكن الهدف الحقيقي لهذه الطقوس غير ذلك : انه ابقاء هذه الكتل تحت سيطرة ايران، فبمجرد النجاح في اتهام الاخر، العراقي او العربي، بانه مسئول عن قتل ال (البيت)، مع انه ليس كذلك، فان ايران ضمنت انشطار اجزاء كبيرة داخل البيت العراقي والبيوت العربية الاخرى ووقوعها تحت سيطرتها، والتبي تستغلها في تنفيذ خططها داخل العراق وغيره، كما اكدت الاحداث في العراق خصوصا منذ عام 1980 وحتى الان.
وحينما نقول ان هذه الطقوس وثنية ولا علاقة لها بالاسلام فان ما تقوم به ايران يثبت ذلك، ففي ايران تمنع اسالة الدماء عند تنظيم المسيرات الدينية بقرار من الملالي، مع انها تشجعها وتأمر بها في العراق! كما ان هذه الطقوس سابقة للاسلام ومورست في اوربا والهند، ومازالت تمارس من قبل الهندوس حتى الان باشكال مشابهة جدا، بصفتها طقوسا هندوسية صرفة، وانا شاهدت ذلك حينما عملت في الهند. وتقع مسألة التسمية في هذا الاطار، فان اطلاق اسماء عبدالحسين وعبدالحسن وعبدالزهرة وغيرها من اسماء الشرك، وهي اسماء شرك لانها تجعل من البشر عبيدا لبشر مع ان العبودية هي لله وحده، لا تستخدم في ايران التي تامر باطلاقها في الاقطار العربية! والسبب هو ان ايران تريد ان تخلق خط فصل زائف بين السنة والشيعة حتى في مجال الاسماء، لدرجة ان عمليات القتل على الهوية في العراق المحتل كانت تتم استنادا للاسماء على يد فرق موت ايرانية وامريكية وتكفيرية سنية! والسؤال المركب والجوهري هنا هو : لماذا ترفض ايران ممارسة طقوس التوحش والسادية داخلها وتأمر بها في الاقطار العربية؟ ولماذا ترفض ايران اسماء الشرك داخلها وتفرضها، عبر حوزتي قم والنجف، في العراق والاقطار العربية؟ اليس لتسهيل تمييز الشيعي عن السني وتعميق الخلافات بينهما؟
7 – ان المظلومية ارث مشترك يهودي شيعي صفوي، واليهود هم اساتذة الصفويين لانهم اقدم في هذا المجال ولان مظلوميتهم الكاذبة كانت تكتيكا لغزو فلسطين وتحويلها الى (وطن قومي لليهود). ولعل من اغرب عناصر التشابه هو ان المظلومية لدى الطرفين اقترنت بالتقية ذاتها. ان اهم ما يسقط ادعاءات المظلومية هو ان الحوزة، سواء في قم او النجف، كانت تأمر اتباعها بعدم المشاركة في الحكم او وظائف الدولة او السياسة لغياب الامام، لان غياب الامام يحرم الحكم من الشرعية، ومن ثم فان خدمة الدولة هي خروج على الشرع! وقصة غياب الامام وانتظار عودته ارث يهودي صفوي مشترك مصدره سابق لليهودية بزمن طويل، وابتدأ في الاساطير العراقية اصلا، لكن هذا الارث وظف من قبل اليهود لزرع الامل في الانقاذ من (الجور والظلم) مع ان الكهنة قبل ظهور اليهودية والحاخامات اليهود يعرفون انها قصة اسطورية لا غير.
قاطع اليهود الاشتراك في الحكم لاسباب تعلق بالتقية، وهي تجنب استفزاز الحاكم غير اليهودي، فاتجه اليهود لحرفة التجارة والعلم والفن وغير ذلك وتجنبوا السياسة، اما الصفويون فانهم قاطعوا الحكومات ورفضوا العمل داخلها ولم يحرمهم احد من ذلك ابدا، فاتجهوا كاليهود للتجارة وغيرها معتقدين ان انتظار المهدي القادم لنشر العدل بعد الجور سيسمح لهم باستلام الحكم وليس المشاركة فيه كمواطنين عاديين كغيرهم! اذن ليس صحيحا ان الشيعة ابعدوا عن الحكم بقرار من الاخر، بل الصحيح هو ان المرجعيات الصفوية هي التي ابعدتهم خلقا للكراهية في نفوسهم او تعميقا لها. وبما ان ما بيسمى ب (المظلومية الشيعية) يقوم على ادعاء فاسد، وهو ان الاخر أي السني يحتكر السلطة ولا يسمح للشيعي بالمشاركة في الحكم والحياة السياسية، فان فساد اصل الفرضية يسقطها كلها.
اما العامل الحاسم في نسف فرضية المظلومية فهو ملاحظة ان الشيعة العرب حينما اختاروا العمل السياسي في الدولة والاحزاب لم يمنعهم احد، لانهم اهل العراق وليسوا ضيوفا عليه، واحتلوا المواقع الاولى في كل الدولة، من رئيس وزراء الى قادة في الجيش الى امناء سر للاحزاب القومية، وامين السر في البعث هو اعلى موقع حزبي، فحزب البعث مثلا قاده خمسة امناء سر حتى الغزو، ثلاثة منهم شيعة وهم المرحومان فؤاد الركابي وعلي صالح السعدي والسيد حازم جواد، واثنان سنيان هما المرحوم احمد حسن البكر والشهيد الخالد صدام حسين... الخ. اذن لم تروج المرجعيات في النجف وقم وهما ايرانيتان، لاسطورة المظلومية؟ اليس لخلق سبب جوهري للشرخ الطائفي؟
8 – يلاحظ ان الصفوية كاليهودية تلزم المنتمي اليها بالطاعة المطلقة لرجل الدين والا حل عليه عقاب الهي مستمر في الدنيا والاخرة! والطاعة في الصفوية اشد من الطاعة في اليهودية، وهي منحدرة لدى الصفويين من الزرادشتية، والتي تربط حصول الانسان على اقامة في الجنة بطاعة رجل الدين والملك! ومن مظاهر تأثر التشيع الصفوي بالزرادشتية هو تقليد طاعة المرجع الديني بشكل اعمى لدرجة ان مثقفين كبار لا يستطيعون التمرد على هذه الطاعة! ان تقبيل يد الامام هو المظهر الاشد بشاعة لنظام العبودية الزرادشتي والذي نقلته النخب الفارسية الى التشيع الصفوي. والتأكيد على الطاعة المطلقة يحول رجل الدين الى وكيل الله في الارض ويمنحه سلطات مفتوحة تشمل حتى استمرار الحياة الزوجية او انهاءها بقرار من الامام! ما دور ذلك في التوسع الاستعماري الإيراني؟
ان الطاعة التامة لرجل الدين تجعل سلطته اقوى من الانتماء القومي او الوطني، وهي سلطة تستطيع استخدام مواطني بلد اخر لخدمة ايران وهم واثقون من انهم يخدمون الله ويشترون بطاقة الاقامة في الجنة! ولا يمكن تفسير ماحدث في العراق عند الغزو وبعده لعدد ليس بالقليل من العراقيين بعيدا عن هذا الامر الخطير. فلولا فتاوى السيستاني، وهو ايراني الجنسية رغم انه المرجع الاعلى لشيعة العراق، بعدم مقاومة الغزو ثم فتاواه بالاشتراك في الحكومة التي شكلها الاحتلال وبدعمها والتعاون مع الاحتلال لما تورط الاف العراقيين في العمل ضد وطنهم العراق.
9 – يشترك الصفوي مع اليهودي ومع المسيحي المحافط ايضا، في الوقوع في فخ التمحور حول الذات. ما معنى ذلك؟ التمحور حول الذات مرض في الوعي الانساني يجعل الانسان يعتقد بانه هو مصدر الحقيقة والحق والمقرر للخطأ والصواب وليس هيئة او وثيقة قانونية او طرف اخر خارجه، لذلك فانه لا يهتم بما يقوله الاخر ولا يعترف بحقوقه ولا بانسانيته، حتى لو ادعى ذلك للتخلص من بعض الاحراجات. ان من غزا امريكا الشمالية وجنوب افريقيا واستراليا واباد سكانها او حولهم الى عبيد هم اوربيون، ومن غزا فلسطين وطرد اغلب سكانها هم يهود صهاينة، وهؤلاء قتلوا عشرات الملايين من البشر، وفي امريكا الشمالية فقط قتل المستعمرون الاوربيون 112 مليون هندي احمر دون وجود حاجة لتلك الابادة المنظمة على الاطلاق، لان الهندو الحمر استقبلوا المهاجرين البيض بالترحاب وقدموا لهم الطعام واقاموا لهم اماكن السكن وعلموهم الزراعة، وكان يمكن ان يتعايش الابيض مع الهندي الاحمر، لكن الابيض قرران يحتكر القارة كلها له فاباد الاغلبية الساحقة من الهنود الحمر (112 مليون هندي ابادهم البيض مع العلم ان عدد سكان اوربا كلها وقتها كان 52 مليون نسمة) بطريقة منظمة ومدروسة.
في محاكمة تاريخية في اسبانيا اثناء هجرة الاوربيين لامريكا الشمالية، دارت حول موضوع شرعية او عدم شرعية ابادة الهنود الحمر، كان الجدل بين منطقين منطق من يقول ان الهنود الحمر ليسوا بشرا بل حيوانات رغم ان شكلهم بشري، وراي اخر يقول انهم بشر. والمنطق الاول ينطلق من ايمان يهودي يقوم على التمييز بين اليهود والجوييم (الاغراب من غير اليهود)، فالجوييم ليسوا بشرا حتى لو كان شكلهم بشري لذلك فان استعبادهم وقتلهم وسرقتهم واغتصاب نساءهم لا يحرمه الله! والتمييز بين اليهودي والجوييم هو الشكل الاكثر تطرفا للتمحور حول الذات، تلك النظرية التي تسمح لمعتنقها بارتكاب كل الجرائم معها كانت بشعة، انطلاقا من قناعته بانه هو الانسان والاخر شبيهه وليس هو الانسان. الان وقد تطور العالم وظهرت اغنية حقوق الانسان واصبح من يغنونها كثر، لم يعد بالامكان عزف اغنية شبيه الانسان علنا ومباشرة، فاختفت ظاهريا، لكنها بقيت تعبر عن نفسها بطرق موهة ومزوقة ومنها ظاهرة التمحور على الذات.
ان امريكا وممارساتها في العالم تقدم لنا صورة ممتازة لهذه النظرية ومثلها اسرائيل. ان التسويق الغالب للتوسع الاسرائيلي على حساب العرب وغزوات امريكا تقوم على ادعاء ساذج وهو حق الدفاع عن النفس بكافة الوسائل، وعند مناقشة هذا الحق نجد الامريكي والاسرائيلي لا يستمعان لما يقوله الاخر والاخرون، مهما وضحوا وفسروا ودحروا منطق التمحور حول الذات. لقد اقفلت الذات الابواب والشبابيك عليها وحيدت حواسها كلها كي لا تلتقط سوى ما تريده هي، فاخذنا نرى حوار طرشان بين امريكا وخصومها لان قاعدة الاتفاق على المبادئ مفقودة. وايران تشترك مع امريكا واسرائيل في خاصية التمركز حو الذات.
استمعوا الى بوش مثلا وهو يتحدث عن غزو العراق ستجدون كانه لم يسمع راي أي طرف اخر، بما في ذلك معارضوا الحرب في الكونغرس بالذات، ويردد كلمات لا تتغير : جئنا لتحرير العراق ونشر الديمقراطية، العنف في العراق سببه الارهاب، الفتن الطائفية سببها عراقيون، نحن نتقدم في تحقيق لسلام...الخ، واستمعوا لخامنئي ونجاد وحتى الكتاب الايرانيون يقولون : اننا ضد احتلال العراق، امريكا هي سبب كارثة العراق، الفتنة الطائفية تحركها امريكا، القتل على الهوية تقوم به فرق موت امريكية وارهابية وهابية، ايران تعمل من اجل مصلحة العراق وشعبه...الخ، هذا لكلام يكرر باستمرار وكأن من ينطق به لم يعترف بانه لولا الدعم الإيراني لما تمكنت امريكا من غزو العراق، وان من يقوله لا يرى خامنئي ونجاد وغيرهما يقولون نحن نستطيع اخراج امريكا من مأزق العراق!
ما معنى هذا؟ انه يعني ان الصفوي، كالامريكي وكالصهيوني، لا يرى الا ما يريد ان يراه هو، ولا يقبل الا ما يظن انه مفيد له. لقد تكون اهم اسس التمحور حول الذات وهو الغاء الطرف الاخر بنمطقه ووجوده ومصالحه.