صلاح المختار - العراق
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3641
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن العالِم الأحمق يطرد الناس عن علمه بسقط الكلام و الإكثار منه: من وصايا لقمان الحكيم لولده
3- قفزات نابشي القبور: ما قاله السيد معن نجد دلالاته وخطورته الشديدتين على الحقيقة وعلى التاريخ في ان واحد، فهو يقول حرفيا : (بل بهذه الشجاعة أيضاً، وقف الرئيس صدام حسين في حضانة للأطفال في بغداد، وفي عزّ الحرب مع إيران ليسأل الأطفال في الحضانة من هو عدو العراق... وحين يجيبه طفل، وأمام وسائل الإعلام العراقية: إن عدو العراق هو إيران يرد الرئيس بوضوح: إسرائيل هي العدو، ورغم أن بيننا وبين إيران حرب الآن، لكنها جار باقٍ إلى الأبد على حدود العراق.)
هل ما قاله السيد بشور صحيح؟ هل المواقف تقيّم وفقا لمعايير مرحلية ام مفتوحة الزمن؟ وماذا يعني اقتطاع حادثة من سياقها التاريخي ووضعها في حالة تعويم زمني مغرض ومشبوه؟ اولا وقبل كل شيء هذه الفقرة مكرسة من قبل السيد بشور للتشكيك بالبعث والمقاومة العراقية اللتان تتفقان كليا على ان اسرائيل الشرقية هي العدو الاخطر للامة العربية في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخها الكفاحي، والمقاومة العراقية وباعتراف السيد بشور قبل عام 2011 – علما ان اعترافه او عدمه لا يشكل شيئا بالنسبة لنا - هي المقاومة الرئيسة في الوطن العربي لسبب بسيط هو انها قاتلت امريكا مباشرة وهزمتها، فبمجرد استخدام هذه الفقرة المنتزعة قسرا وغائيا من سياقها التاريخي نجد انفسنا امام اتهام صريح للبعث والمقاومة العراقية بانهما متورطان في موقف منحرف لانه معاد لاسرائيل الشرقية وهو ما رفضه القائد الشهيد صدام حسين! هل هذا خبث؟ ام انه محاولة لتجيير كلام الشهيد لخدمة من اعدم الشهيد وهي اسرائيل الشرقية وهو ما سنتناوله لاحقا؟
ولكي نلاحظ درجة الاحتيال الزمني نذكر بان هذه القصة وقعت عندما كانت الاحوال غير احوالنا والمواقف غير مواقف الحاضر والتحديات مختلفة جذريا. ان الحكم على المواقف والقضايا مشروط بمعرفة زمانها وليس بمعزل عن ذلك فانت حينما تقتطع نصا من كتاب صدر قبل الف عام يقول بان الجمل اسرع مخلوق في الصحراء، وكان ذلك صحيحا في وقته، وتحاول ان تثبت انه مازال هو الاسرع بعد الف عام فانك تتجاهل ما حصل من تطورات علمية واختراعات واكتشافات غيرت العالم جذريا، فالان هناك سيارات وقطارات تسير في الصحارى بسرع عالية يعجز الجمل عن اللحاق بها. اذن من بين اول معايير الوعي السليم واستبعاد الغرض المسبق معيار ملاحظة زمن الحدث ولهذا فاننا حينما ننتزع الحدث من سياقة الزمني نصبح كالقائل الان بان الجمل في هذا الزمن هو اسرع مخلوق في الصحراء وهو ما يبعث على التساؤل عن طبيعة وعي من يقول ذلك. ما قاله السيد معن بشور هو استنساخ حرفي لمقولة ان الجمل هو اسرع مخلوق في الصحراء في القرن الحادي والعشرين.
حكاية ان الطفل الذي سأله الشهيد من هو عدو العراق واجاب ايران فصحح له وقال له كلا انه اسرائيل، حكاية مرت عليها 25 عاما تقريبا والعالم في هذه الفترة لم يتغير بطريقة عادية بل تغير بطريقة جذرية وكارثية تعد انقلابا ستراتيجيا شاملا عربيا وعالميا بما في ذلك التحديات التي تواجه العرب وعليهم الاستعداد لها بالوعي الشامل الذي نجد على رأس اولوياته وضع تسلسل منطقي بالاولويات الستراتيجية. فما الذي تغير خلال هذه الفترة؟ وهل بقيت اسرائيل الشرقية كما كانت وقتها ام انها حققت خطوات احتلال استعماري مترافقة مع عمليات تفريس مخطط وازالة متعمدة للهوية العربية التي مازال السيد بشور يقول انها هويته؟
عندما اكد الشهيد بان اسرائيل وليس ايران هي العدو كانت ايران تشتبك مع العراق في حرب حددنا طبيعتها منذ وقوعها بانها حرب وجود وليست حرب حدود او ايديولوجيات وهو موقف اكدت كل الاحداث اللاحقة صوابه الكامل، لكن بعض العرب كانوا لا يعرفون حقيقة اسرائيل الشرقية وقتها لجدة تعاملهم معها مباشرة، ونتيجة للشعارات المضللة التي رفعها نظام الملالي حول دعم فلسطين ومناهضة امريكا حصل اضطراب رؤية لدى بعض العرب حول الدور الحقيقي لاسرائيل الشرقية في ذلك الوقت لكنه اخذ ينتهي وزال عموما بعد غزو العراق في عام 2003 لعدة اسباب موضوعية منها:
1- اعترف النظام الايراني رسميا بانه تعاون مع امريكا من اجل غزو العراق وافغانستان ناسفا شعاراته المضللة، وكان على راس المعترفين محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني وقتها الذي قال مفتخرا في مؤتمر في الامارات العربية في عام 2004 (لولا الدعم الايراني لامريكا لما نجحت في غزو افغانستان والعراق)! خاتمي الرئيس الايراني اضاف ان بلده دعم وسهل غزو افغانستان والعراق (نكاية بالبعث وصدام في العراق وبطالبان في افغانستان)!!!. واعاد الاعتراف عدد كبير من قادة اسرائيل الشرقية منهم احمدي نجاد الرئيس الايراني وغيره. اذن هذا الموقف الفارسي المستنسخ من الموقف الصهيوغربي لم يكن موجودا حينما اكد القائد الشهيد بان اسرائيل الغربية وليس اسرائيل الشرقية هي العدو، والتغير في الوضع جذري وليس عبارة عن تغيير ثانوي فاسرائيل الشرقية تتحالف مع امريكا من اجل احتلال وتدمير العراق وتسخر كل نغولها في العراق لتشكيل جيش طائفي وميليشيات بلغت الخمسين لاجل تغيير الواقع السكاني للعراق تماما مثلما فعلت الصهيونية في فلسطين ومع ذلك اغمض السيد بشور بصيرته قبل بصره فلم يتذكر هذا التغيير! ولهذا فان اول ما يتبادر للذهن هو السؤال التالي: لم احتال السيد بشور زمنيا واخفى عن مستمعيه انه احتال زمنيا بتغييب تحولات ستراتيجية هي الاخطر في تاريخ العرب وليس منذ احتلال فلسطين فقط؟
2- لم تكن اسرائيل الشرقية تحتل سوريا وقتها بل كانت في حالة تحالف ستراتيجي مع نظام حافظ اسد ضد العراق كانت من ثمراته دعم اسد لخميني في حربه ضد العراق وتقديمه السلاح والدعم السياسي الكاملين له، اما الان فانها تحتل سوريا ولديها قوات فيها وجلبت ميليشيات منها ومن باكستان والهند والعراق وكل بقاع العالم التي لها فيها نغول وزجتهم في حربها ضد الشعب العربي السوري وتسببت في اكبر كارثة شاملة تواجهها سوريا في كل تاريخها. فهل هذا الدور الفارسي في سوريا حدث ثانوي؟ ومهما حصلت الخلافات حول سبب وجود اسرائيل الشرقية في سوريا فان الحقيقة الدامغة هي انها تمارس عمليات ابادة جماعية للسوريين وتغير التركيبة السكانية لسوريا بتهجير اكثر من عشرة ملايين عربي سوري وتوطين غيرهم فيها ونشر الفتن الطائفية التي كانت سوريا خالية منها قبل نظام الاسد، ولعل اخطر من كل ذلك هو ان حكام طهران يتفاوضون ونغلهم اللبناني حزب الله يتفاوض حول مصير المدن السورية مع المعارضة السورية ونظام بشار يتفرج! فلم حذف السيد بشور هذه الحقيقة من بصره وبصيرته؟
3- لم تكن اسرائيل الشرقية تحتل اليمن او جزء منه بواسطة نغولها الحوثيين فقد كانت اسرائيل الشرقية ابعد ما تكون عن القدرة على غزو اليمن وغيره بوجود عراق قوي مرغ انف حاكمها الاوحد خميني بالوحل لكنها الان تحتل اجزاء من اليمن وتسببت في حرب اهلية مدمرة فيها نتيجة مطامعها الامبراطورية المعلنة.
4- لم تكن اسرائيل الشرقية تحتل العراق وترتكب هي بقواتها المسلحة وعلنا ورسميا وبقيادة قاسم سليماني وبالميليشيات التابعة لها مجازر جماعية ضد الشعب العراقي وتهجر وبدعم امريكي مباشر ورسمي اكثر من ثمانية ملايين عراقي وقتلت اكثر من ثلاثة ملايين عراقي بعد الغزو وبمشاركة صهيوغربية رسمية وعلنية.
5- لم تكن اسرائيل الشرقية قد كشفت عن وجهها الاستعماري الاكثر بشاعة من الوجه الصهيوني عندما مارست نفس اسلوب الصهيونية في جلب ملايين الفرس وغير العرب وتوطينهم في العراق وسوريا ومنحهم الجنسية العراقية والسورية لدرجة ان بشار اعلن رسميا ان المواطنة السورية لمن يدافع عن سوريا وليس لمن ينتمي اليها وقبله اعلن ابراهيم الجعفري عندما كان رئيسا للوزراء انه منح الجنسية العراقية لاكثر من مليونين ونصف المليون ممن لا يحملون الجنسية العراقية. بمعنى اوضح: اسرائيل الشرقية تكمل ما بداته اسرائيل الغربية وهو تغيير الهوية السكانية للعراق وسوريا والتمهيد لتغيير هوية اليمن ولبنان ودول الخليج العربي. وهو موقف رسمي تتبناه اسرائيل الشرقية الان.
6- هل كان هذا الغزو الفارسي لاقطار عربية ضمنيا وسريا؟ كلا فلقد اطلق قادة اسرائيل الشرقية تصريحات بالغة الوقاحة من بينهم اية الله يونسي الذي قال (ان الامبراطورية الفارسية قامت الان وعاصمتها بغداد) بينما اكد قادة الحرس الايراني بان (ايران تسيطر الان على اربعة اقطار عربية – العراق وسوريا واليمن ولبنان - وان حدودها وصلت السواحل اللبنانية وان كل مكان فيه مقام ل(ال البيت) تابع لايران)، الا يذكركم ذلك بواحد من اسس التوسع الصهيوني وهو المقولة الشهيرة (حيثما وجد مقام لانبياء اسرائيل فهي ارضا لنا)؟ واكتملت الصورة الاستعمارية والعنصرية للنظام الايراني بتاكيد مسوؤلين منهم علي اكبر ولاياتي وزير الخارجية السابق والمستشار الاعلى حاليا للمرشد الاعلى بان المصلحة القومية الايرانية هي المحرك للسياسات الايرانية وارتفع صوت شعراء ومعممين يشتمون العرب في اجهزة الاعلام الرسمية ويعيدون ماكان يقوله الشعوبيون القدماء ضد العرب. وهذا الامر لم يكن موجودا عندما قال الشهيد ان اسرائيل الغربية هي العدو وليس اسرائيل الشرقية.
7- وعندما قال سيد شهداء العصر ذلك لم يكن حزب الله قد احتل لبنان عمليا وفرض سطوته عليه بعد ان اقسم حسن نصر الله على ان سلاح المقاومة لن يستخدم في الداخل اللبناني وانه ضد الاحتلال الصهيوني حصرا وفقط لكنه في عام 2008 احتل بيروت وقتل ما يزيد على 120 لبنانيا فتحول الى قوة احتلال تحتل لبنان بالنيابة عن اسرائيل الشرقية تأتمر بامرها مباشرة! اليس هذا تطور نوعي في دور حزب الله يجعله مثل اي قوة فاشية تستخدم العنف المطلق لارهاب واخضاع وابتزاز الاخرين؟
8- لم تكن الفتن الطائفية قد انتشرت في الوطن العربي لكنها الان منتشرة على نطاق واسع وتجر الى مجازر وازمات خطيرة في اقطار عربية عديدة مثل العراق وسوريا ولبنان والسعودية ودول الخليج العربي وانتقلت الى المغرب العربي ومصر والسودان، كل ذلك تم نتيجة الجهد الايراني والدعم الصهيوغربي اساسا وهو امر لم يكن موجودا عندما كان العراق يخوض حربا دفاعية ضد اسرائيل الشرقية وكان الشعب العراقي بشيعته وسنته يقاتلون جيوش الغزو الفارسي بحماسة وبدافع وطني عراقي وقومي عربي واضحين. فهل يمكن النظر الى اسرائيل الشرقية الان مثلما كان ينظر اليها قبل تفجيرها ونشرها للفتن الطائفية؟
9- ان الارض العربية التي تحتلها اسرائيل الشرقية اصبحت اكبر بعشرات المرات من تلك التي تحتلها اسرائيل الغربية فالعراق وسوريا ولبنان تقع تحت هيمنتها المباشرة واليمن تتقاسمه هي مع المعارضة الوطنية اليمنية والاحواز وحدها اكبر من فلسطين ارضا وسكانا وثروة، فكيف نستطيع بعد هذا التوسع الاستعماري الفارسي في الاقطار العربية ان لا ننظر لايران على انها في الواقع اسرائيل الشرقية والتي تكمل الطوق حول العرب او انهما مثل المطرقة والسندان؟
هل هذه الامثلة كافية لاثبات ان الزمن الذي قال فيه الشهيد صدام حسين ان اسرائيل الغربية هي العدو وليس اسرائيل الشرقية؟ طبعا كافية واكثر من كافية ولهذا فان السؤال الذي لا يمكن تجنبه هو: لم اقتطع السيد بشور تلك القصة عن سياقها التاريخي وتجاهل التغييرات العاصفة والكارثية التي وقعت في الوطن العربي وجعلت ايران هي اسرائيل الثانية بل اخطر من الاولى؟
يتبع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: