صلاح المختار
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7827
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
العين التي لا تبكي لا تبصر في الواقع شيئاً . حكمة عالمية
في يوم 21/12/2008 اجرت فضائية الجزيرة مقابلة مع هانس بليكس، رئيس لجان التفتيش التي كانت تابعة للامم المتحدة والتي قامت بتفتيش العراق بحثا عن اسلحة الدمار الشامل المزعومة قبل الغزو، قال فيها انه تعرض لضغوط امريكية خلال مهمته في العراق لنزع السلاح (المفترض طبعا)، واضاف ان نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني هو من مارس الضغط عليه وعلى محمد البرادعي، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، اثناء لقاء مباشر لهما معه، وكان نائب الرئيس الامريكي واضحا جدا في تهديده لدرجة انه قال لهما اذا لم تؤكدا وجود اسلحة دمار شامل في العراق فسوف تتضرر صدقيتكما! ان هذا التصريح مهم جدا لانه ينطوي على مجموعة من الحقائق والملاحظات التي تسلط الضوء ليس على امريكا فقط، فامريكا مشهورة بتجاوز كل القوانين والقيم الانسانية، ولكن ايضا على من كان يفترض به انه يمثل الامم المتحدة، المفترض انها مؤسسة مستقلة عن اي دولة وتعمل باسم كل الامم وتمثلها! وقبل ان نتناول تلك الحقائق والملاحظات من الضروري التذكير بما حصل في العراق لتحديد خطورة ما قاله بليكس ومعرفة حجم الخلل في موقفه العام.
خطة الدمار الشامل للعراق
ان احتلال العراق لم يكن مجرد عدوان على بلد حر ومستقل بل كان مجموعة عدوانات وجرائم مركبة ومتداخلة، تعد كل واحدة منها بحد ذاتها جريمة ضد الانسانية او جريمة حرب، وعلى الارجح لم يتعرض بلد في العالم في العصر الحديث لما تعرض له العراق من ظلم وعدوانات متسلسلة توجت بغزوه ووقوع افظع الجرائم أثناء الغزو، في كل تاريخه الممتد الى اكثر من ثمانية الاف عام، على يد الاحتلال الامريكي وشريكه الاساسي الاحتلال الايراني. ان ماحصل في فيتنام من جرائم ارتكبتها القوات الامريكية يبدو وضعا معتدلا جدا مقارنة بجرائم الامريكيين والايرانيين في العراق. وفيما يلي بعضا من هذه الجرائم البشعة التي ترتبت على احتلال العراق، وتثبت ان امريكا وايران هما اشد اعداء العراق والامة العربية خطورة، (طبعا خطورة الكيان الصهيوني مستمدة من خطورة امريكا) :
1 – تدمير دولة كاملة، بجيشها وقوات امنها ووزاراتها ومؤسساتها ومعاملها ومدارسها وجامعاتها ومتاحفها و...الخ، وتحويل العراق الى غابة لا نظير للوحشية التي سادت فيها. ان الاحتلال لم يسقط النظام الوطني فقط بل دمر كل المؤسسات، ومنها حل الجيش والمؤسسات الامنية مما ادى الى طغيان فوضى منظمة وغير منظمة لا نظير لها وقفت قوات الاحتلال تراقبها بتلذذ، باستثناء منع الفوضى من الوصول الى وزارة النفط، لان النفط كان احد الاهداف الاساسية للغزو. ان هذا العمل بذاته وبمفرده يشكل جريمة متعددة الجوانب والاشكال، لان كل الاتفاقيات الدولية لاتجيز للدولة المحتلة ان تغير قوانين وانظمة البلد المحتل او تدمر دولته ونظامها وتكتفي بضمان امن قواتها المحتلة.
2 – ادى الغزو والفوضى المتعمدة، التي زرعت وفقا لتخطيط امريكي - ايراني الى استشهاد مليون ونصف المليون عراقي قتلا على يد الامريكييين والايرانيين، والعصابات التابعة للقوات الاجرامية البيش مركة، والكثير منهم تعرض لتعذيب استثنائي بغرابته وقسوته، خصوصا ذلك الذي استعملته فرق الموت الايرانية ممثلة بفيلق بدر وجيش المهدي وغيرهما.
3 – قتل الناس عشوائيا في الشوارع من قبل قوات الاحتلال الامريكية والشركات الخاصة التابعة لها، او من قبل فرق الموت الايرانية التي انتشرت في العراق واخذت تقتل الضباط والطيارين والجنود الذين حاربوها اثناء الحرب العراقية – الايرانية. ان هذا النوع من القتل لم يكن نتاج معارك بل ثمرة خطط امريكية – ايرانية لتصفية علماء وضباط وكوادر العراق وتركه فريسة للحاجة الى الخبرة في كافة المجالات لعدة عقود، واضطراره للاعتماد على الخبرة الامريكية الجاهزة.
4- طبقا لتقرير صدرَ عن منظمة اليونيسيف، وهي منظمة تابعة للامم المتحدة اكد على وجود خمسة ملايين عراقية (أرملة) ومليوني يتيم عراقي تقل اعمارهم عن 18 عاما نتيجة للغزو وماجرى فيه من فظائع.
5 - ابتكرت فرق الموت الامريكية والايرانية (بشكل خاص) طرقا غير مسبوقة في القتل والتعذيب في العراق، ومنها اغتصاب القوات الامريكية للشيوخ امام عوائلهم واصدقائهم اضافة لاغتصاب النساء والشباب والصبيان، وعلنا، اما لاجبارهم على الاعتراف عن مكان اباءهم او ابناءهم او اقاربهم، او لاجل (كسر عيونهم)، كما يقول العراقيون، اي الحاق العار بهم امام معارفهم، وما جرى في سجن (ابو غريب) مجرد مثال بسيط لما ارتكبته القوات الامريكية من جرائم بشعة وسيبقى سجن ابو غريب وصمة عار ابدية في جبين امريكا. اما فرق الموت الايرانية فكانت وماتزال اسوأ بكثير من فرق الموت الامريكية ومن الانجازات التاريخية ل (جمهورية ايران الاسلامية) في العراق شوي الاطفال والصبيان العراقيين في افران الخبز وتقديمهم لاهاليهم على طبق كبير (يسمى في العراق صينية)، كما فعل جيش المهدي، او استخدام الدريل (المثقاب الكهربائي) في تثقيب الراس والعينين حتى الموت، انتقاما من الوطنيين العراقيين، او ثأرا لهزيمة ايران في الحرب العراقية - الايرانية، كما فعل فيلق بدر. ومن المعروف ان جيش المهدي وفيلق بدر منظمتان تابعتان للمخابرات الايرانية وتوجهان كليا ومباشرا من قبلها.
6 – سرقت كل موجودات دولة العراق من قبل ايران والعصابات الاجرامية المسماة البيشمركة الكردية، وبقرار امريكي، اذ لم يبق معمل او شركة او وزارة او سيارة او دبابة او طائرة الا وسرقت او دمرت دون مبرر عملي! وكان الهدف الامريكي - الايراني المشترك هو اعادة العراق الى عصر ماقبل الصناعة، كما هدد وزير خارجية امريكا جيمس بيكر المجاهد الكبير الاسير طارق عزيز قبل العدوان الثلاثيني في عام 1991 بقليل. ان سرقة او تدمير دولة كاملة جريمة غير مسبوقة على الاطلاق، فحتى ما حصل لالمانيا النازية بعد هزيمتها لم يكن تدميرا لدولة ومجتمع بل كان تدميرا لجيش ونهب للعلماء وليس ابادتهم مع بقاء الدولة ومؤسساتها!
ان الاحتلالات الاخرى كانت عبارة عن نهب موجودات معينة دون تدمير البنى التحتية وغيرها، اما ان تنهب دولة كاملة وتدمر، منشأت ومجتمعا، وتجرد من كل ماهو ثمين وتسوى عمارتها بالارض (كل ما هو مبني على الارض من منشأت انتاجية وخدمية) فهو عمل اجرامي منظم غير مسبوق يدخل في اطار تعمد تدمير البيئة والشروط الضرورية للحياة الانسانية. وعلينا ان نتذكر بان هذه الجريمة تقليد امريكي عريق، لانها ابتدأت جرائمها ليس بابادة 98 % من الهنود الحمر السكان الاصليين لامريكا، بل ابادت معهم وقبلهم 50 مليون جاموسة كانت المصدر الرئيسي لحياة الهنود الحمر ونشرت الامراض عمدا للقضاء عليهم كالجدري وغيره. اما ايران فان تقاليد الحرب لدى بلاد فارس عبر الاف السنين كانت تقوم على اجتثاث العدو (اي بلاد الرافدين) من جذوره وليس فقط قتل الجيوش : ابادة الاطفال وقتل كل شاب وصبي ونهب كل ثروة واستعباد من يبقى من السكان حيا، ومن بين مبتكرات بلاد فارس القديمة في مجال فنون الحرب السرية سمل العيون وتقطيع الاطراف وجدع الانوف، من جهة، وشراء الضمائر بالمال، او التسلل الى داخل المجتمع عن طريق النساء الفارسيات تماما كالصهيونية!
7 – نهب ثروات العراق، كالنفط والنقد الذي كان متوفرا عند الغزو، او الذي استلم نتيجة تصدير للنفط بعد الاحتلال. ويكفي ان نشير هنا الى ان الحاكم الامريكي بول بريمير قد اتهم بسرقة 9 مليار دولار عراقي، والان هناك اكثر من 150 مليار دولار منهوبة دون تحديد من نهبها، لان الجميع مشارك في النهب : عملاء امريكا وعملاء ايران. اما ما لم يعرف بعد من النهب على نطاق واسع، كنهب الفوسفات واليورانيوم الخام من العراق وبكميات تكفي امريكا لمئات السنين فهو جريمة خطيرة تفرض عليها مؤامرة صمت ولا تجري عملية تسليط الاضواء عليها. وهنا يجب ان نذكر بان نهب ثروات البلد المحتل مدان وفقا للقانون الدولي الذي وضعته اوربا وامريكا، لان واجب الدولة المحتلة هو حماية حياة الناس واموالهم واموال الدولة لحين انتهاء الاحتلال!
8 – تشريد حوالي ستة ملايين عراقي من ديارهم، وهو اكبر عدد مهاجرين في التاريخ الحديث ضمن الفترة الزمنية المعنية، مع ما يرتبط بالهجرة من مأس انسانية خطيرة، كالجوع والموت والمرض والاهانات والبغاء واللصوصية وانعدام فرص التعليم والحرمان التام من مستلزمات الحياة الانسانية والتعرض لكافة انواع الاضطهاد والقسوة والخداع...الخ.
9 – تعريض حياة شعب العراق للمجاعة والمرض والموت نتيجة للتدمير المخطط والمنظم لكل انواع الخدمات مثل الصحية والتعليمية والنقل والكهرباء والماء الصالح للشرب والحرمان من الوظيفة (اجتثاث حوالي ستة ملايين بعثي)، وتعمد منع اعادة الخدمات وعدم حل مشاكلها رغم توفر الموارد المالية لتحقيق ذلك. ان حالة الشعب العراقي منذ الغزو وحتى الان هي حالة شعب يوضع على حافة الموت ويذوق الموت يوميا، ويعاني من العذاب المتعمد في الحصول على الطعام ومستلزمات الحياة الطبيعية.
10 – النشر المتعمد للمخدرات والايدز والدعارة وغير ذلك، والتي كانت شرارة اشعالها غياب الامن وعودة الفقر الى العراق بعد القضاء عليه.
تساؤلات مشروعة
اذا اكتفينا بهذه الاعمال، وغيرها كثير، فان كل واحدة منها هي جريمة كبرى بحد ذاتها وتكفي لتقديم ليس فقط من اتخذ قرار الحرب ونفذه بل ايضا من ساعد على توفير البيئة المناسبة لتنفيذه، الى محاكم جرائم الحرب وجرائم الابادة وجرائم معاداة الانسانية. وهذه الحقيقة يعرفها السيدان هانز بليكس ومحمد البرادعي بصورة تامة وتفصيلية. لذلك فان السؤال الاساسي الذي يفرض نفسه هو : من ساعد على توفير بيئة دولية واقليمية تساعد على غزو العراق، باقل رفض ممكن؟ وللاجابة على هذا السؤال لابد من طرح اسئلة اخرى منها : لم صمت السيد بليكس حوالي عشر سنوات وتحدث الان بعد تنفيذ الجرائم الامريكية والتي ادت الى تدمير دولة كاملة وشعب كامل، في حين كان بامكانه ان يلفت نظر الراي العام الى خطط امريكا قبل تنفيذها، فعلى الاقل كان من المؤكد ان حركة مناهضة الحرب ستكون اقوى واشد تأثيرا بفضل شهادة بليكس وغيره من المسؤولين الاممين، كما ان مشاركة الدول الاخرى في الغزو كانت ستتأثر بكشف الحقيقة؟ وهل توقع عقوبة قانونية بحق من يخفي معلومات تساعد على منع جريمة؟ ما حكم القانون المحلي والدولي في ذلك الصمت؟ وما معنى ان يطلق بليكس هذه المعلومة الان وبعد ان اعترف مجرم الحرب جورج بوش بان معلومة اسلحة الدمار الشامل العراقية كانت خطأ وليس قبل ذلك؟
للاجابة على هذه الاسئلة والتساؤلات من المفيد طرح نقاط محددة بصيغة اسئلة وتساؤلات ايضا.
1 – هل كان صمت بليكس نتيجة خوف من تهديد تشيني؟ يفهم من تصريح بليكس للجزيرة انه كان خائفا، وربما هذا يفسر احد اسرار صمته عن جريمة عرف بانها ستقع ومع ذلك لزم الصمت! لذلك لابد من التساؤل : الخوف مم؟ يقول بليكس ان تشيني هددنا انا والبرادعي بالتشكيك بصدقيتنا، اذا كان هذا هو السبب الحقيقي فانه يعني بوضوح وبلا اي لبس انه اراد الاحتفاظ ب(صدقيته) حتى لو كان ذلك سيؤدي الى اغتيال مليون ونصف مليون عراقي وتشريد ستة ملايين عراقي وتحويل العراق الى مجزرة حقيقية!
انه يعترف بانه فضل انانيته على حساب وضع شعب كامل مؤلف من 27 مليون عراقي في محرقة تأريخية لاتختلف عن الهولوكوست اليهودية (اذا افترضنا ان ما تدعيه الاوساط الصهيونية صحيح طبعا) الا بتعدد اشكال معاناة شعب العراق، حيث انه عانى ويعاني اكثر بكثير مما عاناه اليهود (حسب ادعائهم طبعا مرة اخرى)، والتي توزعت، اي معاناة شعب العراق، بين التعذيب الاستثنائي ببشاعته، خصوصا النوع الذي تخصصت به فرق الموت الايرانية، والقتل العشوائي والابادة المبرمجة وتلويث بيئة الحياة في العراق لالاف السنين والحرمان الشامل من اساسيات الحياة، بينما تعرض اليهود، (حسب ادعاءهم طبعا مرة ثالثة)، الى السجن والموت جوعا او في افران الغاز، ودون امرارهم بمعاناة متعددة الاشكال واخطر واسوأ مما تعرض لها شعب العراق. السؤال الحاد هنا هو : هل جرائم غزو العراق تختلف عن جرائم النازية، من حيث الجوهر والطبيعة، كي ندين الثانية ونصمت عن الاولى؟ ام ان الصمت على جرائم غزو العراق يعود الى اسباب عنصرية؟
2 – الا توجد في قوانين اوربا وامريكا الشمالية فقرات تعاقب من يسكت على ارتكاب جريمة ويخفي معلومات عنها وتعده مساهم بارتكابها؟ ولم لا تطبق هذه الفقرات على بليكس الذي عرف معلومات، استقاها من نائب الرئيس الامريكي مباشرة، عن قرار امريكا غزو العراق بغض النظر عن نتائج البحث عن اسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك صمت ولم يعلن ما عرفه؟
3 – لو ان جريمة غزو العراق قد وقعت في بلد اوربي وحصل فيه ما حصل في العراق، وفي اطار نفس الحالة، اي معلومات كاذبة تؤدي للغزو، هل كان رد فعل بليكس هو نفس رد فعله على غزو العراق استنادا الى معلومات كاذبة عرف انها كاذبة قبل الغزو؟ وهل كان سيصمت ويخفي مالديه من معلومات عن غزو قادم استنادا الى اكاذيب؟
4 – الا يفترض ببليكس بصفته مبعوثا امميا ان يرفض الاملاءات او التهديدات ويعلن عنها في مؤتمر صحفي او في تصريح؟
5 – لو ان غزوا قامت به دولة عالمثالثية غير تابعة لامريكا او الغرب لدولة اخرى، استنادا الى اكاذيب، هل كان بليكس سيسكت؟ تذكروا الحملة على العراق بعد دخوله للكويت وشن حرب عالمية ثالثة بسبب ذلك، واصطفاف كل اوربا الرسمية وكل امريكا الشمالية الرسمية ضد العراق وتطوع الشخصيات البارزة لدعم حملة امريكا ضد العراق بحجة (غزو الكويت) وقارنوها بردود فعل هذه الدول على غزو امريكا للعراق.
6 – هل خوف بليكس من الاعلان عن معلوماته عن قرار امريكا غزو العراق يعفيه من المسؤوالية القانونية عن التستر على جريمة ابادة؟ وهنا يجب ان نتذكر بان الخوف هو على السمعة والوظيفة وليس نتيجة تهديد لحياته، وهذا يعني ان سمعة بليكس ووظيفته اهم من قتل وتشريد وتعذيب ملايين العراقيين.
7 – اما محمد البرادعي، الذي مازال صامتا حتى الان وبعد مرور اكثر من عشر سنوات على علمه بقرار امريكا غزو العراق، فهو انموذج لنوع من البشر يستحوذ عليه الجانب الحيواني في الانسان، وهو الحرص على ملأ بطنه وجيوبه بالمال حتى لو كان ذلك المال قد غطس بدم الاطفال والنساء والشيوخ والشباب! ولئن كان بليكس قد نطق بعد عشر سنوات وبعد تدمير العراق وابادة وتعذيب ملايين العراقيين، فاثبت انه نصف عبد للحيوان المختبأ في داخله، فان البرادعي مازال متمتعا ب(صمت الحملان) مع ان صور جريمة العراق تمر يوميا براسه والتي كان يعرف انها سترتكب قبل ارتكابها، فاثبت انه عبد كامل العبودية للحيوان الكامن في داخله!
ليس بوش وحده . ان جريمة اغتيال العراق، شعبا ودولة، لا يتحمل مسؤوليتها جورج بوش وحده، فهو عبارة عن الجزء الطافي من جبل الجليد، ام الاجزاء التسعة الاخرى الغاطسة تحت الماء من جبل الجليد فهي تتألف من :
1 – كل من ايد الغزو من اعضاء الكونغرس الامريكي، اذ لولا موافقتهم لما تمكن بوش من القيام بالغزو.
2 – الاعلام الامريكي والذي كان اخطر من الجيش الامريكي، لانه هيأ الراي العام الامريكي والعالمي لتقبل الغزو، من خلال نشر الاكاذيب حول العراق وقيادته الوطنية، بحيث شيطن العراق وقيادته وجعل الكثير من العالم يرى ضرورة التخلص من الخطر العراقي. لقد حيّد الاعلام الغربي والعربي مواقف الرفض للحرب ومكن امريكا من جعل رد الفعل على الغزو اما معدوما او مؤيدا او رافضا بليونة، باستثناء قطاعات جماهيرية معروفة. وهذه المسؤولية تشمل اجهزة الاعلام العربية التي روجت الاكاذيب حول العراق وساهمت في شيطنته.
3 – الشخصيات الاكاديمية والبارزة والاختصاصيين والخبراء الذين وضعوا خطط الغزو، بعد ان سلط اخرون منهم الاضواء على اهمية القيام به، وهنا يأتي الدور المحافظين الجدد كرأس الحربة في الاعداد لجريمة العراق وتنفيذها وادامتها.
4 - المسؤولون السابقون (الامريكيون والبريطانيون) الذين دعموا فكرة الغزو وروجوا لها قبل الغزو ثم دعموا الغزو بعد وقوعه كهنري كيسنجر.
5 – المسؤولون الامميون الذين عرفوا بقرار الغزو لكنهم صمتوا او انتقدوه بشكل خفيف وغير جاد، مثل بليكس والبرادعي والامين العام للامم المتحدة كوفي عنان، الذي انتقد الغزو بعد وقوعه وليس قبل حصوله مع ان الرفض المسبق كان يمكن ان يغير مجرى الاحداث اضافة الى ان واجبه كان يفرض عليه الاعلان عن لا شرعية اي غزو للعراق وان يدينه بقوة ويحذر منه ومن نتائجه على الامن والسلم الدوليين وكونه خرقا لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي.
6 – الجامعة العربية التي مهدت للغزو ودعمته عبر موقفها المناقض لميثاقها.
7 – كل حكومة سمحت لقوات الغزو بالمرور من اراضيها او مياهها الاقليمية او اجواءها للوصول الى العراق.
8 – كل حكومة سمحت لقوات الغزو بالانطلاق من اراضيها ومياهها الاقليمية لضرب العراق.
9 – كل منظمة اقليمية صمتت على الغزو.
10 – كل رجل قانون لم يبد رايه القانوني الذي يدين التوجه لاحتلال العراق.
11 – كل حكومة قدمت المال لتمويل الغزو.
12 – كل حكومة قدمت معلومات استخبارية ساعدت على غزو العراق مثل الحكومة الالمانية.
13 – كل دولة شارك جيشها في غزو العراق حتى لو كان عمله ثانويا او شكليا او (غير قتالي) كالجيش الياباني.
14 – كل من رفض مقارنة جرائم امريكا في العراق بجرائم النازية.
15 – كل من تجاهل القانون الدولي والقانون الدولي الانساني وصمت او ايد غزو العراق.
16 – كل من حاول اخفاء حقيقة ان غزو العراق تم بلا غطاء من الامم المتحدة وصوره على انه مشروع للقضاء على (خطر عراقي) مزعوم وثبت انه غير موجود.
17 – كل من دعم الاحتلال بحجة القضاء على النظام في العراق على اساس (انه ديكتاوتوري)، لان الغزو لم يخطط له ولم ينفذ لاسباب تتعلق بالديمقراطية والديكتاتورية على الاطلاق بل لنهب العراق واستعماره والقضاء على تجربة النهضة القومية الناجحة فيه، بدليل التدمير الشامل للعراق (دولة وشعبا ونظاما واقتصادا الخ) وليس نظاما فقط، وهي حقيقة تاكدت بعد الغزو. ان وجود خلافات مع النظام ومهما كانت عميقة لاتسوغ ولا تبرر دعم الغزو او الدعوة له باي شكل من الاشكال، وبما انها مسالة وعي وبما ان الساسة الذين ايدو الغزو كانوا مثقفين، او واعين على الاقل، فان من قام بذلك مسؤول عما جرى في العراق تحت ظل الغزو.
الخلاصة
لو كانت في العالم عدالة حقيقة لقدم بليكس للمحاكمة بتهمة المساعدة على ارتكاب جرائم حرب او التستر على معلومات ادى عدم كشفها الى غزو بلد وتدمير دولته ومجتمعه وابادة وتشريد الملايين، وكان سيقف الى جانب بوش الذي يجب ان يحاكم بتهمة التخطيط المتعمد لغزو بلد مستقل والاستخدام المتعمد للاكاذيب للقيام بالغزو بعد تضليل الراي العام. مرة اخرى اذا كان القانون الامريكي يعاقب من يخفي معلومات كان يمكن ان تمنع وقوع جريمة قتل شخص واحد فان عدم افصاح بليكس عما لديه من معلومات في وقت الحصول عليها هو عامل ساعد على الغزو، وعلى حصول كافة انواع الجرائم التي وقعت في العراق وماتزال تقع فيه، وهي جرائم اخطر من قتل فرد واحد بالتأكيد.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: