هل إيران دولة استعمارية؟
الخطوات الاستعمارية العملية الإيرانية (4 – 10)
صلاح المختار
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9108
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إذا كانت المؤشرات التي تناولناها، رغم وضوحها وقوتها لاتقنع بعض مؤيدي ايران العرب بان ايران دولة استعمارية فان ثمة خطوات اقدمت عليها ايران لا تقبل الخطأ في دلالاتها الاستعمارية، ومنها :
1- احتلال الاحواز العربية، والتي قدمتها بريطانيا لايران اثناء احتلالها للعراق في العشرينيات من القرن الماضي. والاحواز لمن لا يعرف الكثير عنها اكبر من فلسطين مساحة وسكانا، حيث يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة كلهم عرب، كما ان الاحواز هي مركز اهم ثروات ايران وهو النفط والغاز، وفيها اكبر كمية مياه في بلد تشكل ازمة المياه اخطر ازمة في تاريخ ايران كله ماضيا وحاضرا. لقد تأمرت بريطانيا على الامة العربية في اطار تنفيذ خطة سايكس بيكو البريطانية – الفرنسية لتقسيم الوطن العربي وتقاسمه، وكان ضم الاحواز الى ايران من بين اهم مظاهر تنفيذ تلك الاتفاقية الاستعمارية. ان بقاء الاحواز ضمن العراق، خصوصا بعد ان عرف الغرب الاستعماري ان النفط غزير جدا في الاحواز وبقية العراق، يمنح العراق ثقلا اضافيا يقلب توازنات المنطقة في غير صالح الاستعمار، فقرر تحجيم العراق نفطيا باقتطاع الاحواز منه وضمها الى ايران من جهة، ومنح ايران الفقيرة نفطا ومياها لتقوى وتتمكن من لعب دور كابح اندفاعات العراق التحررية والحضارية، على اساس معرفة بريطانية دقيقة بطبيعة العراق الخاصة، من جهة ثانية، ولخلق عامل صراع مستقبلي بين العراق وايران حول الاحواز من جهة ثالثة.
ومن المعروف ان الشاه رضا بهلوي، والد الشاه الاخير محمد، قد ذكّر ابنه عندما حضرته الوفاة بانه (استعاد) الضفة الشرقية للخليج العربي وان على ابنه محمد ان (يسترجع) الضفة الغربية الى السيادة الايرانية! والسؤال هنا هو : ما معنى احتلال ايران للاحواز العربية، ومحاولات تفريسها، التي مازالت مستمرة منذ العشرينات من القرن الماضي؟ هل يختلف ذلك عن احتلال فلسطين من قبل الصهاينة وبمساعدة نفس الطرف الدولي بريطانيا؟ أذا كنا قوميين عرب، او اسلامويين او ليبراليين، ما الفرق بين الاحواز وفلسطين؟ نحن كقوميين عرب نعد الاحواز مثل فلسطين، والاسلامويين يجب ان ينظروا اليها كارض اسلامية احتلت كما احتلت فلسطين، والليبراليون يجب ان ينظروا اليها كقضية حقوق انسان رئيسية، فهل فعل كل هؤلاء ذلك؟ هل طبقوا مبدأ وحدة قيمة الارض والشعب والحق؟ ومن الملفت للنظر ان ما احتله الشاه حافظ عليه الملالي رغم انهم يدعون انهم يدافعون عن حقوق المسلمين!
2- وفي عهد الشاه ايضا احتلت ايران الجزر العربية الثلاث، التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة وبتواطأ بريطاني ايضا، وفق منطق القوة لا غير، وحينما اسقط الشاه وكانت شعارات خميني اسلامية معادية للاستعمار والصهيونية توقع البعض، ممن لا يعرفون حقيقة ايران، ان تعيد حكومة الملالي الجزر لاصحابها، الا انهم فوجئوا برفض ايران خميني اعادتها!
3- وتكرر الامر مع البحرين وكل دول الخليج العربي، حيث ان خميني اعلن رسميا انه بصدد اسقاط حكام الخليج العربي والجزيرة، بحجة انهم تابعون للغرب ووضع المنطقة كلها تحت حكم ايران تحت شعار مضلل هو اقامة الدولة الاسلامية بزعامة ايران.
4- وقصة تسمية الخليج هي الاخرى تقدم لنا مؤشرا على ان ايران (الاسلامية) هي في الواقع مجرد غطاء لايران الفارسية، لان خميني بالذات رفض مقترحا من منظمة المؤتمر الاسلامي، بحل الخلاف حول تسميته (هل هو خليج عربي ام خليج فارسي؟) باطلاق تسمية (الخليج الاسلامي) بدل التسميتين المختلف حولهما، واصر على بقاء تسمية (الخليج الفارسي)!،
5- اما غزو العراق فقد تحدثنا عنه ونكتفي بذكر ان ايران تحتله، كما امريكا، وهي الشريك الاول فعليا لها في الغزو والتدمير المنظم للعراق، وتتفاوض معها لتقرير مصير العراق! فما معنى ذلك؟ وهل يختلف هذا النهج عن النهج الاسرائيلي – الامريكي؟
6- واخيرا وليس اخرا فان اخطر تهديد للامة العربية، منذ غزو فلسطين وحتى الان، هو الفتن الطائفية التي انتشرت في معظم الاقطار العربية، فنحن نرى الان في مصر والسودان والاردن وسوريا ولبنان والخليج العربي والمغرب العربي فتنا خطيرة اساسها، وسببها المباشر هو التبشير الطائفي الايراني، الذي انطلق على نحو خطير بعد وصول الملالي للسلطة في ايران واسقاط الشاه، فانشق المسلمون وتعاركوا وتحاقدوا! ان اهم واخطر نتائج ما يسمى خطئا (الثورة الاسلامية) ليس تهديد اسرائيل، كما يدعي الاعلام الايراني ومارينز ايران العرب، فتلك اكذوبة وسخة، كما اثبتت الاحداث وواقع الصراع، بل هي حركة قومية فارسية توسعية استعمارية تشكل تهديدا خطيرا ورئيسيا ومباشرا على الامن القومي العربي، من خلال زرع بذور التقسيم والشرذمة الطائفية في الوطن العربي، والتدخل المباشر والفظ في شئون الاقطار العربية وانموذج ذلك التدخل في العراق عبر الحرس الثوري الايراني والاحزاب التابعة له، والتدخل الشامل في لبنان عبر الاداة الايرانية المسماة حزب الله، والتي حولت اقسام من لبنان العربي الى مستعمرة ايرانية لا ترى فيها سوى صور خميني وخامنئي وقادة ايران!
من هنا فان من الطبيعي ان يتحول الجهد العربي من التركيز التام على مواجهة الخطر الامريكي – الاسرائيلي الى توزيع الجهد العربي بين ايران وامريكا واسرائيل لمواجهة الخطر الايراني القاتل والمتصاعد. لقد تجسد الشر الايراني في انها هي المحرك الرئيسي للفتن الطائفية والشريك الاساسي لامريكا واسرائيل في تمزيق الامة العربية! ان اولئك الذين يستغربون من هذا التحول في الاهتمام العربي خصوصا الشعبي منه بالخطر الايراني الداهم، اما لا يفهمون ما يجري في الواقع العربي او انهم متواطئون مع ايران لاسباب مختلفة، لان التهديد الايراني ماثل امام الاعين وتخريبه يتصاعد واهم ما يترتب عليه هو ان الانسان العربي يصبح مضطرا لتغيير اولوياته في مواجهة خطر من الداخل الاسلامي وله تأثير تشرذمي وليس تأثير توحيدي.
وماراه العرب في العراق يشجع على اعتبار الخطر الايراني مثل الخطر الاسرائيلي والامريكي من قتل على الهوية الطائفية والتهجير المنظم لستة ملايين عراقي، في اطار عمليات تطهير ظاهره طائفي لكن حقيقته عرقية تنفذها ايران وتستفيد منها وتساعدها عليه امريكا واسرائيل، لان من حل محل العرب المهجرين هم فرس بلغ عددهم اربعة ملايين جلبوا من ايران، اضافة لاكراد اخرين من تركيا وطنوا في شمال العراق، فرفع عدد اكراد العراق من 2,5 - 3 ملايين كردي عراقي، قبل الغزو، الى اكثر من اربعة ملايين كردي منحوا الجنسية العراقية، كل ذلك من اجل تغيير الطبيعة السكانية للعراق وانهاء طابعه العربي. ان من يتعجب من التعامل مع الخطر الايراني بصفته تهديد مباشر وجوهري للامة العربية وهو يعرف هذه الحقائق يجب ان نضع عليه فورا علامة استفهام حول حقيقة ارتباطاته، لسبب بسيط هو ان هذه التغييرات السكانية لا تختلف ابدا عن التغييرات السكانية في فلسطين التي احدثتها الصهيونية وبمساعدة الغرب. كما ان تعاون امريكا مع ايران لانجاح عملية تغيير الطابع السكاني للعراق يعيد انتاج الدور الغربي في التسبب في مأساة فلسطين ولكن هذه المرة في العراق!
وفي ضوء ما تقدم فان الاستغراب والتعجب يجب ان ينصبا على السلوك الايراني وليس على رد الفعل العربي المشروع على جرائم ايران، فالضحية من حقه ان يتهم الجلاد ومن حقه ان يحذر وينذر، واذا كنا وقفنا ضد الغزو السكاني الاسرائيلي لفلسطين فان من الواجب ان نقف ضد الغزو السكاني الايراني للعراق، لان رفضنا لاسرائيل ويهود اسرائيل لم يأتي بسبب يهوديتهم على الاطلاق بل نتيجة كونهم احتلوا ارضنا وهجروا شعبنا وغيروا طبيعة فلسطين السكانية. ان الاستعمار هو الاستعمار سواء اطلقت عليه تسمية ايران او اسرائيل او امريكا او بريطانيا، وكل ازدواجية في التعامل مع الغزو بكافة اشكاله يعد موقفا مشبوها من الضروري فضحه بلا هوادة وتسليط الضوء على من يتبناه مهما كان.
خصائص الاستعمار الايراني
اذن كيف نصف هذا الدور الايراني؟ من اجل الجواب يجب ان نعيد بتركيز تام التذكير باهم خصائص هذا الدور :
1 – ايران تحتل اراض عربية في الاحواز والخليج العربي والعراق كما فعلت اسرائيل وامريكا.
2 – ايران تعمل على تغيير الهوية العربية في العراق والخليج العربي من خلال الهجرة المنظمة تماما كالمشروع الصهيوني في فلسطين.
3 – ايران تنشر الفتن الطائفية تماما مثلما تفعل اسرائيل في الوطن العربي رسميا وعلنيا.
4 – ايران تمارس الابادة الجماعية للعرب كما في العراق والاحواز، تماما مثلما فعلت وتفعل اسرائيل في فلسطين وامريكا في العراق.
5 – ايران تتبع سياسة التفريس المنظم تماما كما تقوم اسرائيل باتباع سياسة الصهّينة لفلسطين.
6 – ايران تتبرقع بالدين لامرار مشاريعها التوسعية تماما مثلما تفعل اسرائيل بالاستناد الى اساطير توراتية.
7 – ايران تعلن ان لها الحق في التدخل في شئون العرب باسم المصلحة القومية الايرانية، وهو ما عترف به احمدي نجاد وخاتمي وخامنئي وغيرهم، تماما مثلما تفعل اسرائيل مع الاقطار العربية باسم مصلحة الامن الاسرائيلي.
8 – ايران تستخدم القوة لتحقيق اهدافها التوسعية تماما مثلما تفعل اسرائيل وامريكا.
9 – ايران تصر على ادعاءات تاريخية لاثبات حقها في البحرين والعراق والخليج العربي بحجة انها كانت في زمن ما ضمن الامبراطورية الفارسية، تماما مثلما تفعل اسرائيل.
10 – ايران لديها مشروع امبراطوري قديم متجدد يقوم على السيطرة على المنطقة الغربية لها، بشكل خاص وهي الخليج العربي والجزيرة العربية، سواء بالقوة العسكرية او بالنفوذ الطائفي او بالهجرة السكانية المتدرجة. وهذا الاسلوب هو ذاته اسلوب اسرائيل في الاحتلال التدريحي المنظم.
11 – ايران قوة استعمارية اقليمية بمطامع ومطامح دولية وهذا بالضبط هووضع اسرائيل.
هذه الخصائص الايرانية تجعل منها في ان واحد قوة استعمارية أقليمية تقوم بالغزو بالقوة العسكرية، وهي بذلك تشبه امريكا كدولة غزو استعماري تقليدي، او تغزو بصورة متدرجة وغير مباشرة عبر الهجرة السكانية الى المناطق المستهدفة بالغزو، كما فعلت اسرائيل فهي دولة غزو سكاني، وفي الحالتين انها تستخدم الغطاء الطائفي للعثور على طابور خامس داخل الامة العربية، فهي دولة تتوكأ على الدين لتحقيق اهداف غير دينية كاسرائيل! ان خصائص ايران كدولة استعمارية تتعزز بتذكر ان الاستعمار الايراني وجد قبل ظهور الاستعمار الصهيوني بالاف السنين، لان اقامة اسرائيل التوراتية قرار اتخذ في مؤتمر بازل في سويسرا في نهاية القرن التاسع عشر، كما ان الاستعمار الايراني اقدم ايضا بالاف السنين من الاستعمار الغربي بشكل عام والاستعمار الامريكي بشكل خاص، حيث احتلت الامبراطورية الفارسية قبل الميلاد ما يسمى الان ب(الشرق الاوسط) وهو الوطن العربي مضافا اليه دول الجوار ووصلت اوربا مرتين على الاقل.