هل إيران دولة استعمارية؟
إستراتيجية إيران المرحلية : تأسيس موطأ قدم (6 - 10)
صلاح المختار
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9014
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من مظاهر حكمة وعبقرية مخططي الشوفينية الفارسية اعتمادهم على ستراتيجية قومية تقوم على الاشتباك مع العدو، او العدو المحتمل، خارج حدود ايران وعند مقترباتها الستراتيجية، لاجل تجنيب ايران التعرض للضربة الرئيسية في الحرب وامتصاص زخم العدو في جبهات خارج ايران. ومن الواضح ان هذه الستراتيجية مشابهة للستراتيجية الاسرائيلية التي تقوم هي الاخرى بنقل الحرب الى اراضي العدو ومنع وقوعها على ارض فلسطين المحتلة، من جهة، وعلى الاستفادة من دول المنطقة غير العربية في تحقيق اشتباكات مع الدول العربية، في مواضيع غالبا مفتعلة مثل الحدود والمياه والمطالبات القديمة من جهة ثانية. ويخطأ من يظن بان ايران متاثرة باسرائيل في هذه الستراتيجية لان العكس هو الصحيح فايران تعتمد هذه الستراتيجية منذ اسقاط العرب لامبراطورية فارس ونشر الاسلام فيها.
والسؤال المهم هنا هو التالي : ماهي مقتربات ايران الستراتيجية؟ وماهي المناطق التي خططت ايران للاشتباك فيها مع كافة اعدائها او منافسيها؟ اذا نظرنا الى الخارطة سنجد ان اغلب المناطق والمقتربات هي اراض عربية، وفي مقدمتها العراق الذي يشكل الحدود الغربية والمقترب الغربي لايران، وسوريا ولبنان اللتان تشكلان قوسا ستراتيجيا مع العراق يمكنه منح ايران القدرة على ضرب خصومها او منافسيها من أرض دول القوس وليس من داخل حدودها، لاجل الضغط عليهم اذا ارادوا حرمانها من حصة من عملية تقاسم الوطن العربي، اضافة لكونه عمقا ستراتيجيا يمنحها مرونة عالية جدا في الحركة والمناورة. وتشمل المقتربات منطقة الخليج العربي، حيث لايران جاليات كبيرة مجهزة لخدمة ايران، اضافة لاعتمادها اسلوب جعل الخليج العربي رهينة لايران عندما تتوتر الامور بينها وبين امريكا من خلال التهديد بقصف منابع النفط.
هل هذا كل شيء؟ كلا فالمقتربات التي تريد ايران وضع اليد عليها اكثر من ذلك، لانها تمتد الى كل الوطن العربي لذلك تعمل من اجل ايجاد عناصر تدعمها ومن ثم تقوم بالضغط على حكوماتها، او على الدول التي تضغط على ايران لردعها، او على الاقل لجعلها تفكر كثيرا قبل ان تهمل ايران وتحرمها من حصتها في اقتسام الغنائم الاقليمية، او عندما تريد تأديب ايران على تجاوزها خطا محرما تجاوزه. ان نشاطات ايران في المغرب العربي وصرف ملايين الدولارات فيه شهريا لشراء الذمم يقع في هذا الاطار، أي خدمة الوضع الستراتيجي الايراني وترجيح كفتها في لعبة عض الاصابع مع خصومها ومنافسيها الاقليميين والدوليين. ويتضح هذا بشكل ذو دلالات عنما تتوتر علاقات ايران مع الغرب مثلا، فتقوم العناصر التي تدعم ايران بأثارة مشاكل لمن يخاصم ايران. ولعل التوتر حول المفاعلات النووية الايرانية وحول الدور الايراني في العراق خير مثال على ذلك، اذ ان ايران ردت باصدار اوامر لحسن نصر الله ان يوتر الاوضاع مع اسرائيل، من جهة، وان تقوم التنظيمات العميلة لها في العراق بارباك الوجود الامريكي في العراق والتهديد بمهاجمة القوات الامريكية فيه من جهة ثانية. لقد فتحت ايران معارك ثانوية للضغط على امريكا لاقناعها بان حصة ايران اكبر مما تريد واشنطن منحه لها مكافئة على دعمها المطلق لامريكا في غزو العراق، وان دورها الاقليمي اهم مما تريده واشنطن.
لبنان : ساحة دعم
ان اهم ما في هذه الستراتيجية الايرانية هو ضمان نفوذ فعال في لبنان والسيطرة على العراق، او على الاقل الحصول على نفوذ فعال فيهما لاجل استغلاله لحماية خططها الابعد وتنفيذها والتعامل مع القوى الدولية من موقع قوة. وفي اطار هذا التخطيط الايراني ارادت ايران اكمال استدارة الحلقة الطائفية في لبنان، ونقلها الى حالة حفر خنادق تقسيمية جديدة لضمان تأسيس ساحة دعم شامل فيه لايران في سعيها الاستعماري، وارادت تفجير فتنة طائفية في العراق، لاجل جعله الساحة الرئيسية لتغيير الميزان الستراتيجي لصالحها أقليميا ودوليا، من خلال تسخير طاقاته الهائلة للتوسع الايراني في الخليج العربي وبقية اقطار الوطن العربي، وتلك كانتا اهم اهداف ايران الملالي الانتقالية. والسبب في اختيار لبنان والعراق هو وجود طائفة شيعية في لبنان كبيرة الحجم كانت تعاني من أضطهاد وحرمان اجتماعي واقتصادي، وطائفة شيعية في العراق تشكل نصفه ونشطة وطنيا وقوميا بسبب تمسكها بعروبتها، وهذه الحالة غير موجودة في أي قطر عربي تقريبا.
فكيف تم تأسيس موطأ قدم لايران في لبنان والعراق، باستغلال شيعة عرب، لتنطلق منهما لغزو بقية الاقطار العربية بعد فترة تمهيد؟ علينا ان نوضح هذه المسألة البالغة الاهمية. وهنا يجب ان نتناول قصة تأسيس حركة امل وحزب الله في لبنان ليكونا اخطر ذراعين فارسيين يعملان في لبنان كنقطة انطلاق الى الوطن العربي كله، وتأسيس حزب الدعوة ثم المجلس الاعلى ليكونا اهم ادوات ايران في غزو واستعمار العراق.
كانت النخب الفارسية، خارج الحكم وداخله، خصوصا في قم المركز الديني للحركة القومية الفارسية، ارسلت الايراني الشاب موسى الصدر الى لبنان لاجل تأسيس موطأ قدم قوي لايران فيه، منظم تنظيما عاليا وشديد الفاعلية، فكان تأسيس حركة امل هو الخيار التجريبي الاول. ان توقيت بدأ نشاطها وما عملته في لبنان يفضحان هدفها الحقيقي. فلقد نشطت حركة امل في ذروة قوة ونفوذ كل من الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، والاولى كانت تمثل اطيافا مختلفة من القوى الوطنية اللبنانية غير الطائفية بشكل عام، والثانية كانت تمثل المنظمات الفدائية الفلسطينية، وكان جنوب لبنان بيدهما ومنه حاربتا اسرائيل وخلقتا لها اعقد مشكلة وهي انها كانت تتعرض يوميا للكثيرمن الهجمات الصاروخية، في اطار اجندة وطنية لبنانية ووطنية فلسطينية تقوم على استخدام جنوب لبنان كمنطلق لانهاك اسرائيل واجبارها على تبني موقف الدفاع بدل موقف الهجوم، ولذلك بذلت اسرائيل وامريكا جهودا مضنية للتخلص من القصف اليومي. وفي ذلك الوقت كانت جماهير الجنوب الشيعية تدعم بلا تحفط الحركة الوطنية والمقاومة، ولذلك عد الجنوب احد اهم مصادر قوة المقاومة الفلسطينية في صراعها مع اسرائيل.
جاءت حركة امل وهي تحمل اجندة طائفية ولديها اموالا كثيرة كحزب الله الان، وشرعت بتوزيع المال على المحرومين في الجنوب وعملت على زرع الشعور بالمظلومية الطائفية لديهم مستغلة الوضع الطبقي التقليدي في لبنان، تماما كما فعلت ايران واحزابها في العراق، ونجحت في كسب اوساط معينة من الجنوب اللبناني، وعندها اخذت تزاحم الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية في الجنوب، ووصلت المزاحمة الى حد القتال ومحاولة طرد المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية من الجنوب! بل ان حركة امل قامت بمجازر ضد الفلسطينيين في المخيمات، تماما مثلما فعلت التنظيمات التابعة لايران بالفلسطينيين في العراق بعد غزوه.
ان هذا الدور القذر لحركة امل والجرائم التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين في لبنان وضد الحركة الوطنية اللبنانية قد احرق ورقتها وعزلها عن المحيط الوطني اللبناني. وما ان اسقط الشاه محمد رضا بهلوي، بقرار امريكي – بريطاني، في عام 1979 حتى برزت ضرورة طرح بديل لحركة امل يستفيد من نتائج عملها والذي ادى الى عزلتها عن الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وبنفس الوقت يواصل تنفيذ مهمة تحويل الجنوب الى جيتو طائفي موال لايران، فتم انشاء حزب الله ووضعت له المخابرات الايرانية خطة شاملة تضمن انتشاره في الجنوب وسيطرته عليه ومنع المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من العمل من هناك ضد اسرائيل. لقد ابتدأ حزب الله عمله بمهاجمة اسرائيل من جهة ومنع المقاومة والحركة الوطنية من القيام بعمليات ضد اسرائيل من جهة ثانية، وهنا لم يقع في الفخ الذي وقعت فيبه حركة امل وهو الصدام الدموي مع المقاومة والحركة الوطنية، وقام باعمال تستحق الدعم وهي مهاجمة اسرائيل. بل ان الخطة الايرانية لحزب الله كلفته بالقيام بعمليات نوعية تحوله الى حزب مقاوم يتجاوز الجميع في لبنان فيما يتعلق بالموقف من اسرائيل.
وهكذا اخذ الحزب يقوم بعمليات استشهادية ضد اسرائيل حسمت الامر لصالحه ومنحته سمعة ممتازة لبنانيا وعربيا، رغم انه كان تابعا لايران وينفذ مخططاتها، لدرجة ان من بين اول عملياته، التي لا يذكرها كثيرون لانها تحدد هوية وانتماء حزب الله الحقيقيين، عملية الهجوم الانتحاري على السفارة العراقية في بيروت والذي ادى الى هدمها واستشهاد السفير والكثير من طاقم السفارة والمراجعين لها! بعد ان اكتسب حزب الله سمعة طيبة امرته المخابرات الايرانية بمهاجمة السفارة العراقية اثناء الحرب مع ايران وكان ذلك احد اهم المؤشرات على انه يخدم ستراتيجية ايران الاقليمية. وفي هذه الفترة نجح حزب الله في زيادة استقطاب شيعة لبنانيين وتحول الجنوب الى منطقة تابعة لحزب الله وتوقفت عمليات المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، واصبحت كل رصاصة تطلق تحمل موافقة حزب الله!
وهنا تحول الجنوب من منطلق لعمل فلسطيني مقاوم للاحتلال الصهيوني الى منطقة مساومات ايرانية اقليمية ودولية بعد ان سيطر حزب الله عليه باسلوب يختلف عن اسلوب حركة امل، وفي هذا السياق هناك محطتان رئيسيتان : الاولى انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان والذي عد انتصارا لحزب الله فحصل على شعبية كبيرة، والثانية حرب عام 2006 والتي عدت اعظم تأهيل لحزب الله ليصبح دعمه معيارا مضللا للموقف الصحيح نتيجة كونه صارع اسرائيل، وهو موضوع خطير جدا خصوصا اذا اهمل السؤال الاساسي في هذه المسألة : هل قاتل حزب الله اسرائيل من اجل القضية الفلسطينية؟ وعند الاجابة يجب ان نتذكر انه اخرج مع حركة امل المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من جنوب لبنان، لذلك فان القول بانه قاتل من اجل القضية الفلسطينية يحتاج لتوضيح جوهري: لم كان اول هدف لحركة امل ولحزب الله احتكار جنوب لبنان واخراج المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية منه ومنعهما من مهاجمة اسرائيل مع انهما كانتا تقاتلان ببسالة وتأثير كبير اسرائيل؟ لقد كانت عمليات المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ضد اسرائيل من جنوب لبنان لها دافع واحد لا غير وهو عدم السماح لشمال اسرائيل بالاستقرار، ولو ليوم واحد، من شدة العمليات العسكرية وتواترها والتي كانت وراء غزو اسرائيل لجنوب لبنان والوصول الى غزو بيروت بالذات، في تعبير واضح عن شدة توجع اسرائيل من عمليات المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. اما عمليات حزب الله فانها كانت انتقائية وغير دورية تتسم بانها مصممة لخدمة الهدف الانتقالي وهو تاهيل حزب الله ليصبح القوة الوحيدة المسيطرة على جنوب لبنان. كما يجب ان نشيرهنا الى حقيقة بارزة وهي ان تحالف الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، بقيامه بعمليات عسكرية لبنانية - فلسطينية مشتركة ضد اسرائيل وعدم الاكتفاء بدعم المقاومة الفلسطينية، كان انموذجا ايجابيا وفريدا في الوطن العربي، قدم الدليل ليس فقط على ان الاحزاب اللبنانية الوطنية متحررة من الطائفية والتقسيم الطائفي بل ايضا اكد على امكانية تحرير فلسطين بعمل فلسطيني وعربي مشترك، يبدأ من القاعدة الشعبية ويصعد للوصول الى، اما اسقاط الانظمة التي تعرقل هدف تحرير فلسطين، او انضمام انظمة الى التحالف من اجل تحرير فلسطين، بعكس ماكان رائجا من ان المقاومة الفلسطينية وحدها هي المسئولة عن التحرير والموقف العربي المطلوب يقتصر على الدعم الجاد.
وذلك النموذج كان مظهرا خطيرا جدا على اسرائيل والانظمة العربية وامريكا، لانه يمهد لحرب تحرير قومية تحشد فيها كل طاقات العرب، وليس المقاومة الفلسطينية فقط، من اجل حسم الصراع، لذلك كان اغتيال انموذج تحالف الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ضرورة امريكية واسرائيلية. والسؤال المهم هنا هو : من حطم التحالف اللبناني الفلسطيني بمنعه من القيام بعمل عسكري ضد اسرائيل، من جهة، وبجعل الطائفية هي معيار الفرز السياسي، من جهة ثانية؟ ان الجواب الواضح والقاطع هو ان حركة امل ابتدات بالعمل في هذا الاتجاه، وحينما فشلت جاء حزب الله ليكمل مشوار حركة امل : السيطرة على الجنوب اللبناني ومنع أي تنظيم غير شيعي من العمل هناك، وهذا يعني تحديدا منع الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية من العمل ضد اسرائيل بعد احتلال الجنوب والوصول الى بيروت.
اذن هناك هدف اخر لحزب الله من وراء مقاتلة اسرائيل وهو خدمة ايران وليس قضية فلسطين، من خلال تحويل شيعة لبنان من خزين اساسي للحركة الوطنية اللبنانية وللمقاومة الفلسطينية الى خزين رئيسي لايران. ومن المستحيل تفسير تعمد حركة امل وحزب الله اخراج المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية من الجنوب من دون تذكر الحاجة الحيوية لايران لاقامة موطأ قدم في لبنان وجعله ساحة متقدمة لخوض صراعها مع القوى الاقليمية (مثلا العراق قبل الاحتلال)، وممارسة ضغط على اسرائيل من اجل تجميل وجه ايران وطرحها كقوة تخوض، بواسطة حزب الله، الصراع الاساسي مع اسرائيل وليس العراق او الاقطار العربية، كما ادعى علي خامنئي مرارا، او الدولية مثل امريكا لاقناعها بان الدور الايراني الاقليمي لا يمكن اهماله ومن ثم يجب ان تكون لايران حصة كبيرة وليس فتات من الغنائم الاقليمية.
ان اخطر واهم ما قام به حزب الله في لبنان، مستغلا سمعته الطبية التي اكتسبها من وراء مقاتلة اسرائيل، وهو تحويل ولاء كتلة كبيرة من شيعة لبنان من ولاء للوطنية اللبنانية وولاء للعروبة الى ولاء للطائفة، وهو ولاء انتقالي لابد منه لجعل الولاء لايران الولاء الاهم والاكثر تأثيرا في شيعة لبنان، بصفتها المرجعية الطائفية لكل الشيعة في العالم كما تقول ايران. ان اعظم مظهر لهذا الولاء العبودي والمطلق لايران عبر عنه حسن نصر الله مرارا بتعوده تقبيل يد علي خامنئي كلما التقاه، فهل يوجد مظهر معبر عن العبودية في الولاء اكثر من تقبيل اليد؟ ان تقبيل اليد عادة اقطاعية وغير عربية ولا اسلامية لانها تعبر عن قبول عبودية خدمة من تقبل يده، في معادلة واضحة هي وجود عبد وسيد. كما ان اخطر تحول احدثه حزب الله هو تحويل جنوب لبنان وجنوب بيروت من معقل للقومية العربية الى معقل لايران وللطائفية، وهذه الحقيقة يعرفها من عاشوا الصراعات في لبنان منذ الخمسينيات وحتى الثمانينيات وكانت فيها المناطق التي اصبحت موالية لايران بفضل حزب الله ملتزمة بالخط القومي العروبي. ونزع قسم من شيعة لبنان من عروبتهم وتحويلهم الى طابور ايراني خامس ليس فقط انكارا للقومية العربية بل ايضا تعميقا لخطوط الفصل الطائفي في لبنان.
وما ان نجح حزب الله في كسب ولاء كتلة مهمة من شيعة لبنان حتى اكمل استدارة حلقة الطائفية اللبنانية وحولها من طائفية أدبتها الحرب الاهلية، التي اندلعت في عام 1975 واجبرتها على اللجوء للحوار بعد استنزاف للجميع استمر اكثر من 15 عاما، الى طائفية استعادت شراستها ونزعتها العنفية وعلى نحو اخطر واشد. ان حزب الله المسلح افضل تسليح والذي يملك اموالا لا تملكها حتى الدولة اللبنانية ومؤسسات (خيرية) توزع المال علنا، والمنظم تنظيما راقيا عسكريا وسياسيا واجتماعيا لاتملكه أي فئة لبنانية، والمعتمد على جهاز استخبارات افضل من مثيله اللبناني الحكومي، ان ذلك كله قد نبه الطائفية المارونية والطائفية السنية والطائفية الدرزية لمواجهة هذه الحالة الخطرة على التوازن التقليدي اللبناني واجبرها على البحث عن توازن شامل مع حزب الله، ولم هناك خيار سوى الاعتماد على الخارج! من هنا فان مقتل الحريري لم يكن سوى قدحة نار متعمدة اشعلت كل المشاعر والافكار المكتومة لدى الجميع. الان يواجه لبنان حالة تخندق طائفي لم يسبق لها مثيل حتى في حالتي عام 1958 وعام 1975، خصوصا وان التصعيد، غير المسوغ والمضر بالجميع ومع ذلك فانه مستمر وثابت، والذي يلعب فيه حزب الله الدور الاخطر، يبعث برسالة لكل الطوائف اللبنانية تقول : اذا لم تتسلحي جديا وجيدا واذ ر المسوغ ، ومع ذلك فانه ت افضل من مثيله اللبناني الحكومي خامس ليس فقط انكارا للقومية العربية بل ايضا تعميقا لخطوط الفصل الطائفا لم تجدي دعما خارجيا يوازي الدعم الايراني لحزب الله فان امتيازاتك ستتبدد وتزول وسيتمكن حزب الله من اقتطاع مساحات جديدة من الارض والنفوذ على حساب الاخرين.
ان من لا ينظر لازمة لبنان من هذه الزاوية سوف يخطأ كليا في فهم آليات تطور الأزمة اللبنانية منذ انسحبت إسرائيل من الجنوب اللبناني وقزمت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية لصالح عودة الاصطفاف الطائفي محملا بمشاعر الخوف والقلق من إسقاط المعادلة اللبنانية التقليدية. بظهور حزب الله واكتسابه نفوذا قويا وامتلاكه دولة داخل الدولة اللبنانية أصبح خط الفصل الطائفي اللبناني أكثر وضوحا وبريقا وخطورة وحدة وتمترسا. لقد اغتيلت الحركة الوطنية اللبنانية لدرجة ان من كان قطبا رئيسيا فيها وهو وليد جنبلاط، وريث قائدها كمال جنبلاط، تحول بمقدار 180 درجة في موقفه العام، من خلال اقامة تحالف طائفي الطبيعة مع مارونيين كانوا خصومة التقليديين! وحل محل الحركة الوطنية اصطفاف طائفي مشبوه بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى لأنه يعتمد على الخارج : حزب الله ومعسكره يعتمد على إيران ووليد جنبلاط والحريري الابن يعتمدان على امريكا! وسط هذه المعادلة ضاع لبنان وانحدرت مصلحة لبنان إلى مجرد كلام وإنشاء. بالنجاح الايراني في جعل حزب الله رقما صعبا وفعالا في المعادلة اللبنانية اوجدت ايران قاعدة دعم في لبنان بالغة الخطورة.