صلاح المختار - العراق
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3742
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن العالِم الأحمق يطرد الناس عن علمه بسقط الكلام و الإكثار منه - من وصايا لقمان الحكيم لولده
في كلمة القاها السيد معن بشور، احد ابرز نشطاء ما يسمى ب(المؤتمر القومي)، في الاحتفائية التي اقامها حزب الطليعة العربي الاشتراكي في لبنان احياء للذكرى التاسعة لاغتيال سيد شهداء العصر القائد صدام حسين تطرق الى قضايا كثيرة فيها رسائل مسيئة للشهيد وللبعث ومزورة للحقائق، وتتطلب ردا وتوضيحا لمنع تضليل الناس وترويج معلومات وافكار خاطئة بل خطيرة جدا. فما الذي قاله ويستحق الرد؟
يقول في خطاب وضع له عنوانا مغمسا بالايحاءات المهندسة وهو (شجاعة المواجهة وشجاعة المراجعة) والايحاء الواضح هو ان البعث عليه ان يراجع نفسه ويعترف باخطاءه وهذا النمط من الطلبات يكرره كلما جاء ذكر البعث سواء كانت المناسب تصلح لطرحه ام لا تصلح وكأن البعث كان جبانا في يوم ما ولا يستطيع مراجعة مواقفه مع ان العالم كله يعرف بان البعث هو فارس سوح القتال وهو من قاتل امريكا وله الدور الرئيس في تمريغ انفها في وحل الهزيمة العسكرية في العراق! او كأن الهم الاكبر للسيد بشور صار قيام البعث بنقد ماضيه ليس طبقا للواقع الفعلي المعاش وقتها بل طبقا لتصورات السيد بشور المغرقة في الذاتية وبناء على عقد علاقته السابقة بالحزب وهناك فرق كبير بين نقد موضوعي تفرضه ضرورات النضال وهو ما قمنا به وبين نقد اخر محكوم بعوامل ذاتية كنقدات السيد بشور وهو ما نرفضه كليا لعدة اسباب منها :
1- لنبدا بما اسماه ب(شجاعة المراجعة) والتي يقصد بها مراجعة البعث لمسيرته والسؤال المنطقي هو: أيهما اخطر واهم مراجعة البعث لمسيرته ام مراجعة موقف السيد بشور وامثاله القائم على الدعم المطلق وغير المشروط لاسرائيل الشرقية في كل جرائمها الاخطر في التاريخ المعاصر للعرب والتي تفاخر بها علنا ورسميا وتمثلت بشن حروب غزو شاملة ضد العرب في بعض اقطارهم ونتج عن ذلك احتلالها للعراق وسوريا وتحاول احتلال اليمن وتعد لاحتلال السعودية ودول الخليج العربي وتضع اسس احتلال اقطار عربية اخرى في المشرق والمغرب العربي معتمدة على نشر الفتن الطائفية والتي تعد اخطر ما يهدد الهوية القومية العربية؟
الجواب واضح : اخطاء البعث المفترضة والحقيقية ومهما كانت كبيرة لن تضيف مخاطر على المخاطر التي تواجهها الامة سواء تم الاعتراف بها او لم يتم، بينما التوسع الامبريالي الايراني عمليات تتم على الارض ونراها تنتج كوارث اشد هولا من كارثة فلسطين وانتجت فلسطينات جديدة اصبحت اخطر من فلسطين الاولى، كما في العراق وسوريا واليمن الان، لهذا فان السؤال المنطقي هو : لم لم يطالب اسرائيل الشرقية بمراجعة (شجاعة) لمواقفها تجاه العرب منذ وصل خميني للحكم وتسبب في ام كوارث العرب في كل تاريخهم، فاهتم السيد بشور اولا وقبل كل شيء بالمطالبة المتكررة وفي وقت مناسب او غير مناسب بنقد اخطاء البعث مع ان تلك الاخطاء ومهما كانت كبيرة لا تصل الى واحد بالمليون من المخاطر التي تسبب فيها خميني؟
ما هي ابرز تلك الكوارث التي تسببت بها اسرائيل الشرقية؟ ابرزها ما نراه الان من حروب شاملة مدمرة في العراق وسوريا واليمن وازمات خطيرة في لبنان ودول الخليج العربي ولهذا يستطيع حتى الاعمى رؤية الدور الايراني المباشر والرئيس فيها، وعماد تلك الكوارث فتن طائفية عمياء بالغة القسوة زرعها ووسعها واستغلها النظام الايراني وبدعم غربي صهيوني واضحين كسلاح للابادة الجماعية والتطهير العرقي لملايين العرب. اذن ما السر وراء ارتكاب السيد بشور خطيئة ترك الخطير من القضايا والتمسك بالصغير منها؟ وما دلالة استبدال الخطر الاكبر بخطأ محدود وعادي لاصلة له بتهديدت الامن القومي ولا الوجود العربي وهو ممارسات خاطئة وطبيعية قام بها الحزب ونقدها وتجاوزها لكن السيد بشور يصر على ان الحزب مازال يمارسها في مسعى واضح لمواصلة شيطنة البعث؟
لو كان موضوعيا لاعتبر ان قيامه هو وامثاله بمراجعة مواقفهم الداعمة للاستعمار الفارسي العلني هو العمل المطلوب اولا وقبل كل شيء للتكفير عن الخطايا التي ارتكبوها بحق الامة والشهداء والمعذبين بتبرئة جلادهم والدفاع عنه، ولطالب اسرائيل الشرقية اولا بالتخلي سياساتها التي اعترف اغلب العالم بانها هي السبب الرئيس في كوارث العرب والمنطقة كلها منذ وصل خميني.
هل يتذكر السيد بشور ان فترة ما قبل عام 1979 وهو عام وصول خميني للحكم كان الصراع الرئيس فيها هو بين انصار كامب ديفيد ورافضيه ولم تكن هناك صراعات طائفية الا في لبنان؟ السعودية بكل ثقافتها الدينية المعروفة لم تضع في دستورها المذهب الذي يحكم الدولة كما فعلت اسرائيل الشرقية باعتبار المذهب الاثنا عشري مذهب الدولة وليس الاسلام فقط، قبل خميني ونظامه ونغوله لم تكن هناك صراعات وفتن طائفية والتي ظهرت فقط بعد قرار خميني العلني والرسمي نشر ما اسماه ب(الثورة الاسلامية) والبدء من اين؟ من العراق!!؟؟ اي فرض اسلام خميني وهو غطاء للمطامع القومية الفارسية على العراق بحد السيف!
ان اسوأ ما في طروحات السيد بشور وامثاله هو انه يتجاهل السبب الرئيس والحقيقي في حرف البوصلة عن القضية الفلسطينية وهو رفع خميني شعار (تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد وكربلاء). فهل ينكر السيد بشور ان هذا الموقف هو الذي نقل البوصلة من فلسطين الى العراق المعرض للغزو العلني والرسمي من قبل اسرائيل الشرقية؟ ولم يتجاهل هذا التطور الخطير جدا والذي كان السبب الرئيس في الانقلاب الستراتيجي الاقليمي بل العالمي؟ ولم لم يطالب اسرائيل الشرقية بعدم تغيير بوصلة فلسطين رغم مرور اكثر من ثلاثة عقود على عملها هذا وتسببه في كل كوارثنا لفترة ما بعد كارثة فلسطين؟
السيد بشور المولع بالنبش حتى في القبور للوصول الى ما يريده هل يجهل معنى الشعارات والمواقف الحادة ودورها في اشعال الحروب؟ كل منصف عربي او اجنبي يعرف ان الحرب التي اشتعلت بين العراق واسرائيل الشرقية سببها الرئيس والواضح هو هذا الشعار واقدام خميني على تطبيقه بشن عمليات ارهابية داخل العراق وتبنيها رسميا من قبل خميني واعلامه وتفريغ المدن العراقية الحدودوية من سكانها بسبب القصف المدفعي وبالطائرات تمهيدا لدخول قوات ايرانية الى العراق لاسقاط النظام.
وتلك حقائق موثقة سلمت مذكرات بشانها للامم المتحدة ووصلت الى اكثر من 300 مذكرة تثبت اعتداءات اسرائيل الشرقية على العراق، ولما لم تتوقف رد العراق حماية لكيانه الوطني وسيادته وحقه في الحياة، فلم يقفز السيد بشور فوق هذه الحقيقة ويطمسها ويتحدث عن ضرورة عدم الانحراف عن بوصلة فلسطين وكأن من غيرها نحو العراق هو النظام الوطني العراقي وليس نظام الملالي في طهران؟ الا تفرض الامانة الاخلاقية قبل الوطنية تحديد الطرف الذي حرف البوصلة عن فلسطين وحولها الى العراق ثم الى دول الخليج العربي وباقي الاقطار العربية؟ الا يفرض الانتماء القومي العربي للسيد بشور الادانة الواضحة لغزوات اسرائيل الشرقية لاقطار عربية كادانة غزوات اسرائيل الغربية التوأم الميداني لاسرائيل الشرقية؟
2- ليس ارضاء للسيد بشور ولا لغيره بل لان طبيعة العمل الحزبي وتقاليده ايضا تفرض مراجعة مسيرته بين فترة واخرى : راجعنا مسيرتنا خلال فترة حكمنا القصيرة في عام 1963 وقمنا بنقد اخطاءنا، وراجعنا مسيرة الخير والعطاء والتقدم لثورة 17-30 تموز عام 1968 ووضعنا النقاط على الحروف بتحديد اخطاءنا جنبا الى جنب مع تحديد انجازاتنا العظمى والتي تبدو الاخطاء مقارنة بها ظاهرة ثانوية متنحية وعادية وليست بالحجم الذي يروج له من ينفذون اجتثاث البعث، واعلنا بعض تلك الانتقادات لبعض الاخطاء وننتظر فرص عقد مؤتمر قطري لاقرار التقييم وهو بصفته بعثيا سابقا يعرف بان تقييما كهذا يحتاج لاقرار مؤتمر قطري وتلك قضية بالغة التعقيد لاسباب امنية صرفة.
اما ما ينتظره السيد بشور من نقد فنقول له سيبقى انتظارك كانتظار جودو فلن يحصل ابدا فما تريده ليس الاخطاء التي وقعت اثناء العمل بل ما تعده انت اخطاء وهناك فرق بين الاثنين، فنحن ومع احترامنا لاي راي ومنها راي السيد بشور لا نتقيد بما يقوله الاخرون الا اذا كان حقيقيا وليس نابعا من الانا وارث العلاقة السلبية مع الحزب سابقا. كما يجب ان يعرف السيد بشور بان ما يهمنا هو الرأي العام وليس رأي فرد او نخب اختارت لنفسها معسكرا غير معسكر المقاومة العربية للغزاوت الفارسية والصهيونية، ولهذا يرى العالم كله كيف ان الملايين في العراق وفي اجزاء كثيرة من الوطن العربي زادت دعمها للبعث واعربت عن تمنياتها عودته للحكم علنا ومن خلال شاشات التلفزيون ولم يكن من بين شروط دعم الجماهير المتعاظم له يوما بعد اخر نقد ومراجعة تجربة الحكم ابدا.
ولهذا فاننا نقول لكل من يطالبنا بنقد تجربتنا: ركز على مسارنا الفعلي تجد فيه كل ما يبعث على الفخر، وانظر للجماهير وما تريده لن تجد بين مطاليبها نقد المرحلة السابقة ابدا. فلم تصر هذه النخب على مطلب تعرف جيدا انه ليس شرطا لدعم حركة تحرير العراق اضافة الى انه لن يتحقق الان لاسباب موضوعية؟ ومن يقف وراء تواصل هذه المطالبة النخبوية وتضخيمها وتحويلها الى مطلب يوضع فوق مطلب تحرير العراق؟ ولصالح من؟ اليس ذلك مشاركة في شيطنة البعث بصورة مباشرة وواضحة؟ فعندما تطالب طرفا ما بنقد ماضيه مع انه نقده وصحح ما فيه من اخطاء طبيعية وعابرة فانك تتعمد الايحاءببقاء الخطأ وتواصله؟! اليست هذه شيطنة مباشرة بل واخطر من الشيطنة الاصلية؟
3- كما ان من المهم جدا ملاحظة مسالة اخلاقية وهي ان من يلقي كلمة لمناسبة يوم استشهاد صدام حسين عليه ان يحترم ذكراه بتجنب طرح موضوع ينطوي على اساءة واضحة للشهيد وهذه مثلبة واضحة في موقف السيد بشور لانه نسى تقاليدنا وتقاليد العالم كله وهي ان من يلقون كلمات في مناسبة وفاة لا يتطرقون لتقييمات سلوك من مات بل يحيون ذكراه ويلتزمون بواحدة من اهم اخلاقيات العرب وهي (اذكروا محاسن موتاكم) وليس نبش قبور موتاكم وتشويه ماضيهم والاساءة اليهم بنسب اخطاء لهم اثبتت كل الاحداث وقدر تعلق الامر بما يعتقده السيد بشور انها لم تكن اخطاء بل كانت مواقف شجاعة ونضالية مطلوبة.
لم هذا النبش بقبور الشهداء يا سيد بشور والبعث هو حزب الشهداء بلا منازع؟ الم يكن من الناحية الاخلاقية ضروريا القاء كلمة تذكر فيها محاسن من استشهد دون نسف مديحه بنسب اخطاء وهمية له؟ وكيف يكون هذا الذكر حينما يكون لصدام الشهيد الذي اذهل العالم كله اعداءه قبل انصاره؟ هل يجوز في مناسبة ذكرى وفاة ان نقول لاهل الميت ان ميتكم وان كان ممتازا في حالات معينة الا انه ملعون في اخرى؟ ماذا وراء الاصرار في مناسبة تفرض قيم الاخلاق والتقاليد حصر الحديث فيها على ايجابيات المتوفي وليس نبش قبره بحثا عن خطأ مفترض ربما يكون ارتكبه وربما لا؟
يتبع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: