أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1549
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رغم أن سبر الآراء مسألة مستحدثة في بلادنا التي لم تشهد استقرارا سياسيا أو تشكلا لرأي عام ثابت فإن النتائج التي تصدر بين الفينة والأخرى ذات دلالة كبرى، من ذلك أن راشد الغنوشي يقف على رأس قائمة الشخصيات التي لا يثق فيها التونسيون وهو ما نلحظه في ردود أفعال المواطنين كلما ذكر اسمه رغم أنه يحتل مواقع سياسية وحزبية كثيرة هي التالية فهو:
1) أقدم رئيس حزب في البلاد حيث يرأسه منذ نصف قرن ولم يغادر موقعه هذا إلا لفترات قليلة ومحدودة وكان مجبرا على ذلك.
2) أمير الحركة الذي يتلقى البيعة في المنشط والمكره من المنتسبين، ووضعه في المخيال الديني شبيه بوضع الخليفة لدى حزب التحرير أو آية الله لدى الشيعة فهو صاحب السلطة الذي لا يرد له أمر، والدليل على ذلك أن الغنوشي انقلب من الموقف إلى نقيضه المرات المتعدّدة دون تفسير أو تعليل أو تمهيد ولم نسمع موقفا من داخل حزبه يعترض على هذه التفصيلة أو تلك فالولاء والانصياع كاملين.
3) أعدّ ووضع كل الخطط السياسية التي نفذتها الحركة في فترتي السرية والعلنية فالاعتداءات على الأمن والمواطنين تمت ضمن خطة تحرير المبادرة وتفجير حزب النداء تم تحت ستار التوافق والارتماء في أحضان اللوبيات الصهيونية والامتناع عن تجريم التطبيع تم بأمر منه بتعلة أن هنية طلب ذلك.
4) شارك في تأليف الحكومات بعد أحداث 2011 مشاركة فعالة حيث لم يعيّن أي وزير منذ ذلك التاريخ إلى الآن إلا بموافقته وهو ما صرّح به هو نفسه في اجتماع في مدنين في 25 مارس 2013 حيث قال في فيديو شهير "ليس هنالك عدو لنا في الوزارة وكل الوزراء راضين عليهم".
5) الممسك بملف العلاقات الخارجية لحركته الذي يشمل التحالفات والتكليف بمأموريات التنظيم الدولي والأموال، هذه جميعها يتصرف فيها لوحده وإن كلف أحدهم بملف ما فلا يتجاوز الشكليات للتحايل على البلّه والسذج والإيهام بالديمقراطية الداخلية وبالمشاركة في صنع القرار، فعبد الفتاح مورو كلف بملف العلاقات الخارجية ولكنه لم يباشره أبدا وفق ما صرح به هو ذاته لأن هذا الملف من اختصاص الصهر رفيق بوشلاكة.
6) يحتل بجانب ما ذكر رئاسة البرلمان وقد شهد التونسيون أسلوبه في تسيير الجلسات والأخطاء القانونية والإصرار على تصفية الحسابات مع خصومه بأسلوب انتقل بالبرلمان من ساحة للحوار والنقاش السياسي إلى محل لممارسة العنف ضد معارضيه كما حصل مع بعض النواب سابقا ومؤخرا مع رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر.
ورغم كل هذه المواقع التي كان من الممكن أن يستغلها لتلميع صورته وصورة حزبه إذ توفر له مجالا رحبا للحركة وجمع الأنصار فإنه يقف على رأس قائمة الشخصيات التي لا يثق فيها التونسيون بنسبة تفوق 80 بالمائة وهو أمر له مبرراته التي من بينها:
1) بعد 10 سنوات من الوعود التي أطلقها الغنوشي وحزبه تأكد الشعب بأن هذا الحزب يؤمن بالجماعة ومصلحتها فقط وهي لديهم مقدمة على مصلحة الوطن واستقلاله، ظهر ذلك خصوصا من خلال الإصرار على استلام التعويضات في ظرف يشهد فيه الخبراء بأن البلاد قاب قوسين أو أدنى من إعلان إفلاسها هذا الإصرار على استلام التعويضات عاينه المواطنون في الثراء السريع لجيرانهم من النهضويين الذين ارتفعت بناءاتهم وظهرت لديهم السيارات الفارهة وغير ذلك من مظاهر البذخ المفاجئ، ففي شهر أفريل الماضي والوباء يحصد أرواح التونسيين في مختلف المدن والقرى أرسل الغنوشي رسالة إلى رئيس الحكومة هشام المشيشي يستحثه فيها بالاستجابة إلى طلب عبد الرزاق الكيلاني رئيس صندوق التعويضات بتمكينه من 3000 مليون دينار (3000 مليار مليم) لتوزيعها على المطالبين بالتعويضات من نِحلته.
2) بعد 10 سنوات من حكم حزب النهضة ظهرت لدينا نخبة أغلبها وجد نفسه في مواقع المسؤولية لأسباب غير سياسية لا علاقة لها بالوطن أو بحسن إدارة الشأن العام وكشفت هذه المجموعة عن جهالة لا نظير لها بجانب تغليبها المصلحة الخاصة على مصلحة البلاد وهو ما ظهر بجلاء في حكومة الفخفاخ التي فتحت الحدود بضغط من وزير صاحب شركة سياحية الأمر الذي أدى إلى انتشار الوباء الذي نعيشه هذه الأيام، ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت إن السلطة الجديدة التي جاءت بعد 2011 وعلى رأسها حزب حركة النهضة تتحمل المسؤولية كاملة فيما أصبح عليه المشهد الثقافي والإعلامي من هوان وضعف وخواء لأنها صنعت نخبة مأجورة طيّعة مستعدة للقيام بأي شيء لا أفق لها ولا حدود في الاستهانة بأي شيء، فتحت لها أبواب الإثراء والإعلام وهو ما أدى إلى تدمير لغة التواصل بين الناس سواء كانت الفصحى أو الدارجة التي أصبحت مسخا، هذه النخبة إلا من رحم ربك احتلت أغلب وسائل الإعلام فأحيت سيرة وكالة الاتصال الخارجي التي كانت تستبعد كل نفس حر ولا تتعامل إلا مع ذوي الحاشية الوطنية الرقيقة القابلة للاختراق ليستشري الخطاب المادح المبرّر وهو ما نلحظه في أغلب البرامج المسماة حوارية وما هي كذلك، ولأن اختيار أي سلطة للنخبة التي تعبّر عنها وتسوّق لها ينبئ عن حقيقتها فإن اختيار الفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين كشف أنها أعادت صياغة نفس النخبة التي كان يستعين بها النظام السابق لترويج خطابه لأنها أعجز من أن تكون لها أداتها المعرفية والاتصالية التي يمكنها أن تقنع الناس بصدقها لذا اختارت الحل الأسهل وهو رسكلة القديم ولأن المواطن لم يفقد ذاكرته بعد فهو يعبر عن ذلك من خلال النسب المرتفعة لانعدام ثقته في من يحكمون البلاد منذ أحداث 2011.
ملاحظة:
اللافت للانتباه أن ارتفاع نسبة عدم الثقة انحصرت في قيادة حزب حركة النهضة الغنوشي وعلي العريض وعصاهم الغليظة مخلوف والمشيشي الإداري الذي انقلب على رئيسه كما صنع الشاهد قبله وأخيرا حمة الهمامي حليفهم في 18 أكتوبر الذي لم يتوقف عن التهجم على خصومهم، ألا يترجم انعدام الثقة هذا في انعدامها من الخيط الذي يجمع هؤلاء وهو حزب النهضة؟.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: