منهج ابن عبد ربه في تهذيب كتاب القوافي وعللها لسيبويه (3/3)
سليمان أحمد أبو ستة - غزة / فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1452
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رابعا: باب ما يجوز في القافية من حروف اللين
كان عنوان سيبويه لهذا المبحث هو: تفسير ما يلزمه أن يكون في قافيته حرف المد مما لا يلزمه ذلك فيه، فذكر ابن عبد ربه في تهذيبه أولا أنه لا فرق بين المد واللين، لا سيما وقد رأى سيبويه يستخدم في آخر المبحث مصطلح اللين وحده. وقد نقل كلام سيبويه في كتابه مختصرا، بقوله: "اعلم أن القوافي التي يدخلها حروف المد، وهي حروف اللين، فهي كل قافية حذف منها ساكن وحركة، فتقوم المدة مقام ما حذف"(1).
ومن هذا النقل الدقيق عرفنا أن ناسخ كتاب الفصوص قد صحف ثلاث مرات في قوله: "وإنما يلزم حرف المد من القوافي ما حذف منه ساكن أو حركة، فأما أكثر من ساكن أو حركة فلا، لأن المدة لا تبلغ قوتها أكثر من أن تقوم مقام ساكن أو حركة، لأنها كأنها حركة"(2).
ولكن تحري الدقة لم يمنع ابن عبد ربه في نقله من تخطي بعض العبارات مراعاة لقصده من التهذيب، وهو أن يحصر القول فيما جاء عن الخليل وحده، ولذلك حذف قول سيبويه (3): "وهو في قول من لم يثبت الدوائر مسكن عن (فعلن)" في حديثه عن البسيط، ثم حذف نحوا من ذلك في حديثه عن الوافر بعد البسيط.
وفي بحر الكامل اختصر ابن عبد ربه كلام سيبويه بقوله: "وأما الكامل فيدخل فيه حرف اللين في (فعلاتن) المقطوع، وفي (متفاعلان) المذال"، فكشف لنا بتهذيبه ذاك عن تصحيف وتحريف، من قبيل السهو، وقع فيهما ناسخ كتاب الفصوص عند قوله: "ويلزم (متفاعلن) في الكامل لأنه حذف من (متفاعلاتن)"، فلا شك أن أصل العبارة في الكتاب كان: "ويلزم (متفاعلان) ...".
وبعد الرجز قال سيبويه: "وأما الرمل فيلزم (فاعلان) المد لأنه ناقص من (فاعلاتن)، وأما (فاعليان) فحاله كحال (مستفعلان) فيما ذكرت لك" (4)، فلم يذكر قوله في (مستفعلان) هنا، اجتزاء بقوله السابق في (مستفعلان) في البسيط (5)، وهكذا صنع ابن عبد ربه نحو ذلك في قوله المختصر: "وأما الرمل فيلزم (فاعلان) وحدها، لالتقاء الساكنين"، مؤكدا بقوله (وحدها)، وكان بإمكانه أن يحيل إلى ما سبق ذكره في هذا المبحث.
وأما السريع والمنسرح فذكر فيهما ابن عبد ربه (فاعلان) و(مفعولات) ولم يشر إلى (مفعولن) لأنه لا يلزمها المد كما قال سيبويه.
فإذا وصل ابن عبد ربه إلى المضارع والمقتضب والمجتث نقل قول سيبويه المختصر نقلا حرفيا بلا تغيير، وأخيرا نقل قوله في المتقارب مختصرا، مترددا على طول هذا المبحث بين الاختصار والنقل بتصرف حتى يصل إلى قوله الذي نسبه صراحة إلى صاحب الكتاب المهذب، قال: " قال سيبويه:
"وكل هذه القوافي قد يجوز أن تكون بغير حرف المد لأن رويها تام صحيح على مثل حاله بحرف المد، وقد جاء مثل ذلك في أشعارهم، ولكنه شاذ قليل، وأن تكون بحرف المد أحسن، لكثرته ولزوم الشعراء إياه. ومما قيل بغير حرف مد:
ولقد رحلت العيس ثم زجرتها ** قدما وقلت عليك خير معد
وقال آخر:
إن يمنع اليوم نساء تمنعن"
أما قول سيبويه الفعلي كما ورد في كتابه (6)، فجاء كما يلي:
"وكل هذه القوافي قد يجوز أن تكون بغير لين لأن البناء دائم صحيح على مثل حاله بحرف اللين، وقد قالوا بعض ذلك في أشعارهم ". ونلاحظ على هذا القول أن كلمة (البناء) أفضل في استخدام سيبويه لها من كلمة (رويها) التي استخدمها ابن عبد ربه، وكان الدكتور العريفي قد اقترح استخدام كلمة (وزنها) بدلا منها، وقبله كان الدماميني قد اثبت كلمة الوزن بدلا من ذلك (7). أما وصف سيبويه للكلمة بأنه (دائم) فيبدو لي مقلقلا، والأفضل منه في نظري استخدام ابن عبد ربه لكلمة (تام) محلها.
هذا، ويبدو أن التصحيف قد أصاب كلا النصين عند سيبويه وابن عبد ربه، فإذا كان ما اجتهدنا في تصويبه صحيحا بات سبب الاختلاف بين النصين راجعا إلى التهذيب الذي أحدثه ابن عبد ربه في كلام سيبويه.
النتيجة
سوف أقتصر في هذه الخاتمة على سرد أبرز النتائج التي تحققت بعون الله في هذا البحث المتواضع، وبيانها كما يلي:
1. إثبات نسبة كتاب القوافي وعللها لسيبويه، تصحيحا لوهم محقق كتاب الفصوص بنسبته جزافا للمازني.
2. التنبه لأول مرة إلى أن كتاب علل القوافي لابن عبد ربه ما هو إلا نقل وتهذيب لكتاب القوافي لسيبويه، وربما لو جد بعض الباحثين في تبني فكرة أن ابن عبد ربه لم يقم بتأليف جميع كتب العقد وإنما نقلها نقلا وهذبها تهذيبا، لتمكنوا من اكتشاف كثير من الأصول المشرقية الحقيقية لهذه الكتب التي قال عنها الصاحب بن عباد قولته المشهورة: "هذه بضاعتنا ردت إلينا".
3. التوصل إلى مصدر عدد من الاقتباسات التي لم يصرح ابن عبد ربه بقائليها.
4. بين هذا البحث نمطا قديما من أنماط تهذيب الكتب قبل أن يترسخ هذا النمط ويتبلور في أعمال بعض العلماء كالتبريزي مثلا.
5. وأخيرا، فربما كانت هذه الدراسة أول دراسة تتناول كتابي سيبويه وابن عبد ربه معا، فيما أعلم.
***********************
قائمة المصادر والمراجع
-------------
أ. الكتب
1- إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية، إستانبول – تركيا، (د.ت).
2- ابن سلام، أبو عبيد القاسم، الغريب المصنف، تحقيق د. محمد المختار العبيدي، ج3، ط1، دار مصر للطباعة، القاهرة ، 1996م.
3- ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تقديم ومراجعة الشيخ حسن تميم، والشيخ محمد العريان، دار إحياء العلوم، بيروت، 1414هـ، 1994 م.
4- أبو إسحاق الشاطبي، المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية، تحقيق عبد الرحمن بن سليمان العثيمين وآخرين، جامعة أم القرى، 1428 ه – 2007م.
5- أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، (د.ت).
6- أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، (د.ط) تحقيق محمد سعيد العريان، دار الفكر، (د.ت).
7- الأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة، معاني القرآن، دراسة وتحقيق الدكتور عبد الأمير محمد الورد، عالم الكتب، ط 2، 1405هـ - 1985م.
8- الدماميني، بدر الدبن محمد بن أبي بكر، العيون الغامزة على خبايا الرامزة، تحقيق الحساني حسن عبد الله، (د.ط) مطبعة المدني – القاهرة، (د.ت).
9- الدمنهوري، السيد محمد، الإرشاد الشافي على متن الكافي في علمي العروض والقوافي للقنائي ، ط2، 1957م ، القاهرة.
10- الإمام صالح بن محمد الفلاني، قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر، تحقيق عامر حسن صبري، الطبعة الأولى، دار الشروق – جدة، محرم 1405 هـ.
11- صاعد بن الحسن الربعي البغدادي، كتاب الفصوص، تحقيق الدكتور عبد الوهاب التازي سعود، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المملكة المغربية، 1414هـ - 1994م.
12- عبيد الله بن عبد الكافي العبيدي، الوافي في العروض والقوافي، تحقيق صباح يحيى إبراهيم با عامر، جامعة أم القرى، 1420هـ.
13- د. فخر الدين قباوة، منهج التبريزي في شروحه، ط2، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، 1997م.
14- السيد محمد الدمنهوري، الإرشاد الشافي على متن الكافي في العروض والقوافي للقنائي، الطبعة الثالثة – 1957م.
--------------
ب. الدوريات:
1- أبو القاسم الطيب بن علي التميمي، كتاب القوافي، تقديم الدكتور عبد الحسين محمد جاسم، مجلة كلية الآداب، العدد 21، 1977 م، بغداد.
2- الدكتور حنا جميل حداد، حول كتاب القوافي لسيبويه، مجلة جذور، ج31، مج 12، جمادى الأولى 1432 هـ - إبريل 2011 م.
3 - الدكتور سيف بن عبد الرحمن العريفي، كتاب القوافي لسيبويه، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود، العدد 12، رجب 1430 هـ.
4- المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد، القوافي وما اشتقت ألقابها منه، تحقيق د. رمضان عبد التواب، حوليات آداب جامعة عين شمس، مجلد 13 ، 1973 م.
***************
الإحالات:
1- المصدر والصفحة نفسهما (انظر المقال السابق: منهج ابن عبد ربه في تهذيب كتاب القوافي وعللها لسيبويه (2/3)).
2- صاعد الربعي، الفصوص، ص 213 / 5
3- المصدر نفسه، ص 214/5..
4- المصدر نفسه، ص 215 / 5
5- المصدر نفسه ص 214/ 5
6- صاعد الربعي، الفصوص، ص 217/5 .
7- الدماميني، العيون الغامزة ص 142.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: