منهج ابن عبد ربه في تهذيب كتاب القوافي وعللها لسيبويه (2/3)
سليمان أحمد أبو ستة - غزة / فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1582
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مقدمة الكتاب
بدأ سيبويه كتابه مباشرة بموضوع حروف القافية وحركاتها، فلم يحعل له خطبة ولم يمهد إلا بتعريف مقتضب للقافية. وقد اقتدى به ابن عبد ربه في هذا المسلك، ونقل عنه تعريفه بشكل شبه حرفي، قائلا: "القافية حرف الروي الذي يبنى عليه الشعر، ولا بد من تكريره في كل بيت"(1)، وهو ما يوازي تماما قول سيبويه: "القافية حرف الروي الذي تبنى عليه القصيدة، لا بد من تكريره"(2).
ولكنه حين ينقل قول سيبويه: "وأما التاسيس فألف تكون قبل حرف الروي، بينها وبينه حرف متحرك"(3)، يلزمه التهذيب إضافة لم يذكرها سيبويه وهي: "بأي الحركات كان، وبعض العرب تسميه الدخيل"(4). وتسمية هذا الحرف بالدخيل لم تكن معروفة عند سيبويه ولا الأخفش، ولا حتى ابن سلام الذي انفرد بتسميته التوجيه قائلا(5): "وأما التوجيه فهو الحرف الذي بين هذه الألف (ألف التأسيس) وبين القافية، فلك أن تغيره بأي حرف شئت فلذلك قيل له توجيه". وفي تقديري أن أول مرة ذكر فيها مصطلح الدخيل كان في كتاب (القوافي وما اشتقت ألقابها منه) للمبرد(6)، فكان أن استعمله ابن عبد ربه من بعده، وذلك حين أخذ هذا المصطلح يستقر في مؤلفات علماء القافية بعدهما.
وابن عبد ربه إذ يعتمد اعتمادا أساسيا في النقل على كتاب سيبويه هذا، فإنه لا يرى مانعا من تكملة النقل عن كتب أخرى لغيره وهو ما يميز تهذيبه لهذا الكتاب. مثال ذلك قوله عن الوصل(7): " وأما الوصل فهو إعراب القافية وإطلاقها، ولا تكون القافية مطلقة إلا بأربعة أحرف: ألف ساكنة مفتوح ما قبلها من الروي، [وواو ساكنة مضموم ما قبلها من الروي]، وياء ساكنة مكسور ما قبلها من الروي، وهاء متحركة أو ساكنة مكنية. ولا يكون شيء من حروف المعجم وصلا، غير هذه الأحرف الأربعة: أحرف الألف، والواو، والياء، والهاء المكنية، وإنما جاز لهذه أن تكون وصلا ولم يجز لغيرها من حروف المعجم، لأن الألف والياء والواو حروف إعراب ليست أصليات وإنما تتولد مع الإعراب، وتشبهت الهاء بهن لأنها زائدة مثلهن، ووجودها يكون خلفا منهن في قولهم: أرقت الماء وهرقت الماء، وأيا زيد وهيا زيد، ونحو قول الشاعر:
قد جمعت من أمكن وأمكنه
من ها هنا وها هنا ومن هنه
وهو يريد: هنا، فجعل الهاء خلفا من الألف".
فانت ترى أنه نقل مقدمة هذه الفقرة عن كتاب (القوافي وعللها) لسيبويه متصرفا فيه بوصف الهاء الساكنة بالمكنية تأثرا في ذلك ببعض الكوفيين(8). ثم تجد باقي الكلام متفقا تقريبا مع ما جاء في كتاب القوافي لأبي الطيب التميمي(9)، هذا الكتاب الذي بعود تاريخ نسخه إلى عام 352 هـ، أي بعد وفاة ابن عبد ربه بنحو ربع قرن تقريبا.
ويلاحظ في الجزء الذي نقله ابن عبد ربه من كتاب سيبويه هذا، أنه سها في نقله لعبارة (وواو ساكنة مضموم ما قبلها من الروي)، فلم يذكر تلك العبارة في جميع النسخ التي اطلعت عليها من العقد ولم ينتبه إلى ذلك أحد من محققيه، مع أن ابن عبد ربه نبه في معرض نقله إلى القول بأنه (لا تكون القافية مطلقة إلا بأربعة أحرف).
وإذ يصل ابن عبد ربه لمبحث الخروج فإننا نجده ينقل كلام سيبويه نقلا به أثر من التهذيب لا يخفى على القارئ المتابع بوعي لكلام سيبويه، وإليك نص سيبويه كما وجدته في هذه النسخة الوحيدة من كتاب الفصوص، قال سيبويه، فيما تيسر لي من ترميم كلامه المبتور: "وأما الخروج فإنه كل ألف تبعت هاء الوصل نحو (فعلها) أو ياء ساكنة تبعت هاء الوصل [نحو (فعلهي)، أو واو ساكنة تبعت هاء الوصل] فهي مضمومة نحو (هذا لهو) و(دارهو) أي (له) و(داره)" (10).
والترميم باد في الكلمات التي زدتها بين معكوفتين، وبها يستقيم نص سيبويه الذي أخل به الناسخ بسبب انتقال النظر في القراءة، فسقط منه ما قدرناه من جانبنا.
وقارن ذلك بما جاء في تهذيب ابن عبد ربه، حيث يقول: " وأما الخروج، فإن هاء الوصل إذا كانت متحركة بالفتح تبعتها ألف ساكنة وإذا كانت متحركة بالكسر تبعتها ياء ساكنة، وإذا كانت متحركة بالضم تبعتها واو ساكنة، فهذه الألف والياء والواو يقال لها الخروج، وإذا كانت هاء الوصل ساكنة لم يكن لها خروج"(11).
وينتقل ابن عبد ربه إلى حركات القافية ناقلا إياها نقلا حرفيا عن سيبويه فيقول: " وأما الحركات اللوازم للقوافي فخمس، وهي: الرس، والحذو، والتوجيه، والمجرى، والنفاذ. فأما الرس ففتحة الحرف قبل التأسيس. وأما الحذو ففتحة الحرف الذي قبل الردف أو ضمته أو كسرته.
ولو عدت إلى كتاب سيبويه لوجدته يقول بالحرف (12): "وأما الحركات اللوازم للقافية: فالحذو والرس والتوجيه والمجرى والنفاذ. فأما الرس ففتحة الحرف قبل التأسيس نحو فتحة جيم (جاهل) وعين (عاقل). وأما الحذو ففتحة الحرف قبل الردف نحو: قال وقيل وقول، أو ضمته أو كسرته".
فتجد أولا أن ناسخ كتاب الفصوص قدم كلمة الحذو على الرس وحقها أن تكون التالية في تعداد الحركات بدليل نقل ابن عبد ربه لها على الوجه الصحيح من ناحية، وعلى بدء سيبويه بالرس في تفسيره وهو خطأ يسهل التنبه إليه وتصحيحه حتى ولو كان المخطوط نسخة وحيدة.
وينقل ابن عبد ربه هذه الحروف حينا عن كتاب سيبويه وحينا آخر عن مصدر، ليس بين أيدينا، وأرجح أن التميمي نقل عنه في كتابه القوافي، وكان مما نقله من هذا المصدر قوله في التوجيه: " وأما التوجيه فهو ما وجه الشاعر عليه قافيته من الفتح والضم والكسر، يكون مع الروي المطلق أو المقيد إذا لم يكن في القافية ردف ولا تأسيس" (13). وأما ما نقله ابن عبد ربه عن سيبويه فمن أمثلته قوله (14): "وأما المجرى ففتح حرف الروي المطلق أو كسرته أو ضمته، وأما النفاذ فإنه فتحة هاء الوصل أو كسرتها أو ضمتها، لا تجوز الفتحة مع الكسرة، ولا الكسرة مع الضمة، ولكن تنفرد كل حركة منها على حالها".
ونواجه في نهاية هذه المقدمة بمبحث صغير ذكر فيه سيبويه ألقاب القوافي وهي المتكاوس والمتراكب والمتدارك والمتواتر والمترادف. وقد تجاهله ابن عبد ربه ولم يشر إليه في تهذيبه.
أولا: باب ما يجوز أن يكون تأسيسا وما لا يجوز
وترتيب هذا الباب هو الخامس في كتاب سيبويه، واسمه عنده "تفسير ما يجوز أن يكون تأسيسا وما لا يجوز". وقد قال سيبويه في مطلع هذا الباب (15): "فإذا كانت القافية آخر كلمة، وكان حرف التأسيس في كلمة قبلها تليها، فليس بحرف في أكثر أشعارهم، لانفصالها وتباعد الألف من حرف الروي، لأن بينها وبينه حرفا متحركا".
قوله: (ليس بحرف) يستلزم زيادة كلمة تحدد نوع هذا الحرف. ولما كنا لا نملك نسخة ثانية من الفصوص توضح لنا وقوع سقط في الكلام وجدنا في تهذيب ابن عبد ربه للكتاب ما يوضح هذا السقط، وهو كلمة (تأسيس) ليصبح تمام العبارة قوله (16): " فليس بحرف تأسيس".
وكان سيبويه قد خصص الفقرة الأولى من هذا المبحث القصير للحديث عن التأسيس وحده، بينما أخر الكلام في الردف إلى آخر المبحث. غير أن ابن عبد ربه ارتأى في تهذيبه أن يجعل الحديث عن الحرفين معا ليتسنى له المقارنة بينهما، ثم أكمل شرحه للتأسيس منفردا لأنه هو موضوع هذا الباب. قال ابن عبد ربه في مكان الفقرة التي بدأ بها سيبويه كلامه (17):
"إذا كان حرف الألف، ألف التأسيس، في كلمة، وكان حرف الروي في كلمة أخرى منفصلة منها، فليس بحرف تأسيس لانفصاله من حرف الروي وتباعده منه؛ لأن بين حرف الروي والتأسيس حرفا متحركا، وليس كذلك الردف؛ لأن الردف قريب من الروي ليس بينهما شيء، فهو يجوز أن يكون في كلمة ويكون الروي في كلمة أخرى منفصلة منها، نحو قول الشاعر:
أتته الخلافة منقادة ** إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ** ولم يك يصلح إلا لها"
وقد جاء شاهده عن الردف مختلفا عن شاهد سيبويه، وأفضل منه من حيث قرب التمثيل على الردف بالألف وليس بالياء كما جاء به سيبويه (18). ومع ذلك حافظ ابن عبد ربه في تهذيبه لهذا المبحث على جميع الأفكار التي طرحها سيبويه فيه بحيث يمكننا الاعتماد عليه بوصفه نسخة ثانية لكتابه في القوافي.
ثانيا: باب ما يجوز أن يكون حرف روي وما لا يجوز أن يكونه
يجمع هذا الباب ما جاء في بابين عند سيبويه، الأول عنوانه "باب تفسير القوافي في الإنشاد واختلاف العرب في ذلك"، ولم يرد هذا العنوان عند ابن عبد ربه، والثاني "تفسير ما يجوز أن يكون حرف الروي مما لا يجوز أن يكونه"، وهو عند ابن عبد ربه بالعنوان المذكور أعلاه.
وكان سيبويه قد بدأ الباب الثاني منهما بالقول (19): "فكل حرف من حروف المعجم يجوز أن يكون حرف الروي، إلا الهاء في طلحة وشهدة، والإضمار في غلامه وداره وأشباه ذلك، وإذا جاءت الهاء لتبين بها حركة الزاي من اغزه والميم من ارمه، فهذه الهاءات لا يكن إلا وصلا لأنها لحقت الاسم بعد تمامه، ولأنها زيادة، لأنه إذا قال (غلامه) و(داره) جرى الإعراب على ما قبل الهاء، فلما اجتمع ذلك فيها منعت أن تكون حرف الروي ".
أما ابن عبد ربه فاختصر ذكر هذه الهاءات في تهذيبه لهذه الفقرة قائلا (20): "اعلم أن حروف الوصل كلها لا يجوز أن تكون رويا، لأنها دخلت على القوافي بعد تمامها، فهي زوائد عليها، ولأنها تسقط في بعض الكلام". ثم أعاد هذا القول في آخر المبحث، حين أراد أن يسهب بعد الاختصار، قائلا (21): "وأما قولك: ارمه، واغزه، فلا تكون الهاء ههنا رويا، لأنها لحقت الاسم بعد تمامه، ولأنها زوائد فيه وأنها دخلت لتبين حركة الزاي من اغزه والميم من ارمه، وقد تكون تدخل للوقف أيضا".
ثم تحدث سيبويه عما يكون قبل الهاء، حين تكون أصلية، فإذا كان متحركا نحو (منبه) و(أبله) فإنها تجوز وصلا، والأحسن أن تكون رويا، كما قال (22). بينما يرى ابن عبد ربه أنها لا تكون إلا رويا فقط، والشاهد الذي اتفقا عليه هو:
قالت أبيلى لي ولم أسبه
ما السن إلا غفلة المدله (23)
وقال سيبويه فيما تكون فيه الهاء رويا (24): "فأما إذا سكن ما قبل الهاء، فلا يكون ما قبله ساكنا، ويشبه هذا به، وذلك مثل (وجه) و(وجيه)، لا تكون الهاء فيهما إلا حرف الروي". ولم يجئ بشاهد على ذاك غير هاتين القافيتين، وأما ابن عبد ربه فاستشهد بالبيتين التاليين (25):
أصبحت الدنيا لأربابها **ملهى وأصبحت لها ملهى
كأنني أحرم منها على ** قدر الذي نال أبي منها
ومن مظاهر التهذيب عند ابن عبد ربه في هذا المبحث أن يحذف ما لا يجد فائدة من ذكره، نحو قول سيبويه فيما جاء من الألف حرف روي: "وسمعنا بعض العرب ينشد هذين البيتين:
بالخير خيرات وإن شرا فا
ولا أريد الشر إلا أن تا
يريد: وإن شرا فشر. إلا أن تا، أي: تأبى، جعل الألف حرف الروي، فتزعم أنه أظهر الفاء كلها والتاء، ولم يرد أنه يصل الفاء بحرف المد، ولكنها ألف التاء، فهي من نفس الكلمة .....
إلى أن بلغ قوله: وأما ياء قرشي وثقفي .... " (26)
وينقل ابن عبد ربه في هذا الباب قول سيبويه: " ومما لا يجوز أن يكون رويا، الحروف المضمرة كلها، لدخولها على القوافي بعد تمامها، مثل اضربا، واضربوا، واضربي ، لأن ألف "اضربا" لحقت "اضرب" وواو "اضربوا" لحقت "اضرب" وياء "اضربي" لحقت "اضرب" بعد تمامها ، فلذلك كانت وصلا، ولأنها زائدة مع هذا في الفعل نحو قول الشاعر:
لا يبعد الله جيرانا تركتهم ** لم أدر بعد غداة البين ما صنعْ
يريد: ما صنعوا. ومثله:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ** وعمي صباحا دار عبلة واسلمِ
يريد: واسلمي، فجعل الياء وصلا، وبعضهم جعلها رويا على قبح" (27)، ولكن ابن عبد ربه لم يجد شاهدا في هذا الباب يستشهد به، فاختار شاهدين من الباب الذي سبقه وهو "باب تفسير القوافي في الإنشاد واختلاف العرب في ذلك" (28)، وهما قوله:
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
ومثله:
هجرتك بعد تواصل دعد ** وبد لدعد بعض ما يبدو
ونصل في هذا الباب إلى ما صرح به ابن عبد ربه في نقله عن سيبويه، قال (29): " قال سيبويه: وإذا قال الشاعر: "تعالي، أو تعالوا، لم تكن الياء والواو إلا رويا، لأن ما قبلهما انفتح، فلما صارت الحركة التي قبلهما غير حركتهما ذهبت قوتهما في المد وأكثرُ لينهما، وكذلك: اخشي واخشوا، وكل ياء أو واو انفتح ما قبلها، وكذلك هذه الياء والواو إذا تحركتا لم تكونا إلا حرف روي، لذهاب اللين والمد وكذلك قوله: رأيت قاضيا، وراميا، وأريد أن تغزو، وتدعو، في قافيتين من قصيدة". وكان ابن عبد ربه قد صحف في قوله (وأكثريتهما)، وإنما هما كلمتان: (وأكثر لينهما) كما في إحدى نسخ كتاب الفصوص، التي لم يعتمدها المحقق نسخة رئيسية)
ثالثا: باب عيوب القوافي
السناد والإيطاء والإقواء والإكفاء والإجازة والتضمين (30)
هذا باب وضعه ابن عبد ربه وحشاه بما تفرق ذكره عند سيبويه من عيوب القوافي في أبواب أخرى. وقد بدأ ابن عبد ربه هذا الباب بالسناد فنقل عن سيبويه أوجه السناد الثلاثة عنده مستشهدا بأمثلته نفسها، (زاد على الوجه الثاني شاهدا آخر من المتقارب) واصفا الوجه الأول باختلاف الحذو، والثاني باختلاف التوجيه في الروي المقيد، والثالث بأنه إدخال حرف الردف ثم تركه. ولم يقل سيبويه عن هذا الأخير إنه وجه من السناد، معتبرا إياه قبيحا فقط، ثم قال (31): "وأما إذا جاء بالردف في بيتين باختلاف فهو سناد، وهو أحسن من هذا".
ولم يكن سيبويه في تناوله لهذه العيوب قد سار على النهج الذي وجدناه لاحقا عند ابن عبد ربه، ذلك أنه كان قد بدأ أولا بالإقواء والإكفاء ثم السناد فالإيطاء والتضمين ليعود أخيرا إلى الإيطاء ويخصه بمبحث مطول نوعا ما.
وأما الإجازة فلم يذكرها سيبويه، وما نقله ابن عبد ربه منها موجود بنصه في كتاب القوافي للتميمي كذلك (32).
ولم ينقل ابن عبد ربه كلامه في الإقواء والإكفاء خالصا من كتاب سيبويه وحده، وإنما أشرك معه كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة، وإن لم يصرح بذلك، قال ابن عبد ربه (33):
"وأما الإقواء والإكفاء فهما عند بعض العلماء شيء واحد، وبعضهم يجعل الإقواء في العروض خاصة دون الضرب، ويجعلون الإكفاء والإيطاء في الضروب دون العروض، فالإقواء عندهم أن ينتقص قوة العروض فبكون (مفعولن) في الكامل، ويكون في الضرب (متفاعلن) فيزيد العجز على الصدر زيادة قبيحة، فيقال: أقوى في العروض، أي أذهب قوته، نحو قول الشاعر:
لما رأت ماء السلى مشروبا ** والفرث يعصر في الإناء أرنت
ومثله:
أفبعد مقتل مالك بن زهير ** ترجو النساء عواقب الأطهار
والخليل يسمي هذا المُقعَد، وزعم يونس أن الإكفاء عند العرب هو الإقواء، وبعضهم يجعله تبديل القوافي، مثل أن يأتي بالعين مع الغين، لشبههما في الهجاء، وبالدال مع الطاء، لتقارب مخرجيهما، ويحتج بقول الشاعر:
جارية من ضبة بن أد
كأنها في درعها المنعط
والخليل يسمى هذا: الإجازة.
وأبو عمرو يقول: الإقواء: اختلاف إعراب القوافي بالكسر والضم والفتح، وكذلك هو عند يونس وسيبويه".
وأما الإيطاء فقد رأى ابن عبد ربه أن سيبويه تناول الحديث عنه في موضعين من كتابه، الأول (34) حين بدأ بتعريفه تعريفا مختصرا، والثاني (35) تحت عنوان مستقل هو "تفسير الإيطاء" فجمع ابن عبد ربه هذين الموضعين المتباعدين في تهذيبه وكان ما نقله منهما لا يزيد عن قوله (36):
"وأما الإيطاء، وهو أحسن ما يعاب به الشعر، فهو تكرير القوافي، وكلما تباعد الإيطاء كان أحسن، وليست المعرفة مع النكرة إيطاء، وكان الخليل يزعم أن كل ما اتفق لفظه من الأسماء والأفعال، وإن اختلف معناه، فهو إيطاء، لأن الإيطاء عنده إنما هو ترديد اللفظتين المتفقتين من الجنس الواحد، إذا قلت للرجل تخاطبه: أنت تضرب، وفي الحكاية عن المرأة: هي تضرب، فهو إيطاء. وكذلك في قافية: أمر جلل، وأنت تريد تعظيمه، وهو في قافية أخرى: جلل، وأنت تريد تهوينه، فهو إيطاء. حتى إذا كان اسم مع فعل، وإن اتفقا في الظاهر فليس بإيطاء، مثل اسم يزيد، وهو اسم، ويزيد وهو فعل.
وقال سيبويه عن آخر هذه العيوب عنده (37): "وأما المضمن فهو أن لا تكون القافية مستغنية عن البيت الذي يليها نحو قوله:
وهم وردوا الجفار على تميم ** وهم أصحاب يوم عكاظ إني
شهدت لهم مواطن صادقات ** أتينهم بنصح الصدر مني
ثم قال: وهذا معيب، لأن البيت الأول معلق بالثاني لا يستغني عنه".
وهو ما نقله ابن عبد ربه بشكل شبه حرفي (38).
-------------------
الإحالات:
1- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 304/6 .
2- انظر: صاعد الربعي، الفصوص ص 165/5 .
3- المصدر نفسه، ص 167/5 .
4- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 304/6 .
5- ابن سلام ، الغريب المصنف، 700 .
6- المبرد، القوافي وما اشتقت ألقابها منه، حوليات آداب عين شمس، ص 1 .
7-ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 304 ، 305/6 ..
8- انظر: صاعد الربعي، الفصوص، ص 169/5 بتصرف.
9- أبو الطيب التميمي، كتاب القوافي، مجلة جامعة بغداد ص 357 .
10- صاعد الربعي، الفصوص ص 169 / 5
11- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 305 / 3
12- صاعد الربعي، الفصوص ص 171/5 .
13- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 305/6 . وانظر التميمي، كتاب القوافي ص 365 .
14- صاعد الربعي، الفصوص، ص 172/5 .
15- المصدر نفسه، ص 207/5 .
16- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 306 /6 .
17- المصدر نفسه، ص 306/6 ، والبيتان لأبي العتاهية.
18- انظر كتاب الفصوص، ص 210/5 .
19- صاعد الربعي، الفصوص، ص 187/5
20- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 307/6،
21- المصدر نفسه، ص 311/6.
22- انظر: صاعد الربعي، الفصوص ص 187/5.
23- أنظر ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 311/6 ، ورواية الشاهد عنده مختلفة قليلا.
24- صاعد الربعي ، الفصوص، ص 188/5 .
25- ابن عبد ربه، العقد الغريد ، ص 307/6 .
26- صاعد الربعي، الفصوص ص 190، 191/5 .
27- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 310/6 ، وقارن الفصوص ، ص 188، 189/5 .
28- انظر ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 309/6 وقارن الفصوص ص 182، 183/5 وما بعدها.
29- ابن عبد ربه، العقد الفريد ، ص 311/6 وقارن الفصوص ص 193/5 .
30- ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 313/6 ، وزاد الناسخ على هذه العيوب في العنوان كلمة (الإصراف) ولا وجود لها في الشرح .
31- صاعد الربعي، الفصوص، ص 178/5.
32- قارن العقد الفريد ص 314/6 والقوافي للتميمي ص 369.
33- ابن عبد ربه، العقد الغريد، ص 313/6 وما بعدها، و قارن ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 45.
34- انظر الفصوص، ص 177/5 .
35- المصدر نفسه، ص 211/5.
36- ابن عبد ربه، العقد الغريد، ص 315/6.
37- صاعد الربعي، الفصوص، ص 177، 178/5 .
38- انظر ابن عبد ربه، العقد الفريد، ص 315/6 .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: