نظرية المزج الإيقاعي وأثرها في تطور العروض العربي ما بعد الخليل
بحر الدوبيت نموذجا (1/5)
سليمان أحمد أبو ستة - غزة / فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2088
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
المقدمة
أهداف الدراسة ونطاقها
تهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على المزج الإيقاعي Rhythmic Mix مصطلحا ومفهوما وبيان أثره في تطور علم العروض العربي بعد الخليل. ولتحقق هذه الدراسة أهدافها فإنها تفيد من الملاحظات المبثوثة في الكتابات العربية والغربية المعاصرة التي تصدت لبحث الدوبيت أو الرباعي. وتستعين هذه الدراسة كذلك بالدوايين الشعرية القديمة والحديثة، بالفصحى والعامية، لاستقراء نماذج من القصيد والموشّحات والزجل، حيث تطمح بذلك إلى جمع أكبر عدد من النماذج لبحور المزج الإيقاعي.
مشكلة الدراسة
وتتصدى هذه الدراسة لإحدى أقدم المشكلات المصطلحية فيما بعد وفاة الخليل بن أحمد، وتقريبا أواخر القرن الثالث للهجرة. فهي تقف على فكرة المزج الإيقاعي بوصفها وسيلة لتطوير وإنتاج بحور جديدة، وخاصة بعد أن كفّت خاصّية التدوير، أو أوشكت على التوقف عن أداء عملها في خلق أو ابتكار بحور خليلية جديدة من دوائره الخمس (تلك التي انتقلت إلى تسع بعد تهذيبنا للنموذج الخليلي الموروث)، وذلك لتستوعب الزيادة التي تحققت باستدراك بحور جديدة، كان قد عدّها الخليل مهملة في نظامه.
ومن الأمثلة التي أسوقها لإظهار مشكلة البحث وتوضيحها، ما يلاحظ من تطوّر مستمرّ يعتري الأوزان الدوبيتية التي عانت من الإهمال، فاتجه أصحابها إلى النظم بالعامية لما وجدوه فيها من إبداع وتجديد يساير هذا النظم في ألحان الغناء. ومع ذلك فقد وقفنا على نماذج فصيحة منها في القديم والحديث، ولكنها ظلت بلا تسميات لبحورها.
وتعنى هذه الدراسة بتتبع ما أمكنها الوصول إليه، في الأدبين العربي والفارسي من نماذج. ذلك أن نشأة الدوبيت تمت في الجزء الشرقي من الإمبراطورية الإسلامية، وخاصة بعد أن رحلت إليه القبائل العربية من عمق الجزيرة العربية، واستقرت بها، بالإضافة إلى استقرار الكثير من الفرس في الاجزاء العربية من العراق المجاور لفارس، فصار من هؤلاء شعراء بالعربية نذكر منهم على سبيل المثال بشار بن برد وأبا نواس، وكذلك صار هنالك علماء في النحو واللغة كسيبويه والزجاج، وغير ذلك من علماء وفلاسفة سواء منهم من كانوا عربا صليبة ، أو عربا بالولاء، وقد أبدعوا جميعهم في مختلف التخصصات، فاغتنت بهم دول الإسلام المتعاقبة، مما أوقع الوهم عند بعض العلماء كابن خلدون، أن أكثر العلماء المسلمين هم من العجم. لكن المؤرخ العروبي الدكتور ناجي معروف، قام بالتصدّي لهذه النظرية مثبتا بطلانها في كتاب ضخم المحتوى له بعنوان "عروبة العلماء المنسوبين إلى البلدان الأعجمية في المشرق الإسلامي"، كما سفّه كلام حاجي خليفة الذي انتحل نظرية ابن خلدون تلك.
وإذا كان المزج الإيقاعي وسيلة مهمة من وسائل إنتاج إيقاعات جديدة، فإنه في المقابل يعاني من إهمال الفصحى التي جعلته مقصورا على نسق واحد أو أنساق قليلة، كالدوبيت ومجزوئه، وبحر السلسلة الذي أضيف إليهما بعد ذلك على سبيل التنويع في الإيقاعات. من أجل ذلك قامت العامّية بالتصدي لهذا الإهمال، وعوضت كثيرا مما فات الفصحى من إيقاعات، الأمر الذي نرى فيه تهديدا لهذه الفصحى وبحيث يشكّل تحدّيا للغويين في ضرورة تفصيح النماذج العامية المتوافرة على الساحة الفنية والاستفادة من إمكانياتها اللحنية، وذلك لتثبيت أوزانها في ذاكرة القراء والمستمعين.
أهمية الدراسة
تكمن أهمية هذه الدراسة في لفت أنظار العروضيين والشعراء والنقاد إلى ضرورة اعتبار الأشكال الدوبيتية، وغيرها من أشكال المزج الإيقاعي، مكونا أساسيا في بناء الشعر العربي، وتصحيحا للفكرة التي استقرت في أذهان الفرس، وخاصة عند د. خانلري، من أن بناء الرباعي (الدوبيت) "لم يصنعه شخص معين، بل إن هذا النوع من الشعر كان شائعا ورائجا منذ أزمنة سابقة في إيران، ونستنتج من نفس هذه القصة أن هذا الوزن لم يخترع، ولكنه اقتبس من عامة الشعب الفارسي اللسان، ويوجد تصريح في كل مكان أن مثل هذا الوزن لم يكن موجودا في العربية، وأن العرب تعلموه من الإيرانيين بعد ذلك" أ. هـ (1).
كما أن هذه الدراسة، برصدها عددا من النماذج المزجية غير النظام الدوبيتي لشعراء محدثين، يعيشون بين ظهرانينا اليوم، ويحاولون المزج بين أشكال أخرى كالمزج بين الخبب وبحر الوافر، في تأثر شديد لما وجدوه من نجاح للمزج بين الخبب والرجز(2). وعلى ذلك، فهذه الدراسة تقدم مادة أساسية يتوقع أن توسع منهج البحث العروضي وتجعله مواكبا للتطوّر الذي نشهده في زماننا هذا.
ولعل أهم الدراسات السابقة هي بحر الدوبيت للدكتور عمر خلوف، وقد تناول فيه جهود القدماء والمحدثين في تفعيل بحر الدوبيت. وهذا البحث هو إكمال لجهوده التي بذلها للوصول إلى تفعيل حقيقي لهذا البحر ولشريكه في الأوزان الجديدة، بحر السلسلة.
وفي المقابل يلحظ المتتبع عناية الغربيين البالغة بدراسة الدوبيت، بوصفه بحرا فارسيا خارجا على الأوزان الخليلية. وأهم ما اطّلعت عليه من ذلك هو عمل الباحثة مالينج في الفصل الرابع من كتابها
The Theory of Classical Arabic Metrics.
وقد تألف البحث من أربعة مباحث بعد المقدمة والتمهيد بعرض سريع للنظام الوزني قبل اكتشاف الدوبيت، وذلك على النحو التالي:
- المقدمة
- تمهيد
- المبحث الأول: مصطلح المزج الإيقاعي في الموسيقى والشعر
- المبحث الثاني: نشأة الدوبيت في الشعر العربي
- المبحث الثالث: استخدام الدوبيت في الشعر الفارسي
- المبحث الرابع: أشكال الدوبيت في العروضين العربي والفارسي
- الخاتمة
الرموز المستخدمة في هذا البحث
الرمز معناه
ه حرف ساكن
/ حرف متحرك
ب المقطع القصير، ويساوي حرفا متحركا واحدا [/].
ــــ المقطع الطويل، ويساوي حرفين متواليين: متحرك فساكن [/ه] .
س السبب الخفيف، وهو يساوي مقطعا قصيرا أو طويلا [ب:ـــ].
و الوتد، ويساوي مقطعين: قصيرا فطويلا [ب ـــ].
(و) الوتد المفروق، ويساوي مقطعين: طويلا فقصيرا [ـــ ب].
ن عدد مرات تكرار النسق الإيقاعي (الدور) في البيت.
(س) السبب الثقيل، ويساوي مقطعين قصيرين أو مقطعا طويلا واحدا.
[س] السبب الملتزم حركة البسط أو الوصل، ويساوي مقطعا طويلا.
<س> السبب الخفيف، الملتزم حركة القبض، ويساوي مقطعا قصيرا.
[و] الوتد الملتزم حركة القطع، ويساوي مقطعا طويلا أو زائد الطول.
| فاصل بين الأنساق الإيقاعية يعمل على تحديد أجزائها.
[] فراغ بين معقوفين للدلالة على مدّ زائد ملتزم.
{س} السبب الملتزم حركة البسط أو الوصل، ويساوي مقطعا طويلا أو مديدا.
***********
تمهيد
سوف نمهّد لهذا البحث بمختصر نتناول فيه الخطوط الرئيسة لنظرية العروض العربي التي أطلقها الخليل بن أحمد في القرن الثاني الهجري، مستندا في ذلك إلى عدد وافر من الشواهد الشعرية خلال القرون الثلاثة التي سبقته، ومستخدِما في وصفه وتحليله لهذا العلم الذي وضعه، وحداتٍ من السبب والوتد ابتكرها بنفسه ولم ينقلها عن أحد قبله. غير أننا في الوقت ذاته لن نتقيّد بنفس العدد من الأسباب والأوتاد التي استخدمها لوصف هذا النظام، ولن نتوقف عند ما انتهى إليه من دوائر، وبعضُها غير مقبول عندنا من حيث تركيبها السبب وتديّ. وعلى العموم، فهذا العمل يجري هنا مَجرى التهذيب والتطوير لنظرية الخليل بهدف جعلها نظرية قادرة على وصف العروض العربي طيلة الاثني عشر قرنا التي تفصلنا عن زمن مؤسس هذا العلم، رحمه الله. مع التنبيه إلى أن هذا التمهيد مأخوذ ببعض التصرف من كتابي "في نظرية العروض العربي"(3) ، والهدف منه بيان الآليّة التي كانت تسلكها نظرية الخليل في تتبّع تطوّر العروض، ثم تغيّر هذه الآلية في حدود القرن الثالث الهجري وبدء آليّة جديدة للتطوير أطلقنا عليها مصطلح المزج الإيقاعي.
وكنت قد عرّفت الشعر بأنه فن الكلام الموقّع على نسق معين، فتطلّب منا ذلك أن نقوم بدراسة الشعر، من جانبيه الصوتي والإيقاعي، دراسة تتضمّنها العناوين التالية:
الإيقاع
وقد أخذنا في تعريفه بكلمات ابن سينا المتوفّى سنة 427 هـ في قوله: "الإيقاع من حيث هو إيقاع هو: تقدير ما لزمان النقرات، فإن اتفق أن كانت النقرات منغّمة كان الإيقاع لحنيا. وإذا اتفق أن كانت النقرات محدثة للحروف المنتظم منها كلام كان الإيقاع شعريا، وهو بنفسه إيقاع مطلقا"(4).
أنواع الأصوات اللغوية
يتألف النظام الصوتي للعربية من أربع وثلاثين وحدة صوتية موزّعة على النحو التالي:
1- الحركات القصيرة وهي الفتحة والضمة والكسرة.
2- الحركات الطويلة وهي ألف المد وواوه وياؤه كما في نحو: نار ونور ونير.
3- أنصاف الحركات وهي الواو والياء (لغير المد) كما في نحو: وجد ويجد
وحوض وبيت.
4- الصوامت وتشمل باقي الأصوات كالهمزة والباء والتاء ... إلخ.
فهذه الأنواع الأربعة، إذن، هي ما يبنى عليه الصوت اللغوي في الكلام، ونلمس أثرها في عروض الشعر، وبالذات في تحديد القافية وتعريفها على ما سيتضح لنا فيما بعد.
نسق توالي الأصوات
تتوالى الأصوات في العربية بحيث يراعى فيها ما يلي:
1- عدم البدء بحركة أو بصامتين متواليين.
2- عدم توالي ثلاثة صوامت.
3- عدم الوقوف على حركة قصيرة.
أشكال المقاطع اللغوية
يتخذ النطق بالأصوات اللغوية شكل نبضات، بعضها قصير في مدته والبعض الآخر طويل. ولا يقل ما يتألف منه المقطع عن صوتين ولا يزيد عن أربعة.
وفي العربية ثلاثة أشكال من المقاطع، هي:
1- المقطع القصير، ويتألف من صامت فحركة قصيرة نحو: بَ، بُ، بِ.
2- المقطع الطويل وهو نوعان: مغلق، يتألف من صامت فحركة قصيرة فصامت نحو: قد، أو، لم. ومفتوح، يتألف من صامت فحركة طويلة نحو: ما، ذو، لي.
3- المقطع المديد، ويتألف بزيادة صامت على المقطع الطويل بنوعيه، نحو: بابْ، بيتْ، نهرْ، بالوقف على هذه الكلمات.
القافية
القافية هي صوت الرَويّ وما قد يليه من أصوات، مع نوع الصوت الذي يسبقه، وقد سمّاه بعض القدماء الرِدف. وهذا الرِدف إذا كان حركة قصيرة، وكان ثاني صوت يسبقه ألف مدّ، التزِم فيه هذان الصوتان بعينهما – وليس بنوعهما فقط – وسُمّيت هذه الألفُ ألفَ التأسيس.
ولا شك أن التمييز بين أنواع الصوت اللغوي قد ساعد الباحث في صياغة تعريف للقافية غير تعريف الخليل، ويقترب من تعريفات علماء غيره منهم أبو موسى الحامض وابن السرّاج الشنتريني.
النسق والسبب والوتد
وضع الخليل مصطلحين للتعبيرعن المقاطع اللغوية التي تمثل النسيج اللفظي للشعر في أنساقه الإيقاعية العروضية المختلفة، هما السبب والوتد. وجعل السبب نوعين: خفيفا وثقيلا. فالسبب الخفيف يساوي مقطعا طويلا أو قصيرا. والسبب الثقيل يساوي مقطعين قصيرين أو مقطعا طويلا. وأما الوتد فقد عبّر عنه بمقطعين متواليين: قصير فطويل.
وأما النسق الإيقاعي، فهو سلسلة من عنصري السبب والوتد، أدناها ما كان مؤلّفا من عنصر واحد، هو السبب مطلقا، وكلمة مطلق هنا هي للتعبير عن كلا السببين الخفيف والثقيل معا. وأقصاها ما تألف من تسعة عناصر من الأسباب والأوتاد. ومن أجل ذلك سمّيناه النسق المتنامى، كما في الجدول رقم 1 التالي:
1- س
2- و س
3- و س س
4- و س س س
5- و س و س س
6- و س و س س س
7- و س و س س و س
8- و س و س س و س س
9- و س و س س و س س س
جدول رقم 1
ومن الممكن إطلاق تسمية الدور على النسق، لأنهما بنفس المعنى، بل إن اسم الدور يعدّ أسبق زمنيا، فقد استخدمه ابن الفرخان في القرن السادس الهجري في كتابه "الإبداع في العروض"، مبيّنا فيه عددا من الأدوار التي أثبتها الخليل، وتلك التي حاول من جانبه استدراكها عليه.(5)
ويُلاحظ في هذا النسق المتنامي، أنه في مرحلته الأولى قد ابتدأ بنسق مؤلف من عنصر واحد هو السبب لا غير. ثم في المرحلة الثانية اشترك معه الوتد في بناء النسق، ومن ثمّ أخذ يزيد في كل مرحلة لاحقة سببا جديدا، حتى إذا بلغت الأسباب في تواليها الحدّ الأقصى لها، وهو ثلاثة أسباب، انشقّ هذا التوالي بإضافة وتد آخر إليه. ثمّ ظلّ النسق يستمرّ بهذه الآليّة، في إضافة عنصر جديد من سبب أو وتد، يتنامى به هذا النسق، إلى أن توقّف عند مرحلة لا يتجاوزها، هي المرحلة التاسعة. وهنا يبلغ طول النسق أقصاه، بتألّفه من تسعة عناصر من الأسباب والأوتاد، لنجد أن أنساقه الفرعية التسعة تحيط، مجتمعة، بأوزان العروض العربي الذي اكتشفه الخليل أوّل مرّة، بغض النظر عمّا استعمل منه وما أهمل، فلعلّ ما أهمل يستعمل مستقبلا كما استُعمل المتدارك بعد قرون طوال من إهماله.
إن فكرة النسق المتنامي، وقبلها فكرة الدوائر الخليلية، كأساس لنشوء وتطور الشعر العربي، تقدمان تحليلا علميا مدعما بالمنطق والشواهد يتفوق على كل الافتراضات التي طرحها عدد من العلماء الغربيين حول تطور فن الشعر عبر المرور بمرحلة سجع الكهان، أو استلهام حركة سير الناقة عند الشروع بالحداء الذي لوحظ أنه يقترب من وزن الرجز، بحيث خرجوا من ذلك بتكهن عن أسبقية الرجز في فن الإنشاد ، ومن غير أن يقدموا تعليلا منطقيا لتوالي ظهور الأوزان بعده كما قدمته نظرية الخليل، رحمه الله.
ولكن من الضروري أن نؤكّد هنا، على أن هذا النسق المتنامي هو بديل أكثر منطقية لدوائر الخليل، فهو لم يصمّم اعتباطيّا arbitrary ، تصميم الخليل لدوائره الخمس، وإنما انساب بسلاسة ضمن آليّة معينة شرحناها بأعلاه، بحيث أدّت في النهاية إلى تكوين النسق المتنامي للدوائر العروضية التسع بشكل طبيعي ومحايد.
تدوير الأنساق الفرعية
والجدول رقم 2 التالي هو عبارة عن فكٍّ وتدويرٍ للأنساق الفرعية التسعة في الجدول رقم 1 ، وذلك بهدف الوصول إلى العدد الفعلي من البحور المستعملة. والواقع أن عدد الأنساق (البحور أو الأدوار) التي يمكن توليدها، نظريا، من هذا النسق المتنامي يبلغ 45 نسقا فرعيا، تشكل بمجموعها أكمل نظام للعروض العربي الخالد عبر القرون، سواء منها ما استعمل لحد الآن وما ظل مهملا.
ومن المهم هنا أن نؤكد على أن الأنساق الفرعية يمكنها أن تزيد على 45 نسقا إذا أشركنا السبب الثقيل في عملية تأليفها، وهنا تجدر بنا ملاحظة أن السبب الثقيل ليس سببا جديدا يضاف إلى النسق المتنامي، ولكنه هو نفسه السبب المطلق الذي يظهر كسبب خفيف في بحر، وسبب ثقيل في بحر آخر، ولكن ضمن قانون نشرحه فيما يلي:
مواضع وجود السبب الثقيل في النسق
يمكننا تحديد موضع السبب الثقيل، في الأنساق الفرعية المدوّرة، ضمن الشروط التالية:
أولا: حيث لا يشترك الوتد في تأليف النسق، وبالتالي يكون المقصود من السبب فيه هو الثقيل فقط. (انظر في الجدول رقم 2 النسق ( 1 – 0 ) الذي يمثل بحر الخبب).
ثانيا: عندما يتبادل السبب الثقيل مع الخفيف موضع أول السببين في التشكيل الثنائي فقط، وعندها لا يجب أن يكون في النسق الإيقاعي كله، سببٌ حرّ الحركة قبضاً وبسطاً. والأمثلة على ذلك واضحة في بحري الوافر والكامل المأخوذين عن الهزج والرجز، وكذلك في بحر السريع ورقمه ووحداته:
8 – 4 – 1 : س س و [س] س و [س] و
حين يتحوّل عبر تثقيل السبب فيه إلى رابع الكامل، ورقمه ووحداته:
8 – 4 – 2 : (س)[س] و (س)[س] و <س> و
ويمكن متابعة كل ما أوردناه من بحور نتجت عن تثقيل السبب في قائمة البحور بالجدول رقم 2 أدناه.
ويمثل العمود الأول في هذا الجدول رقم النسق الفرعي المؤلّف من جزئين، وفي بعضها الآخر من ثلاثة أجزاء: الأول رقم النسق الفرعي حسب ترتيبه في الجدول رقم 1، والثاني رقم النسق الفرعي بعد الفكّ والتدوير، والثالث رقم البحر إذا اشترك فيه أكثر من بحر. مثال على ذلك النسق رقم (1 – 0)، حيث الرقم (1) يشير إلى أنه أوّل الأنساق، والرقم (0) يعني عدم وجود نسق آخر يفكّ منه. أما الأنساق الفرعية للرقمين (2) ، (3) وعددها خمسة، فهي مكتملة الوجود، مستعملة أيضا، وما كان منها مؤلفا من ثلاثة أجزاء أثبتنا لكل نسق بحره المشترك. واعتباراً من النسق الرابع نجد أن بعض الأنساق الفرعيّة المدوّرة تختفي من القائمة بوصفها مهملة، وأما الأنساق التي استعملت منها فاستدللنا على أرقامها بطريقة شبيهة بما استدلّ به مندليف Mendeleev على العناصر الكيميائية في جدوله الدوري للعناصر. ذلك أن مندليف حصر جميع العناصر في الطبيعة مرتّبة حسب أوزانها الذريّة، سواء منها ما عرف وما لم يعرف في زمنه بعد (وهذه الأخيرة، مثلها مثل البحور المهملة في الدوائر).
وقد أثبتنا هذه الأنساق المستعملة بعد تمييز عنصر السبب فيها بما يبيّن حركته الإيقاعية (أي بحكم الزحاف المطّرد)، ووضّحنا ذلك من خلال الرموز المثبته بأشكالها القوسيّة المختلفة، ثم مثلنا لبعضها في الهامش بالشواهد المختلفة.
قائمة الأنساق الإيقاعية في الشعر العربي
1 – 0 الخبب (6) ---> (س)
2 – 1 المتقارب ---> و س
2 – 2 المتدارك (7) ---> س و
3 – 1 – 1 الهزج ---> و [س] س
3 – 1 – 2 الوافر ---> و (س)[س]
3 – 2 – 1 الرجز ---> س س و
3 – 2 – 2 الكامل ---> (س)[س] و
3 – 3 الرمل ---> س و [س]
4 – 2 البارودي (8) ---> [س]<س>[س] و ( ن = 1)
4 – 3 مخلع البسيط (9) ---> س س و [س] ( ن = 1، 2)
5 – 1 الطويل (10) ---> و س و س[س] ( ن = 1 ، 2 )
5 – 2 المديد (11) ---> س و [س] س و ( ن = 1 )
5 – 3 المستطيل(12) ---> و (س)[س] و[س] (ن = 1، 2)
5 – 4 – 1 البسيط (13) ---> س [س] و س و (ن = 1، 2)
5 – 4 – 2 الكامل(14) ---> (س)[س] و <س> و ( ن = 1)
5 – 5 العتاهي(15) ---> س و س و [س] (ن = 1 )
6 – 2 مجزوء الخفيف ---> س و [س]<س>[س] و (ن = 1 )
6 – 3 المضارع ---> و [س]<س>[س] و س (ن = 1)
6 – 4 المقتضب ---> [س]<س>[س] و<س> و (ن – 1)
6 – 5 المجتث ---> س [س] و س و [س] (ن = 1)
7 – 2 – 1 ثاني المديد ---> س و [س] س و [س] و (ن =1)
7 – 2 – 2 ثالث المديد ---> س و [س][س] و <س> و (ن = 1)
7 – 4 الموفور(16) ---> س [س] و س و [س] و (ن = 1)
8 – 2 الرمل ---> س و [س] س و [س] س و (ن = 1)
8 – 3 الوافر ---> و(س)[س] و(س)[س] و [س] (ن = 1)
8 – 4 – 1 السريع ---> س س و [س] س و [س] و (ن = 1)
8 – 4 – 2 رابع الكامل ---> (س)[س] و (س)[س] و <س> و (ن = 1)
8 – 5 المديد ---> س و [س][س] و س و [س] (ن = 1)
8 – 7 مجزوء البسيط ---> س س و س و س س و (ن = 1)
9 – 4 المنسرح ---> س س و [س] س [س] و<س>و (ن = 1)
9 – 5 الخفيف ---> س و [س] س [س] و س و [س] (ن = 1)
جدول رقم 2
البيت والشطر والسطر الشعري
البيت هو وحدة القصيدة الدنيا، وهو يتألف من تكرار النسق الإيقاعي الفرعي عددا معيّنا من المرّات، يُرمَز له فيها بالرمز (ن). ومن الواضح أن هناك علاقة عكسية بين (ن) وبين طول النسق، إذ كلما زاد طول النسق قل عدد مرات تكراره في البيت، والعكس بالعكس. ويتألف البيت، في الشعر العمودي، إما من شطر واحد، فيسمى البيت حينئذ مشطورا، أو من شطرين متساويين، يسمى أولهما الصَدْر والثاني العَجُز، أو من سطر شعري واحد متغير الطول، وذلك ما نراه في الشعر الحر الحديث المُسمّى بشعر التفعيلة. وتتحدد في البيت الشعري على اختلاف أنواعه مناطق إيقاعية ثلاث يغطّي كل منها عددا من الأسباب والأوتاد في النسق. فالعَروض هو آخر تشكيل سببي ووتد في الصدر. والضَرب مثله، إلا أن هذا يقع في العجز أو في آخر البيت المشطور، وكذلك في آخر السطر الشعري المتغيّر الطول.
والعروض والضرب كلاهما موضع لوقفة تدل على تمام الشطر، إلا أن الوقفة في العروض عارضة غير تامة، يُستأنف بعدها شطرٌ آخر يسمى العجز، وهي في الضرب وقفةٌ تامة، يستأنف بعدها بيت آخر، أو تكتمل به القصيدة. والخلاصة في هذا الشأن أن البيت، سواء كان من شطر أو شطرين، فهو ما ينتهي بالضرب وحده دون العروض.
القوانين التي تحكم حركة السبب
- التشكيل الأحادي
1- في الحشو: يكون السبب حر الحركة قبضا وبسطا. مثال ذلك من المتدارك، قول الشاعر أمل دنقل(17):
لا تُصالحْ
ـــ ب ـــ | ـــ
ولو منحوك الذهبْ
ب ـــ | ب ب ـــ | ـــ ب ـــ
أترى حين أفقأ عينيك،
ب ب ـــ | ـــ ب ـــ | ب ب ـــ | ـــ ب
ثم أثبّت جوهرتين مكانهما ..
ـــ | ب ب ـــ | ب ب ـــ | ب ب ـــ | ب ب ـــ | ب ب ـــ
هل ترى
ـــ ب ـــ
السطر الأخير بالرموز السبب وتدية:
س و س و س و س و س و س و س و س و س و [س] و حيث (ن = 10)
2- في العروض: يلتزم السبب إما البسط وإما القبض. فهو يلتزم البسط إذا كان أول سبب يسبقه حر الحركة، نحو قول بعضهم في الحماسة من السريع(18):
إنْ أدَعِ الشعرَ فلم أكدِه * إذ أزِم الحقّ على الباطل
ـــ ب ب ـــ ـــ ب ب ـــ ـــ ب ـــ || ـــ ب ب ـــ ـــ ب ب ـــ ـــ ب ـــ
قد كنت أجريه على وجهه || وأكثِر الصدّ عن الجاهل
ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ب ـــ ـــ ب ـــ || ب ـــ ب ـــ ـــ ب ب ـــ ـــ ب ـــ
س س و [س] س و [س] و || س س و [س] س و [س] و
ملاحظة: التشكيل السببي الثنائي غير المقيد بأقواس لا تنطبق عليه قاعدة المكانفة الخليلية وأقرب شيء إليها قاعدة المعاقبة.
وهو يلتزم القبض، إذا كان أول سبب يسبقه ملتزما البسط، نحو قول ذي الإصبع العدواني من المنسرح(19):
إنكما صاحبيّ لن تدعا * لومي ومهما أضع فلن تسَعا
إنكما من سفاه رأيكما * لا تُجنباني السَفاه والقذَعا
ـــ ب ب ـــ ـــ ب ـــ ب ـــ ب ب ـــ || ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ب ـــ ب ب ـــ
س س و [س] س [س] و <س> و || س س و [س] س [س] <س> و
ملاحظة: التشكيل السببي الثنائي يخضع هنا لقاعدة المعاقبة الخليلية.
3- في الضرب: لا تختلف حركة السبب الأحادي في الضرب عنها في العروض إلا إذا تعرض الوتد بعده للقطع، فحينئذ يلتزم هذا السبب البسط. ونحو ذلك، من بحر البسيط، قول جرير(20):
إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ || قتلننا ثمّ لمْ يُحيينَ قتلانا
ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ب ب ـــ || ب ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به || وهن أضعف خلق الله أركانا
ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ب ب ـــ || ب ـــ ب ـــ ب ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ
س [س] و س و [س][س] و <س> و || س [س] و س و [س][س] و [س][و]
التشكيل الثنائي
1- في الحشو: القاعدة العامة التي تحكم هذا التشكيل هي أنه لا يجوز قبض السببين معا، وإن كان يجوز بسطهما معا. وكذلك يمتنع قبض السبب الأول منهما، إذا وقع التشكيل بين وتدين، كما يمتنع قبض السبب الثاني، ما لم يكن أول سبب يليه من بعده ملتزما البسط. ووحده الرجز، من بين البحور جميعها، ما لا يتقيد بهذه القاعدة. ونمثل لذلك ببحور السريع والمنسرح والبسيط التي مرّت بنا في مبحث التشكيل الأحادي.
2- في العروض: يلتزم السبب الأول البسط، وبذلك يكون السبب الثاني حر الحركة قبضا وبسطا. مثال ذلك من بحر الرمل (8 - 2 )، في قول شوقي(21):
وبعثت الشوق في ريح الصبا || فشكا الحُرقةَ مِمّا استودعكْ
ب ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ || ب ب ـــ ـــ ب ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ
يا نعيمي وعذابي في الهوى * بعذولي في الهوى ما جَمَعَكْ
ـــ ب ـــ ـــ ب ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ || ب ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ب ـــ
س و [س] س و [س] س و || س و [س] س و [س] س و
وليس إلا عروض الطويل، ما يخالف هذه القاعدة، ففيه يلتزم السبب الأول القبض، ليجمد هذا التشكيل عند صورة الوتد فلا يفارقها.
3- في الضرب: لا تختلف حركة هذا التشكيل في الضرب عنها في العروض، إلا أن السبب الثاني يلتزم البسط أيضا، إذا كان آخر عنصر في البيت، لأنه لا يوقف على متحرك. مثال ذلك من الهزج (3 – 1)، قول الفِنْد الزِمّاني(22):
صَفَحنا عن بني هندٍ || وقلنا القومُ إخوانُ
ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ || ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ
عسى الأيام أن يرجعــ||ــن قوما كالذي كانوا
ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ || ب ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ـــ
و [س] س و [س] س || و [س] س و [س][س]
وأما ضرب الطويل، فإن التشكيل السببي فيه – إذ يأخذ صورة الوتد – فإنه يصبح عرضة للقطع مثله، وذلك بأن يفقد سببه الأول، وعندئذ لا بد من التزام المقطع المفتوح على السبب المتبقي والوتد قبله. كما لا بد للسبب الذي يسبق الوتد أن يلتزم القبض، وذلك نتيجة لالتزام المقطع المفتوح على وتد الضرب بعده. وكذلك لا بد له أن يلتزم البسط إذا حل القطع بالوتد بعده.
ويمكن للسبب الملتزم القبض في عروض الطويل أن ينتقل إلى البسط في ضربه. وفيما يلي بيان الحركة الإيقاعية لبحر الطويل في ضروبه المختلفة:
و س و[س][س] و س | و<س>[س] || و س و[س][س] و س | و<س>[س](23)
و س و[س][س] و س | و<س>[س] || و س و[س][س] و س | و[س][س](24)
و س و[س][س] و س | و<س>[س] || و س و[س][س] و<س> | و[][س](25)
و س و[س][س] و س | و<س>[س] || و س و[س][س] و<س> | و[س]](26)
و س و[س][س] و س | و<س>[س] || و س و[س][س] و [س] | [و][س](27)
التشكيل الثلاثي
1- في الحشو: يلتزم السببان الأول والثالث البسط. أما السبب الثاني فيكون حر الحركة قبضا وبسطا، كما رأينا في بحر الخفيف الذي سيلي، مع الميل إلى القبض أكثر من البسط بنسبة كبيرة تبلغ في قصار البحور، كمجزوء الخفيف والمضارع والمقتضب، أقصاها.
مثال ذلك، من بحر الخفيف قول المعري(28):
غير مجد في ملتي واعتقادي * نوح باك ولا ترنم شاد
ـــ ب ـــ ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ـــ * ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ب ـــ ب ب ـــ ـــ
وشبيه صوت النعي إذا قيــــ*ـــــس بصوت البشير في كل ناد
ب ب ـــ ـــ ـــ ـــ ب ـــ ب ب ـــ ــــ * ب ـــ ب ـــ
ومن مجزوء الخفيف (6 -2 )، قول إبراهيم طوقان(29):
لا تسل عن سلامته * روحه فوق راحته
ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ب ـــ * ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ب ـــ
بدلته همومه * كفنا من وسادته
ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ب ـــ * ب ب ـــ ـــ ب ـــ ب ـــ
س و [س]<س>[س] و * س و [س]<س>[س] و
آليّات محدّدة للتوسّع في توليد الأعاريض والضروب
لم يتجاوز عدد البحور التي استنبطها الخليل من دوائره الخمسة عشر بحرا. ومع ذلك فلم يتوقف عدد الأنساق الإيقاعية المستعملة عند هذا الحد، بل استمرّ في التزايد من خلال آليّة توليد الأعاريض والضروب التي أوصلها الخليل إلى أربعة وثلاثين عروضا، من حيث أن لكل منها أكثر من ضرب، وهذا هو ما جعلها تبلغ في حدّها الأقصى عنده ثلاثة وستين ضربا. ولقد توسّع الشعراء بعد الخليل في توليد المزيد من الأعاريض والضروب حتى بلغت أرقاما لا نظنّ الخليل نفسه كان قادرا على تخيّل مقدار ما وصلت إليه، وخاصة في زماننا هذا(30) .
وفي اعتقادي أن جلّ هذه الزيادة يرجع إلى ممارسة تغييرات محددة في البحر، وهي التغييرات التي ظل الشعراء يستخدمونها في توليد حاجاتهم من الأعاريض والضروب منذ بدايات الشعر وحتى اليوم، وبيانها فيما يلي:
1- قطع الوتد.
2- زيادة الحرف الساكن، فيما يسمى بالإسباغ، أو حذفه فيما يعرف بالقصر.
3- زيادة السبب الخفيف، أو حذفه.
4- حذف الوتد.
ثم إنه قد يجتمع اثنان من هذه التغييرات في ضرب واحد، نحو زيادة الساكن مع قطع الوتد، أو حذف السبب وقطع الوتد.
فأما قطع الوتد، فهو من الأمور الهامة التي تعمل على زيادة عدد الضروب، نحو الضرب الثاني المقطوع للبسيط، والضرب الثاني المقطوع للكامل التي تعمل على زيادة عدد الضروب، نحو الضرب الثاني المقطوع للبسيط، والضرب الثاني المقطوع للكامل، وغير ذلك من البحور. ومن الشيّق هنا أن نذكر أن الخليل كان قد غفل عن وضع ضرب مقطوع لبحر المنسرح، إذ يبدو أنه لم يسمع شاهدا عليه يوثقه، فلذلك أثبت في عروضه للمنسرح ثلاثة أضرب ثلاثة أضرب فقط ليس منها هذا الضرب المقطوع، ومع ذلك فقد أباح الزجّاج مجيء هذا الضرب قياسا على القطع في (مستفعلن) من البسيط والرجز.(31)
الحاجة إلى بحور جديدة
إن الناظر في قائمة الأنساق الإيقاعية بالجدول رقم 2 ، لا بدّ وأن يلاحظ الحاجة إلى ضرورة إنتاج بحور جديدة تضاف إلى ما أنتجته العبقرية الإيقاعية في الجاهلية وبعد ظهور الإسلام، من شعر انبثق من دوائر العروض التي حدد الخليل كثيرا من ابنيتها، خصوصا وأن خاصية التدوير هذه قد بدأت في استنفاد طاقاتها، ولم تعد تنتج مزيدا من الأنساق الجديدة.
وعليه، كان لا بد من البحث عن خاصية أخرى يمكن بها تشكيل بحور جديدة، وقد وجدناها ممثلة بعملية المزج الإيقاعي في بحرين، هما الخبب والرجز. هذا ، ومن المحتمل أن تتوسع هذه الخاصية لتشمل بحورا أخرى، كما سبق وأشرنا في مقدمة هذا البحث.
من الخبب سوف نتمثل بقصيدة حديثة لمعين بسيسو، أكثر فيها من الأسباب المنفصلة، وذلك قوله من الشعر الحر:
منذ خرجنا من تلك الحجرة فوق السطح
سقط كحجر فوق الأرض الجرح
فقد الذاكرة وفقد حقيبته الجرح
(س)(س)(س)(س)(س)(س)(س)(س)(س)(س)[س] (ن=11)
ومن الرجز، (3 – 2 – 1 )، س س و ، سنمثل بقول الشاعر بدر شاكر السياب(32)، وهو من الشعر الحرّ أيضا:
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر
ب – ب - - - ب - - - ب – ب –
س س و س س و س س و س [س] (ن = 4 )
وسنرى كيف أمكن المزج بين وحدات الخبب والرجز، ليتشكل منهما بحر الدوبيت، وهذا هو موضوع بحثنا الذي سنعرضه فيما يلي
***************************************************************
الإحالات:
*********
1- أوزان الشعر الفارسي ص 202 وما بعدها. وحجة د. خانلري التي ذكرها في الهامش: "أن الزحاف المستعمل في هذا الوزن لم يكن في أشعار العرب، فإنهم لم ينظموا قديما شعرا عربيا على هذا الوزن، والآن أقبل عليه تماما المحدثون أرباب الطبع، وأصبحت الرباعيات العربية شائعة متداولة في كافة بلاد العرب (وفقا للمعجم ص 108).
2- انظر الموقع الإلكتروني "منتديات فرسان الثقافة" https://omferas.com/vb/showthread.php?18225-%E5%ED%DD%C7%C1-%E3%CD%C8%DF%E3-%CA%DA%C8%C7
3- صدر عام 1992 م عن دار الإبداع بعمان – الأردن
4- الشفاء، جوامع علم الموسيقى ص 81 .
5- انظر على سبيل المثال، البابين الثاني والثالث من المقالة الثانية لهذا الكتاب ص 162.
6- الشحط خليطك إذ بكروا || ونأوا فمضى بهم السفر
منسوب في "الحور العين" لامرئ القيس، وعنه أثبت في ديوانه.
ولا يشركه في نسقه هذا أي بحر آخر غير الخبب.
7- كن مجيدا لمدح النبي تنل || ما تحب وتبلغ بذاك الأمل
للشاعر العماني راشد الحبسي من ديوانه، ولعله أول من نظم عليه قصيدة في العصر العثماني.
8- املأ القدح || واعص من نصح (للبارودي)
9- يا من لحاني || على زماني (لأبي نواس) من المخلع أحادي الدور.
10- عليه من الشعر الحر للسياب قصيدة "ها ها هو" بالمجموعة الكاملة.
11- طاف يبغي نجوة || من هلاك فهلك (من أشعار الحماسة لأبي تمام). من المديد أحادي الدور.
12- ألا يا عين فابكي || على فقدي لملكي (امرؤ القيس) من المستطيل الأحادي الدور.
13- طال عليها القدم || فهي وجود عدم (لشوقي) من البسيط الأحادي الدور. (وللسياب من الشعر الحر تجربة في قصيدة "أفياء جيكور" من ديوانه. بالمجموعة الكاملة 2)
14- إن الخليط بكر || زمرا تحث زمر (لابن المعتز).
15- عتب ما للخيال || خبريني ومالي (لأبي العتاهية).
16- يا من يلوم فتى عاشقا || لمت فلومك لي أعشق
الشاهد من وضع الجوهري وتسمية البحر لنازك الملائكة.
17- ديوان أمل دنفل، المجموعة الكاملة ص 324 .
18- شرح ديوان الحماسة ص 224 .
19- ديوانه ص 58 .
20- ديوانه ص 163 .
21- ديوان شوقي ص 133.
22- مجلة المجمع العلمي العراقي د. حاتم الضامن.
23- فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها || لما نسجتها من جنوب وشمأل (امرؤ القيس)
24- بلى أنا مشتاق وعندي لوعة || ولكن مثلي لا يذاع له سرّ (أبو فراس الحمداني)
25- يبنّ لي البدر الذي لا أريده || ويخفين بدرا ما إليه سبيل (المتنبي)
26- أحنظل لو حاميتمُ وصبرتمُ || لأثنيت خيرا صادقا ولأرضانْ (امرؤ القيس)
27- تظنين بعدي عنك يخلق سلوة || وهيهات أن أسلوك أو أنساك (صلاح الدين العكاري)
28- ديوان سقط الزند ص 7.
29- ديوانه ص 136.
30- مما يجدر بنا التنويه إليه أن الدكتور عمر خلوف قد اجتهد في حصر شواهد عديدة لهذه الأعاريض والضروب أودعها كتابه الذي لم يصدر بعد، وعنوانه : "العروض العربي: تحديد وتجريد وتجديد".
31- كتاب العروض للزجاج ص 92.
32- ديوان أنشودة المطر ص 121 ، المجلد الثاني.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: