كتاب الإقناع لأبي الحسن أحمد بن محمد العروضي المعروف بالنديم (342ه)
سليمان أحمد أبو ستة - غزة / فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1805
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هذا كتاب ثار بشأنه جدل طويل تعلق بكنية مؤلفه وعنوان كتابه. فالمؤلف كما يزعم الدكتور المنجي الكعبي في مقال مطوّل له بعنوان الكتاب المنسوب للزجاجي فالسيرافي فالعروضي هو للنديم، ويؤكد فيه أنه هو أبو الحسين أحمد بن محمد العروضي الذي اشتهر بلقبه النديم، وأما عنوان الكتاب عنده فهو "كتاب ألّفناه في علم العروض". والظاهر أن هذه الكلمات الخمس مقتطعة من أول سطر من مقدمة مؤلف الكتاب بعد الحمدلة، وهو ما لا يبدو منطقيا لي بالنسبة لعنوان كتاب في العروض كهذا. ومع ذلك فلا بد أن للناسخ الذي جعله عنوانا، قصدا له وجاهته التي ارتضاها أستاذنا الدكتور المنجي.
ثم إني وجدت بعد ذلك باحثا آخر هو منصور بن عبد الله المشوّح يزعم بل يؤكد، أن اسم الكتاب الفعلي هو "الإقناع" وذلك اعتمادا على مخطوطة بعنوان "تصحيح المقياس" لابن الخباز (639 ه) يعمل على تحقيقها حاليا، حيث قال: "إن ابن الخباز الذي بَلَغ في العلم أطوَرَيه- ذكره في عدَّة مواضع باسم (الإقناع) ونَسَبَه إلى العروضي تارة وإلى أبي الحسن تارة أخرى، فمن هذه المواضع مثلاً:
أوَّلاً - عندما تحدَّث عن مشكل بحر الهزج قال: «ومن مشكله أيضًا ما أنشده العروضي صاحب الإقناع» وذَكر البيتين. (وهذان البيتان لم أقف عليهما في المطبوع).
ثانيًا - عندما تحدَّث عن مشطور الرجز المزاحف قال: «قال أبو الحسن صاحب الإقناع: إذا جعلناه من السريع كان مكشوفًا، وإن جعلناه من الرجز كان مخبونًا مقطوعًا» (مضمونه موجود في المطبوع ولكن ليس بهذا التفصيل، وإنما ذَكَر المكشوف في باب السريع، وذكر المخبون المقطوع في باب الرجز).
ثالثًا - عندما تحدث عن خفَّة شعر الرجز وأن أكثر ما تجري عليه ألسنة العرب إنما هو من المشطور والمنهوك، قال: «ومن ذلك ما أنشده أبو الحسن في الإقناع» وذكر الأبيات (وهي موجودة في المطبوع)."
ثم قال:
"إن الإقناع هو العنوان الصحيح للكتاب.. ولا غبار على ذلك.. فأبو الحسن يسلك في كتابه مسلك الحجاج والجدال.. يستطرد أن استدعت المسألة استطرادًا.. ويوجز أن رأى في الإيجاز كفاية وإقناعًا.. فهو إذن الإقناع لا الجامع. علمًا أن كتاب أبي الحسن المطبوع لا يخلو من سقطٍ لبعض الشواهد الشعرية والآراء العروضية، سَبَبُه قصور النسخة الفريدة النادرة المعتمدة، وأسأل الله أن ييسر العثور على نُسخٍ أخرى تسدُّ هذا النقص. وختامًا: قد كان من المتحتِّم علي أن أبوح بهذه الحقيقة لأمرين: أولهما: إن من كتم علمًا ألجمه الله تعالى بلجام من نار يوم القيامة. والآخر: هي تلك المنزلة الرفيعة التي يتبوَّؤها كتاب أبي الحسن في قلبي، فكتابه هذا يعدُّ مرجعًا أصيلاً للعروضيين إِذ هو بالنسبة لهم ككتاب سيبويه بالنسبة للنحاة. هذا والله أعلم". ا. ه
ولم أصل بعد لكتاب ابن الخباز هذا لحد الآن، وربما لا يكون انتهى من طبعه بعد. غير أني أجد نفسي تؤيده في قوله ذاك تمام التأييد الآن، وذلك لأني رجعت إلى كتاب الوافي في علمي العروض والقوافي لعبيد الله بن عبد الكافي بن عبد المجيد العبيدي الذي كان موضوعا لرسالة الماجستير للدكتورة صباح يحيى باعامر . ولفت نظري في فهرس الكتب الوارد ذكرها في متن هذه الرسالة، كتابان عنوانهما واحد هو الإقناع، أولهما لأبي الحسن والثاني للبارقي. أما البارقي فلم أجدها ذكرت لنا شيئا عن موطنه ولا مؤلفاته أو حتى تاريخ وفاته إلا قولها: "لعله سبق الزمخشري لأن الزمخشري (538ه) نفى ضربا أثبته البارقي. وهي تقول في ص 680: "كما أنشده البارقي في الإقناع:
قل فإني لم تجدني * خاضعا في الحب مع
تذرا ما عشت دهري * مملولا ولا قطع"
ولأني لم أجد كتاب الإقناع للبارقي فتشت في كتاب الجامع لأبي الحسن العروضي فلم أجد هذين البيتين المضطربين في الوزن أيضا.
أما قول العبيدي (749ه) في الوافي ص 483: "وأنشده أبو الحسن في الإقناع" فإنه يشير إلى أن ثمة كتابين بنفس الاسم، واحدا لأبي الحسن والآخر للبارقي، نقل عنهما العبيدي. غير أن كلام محقق المقياس الذي نأمل أن نقرأ كتابه قريبا، يعد في نظري فصل الخطاب.
وحيث أن كتابي ابن الخباز والعبيدي يضبطان كنية العروضي بأبي الحسن لا الحسين، وقبلهما وجدت المعري يذكره بهذه الكنية أيضا، فسوف لن أجد بأسا من استخدام هذه الكنية وذلك اللقب عند الإشارة إليه مستقبلا. ولا مانع من الإشارة إليه كذلك بلقب النديم كما كان يذكره الصفاقسي فيما جاء بالغامزة للدماميني. وأما الصولي (335ه) في كتابه أخبار الراضي، وكان مثله نديما له أيضا، فإنه لا يذكره إلا بلقب العروضي فقط، ومرة وجدته يذكره باسمه الكامل ولكن بلا كنية، وكذلك كان يذكره معاصرهما المؤرخ المسعودي (346 ه) في الجزء الرابع من كتابه مروج الذهب.
تبقى لنا كلمة أخيرة حول هذا الكتاب، وهي أنه كتاب يحتاج إلى إعادة تحقيق بالنظر إلى ما رآه الأستاذ منصور من "سقطٍ لبعض الشواهد الشعرية والآراء العروضية، سَبَبُه قصور النسخة الفريدة النادرة المعتمدة"، وما رأيته من جانبي أيضا. وعليه، فإني أتوجه للدكتور الكعبي الذي تابع منذ البداية ظهور هذا الكتاب الأهم في تاريخ العروض، أن لا يتوقف عند ما بدأ به، وأن يواصل جهوده المباركة بأن يبدي لنا نظراته الصائبة في أمر هذه المخطوطة التي يعمل على تحقيقها الأستاذ منصور، وكذلك في أمر ما جاء بكتاب الوافي للعبيدي حتى تكتمل الصورة من جميع جوانبها كافة.
-------------
المراجع:
- مجلة علامات في النقد السعودية، العدد 30
- "العنوان الصحيح لكتاب أبي الحسن العروضي" مقال بصحيفة الجزيرة السعودية العدد 17257
- رابط رسالة الماجستير https://www.merefa2000.com/2020/01/pdf_49.html
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: