احمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3491
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لولا اعتصام الرحيل لضاعت الثورة التونسية و ضاعت تونس بالأساس الى الابد، لولا اعتصام الرحيل و تجند كل التونسيين فى لحظة تاريخية فارقة لطلت تونس تتلوى عبر مفاصلها المريضة و تتفكك و نحن نظن أن جماعة الاسلام السياسى يعيدون البناء، تزداد انهيارا و نحن نتصور أن اسلاح حركة النهضة هو الحل، كانت تونس على شفا حفرة من السقوط فى العدم بعد أن جاء الى حكمها أناس من كوكب آخر لا يؤمنون بأية قيمة أخلاقية أو دينية أو مدنية، جاء ‘ الجماعة ‘ للتدمير و للتكفير و لبث الفوضى فقط ، الان فقط يعترف أحد أدواتهم المريض المنصف المرزوقى أنهم كانوا مجموعة من الهواة يتصارعون على الكراسى و أنهم وزعوا المناصب كالغنائم و تقاسموا اموال الخزينة كقطاع الطرق و تداولوا على نهب المال العام فى تعويضات يعلم المتابعون أنها ليست محقة بالمرة ، أولا، لأنهم لم يناضلوا ضد الاستبداد بل ناضلوا من أجل هدف انشاء دولة الخلافة و نشر ‘الدين الوهابى المتطرف ‘، ثانيا، لأنهم لم يجمعوا الشعب بل كانوا أعداءه و صبوا عليه ماء الفرق و قاموا بالتفجيرات لقتله و قتل الاقتصاد الذى يعيش منه هذا الشعب المطحون . ثالثا و هو الاهم أنهم لم يكونوا تونسيين و لا يحملون هم الوطن و لا يعترفون بالراية الوطنية .
لقد تصرفنا كالمراهقين و صدقنا هؤلاء القتلة و المبتزين و المنافقين الذين حكموا تونس فى لحظة تاريخية أرادها الشعب ان تكون الضوء الوحيد الذى ينير طريق المستقبل المشرق فحولوا ليلنا نهارا و نهارنا ليلا و استباحوا حرماتنا و هددوا حياتنا و قطعوا ارزاقنا و تركوا الزبالة تنشر الامراض التى خلنا أنها لن تعود، تصور الشعب أن هؤلاء ‘ الاتقياء ‘ المزعومين هم رمز الفضيلة و التقوى و نشر الخير لكنهم تفاجئوا بأنهم مجموعة من المبتزين و الهواة السياسيين المشبوهين، لقد كان التصور أن عهد الاستبداد و الظلم و القهر قد زال الى غير رجعة و أن هؤلاء ‘ الاتقياء ‘ سيعصمون السياسة من الخطأ و سيقدمون الدليل على أن الاسلام هو الحل و ليس المشكلة و أننا قد أحسنا صنعا عندما استمعنا اليهم و لم نسمع عنهم، جاؤوا للحكم بهدف القضاء على مؤسسات الدولة و تمزيق اللحمة الوطنية و تعويض الراية الوطنية بخرقة سوداء لا تسر الناظرين، نهبوا ملايين الدنانير من أجل دستور تصارعوا عليه مع المعارضة ليخرج فى النهاية غير مكتمل الوصف و فاقدا لكل مقومات الحياة، استولوا على مفاصل الدولة و حرقوا مقرات امن الدولة للقضاء على كل الملفات التى تدينهم و تكشف عمالتهم للمخابرات الاجنبية .
هؤلاء كانوا يمثلون الثورة المضادة و الطابور الخامس و قوى الجذب الى الوراء، الوراء بما يعنه من فكر ظلامى و خروج من التاريخ و الحضارة و المدنية الى عالم مجهول بدون هوية و لا مستقبل منظور، لقد أرادوا بهذا الفكر الهمجى المتوحش أن يوهموا الناس أنهم صناع المستقبل و باعثو الحياة من جديد فى هذا الجسم المريض المعتل، لعلنا أدركنا خطأ انتخاب هؤلاء عند استهدافهم بالتكفير و بالاغتيال و القتل شهيدى الوطن شكرى بلعيد و الحاج محمد البراهمى و أن أصابعنا التى تلوثت بالحبر الانتخابى الازرق قد جاءت بإخطبوط فاسد بدل حكام متنورين و لعل استهدافهم المقصود و المتعنت لكل مجال ابداع قد فتح أعيننا على حقيقة هؤلاء المتلاعبين بعقول العامة و قد رأينا أنهم لا يتورعون حتى على استهداف مقامات الاولياء الصالحين مما يقيم الدليل الواضح أن هؤلاء ‘ الجماعة ‘ لا ينتمون الى هذا الوطن لا بالفكر و لا بالعقيدة و لا بالجنسية و لا بالمنظور الثقافى و الاجتماعى و السياسى أو ما يسمى عموما بالأنموذج الوسطى للمجتمع التونسى، لولا الاعتصام لظللنا على أوهامنا بكون تلك المدارس القرآنية هى منارات اسلامية و الحقيقة أنها مدجنة لتفريخ الفكر الوهابى المتطرف و خزان بشرى يستعمل كقنابل تكفيرية انشطارية فى كل دول العالم .
لقد كنا بصدد أكل الطبخة التكفيرية الى آخرها و لم نتصور يوما أن طعام أهل الفضيلة مسموم بهذا الشكل الخبيث، لقد أصبنا أياما و ليال بالتسمم الفكرى و انقسمت العائلات الى مناصر لهؤلاء و معارض لهم و بتنا شيعا و فرقا و قبائل بعد أن ودعنا العروشية و الفكر المتطرف منذ بداية الاستقلال، لقد حولوا جامع الزيتونة المعمور الى جناح لبث الخطاب التكفيرى و لذلك استدعوا كبار العمائم المسمومة و وزعوا الخطب و الكتب و التصريحات المبشرة بصواب فكر شيخهم يوسف القرضاوى الذى نفخ فى النفوس فكر الجهاد فى سوريا بدل الجهاد فى فلسطين و صنع جهاد النكاح لتشريع زنا الزوجة أمام زوجها بل و تبادلها بين ‘المجاهدين ‘ بحجة حق الامير على الرعية فى الاستمتاع و النيل من عرضها، كانت طبخة تكفيرية مسمومة و كان هناك شهداء ذبحوا فى الجبال و تم التمثيل بجثثهم فى مشاهد حيوانية مقززة لم تحرك لديهم شعرة الاستنكار و لا نية الاستغفار و لقد شاهدنا منهم محامين يهرعون الى المحاكم للدفاع عن حقوق القتلة دون الاكتراث بدم الابرياء و شاهدنا هؤلاء المحامين المنتمون للنهضة حصرا يستنكرون غضب اولياء الدم و مناصرى الحرية المطالبين بإعدام القتلة .
لولا اعتصام الرحيل ما رحلوا و لا اختفوا و لا خافوا من المحاسبة، لولا اعتصام الرحيل ما استعاد الشعب زمام المبادرة و دفع عنه الكابوس و تخلص و لو بشيء من التأخير و الى حين من هؤلاء القتلة الذين استباحوا كل شيء جميل و دمروه بعناية الشامت الكاره للشعب، لولا الانقلاب لظل بعض الشك يساور المواطنين من امكانية اصلاح الوضع و لظل البعض يتخيل أن هؤلاء القتلة هم قتلة بالصدفة و ليسوا متعودين على القتل بالفطرة و أنهم سيكونون يوما ما فى خدمة الشعب بعد أن يتيقنوا أن الاجرام المتواصل لم يعد له مكان بعد الثورة ، لم يتوبوا عن الاثم و العدوان و تعاونوا على الشر و البغى و تطاولت السنتهم على كل معارض و على كل مقاوم لهذا الفكر المتطرف العنيف و رأينا نوابا و وزراء و رئيسى حكومة يهددون الشعب بالمشانق و السحل فى الشوارع العامة، كانت ثورة شعب خجلوا منها فى البداية و لم يساندوها بل اعلنوا وقوفهم مع بن على و لكن رأيناهم يسارعون للقبض على الغنيمة و اقتسامها بينهم بمجرد أن خلت الساحة من كل لسان يعارض هذه الفضيحة الاخلاقية، كانت نواياهم من البداية خبيثة و كانوا يتسترون وراء لحاهم للإيحاء بالفضيلة الزائفة و حين اقشع الضباب شيئا فشيئا فى اعتصام الرحيل تبين الشعب الصورة القبيحة لحركة النهضة .
لقد كان اعتصام الرحيل بمثابة نهر طالوت الذى كشف الخونة و المتاجرين بالدين و الاوفياء للإخوان المسلمين فى مصر، لقد اكتشفنا فى هؤلاء حماقات لا توصف و تعرت اصواتهم المنادية بلغة التكفير و كشف الشعب بذهول منقطع النظير كيف تحول هؤلاء ‘ الاتقياء ‘ فى لمح البصر الى قتلة يذبحون شهداء الوطن و يهللون و يكبرون باسم ربهم القرضاوى لا يختلفون فى هذا المشهد عن مشهد الحيوانات الشرسة المسمومة، لقد انقذنا اعتصام الرحيل من سقوط الدولة و المؤسسات و الحضارة و النمط المجتمعى الوسطى التونسى و لولاه لتحولت تونس الى محمية تكفيرية شبيهة بأفغانستان و بقطر و بالسعودية، لقد فضح اعتصام الرحيل الجميع فى الحكم و تبين الشعب فى نهاية الامر أن هؤلاء ‘ الجماعة ‘ لا ينتمون الى هذا الوطن مهما بقوا و استوطنوا و نافقوا و خاتلوا و تقلبوا و اليوم بمناسبة الثورة نعيد للأذهان تواريخ المشهد السابق للموعظة و حسن التدبير فى المستقبل القريب و البعيد .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: