أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4809
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في مقال لي سابق تحدثت عن تجفيف الينابيع كما يروّج لها حزب حركة النهضة وهو ما لم يرق للسيد فتحي سلامة فكتب ردا في جريدة الصريح بتاريخ 8 أفريل 2017، ولي عليه بعض الملحوظات:
1) تحدث لطفي زيتون في شهادته عن تجفيف الينابيع واصفا إياها بأنها خطة أعدّها ابن علي لمقاومة الحركة وفي نفس الإطار أضاف حمادي الجبالي بأنه وحركته بصدد إعداد خطة مواجهة ولكن لحدّ الآن وقد مرّت عشرات السنين لم نعثر على الخطة الأصل ولم تنشر الحركة بديلها وهو ما يؤكد أن الأمر جميعه مندرج ضمن إطار الافتعال للتشويه.
2) ذهب السيد فتحي سلامة إلى توسيع المسألة فعمّم تجفيف الينابيع من جزء من المواجهة التي تخصّ الإسلاميين كما ذهب لطفي إلى ذلك في شهادته إلى مواجهة تشمل كل المعارضات ليصل في نهاية الأمر إلى القول بأنها تعني محاصرة الكل والتضييق عليهم وإذلالهم ومحاكماتهم، من ذلك استشهاده بسي محمد مواعدة والكل يعلم أن خصومة المذكور لم تكن مع النظام بل مع الرئيس السابق لأنه تجرأ على ذكر ما لا ترغب العائلة في نشره بين الناس كما حشر المفروزين أمنيا وغيرهم ضمن هذه الخطة وفي تقديري أن الفرز بين المسائل ضروري وحتمي لسلامة ودقة التحليل.
3) يقصد الإسلاميون بتجفيف الينابيع أمرين أساسيين هما:
أ ـ محاصرة الكتاب الإسلامي ومنع رواجه وقد نالني شرف القيام بهذه المهمة بنجاح حيث لم أمنع سوى الكتب الحركية والوهابية التي تستهدف العامة ومتوسطي التعليم ولم أمنع الكتب الثقافية والعلمية فطه عبد الرحمان كتبه جميعها رائجة وحسن حنفي لم أمنع له سوى كتابا واحدا وسيد قطب كتبه جميعها ممنوعة باستثناء كتابين اثنين، كما أن الكتب التي روّجتها دور تونسية كالزيتونة والراية وغيرهما تم منعها جميعها لأنها بجانب ترويجها لمفاهيم مفسدة للطبيعة البشرية مثلت أداة تمويل للحركة.
ب ـ الإصلاح التربوي الذي باشره المرحوم محمد الشرفي، وقد دعت حركة النهضة في بيان شهير صدر في 2 أكتوبر 1989 إلى عزل الوزير بعد تكفيره ولكنها في نفس الوقت صمتت عن التغييرات التي طالت برامج التربية الإسلامية لا لشيء إلا لأن أعوانها هم الذين نفذوها وذلك بالتحايل على الدولة والوزير فأبدلوا مسائل بمسائل أخرى هي أشنع وأفظع وأكثر تطرفا من ذلك أنهم حذفوا مبحث الجهاد وأبدلوه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صيغته الاعتزالية، هذا المبدأ هو الذي يبرّر اليوم للدواعش ذبح وقتل وإحراق المخالف، أيامها كان احميدة النيفر مكلفا بمهمة في ديوان الشرفي ومعه في اللجنة التي كوّنها لمراجعة برامج التربية الإسلامية أعضاء دائمون لا يتغيّرون من بينهم صلاح الدين الجورشي ومحمد القوماني بجانب أعضاء آخرين يتغيرون بحيث مثل هذا الثلاثي النواة الصلبة التي صنعت البرامج الجديدة للتربية الإسلامية فهل يمكن أن نقول عن تحوير يصنعه احميدة النيفر والجورشي والقوماني تجفيفا للينابيع؟.
4) ذهب السيد نوفل سلامة إلى القول بأن تجفيف الينابيع كان سببا في ظهور جيل من الدواعش، لسائل أن يسأل متى ظهر الدواعش وانتشروا حتى أصبحت تونس أكبر مُصدّر لهم في العالم؟ هل حدث ذلك في عهد النظام السابق أو في حكم الترويكا بقيادة حزب حركة النهضة؟ الذي يعلمه الجميع أن النظام السابق كان جادا في مقاومة التطرف الديني واستطاع أن يكبح جِماحَه ويمنعه عن التأثير في أمن البلاد واستقرارها وذلك عن طريق قرار سياسي نفتقده اليوم.
5) أما قول ناجي جلول بأن تجفيف الينابيع أدى إلى التصحر الديني وإغلاق كل أبواب التعليم الديني المستنير ومهد لظهور التطرف والإرهاب فمردود عليه، في السعودية ظهر الدواعش رغم وجود مؤسّسة دينية قوية وفي مصر كذلك وحتى في المغرب، لم يوجد الدواعش لغياب فكر ديني مستنير بل لوجود فكر ديني أبرز أقطابه القرضاوي والمودودي والغزالي وقطب وغيرهم من عتاة المتطرفين والإرهابيين، ثم أسأل سي نوفل من يمثل الفكر الديني المستنير في تونس اليوم؟ هل تمثله الجامعة الزيتونية وهي جامعة لا فكر لها ولا حضور لا داخل الوطن ولا خارجه؟ جامعة أصبحت الوهابية وكتبها جزءا من المقرر على الطلبة، جامعة بعض أساتذتها متهم باللصوصية الفكرية وفق ما نشرت وسائل الإعلام، هل يمثل عبد المجيد النجار أو راشد الغنوشي الإسلام المستنير؟ في تقديري أن تقديم التصحر الديني كسبب لانتشار التطرف يعني أن مقاومة التطرف حسب هذا الرأي تستلزم المزيد من نشر الكتب الوهابية وتكوين الجمعيات القرآنية واحتلال المساجد والجوامع وعقد الندوات حول تسطيح الأرض واستدعاء العريفي ووجدي غنيم لتعليم الناس ورفع غشاوة الجهل بدينهم عنهم!!!!!!!!!!.
ورغم كل شيء فإن خطة تجفيف الينابيع كذبة نهضوية ابتكرت في إطار تشويه النظام السابق ومقاومته بتقديمه نظاما يجفف منابع التدين لدى شعبه المسلم، أما ما ذهب إليه السيد نوفل فتعميم يقصد به إثبات وجود ما لا وجود له أصلا ذلك أن التنظيمات المعارضة من غير الإسلاميين لم نجد في أدبياتها ذكرا لهذه الخطة.
لا يمكن وصف هذا المقال إلا بأنه ترجمة للسياسة الحالية التي ينتهجها حزب حركة النهضة القائمة على التوافق ولكنها تتم بأثر رجعي حيث يجمع سلامة معارضات النظام السابق تحت جبة وهمية هي جبة تجفيف الينابيع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: