أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4418
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تناقلت وسائل الإعلام خبر انضمام البعض إلى ما يُسمّى خطأ حزب النداء وذهبت نتف من التعليقات إلى أن هذه الأسماء تمثل إضافة وإنقاذا للحزب من الوضع الذي أصبح عليه، ولي على ما قيل جملة من الملحوظات تتناول الحزب وأحد الوافدين هو برهان بسيس باعتباره أنموذجا لم يتغير أسلوبه وخطابه قبل وبعد يوم البرويطة وإن اختلف المستفيدون وبيان ذلك:
النداء
ذكرت في بداية المقال أن وصف النداء بأنه حزب خطأ وهو كذلك خطأ من مختلف النواحي لأن الأصحّ أن يوصف النداء بأنه هيكل لأن ملامحه التنظيمية والفكرية والسياسية لم تتحدّد بعد ويبدو أنه لن يصل إلى تلك المرحلة، المهمّ أن هذا الشيء الذي يُسمّى نداء تمكن من الحصول على ما يفوق المليون وسبعمائة ألف صوت مكنته من ترؤس الجمهورية وتأليف كتلة برلمانية اندسّ بواسطتهما إلى دواليب الدولة رغم أن كتلته تذرّرت وصارت أضحوكة بشقوقها المتنافرة ليصبح وجوده في الحكومة تفضلا من حزب حركة النهضة عليه، الذين صوّتوا للنداء وللباجي إنما صوّتوا في حقيقة الأمر لتعهّد منهما بالمحافظة على مكاسب الاستقلال ومحاكمة قتلة شهدائنا ومنع النهضة من أن يكون لها موقع قدم جديد في السلطة، هذا التصويت سمِّي (فوت أوتيل) لمرّة واحدة وهو تصويت مشروط لا يمكن أن يتجدّد إلا بعد الوفاء بالتعهدات ولكن ما حدث هو العكس تماما حيث تنازل صاحب المرتبة الأولى عن السلطة وسلمها للثاني إما مباشرة أو عن طريق أعوانه المتسترين برداء الاستقلالية، لهذا السبب بالذات انهار هذا الحزب تماما إذ انفض من حوله الحزام الذي مكّنه من الفوز وحتى الذين انتسبوا إليه في غمرة الحماس توزّعوا شذرا مذرا إما في الشقوق أو في أرض الله الواسعة، ولكن رغم كل ذلك بقي هذا الحزب في المشهد السياسي فقط بواسطة كتلة انتخبناها لأمر فصنعت عكسه تماما، اليوم وقد اقتربت الانتخابات البلدية اعتقد جماعة نداء اللاك أن استيراد بعض الأسماء يمكن أن يمثل طوق نجاة لهم وحماية للمكاسب التي غنموها، وغاب عنهم أن خيانة الناخب عقوبتها شديدة لأن الغدر قهر والقهر لا يُحتمل وإن صبر المرء فإلى أن يحين وقت الانتقام وإن بَعُدَ الزمن، وما بالعهد من قدم ففي انتخابات 2014 أُطرد التكتل من المشهد تماما لأنه قام بنفس الفعلة التي كرّرها جماعة اللاك وهو ما أتوقع حدوثه في أي انتخابات قادمة يترشحون لها.
برهان بسيس
التحقت بعض الأسماء بنداء اللاك غير أن واحدا منهم يمثل أنموذجا يعكس بجلاء أزمة النخبة السياسية بعد يوم البرويطة، وهو برهان بسيس الذي عرفه مواطنونا في وسائل الاتصال في العشر سنوات الأخيرة من عمر النظام السابق وهي السنوات التي ابتدأت فيها تباشير الانهيار والتآكل في البروز ومن أبرز مظاهر ذلك تغوّل العائلة وتدخلها في التعيينات في المناصب الحساسة واستبعاد كل ذي رأي أو موقف مخالف الأمر الذي أدى إلى شحوب الهيكل السياسي للنظام وفقدانه للمبادرة وطغيان الطاعة العمياء لكل من هبّ أو دبّ بشرط أن يكون قادرا على النفاذ إلى الدائرة المضيقة التي حول الرئيس بحيث أدى كل ذلك إلى ضعف متناه لحزب حاكم منذ نصف قرن عجز عن الدفاع عن نفسه وعن سلطته بعد تسفير الرئيس السابق لأنه لو كان حزبا حقيقيا وقيادته منتخبة ويتوفر فيها الحد الأدنى من الشعور بمسؤوليتها في المحافظة على ديمومة حكمها لما انهار النظام بذلك الشكل المهين، هذا الخلل نعيش اليوم نتائجه في فشل محاولات توحيد الطيف العريض ممن كان منتسبا إلى الحزب الدستوري والتجمع فيما بعد.
بعد تغيير السابع من نوفمبر وانتخابات 1989 ومواجهة حركة النهضة حفلت الجرائد والمجلات وحياتنا السياسية والثقافية بحيوية عزّ نظيرها واشتهرت في ذلك الوقت أسماء دافعت عن مكاسب الاستقلال والدولة الحديثة في هذه الفترة لم يكن لبرهان وجود ولا أثر ولكن في العشر سنوات الأخيرة التي انتشرت فيها الرداءة والبذاءة والاستخفاف بذكاء التونسيين عبر خطاب متخشب رديء مفسد للرؤية وفاسد لأنه مأجور من ناحية ولأنه من ناحية أخرى لا يدافع عن قضية قد تجمع الناس حوله، في تلك الفترة ظهر برهان وأصبح نجم الدفاع عن السلطة، ومن أبرز أدوات هذه السياسة الإعلامية البلهاء المتخلفة وكالة الاتصال الخارجي التي لم يكن خطابها ومنشوراتها مقنعين حتى للمحسوبين على النظام فضلا عن غيرهم بحيث أصبح الهدف في كل عمل إعلامي يصدر عن مؤسسة رسمية هو إرضاء رئيس الدولة وتشنيف آذانه حتى بالأكاذيب، في هذا الإطار نشرت الوكالة ما يفوق 80 كتابا من تأليف إيطاليين ولبنانيين وفلسطينيين ومصريين وغيرهم عن حكمة سيادة الرئيس وهي كلها من نوع الكتب الملونة والفاخرة، في هذا الجو ظهر برهان وصعد صعودا صاروخيا وأصبح لسان الدفاع عن النظام في التلافيز والمذاييع ونظرا لقصور في الرأي وشحّ في الخيال التجأت المجموعة الحاكمة أيامها إلى اختلاق العداوات الوهمية وصنع أسماء لمعارضين حتى تتمكن من إدامة بقائها في السلطة بإيهام الرئيس أنها تدافع عن نظامه والحال أن النظام أيامها لم يكن في حاجة إلى افتعال معارك مع خميس الشماري أو توفيق بن بريك وغيرهما لأن المعارضات جميعها لم تكن قادرة على تهديد النظام لعجز فيها أثبتته الأيام بعد سنة 2011 لما تقدمت للحكم فثبت هوانها ولأنها كذلك كانت في منتهى الضعف لا وجود لها إلا في بعض الصالونات فحتى حزب حركة النهضة الأقوى اليوم كان على شفا حفرة من الاندثار، في هذا الجو الموبوء ظهر برهان وتقدم ليقود جوقة الدفاع عن نظام رخو افتقد إلى حزب صلب وغابت عن برامجه الأهداف التي تمكن من جمع الأنصار، اليوم يعود برهان إلى تكرار تجربته مع الرداءة ويجند نفسه للدفاع عن وضع آيل للانهيار، فهل نشهد سقوطا كما عرفناه قبل ست سنوات من علاماته صوت برهان وهو يلعلع في الفضائيات ليلة السقوط؟.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: