البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أتوبة أم عفو

كاتب المقال أنس الشابي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4228


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بعد أن ظهرت تباشير التغيير على أرض الواقع بانهيار جحافل المرتزقة في سوريا وتمكن النظام من القضاء عليهم أثارت وسائل الإعلام وبعض الساسة لدينا بإلحاح مسألة عودة التونسيين الذين سفروا في عهد الترويكا إلى المحرقة السورية وتورّطوا في قتل وذبح الأبرياء، ولأننا نعيش فترة ضاعت فيها التخوم والحدود بين مصطلحاتها والتبست المعاني والمفاهيم واختلط الحابل بالناب واشتبهت النفقة بالحضانة طلع علينا الذين تصدروا العمل السياسي بعد أحداث 14 جانفي بمصطلح التوبة ويقصدون بذلك اعتذار الإرهابي عن ماضيه و"طاح الكاف على ظله" كما جاء في المثل.

التوبة مصطلح يحيل إلى المنظومة الدينية ويعني الرجوع عن المعصية والإقلاع عن ارتكاب الذنوب والتعهد بعدم إتيانها مستقبلا لذا كانت ملتصقة دائما وأبدا بحقوق الله لدى المؤمنين فإن توقفوا عن إتيان المحرمات كالامتناع عن صوم رمضان أو أداء الصلاة وغيرهما وكانت توبتهم نصوحا غفر الله لهم ما تقدم من ذنبهم، أما إذا كانت هذه المعاصي ملتبسة بحقوق مادية لله كأن تكون زكاة أو كفارة مثلا فإن التوبة لا تصح إلا بعد الوفاء بما لهم من دين تجاهه تعالى، ذاك هو معنى التوبة ومضمونها وهو معنى لا علاقة له بالحالة التي نحن بصددها وذلك من أوجه متعددة بيانها كالتالي:

1) التوبة أو طلب العفو تصرّف فردي شخصي يتناول جريمة معيّنة في وقت محدّد ارتكبت وفاعلها شعر فيما بعد بتأنيب الضمير فأراد أن يبرّئ ذمته ويكفر عن الجرم الذي أتاه بالاعتراف وطلب الصفح من المُعتدَى عليه، أما في حالتنا هذه فالمسألة تتعلق بالآلاف الذين ارتكبوا جرائم شتى في أوقات متتالية اعتُدي فيها على الناس دون موجب أو سبب شبيهة بجرائم الإبادة العرقية كتلك المجازر التي حصلت للأرمن من طرف الأتراك وهي لهذا السبب لا تكون مشمولة بما يسعى إليه البعض فيما سمَّوه التوبة.

2) الجهة التي من حقها أن تعفو وتسقط حقها هي الجهة التي اعتدي عليها وتضرّرت من جرائم الوافدين وهي الدولة السورية التي تعرّض شعبها وأرضها إلى مجازر وتهجير وتخريب من طرف شذاذ الآفاق من المرتزقة الذين جمعهم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ووفرت لهم بعض الأنظمة المدد المالي، لتصبح سوريا رهينة صراع إقليمي دار على أرضها بين قوى مختلفة تحملت هي نتيجته، ويقتضي الإنصاف أن تكون هي صاحبة الحق في محاسبة المتورطين الذين أسروا على أراضيها.

3) في إطار التمهيد لعودة هؤلاء المجرمين إلى الوطن ذهب البعض إلى القول بأن الدستور يمنع تغريب التونسي أو حجب الجنسية عنه، هذا التعليل فاسد في المبدأ وفي المنتهى فالجنسية وإن كانت حقا فإن الإبقاء عليها مشروط بالمحافظة عليها من كل ما يشين هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا تمنح الجنسية حصانة لحاملها سواء ارتكب جرائم داخل البلاد أو خارجها، أما الاستناد إلى فصول الدستور فلا حجية له في موضوعنا لأن الدستور لا يعدو أن يكون وثيقة كأي وثيقة أخرى قابلة للمراجعة تخضع للقواعد التي اتفقت عليها الإنسانية ومن بين أهمّها المحافظة على الحياة البشرية وردع كل من يحاول المساس بها بصرف النظر عن دينه أو لغته أو عرقه، إن الدعوة إلى فتح أبواب الوطن على مصاريعها لهؤلاء القتلة بحجة جنسيتهم التونسية فليس في حقيقته إلا مساعدة رسمية على تهريبهم ومنع محاكمتهم على الجرائم التي أتوها.

4) حتى يقتنع من لم يقتنع بضرورة هذا النوع من التوبة يُذكّر البعض بالتجربة الجزائرية في بدايات حكم بوتفليقة ونزول المسلحين من الجبال، والحال أن الحالة التونسية تختلف عن الحالة الجزائرية ولا وجه للمقارنة بينهما لِما يلي:

ـ الإرهاب الذي اكتوت بناره الجزائر بقي محصورا داخل الوطن ولم ينتقل الجزائريون إلى الخارج لممارسة إرهابهم ضد غيرهم فالملف داخلي بحت لذا عولج بما تقتضي مصلحة الوطن وسماحة العفو عن أبنائه خصوصا وأن أهالي الضحايا ساندوا مشروع المصالحة.

ـ أما في تونس فالوضع مختلف لأن الذين سُفِّروا إبان حكم الترويكا انتقلوا إلى سوريا عبر البوابة التركية بهدف القتل والتدمير والذبح فنكلوا بالشعب السوري ودمّروا مدنا بأكملها وأشاعوا الرعب والخوف، فالضحايا ليسوا تونسيين بل هم شعب شقيق عانى الويلات منهم، فهل من المعقول أن يعود هؤلاء إلى تونس قبل أن يحاسبهم الشعب السوري على ما أجرموا في حقه؟ وهل من الإنسانية أن نشارك أو نساعد في تهريب الإرهابيين الذين ولغوا في دماء الأبرياء؟.

5) إن الإصرار على إعادة هؤلاء الإرهابيين إلى تونس يستهدف بالأساس التغطية على من حثهم وساعدهم على السفر إلى المحرقة السورية لأن الأعداد الكثيفة منهم التي انتقلت إلى سوريا تمت في فترة حكم الترويكا وبمساعدة من جمعيات أسست لأغراض وأدت مهام أخرى.
والذي نخلص إليه أن العفو عن المخطئ من أبناء الوطن ممكن ومحبّذ وجائز وضروري ويجب أن يشمل الكل باستثناء أولائك الذين صنعوا من تونس الدولة الأولى عالميا في تصدير الإرهابيين وجعلوا من شبابنا قتلة وذباحين، وهاهم اليوم بعد انتصار النظام السوري يفتشون لهم عن مخرج من الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها بالترويج للتوبة وإظهار بعض القتلة في التلافيز بعد حلق اللحى واستعمال معجون الأسنان بدل السواك.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

سوريا، الحرب الأهلية بسوريا، النظام السوري، الجهاديون، تونس، المجاهدون التونسيون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-12-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  تهديدات معلنة ومبطنة لمجلة الأحوال الشخصيّة التونسيّة
  أدعو الدولة إلى تأجيل أداء فريضة الحج هذا العام رعاية لله في هذا الوطن
  عن منع كتاب وإغلاق جناح في معرض الكتاب أنس الشابي الرّقيب الأسبق للكتاب في وزارتي الثقافة والداخليّة
  القُرعة
  الخلافة مطمح مشترك بين النهضة وقيس سعيد وحزب التحرير...
  في أوجه التشابه بين الرئيسين زين العابدين بن علي وقيس سعيد
  المسكوت عنه في كتاب "دولة الغنيمة" للطيب اليوسفي
  خرق الدستور
  عن أزمة اليسار في تونس
  عن قيس سعيد والزيتونة
  الغنوشي وعائلته من قصور الحكم إلى أروقة المحاكم: الأسباب والمسبّبات
  شيء من تاريخ مصطفى بن جعفر
  الخاسر الأكبر من 25 جويلية هو صانعها
  في دور احميدة النيفر حليف نوفل سعيّد ماضيا وحاضرا ومستقبلا
  ماذا تبقى من قرارات 25 جويلية 2021؟
  أوّل خرق لدستور 2022
  رسالة إلى عناية السيّد رئيس الجمهورية
  حزب النهضة ومجلة الأحوال الشخصية
  قيس سعيد، محمد الشرفي، احميدة النيفر جدلية سياسية تاريخية لفهم الحاضر
  في عدميّة توظيف عبد الباري عطوان
  حصيلة مسيرة الغنوشي
  عن الفصل الخامس مجدّدا
  مصريّون في تونس وتونسيّون في مصر
  عن الدين في دستور قيس سعيد
  خطاب قيس سعيد الإسلامي في ميزان النقد
  تعدّدت الألسنة والخطاب واحد
  حول كتاب الأستاذ نجيب الشابي: "المسيرة والمسار ما جرى وما أرى" مواقف وآراء تحتاج إلى تصويب
  ماذا وراء تهكم واستهزاء الغنوشي بقيس سعيد؟
  الغنوشي يتهم قيس سعيد بالتشيع
  في وجوه الشبه بين قيس سعيد وراشد الغنوشي

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
إيمى الأشقر، سلوى المغربي، سعود السبعاني، مراد قميزة، د- محمود علي عريقات، رافد العزاوي، د- محمد رحال، حسن الطرابلسي، طارق خفاجي، يحيي البوليني، أنس الشابي، كريم فارق، حسن عثمان، فهمي شراب، حسني إبراهيم عبد العظيم، صفاء العراقي، د. خالد الطراولي ، سيد السباعي، علي عبد العال، أحمد النعيمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - صالح المازقي، محمود طرشوبي، علي الكاش، محمد العيادي، محمد الياسين، خالد الجاف ، سامح لطف الله، عبد الغني مزوز، تونسي، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد بشير، صالح النعامي ، د - شاكر الحوكي ، د. طارق عبد الحليم، جاسم الرصيف، عبد الرزاق قيراط ، وائل بنجدو، كريم السليتي، مصطفي زهران، محمد شمام ، عمر غازي، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد ملحم، الهادي المثلوثي، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، الناصر الرقيق، أشرف إبراهيم حجاج، رضا الدبّابي، سامر أبو رمان ، رشيد السيد أحمد، حميدة الطيلوش، سلام الشماع، صلاح الحريري، عبد الله الفقير، د- جابر قميحة، رافع القارصي، د - محمد بنيعيش، يزيد بن الحسين، مصطفى منيغ، طلال قسومي، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الله زيدان، رحاب اسعد بيوض التميمي، أ.د. مصطفى رجب، عبد العزيز كحيل، د - عادل رضا، د.محمد فتحي عبد العال، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، فتحي الزغل، فتحـي قاره بيبـان، حاتم الصولي، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سفيان عبد الكافي، رمضان حينوني، محرر "بوابتي"، الهيثم زعفان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود فاروق سيد شعبان، إسراء أبو رمان، المولدي الفرجاني، نادية سعد، أحمد بوادي، د. عبد الآله المالكي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، فتحي العابد، د- هاني ابوالفتوح، د. أحمد محمد سليمان، منجي باكير، صلاح المختار، ياسين أحمد، محمد علي العقربي، العادل السمعلي، د. صلاح عودة الله ، فوزي مسعود ، محمد يحي، محمد أحمد عزوز، محمد اسعد بيوض التميمي، إياد محمود حسين ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أبو سمية، محمد عمر غرس الله، عراق المطيري، عواطف منصور، المولدي اليوسفي، محمود سلطان، مجدى داود، ماهر عدنان قنديل، عمار غيلوفي، بيلسان قيصر، د - الضاوي خوالدية، أحمد الحباسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة