أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4492
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا أحد يصدق رئيس الحكومة المكلف عندما يتحدث عن مقاومة الفساد، لا أحد يصدقه لأنه و ببساطة شديدة قد فات وقت التصدي للفساد فضلا عن كون الدولة لا تملك حاليا وسائل قوية لهذه المواجهة، طبعا كلنا يعلم أن مواجهة الفساد لا تكون بالأماني و الدعاء بل بتحديد الوسائل اللازمة و بتوفر الإرادة القوية و وجود إجماع وطني حول ضرورة هذه الحرب المكلفة و هي جملة العناصر التي لا تتوفر لهذه الحكومة الفاشلة مسبقا نظرا لكونها ستتشكل للترضيات الحزبية و لا للقيام بواجباتها الوطنية المنتظرة منذ سنة 2011، يشار أيضا إلى أن ‘هروب’ القاضية ليلى عبيد من متابعة ملفات المصادرة و هذه الجعجعة التي يثيرها السيد شوقي الطبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد هي علامات سلبية تضاف إلى هروب السيد محمد عبو من وزارة مكافحة الفساد في حكومة السيد حمادي الجبالى و تطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة هذه الظاهرة و من يقف وراءها و من يحميها في عدة مواقع في الدولة.
لا يمكن لدولة على شفا حفرة من الإفلاس أن تحارب الفساد، و الذين زرعوا الفساد في تونس يمثلون منظومة كاملة من الفاسدين من رجال الأعمال و الإعــلام و الأمن و السياسيين و القضاء و الأحزاب التي كشفت الانتخابات الأخيرة علاقتهم بالمال الفاسد ، بطبيعة الحال، هناك سؤال ملح يتبادر دائما للذهن يتعلق بالأسباب التي تؤدى إلى زراعة الفساد على اعتبار أنه كما تتم زراعة المخدرات يزرع الفساد لينمو داخل المجتمعات و يتحول مع الوقت من ظاهرة إلى منظومة إلى دولة داخل الدولة تماما كما يحدث في ايطاليا حين تحولت الدولة نفسها إلى جزء مشارك في منظومة مافيا الفساد بدليل محاكمة الوزير الايطالي السابق للخارجية جيوليو اندرويتى بتهمة الانتماء و التستر على الفساد، لعلم من بين الأسباب التي تؤدى إلى ظاهرة الفساد هي البيروقراطية المتعمدة من الدولة بحيث يؤدى المطالبة بكثرة الوثائق إلى دفع المواطن أو الشركة أو المستثمر إلى دفع الرشاوى، دعوة اتحاد الشغل للإضرابات العشوائية المتواصلة في بعض القطاعات الحساسة تنهك موارد الدولة و تزيد من العجز الاقتصادي و تصاعد أرقام البطالة مما يخلق جيلا ناقما يسهل جذبه من المهربين، إصرار منظومة الأعراف على دفع أجور متدنية للعمال تؤدى إلى قلة الإنتاج و استغلال المهربين لهذه الظاهرة لتوريد السلع المهربة البديلة .
لعل الفشل العام للرياضة التونسية في الألعاب الاولمبية الدائرة بالبرازيل يؤكد شلل الفكر الذي يدير الرياضة التونسية و يؤكد فشل المنظومة بكاملها بحيث تكون الاستثمارات الخيالية المخصصة قد ذهبت في غير موضعها على حساب جيل العاطلين فيما يشكل حالة من التبذير المجرم قضائيا و أخلاقيا على حساب موارد الدولة و تطلعاتها الاجتماعية و الاقتصادية، في حين يعتبر فشل الحكومة في التعاطي مع ملف الإضرابات المتواصلة في قطاع المناجم خطيئة سياسية و اقتصادية من شانها المس بالسلم الاجتماعية و التفريط المتعمد في موارد الدولة بما سيؤدى إلى تعكير السلم الاجتماعية الهشة و حصول اضطرابات اجتماعية متنقلة تدمر المرافق العمومية و الخاصة و تعطى فرصة للمهربين لمزيد التغلغل في جسد الاقتصاد المنهك، لكن من المفارقات العجيبة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال لم يتعرض إلى جملة هذه النقاط المختزلة التي تؤكد مسؤوليته المباشرة في زراعة و توطين الفساد في البلاد مكتفيا ببعض العبارات الخارجة عن الموضوع محاولا التهرب من المسؤولية كالعادة ملقيا تبعاتها على بعض الأفراد في موقف مشين أثار انتقاد المراقبين .
لعل تكالب الأحزاب السياسية على المناصب هو أحد الظواهر التي تؤدى إلى نمو الفساد و ترسيخه مفاهيمه لدى العموم، فالملاحظ لحد الآن أنه لا أحد يملك من هذه الأحزاب أية خارطة طريق منطقية قابلة للتنفيذ للخروج بتونس من عنق الزجاجة، و حتى هؤلاء الذين يملئون الدنيا ضجيجا من الجبهة إلى ‘الديمقراطيين’ إلى السيد محمد المرزوقي و جليسه عدنان منصر لا يملكون أي حل بل هي مجرد خطب سردية مملة تعود عليها هؤلاء طيلة سنوات ‘ العمل’ السياسي و باتت جزءا من لغتهم الحوارية لا يكلون من إعادتها ألف مرة في اليوم متجاهلين عدميتها و فراغها و سقوط الاتحاد السوفييتي منذ أكثر من عشرين سنة، لكن من المهم التأكيد أن أحداث بنقردان الأليمة قد كشفت أن هذا الشعب من معدن خاص بحيث يفوق عشقه لهذا الوطن كل المؤامرات و الخيانات و سيبقى صامدا دائما في وجه المقامرين بقوت المواطن و الباحثين على الثروات الحرام و المتنازلين على واجب حمايته من حكومات الفشل التي تلت الثورة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: