أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4043
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا تصدقوهم على الأقل لا تصدقوا كل هؤلاء الذين يخرجون في وسائل الإعلام منادين بنظافة اليد و بالشفافية و بالمطالبة بمحاربة الفساد ، على مسؤوليتي الشخصية لا تصدقوهم و صموا آذانكم عنهم لأنهم منافقون ، لن أطيل عليكم و سأذهب مباشرة إلى لب الموضوع بالسؤال التالي : هل هناك فساد في تونس ؟ ..سؤال غبي طبعا هكذا تتهامسون، نسأل إذن لماذا لا تقاوم الدولة صاحبة الأمر و النهى الفساد ؟ سؤال غبي طبعا هكذا تتهامسون في داخلكم ، نكرر بإلحاح ، من سيقاوم الفساد ؟ سؤال غبي و ستين غبي ، هل هناك من يريد إنهاء الفساد ؟ ...الجواب بالبنط العريض : لا أحد من هؤلاء الذين يتشدقون بمحاربة الفساد ، لا وزير لا أدرى اسم وزارته المكلفة ‘بمحاربة الفساد’ و لا هذا رئيس هيئة مكافحة الفساد و لا هؤلاء الإعلاميون و لا هؤلاء النواب و لا رئيس الدولة و لا رئيس الحكومة و لا أجهزة الرقابة المالية و لا الجمارك ، صدقوني لا أحد من هؤلاء يريد محاربة الفساد .
الجميع في هذا السياق ‘يدز ‘ في البيدق كما يقال بلهجتنا العامية ، طبعا ، هناك فساد عام يكتسح كل المرافق و كل الأحزاب و كل ‘دكاكين’ حقوق الإنسان المشبوهة و هناك مال فاسد يمول ‘ نشاط’ الكتاتيب و روضات الأطفال و كتاب تصفية الحسابات و تبييض الإرهاب و الدعوة للتطبيع ، تونس تحتل مكانة مهمة في ترتيب الدول الفاسدة ، و هي تأتى طبعا و كما كان منتظرا في مقدمة الدول التي كشفت وثائق سويسليكس الشهيرة حول التهرب الضريبي و الودائع المالية المشبوهة ببنك ه.س.ب .س (H.S.B.C ) أن هناك رجال أعمال عليهم شبهات فساد ، أيضا هذا مؤكد بوثائق باناما مؤخرا و نشر في عديد الصحف و النشريات التونسية ، الفساد ‘مظهر’ عام في تونس و ينخر كل مؤسسات الدولة ، المشهرون بالفساد هم جزء من المشكلة و جزء من الذين نهبوا المال العام ، فمحمد عبو المعترض مثلا كان جزءا من منظومة الفساد التي حكمت البلاد طيلة ثلاثة سنوات و نهبت المال العام تحت عناوين منافقة كثيرة و السيد محمد عبو طرح نفسه طويلا عن حسن نية أو عن سوء نية ك’ممثل’ لهؤلاء الذين سيدافعون عن هذا المواطن المسحوق عندما يصلون للسلطة ، سمعنا منه و من زوجته المصون كلاما رائقا كثيرا و عند الحساب راوغ الرجل الجميع و هرب من ميدان المعركة جبانا خائفا مرتعدا حتى لا تطاله يد الاغتيال لان التعرض للفاسدين ليس بالأمر الهين و إطلاق الشعارات سهل لكن تطبيقها على أرض الواقع هو المستحيل أحيانا.
في غرة ماى 1993 وجد الوزير الأول الفرنسي بيار بيريقفوا منتحرا في إحدى الغابات الفرنسية ، بصرف النظر عن كون الرجل قد انتحر أو تم اغتياله فمن الثابت أن الأسباب تعود إلى ما جاء بخطابه العاصفة عند بداية تكليفه و الذي وعد فيه نواب الشعب بالقضاء على الفساد و محاسبة الفاسدين ، و في قراءة لكل ما كتب و نشر عن وفاة هذا الرجل و ما تعرض إليه من مؤامرات و دسائس لإسكاته من طرف رئيس الجمهورية فرنسوا ميتران نفسه يتبين أنه قد ‘ تمكن’ من الوثائق اللازمة التي تدين الفاسدين بالاسم و الجرم المشهود لكنهم ‘ تمكنوا’ منه في النهاية بتلويث سمعته ثم بدفعه للانتحار أو اغتياله كما تذهب إليه عديد الروايات ، و عندما يسمع المرء برئيس الحكومة المكلف السيد الشاهد يضع في سلم أولوياته مكافحة الفساد فلا بد أنه سيصاب بنوبة هستيرية من الضحك ليقول في نهاية الأمر ‘ كان غيرك أشطر ‘ .على الطريقة البطيئة سنعود إلى حكومة السيد حمادي الجبالى و إلى كل الحكومات التي تلتها لنكتشف في نهاية الأمر أن رؤساء الحكومات المتعاقبة بعد هذه الثورة المشبوهة قد جاؤوا للحكم متعهدين بمكافحة الفساد ، السيد مرشد حركة النهضة راشد الغنوشى كان يتحدث من منفاه البريطاني الدافئ عن الفساد و الفاسدين في حكومة بن على ، السيد نجيب الشابى كانت جريدته تتحدث عن الفساد ، السيد محمد المرزوقي كان يتحدث عن الفساد ، كل هؤلاء ‘ المعارضين’ بمن فيهم محمد عبو و زوجته كانوا يصنعون من محاربة الفساد و التشهير بالفساد في تونس حصان طروادة يخفون وراءهم كميات هائلة من النفاق و الانتهازية السياسية القذرة ، بالنهاية كلهم وصلوا للحكم و أخذوا ‘فرصتهم’ فلماذا تخلوا عن شعاراتهم المنافقة و لماذا لم يحاسبوا الفاسدين و لماذا رفضوا علنا ‘استرجاع’ رأس الفساد من السعودية ، من بقى ليحاسب الفاسدين إذن ، جوهر بن مبارك ، فيصل التبينى ، الهاشمي الحامدى ، جماعة حمة الهمامى ، شوقي الطبيب ، سهام بن سدرين ، لجنة مجلس النواب لتقصى الحقائق ؟ .
في شهر فيفرى 2015 فتح القطب القضائي و المالي تحقيقا حول الأموال المهربة التي كشفتها فضيحة البنك السويسري المذكور ، في 16 ماى 2016 خصص مجلس الوزراء جلسته للنظر ...في مشروع قانون إحداث لجنة لاسترجاع الأموال الموجودة بالخارج و المكتسبة بطريقة غير مشروعة و ذلك في سياق ‘ الأنشطة الحكومية الرامية لمكافحة الفساد و الحفاظ على الأموال العمومية و استكمال مسار الانتقال الديمقراطي و تحصين الاقتصاد الوطني إزاء مظاهر التهريب و الاستغلال الغير مشروع للسلطة ‘ ، في 30 جوان 2016 أحدث مجلس النواب لجنة للتحقيق حول وثائق بنما سارعت النيابة العمومية في الطعن في قانونيتها باعتبارها الجهة القضائية الوحيدة المخولة بتتبع مثل هذه القضايا ، هذه مجرد قشور لا تغنى و لا تسمن جوع لان الجميع يعلمون اليوم أنه لا أحد قادر على مواجهة الفساد و من يمد يده في عش الدبابير سيلاقى مصير بيار بيروقفوا .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: