أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4063
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ أيام توفيت الشابة ريم الكافي نتيجة خطأ طبي فادح و إهمال مقصود في إحدى مصحات العاصمة، شقيقتها هدى ناشدت من بقى من الضمائر الحية في هذه البلاد القاحلة المشاعر التعبير بكل الوسائل المتاحة عن التعاطف مع هذا المصاب الجلل ثم التشهير بهؤلاء الأطباء القتلة و من سمتهم للأسف الشديد بالمتحصنين وراء الميدعات البيضاء و النظارات الفاخرة، في هذا الصدد لن نستبق الأحداث و الأبحاث من باب النزاهة و الموضوعية و نؤكد أن المضنون فيه بريء حتى تثبت إدانته، لكن بالرجوع إلى ما تنشره وسائل الإعلام و ما يتناهى إلى الأسماع و ما تشهده قاعات المحاكم على كامل تراب الجمهورية فالظاهر أن هناك مشكلة و مشكلة ضمير بالأساس لدى بعض الأطباء و المصحات و هناك حالة مثيرة للانتباه تؤكد أن أصحاب القلوب الرحيمة قد فقدوا بعض هذه الصفات الحميدة المطلوبة و باتوا مجرد أشخاص يبحثون عن المال و الكسب الحرام .
لن تكون ريم الكافي الضحية الأولى و لا الأخيرة، و هذا الخطأ الطبي الذي أدى إلى وفاتها لن يكون الأول و لا الأخير و ما دام الإنسان معرضا للمرض و مضطرا للمعالجة الطبية فان الأخطاء ستبقى مستمرة، و لان إقامة الدليل على إهمال الطبيب أو تقصيره يعد أمرا عسيرا في ظل قضاء منهار و بطيء و منحاز خاصة و أن إثبات ارتكاب الطبيب المعالج للخطأ الطبي يقع على عاتق النيابة العامة التي تتكفل بإثبات عناصر الجريمة بما فيها الركن المعنوي الذي يتمثل في قيام الطبيب بالعمل أو الامتناع عنه مما يؤدى للوفاة أو الإصابة الخطأ نتيجة عدم بذله الحيطة و الحذر المطلوبين و على عاتق لفيف من الأطباء يتولون إبداء الرأي الطبي حول الحالة الطبية المعروضة عليهم بحيث يتقرر ما إذا يتحمل الطبيب المسؤولية التقصيرية الطبية من عدمه و هو أمر يحتاج من هذه اللجنة كثيرا من النزاهة و الشهامة فستبقى الأخطاء الطبية القاتلة متواصلة .
لا شك أن الأخطاء الطبية قد أصبحت تشكل ظاهرة جديرة بالمتابعة و الدراسة و لا شك أن بعض الأطباء بما فيهم الكبار المتخصصين قد أصيبوا بنهم المال على حساب القسم الطبي و لا شك أن السلطة المشرفة على المهنة و السلطة القضائية المشرفة على رد المظالم و السلطة الحاكمة المسئولة عن واجب تلقى المريض للرعاية الصحية المضمونة دستوريا يعدون مسئولين بالتضامن عن كل ما يحدث من أخطاء طبية قاتلة و من انتشار هذا ‘ الفيروس’ المدمر و الذي يعتبر مأساة غيرت حياة الكثيرين و قلبتها رأسا على عقب و بقى ‘القتلة’ يمارسون عمليات القتل بكل راحة بال و يتمتعون بأموال تلك العمليات و التدخلات الطبية في حلهم و ترحالهم في الدول الغربية للاستمتاع و السياحة، ولان المشرع التونسي لم يعرف الخطأ الطبي بصورة شفافة و دقيقة و ترك ذلك للقواعد العامة للقانون و هي قواعد يعرف الجميع أنها ‘ تتسع ‘ لكل الآراء و التأويلات و الرياضة الجدلية للمحامين و أصحاب الرأي القانوني فإن الأخطاء الطبية ستستمر على حساب الضحايا.
ارتفاع وتيرة الحديث عن الأخطاء الطبية و تزايدها بمعدلات مرعبة في السنوات الأخيرة ليس نتيجة وعى المتضررين أو تعاطى الإعلام مع الظاهرة بعد أن كان من التابوهات المسكوت عنها بل أن الأمر يرجع أساسا و بالذات إلى تردى كامل المنظومة الصحية سواء على مستوى التكوين و الانتداب أو على مستوى البنية التحتية الطبية أو على مستوى شرف و أخلاق المهنة التي رماها بعض الأطباء و الإطارات الشبه الطبية في المزبلة ليمارسوا هواية صيد و جمع الأموال و تكديسها على حساب صحة المريض، في هذا الإطار بالذات تتحمل الدولة كامل المسؤولية في تردى الوضع خاصة بعد أن ثبت عجز ها عن مواجهة الظاهرة بالحزم و الشدة المطلوبة و فشلها في مسألة الرقابة الإدارية و في ممارسة حقها في الإعفاء الوجوبى لكل هؤلاء الذين يستهترون بحياة البشر من أجل حفنة بائسة من الأموال الملوثة بالدماء و الدموع، و إذا كان الدستور قد شدد على حق المواطن في الحياة و على ضرورة عدم المس بسلامته الجسدية و المعنوية تحت أي ظرف فانه أصبح لزاما على الدولة ممارسة حقها في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة و عدم الخشية من بأس نقابة الأطباء أو من يتم تمويلهم للتعتيم على الجرائم الطبية فضلا عن ممارسة واجبها في فرض ضرورة احترام مصحات القطاع الخاص للشروط و المعايير الدولية في الترخيص إضافة إلى فرض رقابة صارمة على هذا القطاع الذي تحول إلى مافيا تتاجر في بيع الأعضاء البشرية بعد أن تخلصت من ضميرها و فقدت كل مشاعرها الإنسانية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: