أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4157
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حسمت المعركة في هيئة الوقاية من التعذيب، أسفرت هذه المعركة عن سقوط مرشحة الجبهة الشعبية و مرشحة تيار اليسار السيدة راضية النصراوى، هذا السقوط كان متوقعا و تم التحضير إليه بعناية شديدة داخل كواليس الحكومة و كواليس مجلس النواب و كواليس حركة النهضة و متفرعات حركة النداء، و سقوط بحجم سقوط هذه المرشحة يؤكد أن تحالف الحكم قد قام بعملية فرز دقيقة و أن عملية إسقاطها بهذه الطريقة الفجة و العنيفة تمثل بداية الحرب الدامية بين الأحزاب الحاكمة و من يقول الرئيس الباجى قائد السبسى انه ‘قائد’ المعارضة السيد حمة الهمامى زوج...السيد راضية النصراوى، طبعا، هناك بوادر حرب خفية بين رئيس الدولة و أمين عام الجبهة الشعبية، و هناك اتهامات للجبهة بإثارة القلاقل و المظاهرات ضد الحكومة في بعض الجهات الساخنة داخل البلاد، إضافة إلى دعوته الصريحة لإسقاط الحكومة و قبلها إلى إسقاط مشروع الرئيس نفسه المعروف بمشروع المصالحة الوطنية مع رجال الأعمال.
يمثل إبعاد مرشحة اليسار السيدة راضية النصراوى قرصة أذن قاسية للجبهة الشعبية ستليها قرصات موجعة أخرى، و في حين تحدث البعض عن وجود اتصالات بين الجبهة و حركة نداء تونس و بعض الأحزاب المتحالفة معه داخل الحكومة لدعم ترشح هذه السيدة لم يفاجأ المتابعون بسقوطها من غربال الانتخابات نهائيا و بهذه الصورة المؤذية لمشاعر كل اليساريين، فالجبهة عادت على لسان نوابها في مجلس نواب الشعب إلى التصويب على حركة النهضة و على بعض الوزراء المهمين في حكومة السيد الحبيب الصيد، إضافة إلى محاولة إسقاط الحكومة في الشارع تماما كما حصل منذ فترة ليست بقصيرة بمناسبة الاعتراض على مشروع المصالحة الوطنية و هي مظاهرات كشفت الحجم المتدني للجبهة في الشارع و عدم قدرتها على تعبئة الناس في مثل هذه القضايا الساخنة، و لعل الجميع يتذكرون اليوم كيف ‘سقطت’ النائبة مباركة عواينية حرم الشهيد محمد البراهمى في انتخابات النائب الثاني لرئيس مجلس نواب الشعب و تم اختيار الأستاذ عبد الفتاح مورو لهذا المنصب المهم تماما كما حصل مع السيدة راضية النصراوى حين تم اسقاطها و التصويت على الأستاذ آمان الله مورو نجل نائب رئيس مجلس النواب في حركة شديدة المغزى و التعبير.
من المهم اليوم الإشارة إلى أن حركة الجبهة الشعبية تدفع ثمن أخطاء قياداتها المختلفة التي لم تستطع التأقلم مع متطلبات الثورة و متطلبات المرحلة و ضرورة البحث عن التوافق و صيانة السلم الاجتماعية حتى يمكن تركيز مؤسسات الدولة الديمقراطية المنشودة خاصة بعد ضياع ما لا يقل عن 4 سنوات في الهمز و اللمز الجدلي بما أعطى للبعض فرصة تمرير كميات مرعبة من الأسلحة و تدريب الإرهابيين لتسفيرهم إلى سوريا و استغلال بيوت العبادة لتمرير خطاب التكفير و اجتذاب العقول المهمشة و الراغبة في فرض بعض القناعات ‘الدينية’ الفاسدة، و فى عصر تتم فيه التحولات بسرعة شديدة و تنفصم فيه التحالفات بنفس السرعة فقد كان لا بد للجبهة الشعبية أن تطور أداءها السياسي و تتفاعل مع متطلبات المرحلة الثورية التي تعيش على وقعها البلاد في كل الميادين لا أن تبقى أسيرة خطاب اللاءات الثلاثة، لا اعتراف بالحكومة، لا اعتراف بالمصالحة، لا اعتراف بالخطأ، و بهذا المعنى فقد تبين للمتابعين اليوم أنه لا مكان للأصوات النشاز داخل المشهد السياسي.
لعل هناك من يظن أن النزال قد حسم لمصلحة حركة النهضة على حساب الجبهة الشعبية من منظور تاريخي بحت لان الفريقان المتصارعان يريان كل واحد منهما الأحق بتولي رئاسة هذه الهيئة اعتبارا ‘للتضحيات’ التي يدعيان تقديمها فيما سمي بسنوات الجمر، في الحقيقة هذا الطرح لا يخلو من مغالطات كبيرة خاصة أن ما حدث داخل المجلس و خارجه لا علاقة لها ‘بالتاريخ’ بل بضرورات و متطلبات المستقبل على اعتبار أن هناك اتفاقا غير مكتوب بين الرئيس الحالي و السيد راشد الغنوشى يتم بمقتضاه تقاسم السلطة بشكل متوازن و مدروس و أن هذا الاتفاق هو محل رضا الدول الغربية و بعض الدول الخليجية المعروفة، فالهيئة المنتخبة لا أهمية ‘ تنفيذية ‘ لها في الواقع على اعتبار أن مشكلة التعذيب ليست مسألة قابلة للحل في المستقبل المنظور في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب و بالتالي فان إسقاط المرشحة إيمان الطريقى كمرشحة للنهضة و راضية النصراوى كمرشحة لليسار يأتي في نطاق هذا التصور الذي يريد أن تكون هذه الهيئة مجرد ديكور ساذج يؤدى دورا هامشيا لا أكثر و لا أقل بدليل الميزانية المضحكة المخصصة لهذا الهيكل.
لقد كان التصريح الأخير للرئيس الباجى قائد السبسى واضحا و غير ملتبس لما عبر على أن الجبهة الشعبية ليس من حقها ممارسة الإرهاب الذهني على الحكومة أو على رئاسة الجمهورية و أنه عليها الالتفاف مليا إلى حجمها الحقيقى داخل المشهد السياسي، فما يأتي يوميا على لسان النائب المنجى الرحوى و النائب عمار عمروسية على سبيل المثال يمثل وجها من أوجه البحث عن الإثارة المجانية التي يمكن أن تتحول إلى منزلق شعبي خطير يؤثر على السلم الاجتماعية، فعملية التخوين و التشكيك و تسخيف انجازات المؤسسة الأمنية و العسكرية هي عملية مشبوهة تؤكد أن للجبهة أغراضا لئيمة غير معلنة و بالتالي فقد جاء الوقت اليوم للرئيس ليعيد الأمور إلى نصابها و يعبر على أن للشعب و الدولة صبرا و آن لهذا الصبر حدودا في كل الأحوال، و لا مجال بعد اليوم لمحاولة فرض إرادة الأقلية على الأغلبية تحت جميع العناوين، و إسقاط راضية النصراوى بهذا الشكل العنيف بإمكانه آن يشكل بداية رجوع الجبهة إلى الجادة، و لعل ما حاء على لسان السيد زياد الأخضر مساء أمس غلى القناة الوطنية سيشكل بداية عودة الوعي الوطني للجبهة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: