أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7209
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يروج هذه الأيام لدى فئات عديدة من متعاطي الشأن السياسي أن المحافظة على الاستقرار في البلاد بعد الانتخابات تقتضي إنشاء حكومة وحدة وطنية تتكوّن أساسا من الحزبين الأوّل والثاني وآخرين.
من أبجديات التحالف أو الالتقاء بين أحزاب ومنظمات حول برنامج اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أن التفاوض والأخذ والردّ وارد في كل آن وحين، أي أن هنالك حقائق ومسائل موضوعية يمكن الاتفاق بشأنها بحيث يتنازل هذا الطرف من ناحية ويتنازل الطرف الثاني من ناحية أخرى وهكذا دواليك إلى أن نصل إلى برنامج يُوَحِّد المختلفين حول حدٍّ أدنى يمثل برنامجا للحكم في حكومة قد تسمّى حكومة وحدة وطنية أو أي تسمية أخرى، ولكن هل أن حزب حركة النهضة قادر على ذلك؟ وهل أنه بما هو عليه قابل ومستعدّ للتفاوض والتنازل إن اقتضى الأمر؟ وما هي المسائل والمواضيع التي لا يقبل حولها حديثا؟.
من موقع معرفتي بحزب حركة النهضة ومتابعتي له منذ عقود أستطيع الجزم بأن مصطلح التفاوض الذي يقتضي الإيمان بالمساواة وحق الآخر في الاختلاف لا وجود له في قاموسه لأنه يصدر عن قناعة حجريّة صمّاء بامتلاكه العقيدة الصافية والحكم الذي لا استئناف فيه وهو ما يظهر في تكفيره الآخرين قديما وحديثا، يدلّ على ذلك:
1) إيمانه الكامل بالخلط بين العبادات والمعاملات والحال أن كبار الفقهاء وعلماء الدين فصلوا المجالين عن بعضهما البعض، فإن كان المُعوَّل عليه في العبادات الاتباع فإن المعاملات خاضعة للمتغيرات الزمنية والمكانية التي تحدّدها المصلحة وفق ما ذهب إلى ذلك كبار أئمتنا كالطوفي والبوطي وابن عاشور وغيرهم، إن استندت العبادات إلى المنع بحيث لا فعل فيها إلا بأمر فإن الحكم الشرعي للمعاملات هو الإباحة ولا منع فيها إلا بنص، جاء في الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي التي تمثل لدى دواعش مونبليزير اللائحة العقائدية: "فنحن لا نفرق بين التوجه لله بالشعائر والتلقي منه في الشرائع" الأمر الذي يعني أن من لا يطبق حدّ السرقة كافر شأنه في ذلك شأن من يُنكر النبوة وأن من يخرج عن إمام الجماعة الذي هو لديهم الغنوشي عُدَّ محاربا وجب تطبيق آية الحرابة عليه وهي الآية التي استشهد بها شورو في مجلس 23 أكتوبر.
2) امتناعه عن ترشيح أو مساندة أي شخص لرئاسة الدولة، هذا الموقف وإن غُلِّف بأسباب يبدو للوهلة الأولى أنها سياسية إلا أنه في تقديرنا يحمل في طياته الإيمان بأن تعيين الخليفة السادس لم تتوفر شروط تنصيبه بعد فإن لم تكن نتائج المنافسة محسومة فلا داعي للعجلة في خوضها، في حالة الاستضعاف تصبح ممارسة التقية واجبا بادعاء الحياد علنا والدعوة سرًّا إلى مساندة الأكثر انصياعا للحزب للتمكين مستقبلا.
3) لا يؤمن حزب الحركة بالاختلاف إلاّ في الساحة الإسلامية أمّا الاختلاف مع الغير في ساحات أخرى كحقوق الإنسان وحرية التفكير والتعبير واحترام الذات الإنسانية... فكفر وتهديد لوحدة البشرية وسلامها ومُؤْذِن بتمزّقها كما كتب رئيس الحزب فيما هو منشور أدناه.
4) من المعلوم أن الإيمان ذاتي لا يقبل القسمة فإما أن يكون المرء مؤمنا أو كافرا وليس هنالك خيار ثالث كذلك يتعامل حزب حركة النهضة مع السلطة فلا مجال للمشاركة أو للتنازل فيها لأي جهة كانت وتذكروا أن حزب الحركة لدينا هجم هجمة جاهلية على مفاصل الدولة جميعها ولم يُمَكِّن تابعَيه إلا من الفتات مستحوذا على كل المواقع المؤثرة في حكومة بلغ عدد وزرائها النهضويين حوالي 70 وزيرا.
5) هذا الحزب مرتبط ارتباطا كاملا بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين إذ أدّى البيعة مرّتين مرّة في العربية السعودية أمام المرشد العام حسن الهضيبي ومرة في القاهرة أمام المرشد الجديد عمر التلمساني، ورغم إلحاح كل القوى الوطنية لدينا على الحزب بإعلان حقيقة الأمر إلا أن رئيسه امتنع عن الجواب متحصّنا تارة بالصمت وتارة بالإنكار جملة وتفصيلا، إن حزبا كما ذكر لا يمكن أن يحمل ولاء للوطن وتذكروا أن الغنوشي منذ أن حلّ بتونس سافر وقضى من الأوقات خارجها أكثر ممّا قضى داخلها وذلك تحت ستار المحاضرات والمشاورات وهو تصرّف يثير التساؤل خصوصا لمّا نعلم أن الجهات التي استضافته بعضها جهات مريبة ومعادية للأمة.
6) منذ أن تأسّس هذا الحزب لم نقف له على قول أو بيان أو حادثة واحدة كان صادقا فيها فحتى إمضاءاته في احتفالات يشهدها الخاص والعام يتفصّى منها دون حياء أو خجل من ذلك التعهد ببقاء سنة فيما سمّي مجلس تأسيسي بجانب ما هو رائج ومُوَثَّق لدى الناس جميعا.
7) قبل أن يصل هذا الحزب إلى السلطة وجّه جموع منتسبيه إلى احتلال الجوامع واستغلالها للدعاية الحزبية ولأشياء أخرى تبيّن فيما بعد أنها كانت لفائدة الإرهاب كتخزين الأسلحة والتآمر وتسفير شبابنا إلى المحرقة السورية، فهل يعتقد الداعون إلى حكومة وحدة أن يقبل حزب الحركة بالتنازل عمّا يفوق 5000 شعبة ومحل جاهز يحصل الموظفون فيه على مرتباتهم من خزينة الدولة ولكنهم يقدمون خدماتهم له دون غيره؟ وللتذكير فإن الشيخ خميس الماجري أنزله حزب حركة النهضة من على المنبر وسط عراك بين أنصار الطرفين في المسجد والحادثة موثقة في اليوتوب يمكن الرجوع إليها، إن صنعوا مثل هذا مع أحد المؤسّسين من ذوي السابقة لديهم فكيف الحال يا ترى مع غيره ممن يدعون إلى تحييد المساجد؟.
8) حرّر حزب الحركة مبادرة منتسبيه في التسعينات مثلما هو حاله اليوم فارتكبوا الجريمة المجزرة في باب سويقة التي اقشعرت لها الأبدان وندّدت بها كل الفصائل السياسية، أيامها بعث الحبيب اللوز برسائل حاملة لإمضائه إلى رؤساء الأحزاب هدّدهم فيها بالويل والثبور إن لم ينصاعوا لجرائم حركته وتجدون أسفله نص رسالة تعمّدت إخفاء اسم الموجهة له، حركة في المعارضة يحاصرها النظام لا تجد غضاضة في تهديد باقي الأحزاب لمجرد إصدارهم بيانات استنكار لجرائمها، فما الذي ننتظر منها لو عادت إلى الحكم تحت ستار الوفاق وحكومة وحدة وطنية؟ فالحذر كل الحذر.
إن الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية هي في تقديرنا خيانة للاختيار الشعبي الرافض لحزب حركة النهضة ولا تغرّكم كمية الأصوات التي تحصّل عليها في الانتخابات التشريعية فهي جميعها عائدة إلى المستفيدين من التعويضات وممّن قبضوا أموالا أو منافع منه خصوصا بعد أن زرع أتباعه في الإدارة وقد علّمنا التاريخ أن عددا من الناس يتبع الحاكم أيا كان توجّهه عملا بالقاعدة الهريرية التي تقول: "إن الصلاة وراء علي أفضل والطعام على مائدة معاوية أدسم والجلوس على الربوة أسلم"، ثم إن الأهم من كل هذا أن الشكوك تحوم حول اتهام هذا الحزب إما بالتواطئ أو بالتشجيع على نشر الإرهاب في الوطن بما أدى إلى اغتيال مناضلين سياسيين وإلى ذبح جنودنا وأمنيينا ذبح الخرفان فظنّ ظنّا ولا تسأل عن الخبر، بعد كل هذا هل تستقيم الدعوة إلى إقامة حكومة وحدة وطنية يشارك فيها من أضرّ بالدولة أيّما إضرار ومن هدّد الوحدة الوطنية بالانفراط وارتضى لنفسه التبعية لأعداء الأمة؟.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: