أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8164 anaschebbi31@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يعتبر الاستعمار الإنكليزي من أسوأ أنواع الاستعمار التي عرفتها البشرية فلا يغادر بلدا إلا بعد أن يترك فيه مشكلة قابلة للانفجار في أي وقت، وفي سبيل ذلك خلق وموّل ودعم الأحزاب والتنظيمات التي تخدم سياساته على المدى القريب وحتى البعيد، ففي منتصف القرن التاسع عشر ساعد على ظهور البهائية في إيران والقاديانية في الهند، وفي بدايات القرن العشرين ساعدت الشركة الاستعمارية لقناة السويسالإنكليزية حركة الإخوان المسلمين في مصر على الانتشار عن طريق التمويل والتغاضي عن نشاطها التخريبي الذي استهدف الإضراربالحركة الوطنية المصرية وبالنقابات وبالأحزاب الديموقراطية.
بعد تكوين دولة إسرائيل سنة 1948 ساعدت إنكلتراعلى إنشاء ما يسمى حزب التحرير في الأردن سنة 1953، ولاحظوا جيدا خبث الإنكليز الذين ربطوا في نفس الفترة بين إنشاء الكيان الاستيطاني الصهيوني وبين المساعدة على تأسيس حزب يحمل شعار التحرير في نفس المنطقةخدمة لمخططها الرامي إلى خلق الظروف المساعدة على الإبقاء على دولة إسرائيل وتحويل الأنظار عن مفهوم الجهاد الذي رفعته الجماهير شعارا وكان دافعا لمقاومة عانت منهاإنكلترا في كل البلاد الإسلامية التي استعمرتها، وقد ابتكر هذا الحزب حيلة تستهدف إلغاء مصطلح الجهاد بِما يحمل من شحنة إيمانية ووطنية ضد الاستعمار وذلك من خلال الترويج للقول بأنالجهاد من مهام الدولة الإسلامية وليس للأمة أو لنخبها أن تباشره أو تدعو إليه إلا بعد قيام مؤسّسة الخلافة فلا جهاد لتحرير فلسطين إلا بعد قيام الدولة الإسلامية أي بعد قيام الخلافة وإنّ أي جهد يُبذل ولا يصبّ في مجرى قيام الدولة الإسلامية هو جهد ضائع ومُعيق لقيام هذه الدولة، وقد نُظِّرلهذه الفكرة التي تهدم من الأساس فكرة المقاومة بتأجيلها واعتبارها من المهام غير الواجبة على الفور بل على التراخي في العديد من الكتيبات نقتطف من واحد منهاعنوانه "التكتل الحزبي" قرّر فيه محرّره أن الحزب يسير على ثلاثة مراحل هي التالية:
1) جاء في ص38 ما يلي: "مرحلة التأسيس... وهي اعتبار جميع أفراد الأمة سواء في أنهم خالون من كل ثقافة، والبدء بتثقيف من يريدون أن يكونوا أعضاء في الحزب بثقافته" الأمر الذي يعني أن الأمة خالية من كل ثقافة وحزب التحرير سيتكفل برفع الجهالة عنها، هذهالمرحلة توقّف عندها الحزب ولم يخرج منها أبدا فبقي منذ تأسيسه إلى يوم الناس هذا في طور التأليف والكتابة والتعليم، ويلحظ مواطنونا أن الناطق الرسمي لحزب التحرير يتحوّل في كل مداخلاته إلى مؤدّب صبيان ففي الوقت الذي تعاني فيه الأمة مشاكل الإرهاب وانخراط بعض المنظمات والأحزاب في التخفيف من شناعة جرمه نجده يتحدث عن فرويد والانبهار بالغرب ودارون والوجودية....
2) جاء في ص 43 ما يلي: "المرحلة الثانية هي مرحلة التفاعل مع الأمة... وهي مبنية على المرحلة التي قبلها... إن مجرد النجاح في المرحلة الأولى ثقافيا ليس كافيا لِوحده للنجاح في هذه المرحلة بل لا بد أن يكون النجاح الثقافي معروفا عند الناس أي أن يعرف الناس أن هناك دعوة وأن يعرفوا عن العضو أنه يحمل دعوة..." الأمر الذي يعني أن ما قد تتعرّض له الأمة من مصاعب أو اعتداءات أو استعمار أو إهانات لا علاقة لحزب التحرير بها لأنه يشترط في التفاعل مع الأمة شرطا عجيبا يتمثل في إقرارها بأنمنتسبيه أصبحوا من عداد المثقفين حزبيا أي أن كل حادث يطرأ على الأمة ومهما اشتد خطبه مُؤجّل إلى حين النجاح في المرحلة الأولى.
3) جاء في الصفحة 55 ما يلي: "المرحلة الثالثة وهي مرحلة الوصول إلى الحكم عن طريق الأمة وينفذ المبدأ دفعة واحدة وذلك ما يسمّى بالطريقة الانقلابية وهذه الطريقة لا تقبل الاشتراك في الحكم مجزءا بل تأخذ الحكم كله وتتخذه طريقة لتطبيق المبدأ وليس غاية وتنفذ المبدأ الإسلامي تنفيذا انقلابيا ولا تقبل التدريج مهما كانت الظروف".
ترجمة لهذا التقسيم الثلاثي يقول أحد قيادات حزب التحرير في حديث له في مجلة الشراع العدد 91 ص21 جوابا عن سؤال حول الأسباب التي جعلت الحزب لا ينشئ تنظيمات عسكرية لمقاومة الاحتلال الصهيوني قال: "ما يقوم به الحزب هو نشر فكرة وإيمان فلا دخل له في كلّ ما يجري في الساحة من أعمال عسكرية على الساحة إطلاقا أيًّا كان سببها ومصدرها... إسرائيل دولة تواجهها دُول ومن الدّجل أن يقال إن القوة الفدائية تواجه دولة، القوة الفدائية نحتاجها أثناء وجود دولة مخلصة تصرّعلى مقاتلة إسرائيل كرديف بجيشها تعمل خلف خطوط العدو أما وجود المنظمات الفلسطينية كقوى عسكرية كانت للدّجل كانت لامتصاص نقمة الأمة سنة 1967 كانت لتضليل الناس...".
ويؤكد باهر صالح عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين في حديث له في مجلة من نحنالسنة الثانيةالعدد 23بتاريخ 15 مارس2012 نفس المعنى في قوله: "إن منظمة التحرير الفلسطينية مشروع صنعه الحكام العرب، وباركه الغرب، ودفع باتجاهه، بهدف الخروج من إسلامية القضية إلى فلسطنتها... نحن في حزب التحرير نعتبر منظمة التحرير مؤامرة على فلسطين وقضيتها، ولا نرى فيها ممثلاً شرعياً ووحيداً، بل نستنكر أي محاولة لِما يسمّى تطويرها وإصلاحها أو مساعي بعض الحركات للانضمام إليها،...إن الربط بين قيام دولة الخلافة وتحرير فلسطين بات حتمياً".
لهذا السبب بالذات لا نجد في أدبيات هذا الحزب سوى التشنيع على منظمة التحرير الفلسطينية ومعاداة كل نفس نضالي فتحت ستار تقسيمات نظرية ما أتى الله بها من سلطان يُشرّعون لبقاء الاستعمار ويمنعون الناس من مواجهته خدمة للأعداء، وهم في أغلب الأحيان يأخذون أجر خيانتهم على ذلك،فقد تناقلت الأنباء أن تقي الدين النبهاني مؤسس الحزب كان على اتصال بالسفارة الأمريكية لمّا كان في بيروت وقد تفطنت المخابرات اللبنانية لذلك فألقت عليه القبض حال خروجه من السفارة لتجد معه حقيبة من الأموال ولمّا سئل عنهاقال إنها الجزية آخذها من الكفار!!!، وتذكروا جيدا أن البنا كان يأخذ الأموال من شركة قناة السويس الاستعمارية كما أن حزب الحركة لدينا كان يأخذ الأموال من جهات مختلفة وِفق ما روى زياد كريشان الذي انتسب إلى الحركة في فترة سابقة.
لم يخرج الفرع التونسي من حزب التحرير عن هذه السياسة بحيث صمت عن إبداء الرأي حول مسألة تجريم التطبيع مع إسرائيل كما أنه لم يُصدر أي بيان حول القضية الفلسطينية باعتبارها حركة تحرّر وطني تقودها منظمة التحرير الفلسطينية واكتفى قادته بالحديث عن قضايا وهميّة من نوع الخلافات الفكرية والوجودية وفرويد والتغريب وسقوط الحضارةوالرأسمالية وغير ذلك ممّا برع في ترديده وَلَوْكِهِ الناطق الرسمي لهذا الحزب، ولنا أن نتخيّل لو وُجد هذا الحزب في تونس في الفترة الاستعمارية هل كانليتجرأ بما هو عليه على الدعوة إلى استقلال البلاد أو المشاركة في معركة التحرير أو أنه كان سيقف في خندق الخونة وصفّ المبرّرين لبقاء الاستعمار لأن دولة الخلافة لم تقم بعد؟.
لكلّ هذه الأسباب لم تحصل فروع هذا الحزب على الترخيص في العمل العلني في أيٍّ من البلاد الإسلامية لِما ذكرنا أعلاهولطبيعته الانقلابية التي تستهدف الجيش بالدرجة الأولى، فقد قام منتسبوه بمحاولات انقلاب فاشلة حوكموا بسببها في تونس والأردن والعراق وسوريا ومصر، وحدها تونس في ظلّ حكم حزب الحركة مكّنته من الترخيص الذي توهمت أنهسيساعدها على تنفيذ سياستها في التدافع الاجتماعي وهو تدافع القصد منه تدمير مؤسّسات الدولة وتخريب أجهزتها حتى يسهل عليها أخونة المجتمع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: