أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7348
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نشرت جريدة الوقائع في عددها الحادي عشر المؤرّخ في 11 نوفمبر 2011 قائمة في الصحفيّين الذين مدحوا النظام السابق ومثلوا بوق دعايته أعدتها لجنة الصحافيين الشبان وراجت هذه القائمة في مواقع الاتصال الاجتماعي، يومها لم أحبِّذ الرد أو التوضيح لاعتقادي أن المسألة مندرجة ضمن الانفلات الذي عرفه الوطن كما أن المعلومات الواردة في هذه القائمة مغلوطة وأغلبها مبني على الذاكرة أو هو إعادة لِما هو رائج من أكاذيب، أمّا اليوم وبعد أن تطوّعت الرئاسة المؤقتة بنشر كتاب أسود للصحفيين أعادت فيه نشر نفس القائمة وفق ما ذَكَرَت وسائل الإعلام المختلفة وأدرجت اسمي ضمنه، لا مندوحة عن الردّ وتوضيح الأمور:
1) ليس هنالك أي حرج في مناصرة النظام السابق ولا في الإشادة بقيادته، فكلُّ الأنظمة في الدنيا لها مناصرون وخصوم.كاتب هذه السطور ناصَرَ النظام السابقونشر المقالات المتعدّدة في الموضوع وما زال يعتبر أن ابن علي ردّ الله غربته من خيرة وأفضل ما أنجبت تونس في مجال مقاومة الإرهاب والقضاء على التطرف وضوحا وصرامة، ولن ينسى له شعبه أنه استطاع طوال 23 سنة كاملة أن يحافظ على الأمن رغم قساوة الوضع الذي عانت منه الشقيقة الجزائرعشر سنوات كاملة من التقتيل المنظم ورغم استهداف الدولة من قبل ما يُسمّى حركة الاتجاه الإسلامي بالرش بماء الفرق والتفجيرات والمظاهرات والعنف في الجامعة وتكفير خلق الله وما بيان 2 أكتوبر إلا الشاهد على ذلك. اليوم بعد خروج الرجل وانهيار نظامه عرفنا الاغتيالات السياسية فأصبحت بلادنا مخزنا للأسلحة التي يجمعها المتطرفون بقصد استعمالها ضد مواطنيهم ولم يَعُد التونسي آمنا لا في بيته ولا خارجه، وللعلم إذا افتقد الأمن فقدت الدولة هيبتها واستمرأ الناس شخوصها فممّا ورد في الإتحاف أن يوسف صاحب الطابع أتى عثمان باي منكرا ناصحا وقال له:"....ونخشى أن الناس إذا لم يكن لهم منهج مسلوك ينظرون لأنفسهم، والعامّة إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل"(1)ذاك ما يقول المنطق وذاك ما ينصح به العارفون بطبيعة هذا الشعب أمّا اليوم والبلاد على حافة الهاوية شاهدوا ما يقع في شتى الولايات من مظاهر الرفض والعنف لكلّ ما يُمثل السلطة الحالية وما يطال مقرّاتها من تهشيم وحرق، فَعِوَض أن يلتفت الحكام الجدد إلى ما يعترض الوطن من مخاطر نتيجة تنطعهم وقلة درايتهم وجهلهم بمكنونات التونسي وردود أفعاله، تجدهم يهرولون في اتجاهات شتى مؤدّاها البقاء في السلطة فبعضهم يحاور وبعضهم الآخر يناور، بعضهم ينشر القوائم السوداء وبعضهم الآخر يشيع الأوهام ببناء كليات طب وأسنان وصيدلة، ذاك هو الوضع وتلك هي الحالة. نعم أشدت بنظام بن علي سابقا ولن أتوقّف عن ذلك لاحقا لأنه وسط الرداءة التي نعيشها لا مجال للتونسي إلا أن يقارن بين الوضعين قبل أحداث 14 جانفي وبعده واسألوا مواطنيكم رأيهم في عهده.
2) مربط الفرس في إدراج اسمي في القائمة السوداء التي نشرها ساكن قرطاج المؤقّت هي علاقتي بحركة النهضة منذ ثمانينات القرن الماضي وهي علاقة عداوة إذ لم أتوقف منذ ما يفوق الثلاثين سنة عن مواجهتهم وفضحهم والكتابة عنهم وتفصيل ذلك:
أـ قبل تغيير السابع من نوفمبر كان هامش الكتابة عنهم صغيرا فلم أتمكن إلا من النشر في جريدة الرأي والمستقبل والطريق الجديد ومجلة الموقف، ولأن حضورهم السياسي لم يكن ملحوظا تناولت في مقالاتي كتابات قياداتهم في المشرق بالتحليل والدرس بجانب بعض ما صدر للمنتسبين إلى نحلتهم،وممّا أذكر أنه إثر صدور العدد الأوّل من مجلة 15/21 نشرتُ نقدا لجماعة اليسار الإسلامي في الطريق الجديد بتاريخ25 ديسمبر 1982وفي العدد الثاني من مجلته نشرا حميدة النيفر افتتاحية وصفني فيها بأنني من الخارج الثقافي وهي صيغة جديدة للتكفير وكنت أيامها منخرطا في الحزب الشيوعي بعد حصوله على الترخيص إلا أن بقائي فيه لم يتجاوز الأربع سنوات لأني لاحظت أن فهم قيادته للمسألة الدينية لا علاقة له بتونس ولا بإسلامها، فاستقلت وبقيت حرًّا من أي التزام حزبي إلى الآن، المهمّ أن خصومتي للتيارات الدينية قديمة بداياتها تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، أقول هذا الكلام حتى لا يقال أن نظام السابع من نوفمبر استخدمني بل بالعكس كنت أعبر عن وجهة نظري التي وجدت قبولا من النظام السابق.
ب) بعد السابع من نوفمبر وبعد هجمة تتار العصر وهمّجه على الدولة لتخريبها وإسقاطها سخرت قلمي للدفاع عن الوطن وأبنائه ممّا تخطط له هذه العصابات الإجرامية فنشرت مئات المقالات في كل الجرائد تقريبا وحتى من لم أمكنه من نص نقل عن غيره، في تلك الفترة كانت جريدة الفجر تُطبع وتُوَزَّع في الأسواق ولكنها تعامت عن كل ما كتبت ولم تنبس ببنت شفة لأنها أعجز من أن تردَّفحُجَّتها ضعيفة من ناحية كما أن معرفتها بالدين وعلومه لا تتجاوز صفحات تردّدها كالببغاء نقلا عن قطب أو البنا من ناحية أخرى، في تلك الفترة كُلفت بالرقابة على المنشورات، وللعلم فإن الرقابة وسيلة تلجأ إليها مختلف الأنظمة وكلّ الدول حتى في أعتى الديموقراطيات حماية للأمن السياسي والثقافي ويمكن أن تزول بزوال أسبابها، فعملت قدر الجهد والوسع على تنظيف الفضاء الثقافي من كل الكتابات الداعية إلى العنف أو المروِّجة للتطرف وهي مهمّة لم أتعامل معها بأسلوب إداري بيروقراطي بل اعتبرتها مهمّة نضالية من المتحتم النجاح فيها وقد تمكنت في الفترة التي بقيت فيها في وزارة الداخلية من استبعاد كل ما من شأنه أن يؤدي إلى العنف أو تبريره، كان نجاحي في هذه المهمّة قاصما لظهر الخصوم إذ منعهممن إمكانية الظهور في الساحة السياسية من خلال المنشورات التي تروّج لبذاءاتهم فشنوا عليَّ حملة من السبِّ والتشويه والشتم شارك فيها مجموعة من البُـلْـهِ المنتسبين لحقوق الإنسان وللرابطة التي كان يرأسها أيامها المرزوقيممّن تصوَّروا أنهم بصنيعهم هذا يدافعون عن الحريات، والحال كما أثبتت الأحداث اليوم أن هذا الدفاع المَوْهوم إنما هو خدمة مجانية قُدِّمت لحركة النهضة التي استطاعت لغفلة من يُفْترض فيهم أنهم خصومها من دَفْعِهم إلى الدفاع عنها بِما ذكرْت وبإضرابات الجوع وببيان 18 أكتوبر وغير ذلك، ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت إن القرضاوي لخّص أسباب هذه الحملة في قوله:"تشكيل لجنة عليا برئاسة عنصر شيوعي ملحد يُدعى أنس الشابي تختص بتصفية الكتاب الإسلامي ومصادرته من جميع المكتبات ومنع عرضه في الأسواق والمعارض بحسبان الكتاب الإسلامي في عين الحكومة التونسية منبعا للتطرف"(2) ولِمن أراد المزيد العودة إلى الأنترنيت وكتابة اسمي سيجد سيلا منالبذاءات شبيهة بما ذكرت،في نفس الفترة مَنَعْتُ كتاب لبنات لعبد المجيد الشرفي رغم أنه أيامها كان يحاضر في التجمع الدستوري الديموقراطي وكان عضوا في لجنة جوائز مضامين 7 نوفمبر وكان على علاقة كبرى بأركان النظام وبعضهم من تلامذته، قلت منعت الكتاب لأسباب ذكرتها في كتابي "أهل التخليط" ولم أسمح برواجه سنوات متعددة إلى أن غادرت وزارة الداخلية سنة1998 رغم كثرة التدخلات من أعلى مستوى سياسي في البلاد وقد ألحّ علي الشاوش وزير الداخلية الأسبق على السماح برواج الكتاب وكان جوابي "لقد استُشِرت وقدَّمت رأيي وأنت صاحب القرار اتخذ ما تراه صالحا" إلا أنه لم يتجرأ على ذلك، كما منعت في نفس الفترة كتابا مدرسيا أصدرته الجامعة الزيتونية التي حاولت صحبة وزير التعليم العالي الدالي الجازي دفعي إلى التراجع بجانب كتب أخرى بعضها خُصِّص لمدح الرئيس السابق وبعضها حمل تهجُّما على الزعيم بورقيبة رحمه الله، أخلص ممّا ذكرت إلى القول بأن رقابتي للكتب لم تستثن أحدا فخلقَ مروري بوزارة الداخلية وأشاع عداوات جعلتني في نظر الخصوم والمعتوهين المتسبِّب في سوء العلاقة بين النظام والإخوانجية من ناحية والنظام وأساتذة الجامعة من ناحية أخرى وفق ما قال الهاشمي الحامدي للرئيس بن علي لمّا قابله قبل تنحيتي من وزارة الداخلية سنة 1998.
هذا عن الأسباب السياسية أما بالنسبة للناحية المادية ففيما يخصُّني لم أحصل من النظام السابق على مليم واحد زائد على مرتبي لا من الرئاسة ولا من وزارة الإعلام ولا من وزارة الداخلية ولا من وزارة الثقافة ولا من وزارة التربية ولا من الوزارة الأولى ولا من وكالة الاتصال الخارجي التي اشتغلت فيها لمدة ستة أشهر وغادرتها لأني لم أرتح لأسلوب صلاح الدين معاوية في العمل، هذه هي الجهات التي كانت لي بها علاقة وأدعو المرزوقي إن كان لديه ما يخالف هذا الذي قلت أن يستظهر به ونفس الشيء يقال عن الأمن فمن لديه وثيقة واحدة تثبت أنني كنت على صلة بالأمن السياسي فليستظهر بها علما بأن بعض منتسبي حزب المرزوقي يَرُوج حولهم كلام كثير عن وشاياتهم برفاقهم في الحزب أو فيما يسمى معارضة.
ويبقى في الأخير سؤال أتوجَّه به إلى المرزوقي إن كان مزمعا على أن يصدر لنا جزءا ثانيا يتناول فيه الذين يُسمّون أنفسهم "مناضلي سنوات الجمر" وهو منهم حول الأموال التي تلقوها من السفارات الأجنبية ومن منظمات حقوق الإنسان ودكاكينها ومن الجزيرة القطرية وتوابعها؟ وهل يمكن له أن يحدّد لنا طبيعة علاقته بسهام بن سدرين رفيقته في تأسيس مجلس الحريات وهي امرأة تحوم حول تصرفاتها المالية قبضا وتسترا شكوك كبرى وبيان ذلك:
ـ في حديث له في جريدة المساء ذكر الأستاذ سامي نصر أن من أسباب خلافه مع سهام هو رفضها إذاعة خبر في راديو كلمة مضمونه حصول جمعية النساء الديموقراطيات على منحة من الرئيس زين العابدين بن علي مقدارها 50 ألف دينار(3)، هذا التصرف منها يندرج في خانة التستر عن خبر مالي بهدف مغالطة الرأي العام.
ـ دخل صحافيو راديو كلمة في اعتصام دفاعا عن حقوقهم المادية والأدبية التي هضمتها رفيقتكم وشريكتكم في تأسيس مجلس الحريات، فمن كان هذا حاله هل يمكن أن نطمئن لهولمن يصاحبه في "نضال سنوات الجمر" وهي سنوات تقتضي الإيثار والأخذ باليد والإعانة؟.
ـ نقلا عن موقعUnité 11 - الوحدة 11الإلكتروني جاء فيه أن المحامي الأزهر العكرمي كاتب الدولة للداخلية السابق والقيادي في حركة نداء تونس الآن ذكر أن سهام "صرّحت في برنامج الصراحة راحة بأنها تقبض من الألمان وأضاف بأنه على المذكورة أن تثبت مصدر أموالها لأن المعروف عنها أنها لا تعمل".
فما رأي المرزوقي في أصدقائه ورفاق "سنوات الجمر" أو المجمّرين وفق صياغة أحد الأصدقاء وهل سيدرجهم في الجزء الثاني من كتابه الأسود؟.
---------------
الهوامش
1)الإتحاف 1/93.
2)"التطرف العلماني في مواجهة الإسلام (نموذج تركيا وتونس)" نشر دار الشروق، القاهرة 2008، ط3 ص136.
3)جريدة المساء بتاريخ 27 أوت 2011.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
11-12-2013 / 06:46:22 بوابتي
ننشر المقال غم معارضتنا الشديدة لمحتواه
بوابتي ينشر هذا المقال رغم معارضته لمحتواه،
ولكنها مسؤولية النشر التي تفرض عليك التعامل بأمانة مع من استئمنك على النشر
وعلى اية حال ماذكره كاتب المقال يؤكد طرح بوابتي المبني على ان الصراع بتونس هو صراع فكري وعقد وليس صراع سياسيا
حيث ان الكاتب مثلا يبرر تعامله مع النظام باعتبار ايديولوجي وليس سياسي ومادي
ومثلما أوضح الكاتب فان الصراع الايديولوجي هو صراع بقاء وليس صراع توافق، بمعنى ان كل من له الفرصة فإنه يعمل على القضاء على الطرف المقابل ولو بالطرق المادية مثلما فعل بن علي ومعه زمرته وادواته التي كان كاتب المقال احدها
11-12-2013 / 06:46:22 بوابتي