أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7175
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نشرت جريدة المغرب يوم 16 نوفمبر 2013 نصًّا عنوانه "نداء إلى الشعب التونسي" أمضاه ثلة من المثقفين والأساتذة الجامعيين تناولوا فيه الوضع السياسي في البلاد، واللافت للنظر أن دقة الوضع اقتصاديا وأمنيا ومن ثم سياسيا لم تجد حظها في هذا البيان الذي اقتصر على حوار وطني يديره الرباعي الراعي وسبل إنجاحه والحال أن الوضع الذي عليه الوطن كارثي بكل المقاييس.
بالنسبة للممضين على البيان ومن خلال متابعتنا لِما ينشر بعضهم نلاحظ أن هنالك قواسم مشتركة تجمعهم باستثناء عبد المجيد الشرفي الذي وجدناه يمضي على هذا البيان مناقضا بذلك ما سبق له أن كتب ونشر وبيان ذلك، أن لجنة من لجان مجلس 23 أكتوبر تناقش هذه الأيام مشروع قانون يتعلق بالأوقاف بِوَهم أنه نظام ديني يحرّض على فعل الخير، والحال أن الوقف تنظيم اجتماعي ليس له أيّ أساس ديني لا في القرآن ولا في السنة الصحيحة إنما هو من مبتكرات الإنسان في إطار معالجته لِما يستجدّ فهو إذن مُقيّد بالزمان والمكان، وقد عرفت بلادنا هذا النوع من التنظيم وحاولت السلطة قبل الاستقلال إصلاحه إلا أن الفساد الذي استشرى فيه منع أي إصلاح، لهذا السبب بالذات عملت دولة الاستقلال على إلغائه وحوَّلت ما تبقىّ من أملاكه إلى الدولة.
والغريب في الأمر أن تجد هذه الدعوة إلى إعادة الأوقاف اليوم المساندة ممّن صدّعوا آذاننا بالحديث عن الحداثة والعصرنة والعلمية..... فعبد المجيد الشرفي الذي أمضى على النداء سبق له أن دافع عن الأوقاف ودعى إلى إعادتها:
أ ـ كتب مقالا يدعو فيه إلى إحياء الأوقاف على الجامعة أوّلا في انتظار تعميمه، نشره في العدد الأوّل من مجلة رحاب المعرفة إبّان انتسابه للتجمع الدستوري الديمقراطي.
ب ـ بعد انتخابات 23 أكتوبر نشر الشرفي حديثا مُطوّلا عنوانه"الثورة والحداثة والإسلام" غازل فيه الذين سيشكلون الحكومة، وقد نكص عن العديد ممّا كان يُروِّج له سابقا من ذلك قوله في الصفحة 88:"هنالك إنجازات هامة أيضا ولكنها كانت استجابة لظرف معيّن فقط مثلا حلّ الأحباس الذي قرّره بورقيبة منذ بداية الاستقلال ولكن مفعوله كان محدودا" الأمر الذي يعني لديه أن حلّ الأحباس تم لظروف معيّنة بزوالها يمكن أن تعود الأحباس والأصحّ أعيدوها يا أغلبية مجلس 23 أكتوبر، ثم إن هذا الحلّ كان مفعوله محدودا وبما أن القصد منه لم يحصل فلا بأس بالعودة إلى ما كان، لهذا السبب بالذات نعتبر أن البيان لا يحمل المصداقية الكافية طالما أن أحد الممضين عليه عُرف بالتلوُّن والتصريح بالشيء ونقيضه.
أمّا مضمون النداء فقد استند إلى جملة من المسلمات نناقشها فيما يلي:
1) القول بأن "الحوار هو السبيل الأفضل للخروج من الأزمة الحالية" في المطلق قد يكون صحيحا ولكن عندما ننزله في واقعنا اليوم نصل إلى نتيجة عكسية، فحركة النهضة وإن أظهرت هذا النوع من القناعة إلا أنها تمارس العكس تماما فكتلتها في مجلس 23 أكتوبر انقلبت على حليفها وحرمته من القدر الضئيل من الصلاحيات التي برّر بها انضمامه إلى الترويكا، ورئيس مكتبها السياسي يسرّ في أذن رئيس الحركة أن الرئيس المؤقت معترض على أحد المرشحين وفي الغد يتبيّن أن في الأمر أمورا، كما أنها صنعت أحزابا ورقيّة مكنتها من نواب في المجلس لتحضر الحوار الوطني بغية إفساده كما صنعت مع القوماني وغيره ولِمن أراد المزيد أن يعود إلى الندوات الصحفية للمشاركين في الحوار.
2) وُضع البيان تحت سقف الحوار الوطني والحال أن ما تتعرض له الأمّة يتجاوز ذلك بكثير إذ النمط المجتمعي الذي بناه التونسيون منذ بدايات القرن العشرين يتعرّض إلى محاولات تخريب مُمنهجة فتارة يرفعون مطلب تطبيق الشريعة ومرّة يدعون إلى إلغاء التبني وثالثة إلى إعادة إحياء الموات كالأوقاف والتعليم الزيتوني ورابعة إلى إبدال الطغراء وحتى النشيد الوطني وخامسة إلى تغيير الصداقات التاريخية التي أثبت التاريخ نجاعتها وتحويلها إلى تبعية مذلة لهذه الدولة أو تلك وسادسة إلى تقنين التسري.... لمّا يكون وجود الأمة مهدّدا ولمّا يتعرض النمط المجتمعي الذي ناضل من أجله التونسيون إلى محاولة تفكيكه لا يعني الحوار إلا المشاركة في الجريمة التي يُعدّ لها بليل.
3) التستر عن المعرقلين الأصليين لهذا الحوار وتعويم المسألة بعدم تحديد المسؤولين عن ذلك رغم أن شعبنا يعلم تمام العلم أن النهضة وكتلتها في المجلس وتوابعها متهمون بمحاولة التغوّل ومسخ الإدارة إيديولوجيا مستهدفين البقاء في الكراسي كما أن بعض الأطراف ممّا يسمى تجوّزا معارضة تقوم بنفس المهمّة عن وعي كامل، وفي المحصلة جميعهم متهمون بإفشال أيّ حوار.
4) اعتبر الممضون أنفسهم وكأنهم جزء من الحوار فعملوا على ترضية جميع الأطراف في حين أن شعبهم كان ينتظر منهم أن يكونوا ضميره اليقظ ولسانه الذي ينطق بالحق وصوته المعبر عمّا يختلج في ثناياه، وهنا تطرح مسألة هامة تتلخص في البحث عن طبيعة ومؤدى الدور الذي تمارسه النخبة، يلحظ المتابع للشأن العام تضخما في صورة الناشط السياسي الذي أصبح يحتل المنابر جميعها في حين غاب عن المشهد المثقفون، هذا الناشط للأسف لا يمتلك أي خلفية معرفية أو ثقافية لتجده ومن يشابهه متفقين وإن اختلفوا ففي تفاصيل التفاصيل كقولهم بتلازم المسارين وجزئياته، في نفس الوقت يتدحرج دور المثقف الذي هو ضمير الأمة ويغيب ليصبح صوته نشازا في جوقة الصخب والهرج التي استباحت الساحة.
5) جاء في البيان"تحميل المتسببين في فشل الحوار المسؤولية كاملة أمام الشعب" وهو كلام إنشائي لا معنى له في سوق السياسة والمناكفات الحزبية فأيّ شعب هذا الذي تتحدثون عنه وجماعة مجلس 23 أكتوبر ما زالوا لحدّ الآن يرفعون شعار الشرعية وسيّد نفسه... وأيّ حزب أو جماعة ستحمِّلونها المسؤولية وأنتم امتنعتم لحد الآن حتى عن ذكر اسمها وهي تماطل وتتلكأ وتتمنع.... وأيّ حوار هذا مع من يُكفر الآخرين ويعتبر نفسه الجماعة المؤمنة.... وأي توافق مع من يبيح القتل غيلة...... وأيّ حديث مع من لم يعرف الصدق منذ نشأته أي قبل 40 سنة كاملة.
6) أمّا سادسة الأثافي لا الثالثة كما يقول أسلافنا فهي إصرار أصحاب البيان على أن ما حدث في البلاد فيما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 هو ثورة والحال أن بلادنا لم تعرف في ذلك التاريخ سوى المؤامرات الخارجية التي أضرمت النيران بقتل الشباب غيلة لتعمّ الفوضى التي أدت إلى ما نحن فيه من هوان حيث اختلطت القيم ليصبح بائع الخضر مدرّسا في السجون وحارس مخزن الخمور حاميا للثورة والداعية لتمزيق الأطراف نائبا ومحبذ ختان البنات شيخا.
لكلّ ما ذكر أعلاه نقدّر أن هذا البيان موجّه إلى الأحزاب المشاركة في الحوار ولا علاقة له بشعبنا الذي يعرف جيدا من يصدقه النصيحة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: