كتاب منظومة حقوق الإنسان من منظور الخدمة الاجتماعية (9)
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5260
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحلقة التاسعة :
3-2حقوق الإنسان في المسيحية والإسلام :
سبق أن نوهنا إلى أن الأديان السماوية لعبت دورا كبيرا في إرساء وتأكيد وبلورة منظومة كاملة لحقوق الإنسان ، الأمر الذي كان له بالغ الأثر فيما وصلت إليه وضعية تلك الحقوق في العصر الحديث ، ويعد كثيرون أن رسالة السيد المسيح (عليه السلام) مثلت حداً فاصلاً بين عهد قديم لا يرى الإنسان إلا من خلال الدولة باعتباره خاضعاً لها ، وعهد يمجد الإنسان ويعده العنصر الأهم في الكون وفي المرتبة الأولى، فالمسيحية كانت دعوة دينية خالصة لم تهتم بنظام الحكم الذي تفضله ، إذ اكتفت بإعلان حرية العقيدة والدعوة إلى التسامح والمساواة ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان ومحاربة التعصب الديني ، كما أكدت على فصل الدين عن الدولة وهو ما تجسده مقولة : ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) ، وحررت الإنسان من عقيدة الحاكم وديانته ، فميزت بين الإنسان باعتباره مواطنا يخضع للدولة وقوانينها ، وبين الإنسان باعتباره فرداً له إرادة مستقلة حرة.).(1)
أما عن الإسلام فهو أول من قرر بوضوح لا لبس فيه المبادئ الأساسية الخاصة بحقوق الإنسان ، إذ سبق الإسلام جميع المواثيق المعروفة في تأكيده لحقوق الإنسان في شمول وعمق غير مسبوق في حياة الإنسانية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ، وهذه الحقوق تعد " منحة إلهية " محضة ، وليست منحة من ملك أو حاكم أو قراراً من سلطة محلية أو منظمة دولية ، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي العلوي المتجرد والمفارق ، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل ، ولا يسمح بالاعتداء عليها ، ولا يجوز التنازل عنها ، وهذا ناتج – في المقام الأول - عن نظرة الإسلام للإنسان إذ تقوم تلك النظرة على الاعتراف الكامل بالإنسان كما هو على طبيعته وحقيقته ، وهذا الحق هو أصل حقوقه كلها ، وقد أسست الشريعة الإسلامية مرجعية قانونية وشرعية لحقوق الإنسان من خلال نصوص القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (2)
3-3حقوق الإنسان في العصور الوسطى :
قبل العصور الوسطى Middle Ages (3) ، كانت كل الحضارات في العالم تحصر السلطة في حاكم واحد هو الوحيد الذي يمكن أن نقول أنه بالفعل تمتع بحقوق ، كانت هذه "الحقوق" تعتبر ( ينظر إليها على أنها ) ممنوحة من الإله و معبر عنها ، على سبيل المثال ، في الفكرة الأوروبية بمصطلح "حق الملوك الإلهي" Divine Right Of Kings ، أما التحول من هذا المفهوم الذي يقصر كل الحقوق على شخص واحد فقط ( هو الملك أو الحاكم ) ، إلى مفهوم يضم البشرية جمعاء فقد أتى من خلال عدد متتابع من الحركات الاجتماعية التي اشتركت فيها طبقات متزايدة الاتساع من الناس نجحت في النهاية في أن تكون لها حقوقها الخاصة بها ، وهي حقوق محددة و معترف بها ، و في بادئ الأمر ، لم يشترك في هذه الحركات الاجتماعية ، كما حدث بالنسبة للماجنا كارتا بإنجلترا عام 1215م ، إلا جماعات صغيرة العدد من الناس المتمتعين بمزايا نسبية ، حيث لم يكن هناك وقتذاك أي اعتبار لمعظم أفراد الشعب ، وتتمثل حقوق الإنسان في العصور الوسطى في عدد من الوثائق والقوانين التي صدرت في عدة دول غربية في تلك الفترة ، ولعل من أهم هذه الوثائق – كما سبق أن أشرنا - ميثاق العهد الأعظم أو الماجنا كارتا (Magina-Carta) ، تلك الوثيقة المبكرة نسبيا والتي كان لها أثرها البعيد في انجلترا وسائر دول أوروبا فيما بعد .(4) ،
3-4حقوق الإنسان في العصر الحديث :
أما في العصر الحديث فقد شهدت حقوق الإنسان نهضة كبيرة بفضل عوامل عديدة ، دفعت إلى صدور عدد من المواثيق والتشريعات التي كرست لحقوق الإنسان ، فقد صدرت في عصر الملك (شارل الأول ) " عريضة الحقوق " (1628م) وهي عبارة عن مذكرة تفصيلية لحقوق البرلمان التاريخية ، وتذكيراً بحقوق المواطنين التقليدية التي كفلتها الشرائع القديمة ، وفيه تقرر المبدأ الآتي : " لا يجبر أحد على دفع أية ضريبة ، أوعلى تقديم أية هبه ، أوعطاء مجاني إلا بقرار من البرلمان " وتبعها عدة شرائع وقوانين أخرى في نفس الإتجاه ،
3-5حقوق الإنسان في الوقت المعاصر :
وفي هذه الحقبة دخلت حقوق الإنسان في مرحلة جديدة من مراحل تطورها وهي المرحلة الدولية International Stage ، وهي المرحلة التي أصبحت فيها مواضيع حقوق الإنسان تأخذ طابعأ دولياً ، بعد أن كانت مسألة داخلية بحته ، وتزامنت هذه المرحلة الجديدة لحقوق الإنسان مع حدوث الحرب العالمية الأولى ، وتأسيس منظمة " عصبة الأمم " كمنظمة دولية والتي تناولت في ميثاقها بعض البنود التي تختص بحقوق الإنسان ، وبعد ذلك حدثت الحرب العالمية الثانية ، وتم تأسيس هيئة الأمم المتحدة وميثاقها الذي أشار وأكد - في أكثر من فقرة منه - على احترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان.(5) ،
(4) – الخلاصة
وهكذا عرضنا في هذا الفصل - وبإيجاز - لمسيرة حقوق الإنسان منذ أن كانت مجرد أفكار عامة وإرهاصات أولية تولدت من خلال مرحلة طويلة من الصراع التاريخي حول ما ينبغي أن يتمتع به الإنسان من حقوق ، إلى أن وصل الأمر في العصر الحديث إلى أن أصبحت حقوق الإنسان هي الشغل الشاغل للإنسان في هذا العصر ، هذا على الرغم من أن هناك العديد من الملاحظات والالتباسات حول قضية حقوق الإنسان وموضوعاتها في الفكر المعاصر ، خاصة فيما يتعلق بالأسس العقائدية والاجتماعية المولدة لمنظومة حقوق الإنسان التي بلورتها النظم الفكرية الغربية المعاصرة ، فإعلان حقوق الاستقلال الأميركي، في 4 يونية عام 1776م ، ووثيقة ( إعلان حقوق الإنسان ) ، التي أقرتها ( الجمعية التأسيسية ) للثورة الفرنسية ، في 26 أغسطس 1789 م… وصولا إلى ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) ، الذي أقرته الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م لم تكن جميعها حدثاً تاريخياً مستقلاً عن طبيعة التحولات والأحداث التي مرت بها الدول الغربية الحديثة ، والتي كانت عاملا هاما وأساسا لكل ما صيغ من وثائق وتشريعات لحقوق الإنسان ،
وأخيرا ، تجدر الإشارة إلى أن منظومة حقوق الإنسان تطورت باضطراد مستمر ومتسارع خلال العقود القليلة الماضية حتى كونت لنفسها اليوم ما نصفه بموسوعة حقوق الإنسان وآلياتها ، ولجانها وملتقياتها البحثية على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية ،
(5) – تدريبات على الوحدة الثالثة
(1) - حلل العبارات التالية في ضوء دراستك لتطور فكرة حقوق الإنسان تاريخيا :
- تشير أدبيات حقوق الإنسان إلى اختلاف مفكري الغرب على تحديد أي مجتمع أو دولة بدأت – في التاريخ - بإعلان حقوق الإنسان في مفهومها الحديث قبل غيرها من الدول ،
- يمثل معظم تاريخ حقوق الإنسان – وبخاصة في العصور القديمة - حالة مظلمة من الذل، والهوان، وانعدام حقوق الإنسان،
- لقد ساهمت الحضارة الفرعونية التي تعد من أقدم الحضارات البشرية أن لم تكن أقدمها في تجسيد الفكر القانوني لحماية حقوق الإنسان
(2) – أكمل الفراغات في العبارات التالية بما يناسبها من وجهة نظرك :
- بعض المفكرين أن العرب سبقوا الغرب في إقرار حقوق الإنسان وذلك في ما يعرف بـ ........................................
- يمكن إيجاز بعض العلامات البارزة – كما يراها البعض - في مسيرة حقوق الإنسان عبر المراحل التاريخية المختلفة فيما يلي :
- .............................................................................
- .............................................................................
- ............................................................................
- .....................................................................
- .......................................................................
- أقدم تشريع مدون ثابت لحقوق الإنسان عرفه البشر، هو قانون أو شريعة ........................................
- إن حقوق الإنسان لم تثبت في الواقع إلاّ على أثر تطور تاريخي، فوضعت نواتها .........................، وطوّرت آفاقها من خلال .................................. إلاّ أن دعائم هذه الحقوق ترسّخت في إطار مرحلة ....................................
...................................................................
*************
(6)- الهوامــش والمراجع :
(1) – سمير اسطيفو شَبلا : " حقوق الإنسان في المسيحية " ، نقلا عن :
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=183073.0
(2) – " حقوق الانسان في الاسلام " : نقلا عن :
http://www.alminbar.net/malafilmy/7kookensan/malaf1.htm
(3) – يعتبر مصطلح " العصور الوسطى " أو " القرون الوسطى " هوالتسمية التي إصطلح علي إطلاقها علي الفترة الوسطي ( ما بين القرن 5 م – 15م ) وهي تسمية نشأت عن فكرة تقسيم تاريخ أوروبا إلى ثلاثة أقسام (عصور) هي:
- العصور الوسطى المبكرة.
- العصور الوسطى المتوسطة.
- العصور الوسطى المتأخرة.
وتتراوح العصور الوسطى من نهاية الإمبراطورية الرومانية الغربية حوالي القرن الخامس الميلادي ، حتى قيام الدول الملكية وبداية الكشوفات الجغرافية الأوروبية وعودة النزعة الإنسانية وحركة الإصلاح الديني البروتوستانتي بداية من سنة 1517م ، هذه الأحداث هي التي أدت إلى دخول أوروبا في مرحلة بداية الحداثة التي تلتها مرحلة الثورة الصناعية ،
أنظر : موقع الموسوعة الحرة على الانترنت : ( ويكيبيديا ) ، http://ar.wikipedia.org/wiki/
" عصور وسطى " ،
(4) – أنظر :
G. Williams and J. Ramsden; Ruling Britannia, A Political History of Britain 1688-1988
(5) - محمد الزحيلي : " حقوق الإنسان في الإسلام " ، ط2 ، ، دار الكلم الطيب ، دمشق ، سورية ، 1997م
***********
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
8-05-2013 / 19:30:27 senior