المقومات المهنية للخدمة الاجتماعية – الحلقة الخامسة
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6372
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هذا وتشير أدبيات الخدمة الاجتماعية (1) The literature of social service إلى أنها – في الأساس - تقوم بعملية وساطة بين الفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه، وتستند عملية الوساطة تلك إلى مسلمة مؤداها : أن مصالح الفرد ومصالح المجتمع هى بالضرورة متطابقة .. بيد أنه في المجتمعات المعقدة سريعة التغير (كما هو حادث الآن) فإن رغبة الفرد في أن ينتمي ويتفاعل مع مجتمعه كثيراً ما لا تتحقق، ومن ثم فان مهمة الخدمة الاجتماعية في هذه المواقف هي المساهمة في إزالة مثل هذه العقبات حتى تتطابق مصالح الفرد والمجتمع .(2)
الخدمة الاجتماعية
الفرد المجتمع ( البيئة )
Individual Society
سمات وخصائص ثقافة سائدة
حاجات ومشكلات ومطالب نظم ومؤسسات وموارد
وهذا يعنى أن الخدمة الاجتماعية كمهنة تقع فى منطقة التماس بين الفرد والأنظمة الاجتماعية (البيئة) فهي تعمل مستخدمة قاعدتها المعرفية ومهاراتها الفنية وأساليبها ( تكنولوجيتها ) إلى جانب الإلتزام بالقيم والأخلاقيات المهنية لتحقيق مجموعة من الأغراض أهمها :
- مساعدة الأفراد على التوافق مع الأنظمة الاجتماعية .
- وفى الوقت ذاته تحاول أن تعدل من تلك الأنظمة الاجتماعية لتصبح أكثر قدرة على إشباع الاحتياجات الإنسانية .
وانطلاقاًً من هذا التصور لواقع الخدمة الاجتماعية يقترح البعض نموذجين لوظائف الخدمة الاجتماعية : Social Work Functions
الأول : نموذج الضبط الاجتماعي (3)
Social Control Model
ويشتمل على خدمة الفرد، والخدمات الجماعية التي يتم التركيز فيها على الفرد أكثر من التركيز على النظم الاجتماعية .
الثانى : النموذج الاقتصادي الاجتماعي :
Socio-economic model
حيث يتم التركيز فيه على تغيير البيئة، ومن ثم فان هذا النموذج يتناول قضايا عامة تتعلق بالسياسات الاجتماعية والتخطيط الاجتماعي، ويعمل على توفير فرص متزايدة من جانب المجتمع للمواطنين كي يتكاملوا أكثر مع النظام الاقتصادي السائد في المجتمع،.
هذا ويقترح ( يونس ) مجموعة من الأهداف العامة للخدمة الاجتماعية وهي تتمثل في :(4)
- مساعدة الأفراد على النمو والتكيف مع البيئة المحيطة، وذلك بالعمل معهم على تنمية استعداداتهم وقدراتهم، وعلاج ما يعترضهم من مشكلات ( تغيير الأفراد ) .
- تغيير الوسط الاجتماعي أو خلق ظروف جديدة تساعد على علاج مشاكل الناس، وعلى تحقيق النمو المنشود للأفراد والجماعات، والقضاء على مشكلات التكيف الاجتماعي Social Adjustment .
1- تيسير العلاقات الإيجابية بين الأفراد والجماعات والمجتمعات المحلية .
والى جانب تلك الأهداف العامة، فان هناك مجموعة من الأهداف الأخرى – بالنسبة للواقع العربي المعاصر - التي يرى ( يونس ) أنها ظهرت نتيجة للتفاعل بين الخدمة الاجتماعية كمهنة من ناحية، وبين ظروف المجتمعات العربية وسياقها الحضاري والتاريخي والاجتماعي والثقافي من ناحية أخرى وتتمثل في :
- المساهمة في قيادة التغيير الاجتماعي، وذلك بتهيئة أسباب هذا التغيير، ومواجهة نتائجه وما يترتب عليه، على مستوى الفرد والأسرة والجماعة والمجتمع المحلى .
- مساندة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية Social And Economic Development Plans تحقيقاً للرفاهية الاجتماعية .
- العمل على غرس وتزكية القيم الروحية من خلال الممارسة .
ويميل كثيرً من المهتمين والمشتغلين بالخدمة الاجتماعية ( تعليماً وممارسة ) إلى تصنيف أهداف الخدمة الاجتماعية إلى أهداف وقائية Preventive Goals، وأهداف علاجية Therapeutic Goals، وأهداف انمائية Development goals .
ونعرض فيما يلي لمحاولة ( عبد العال ) في تحديد لأهداف الخدمة الاجتماعية، حيث يقترح مجموعة من الأهداف لمهنة الخدمة الاجتماعية تتميز بالشمول والدقة والوضوح، وإمكانية قياسها فضلاً عن ارتباطها بالسياق الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المصري وذلك على النحو التالي : (5)
- أهداف علاجية : باستخدام تكنيك ( أسلوب فني ) فردى أو جماعي للمساعدة على حل - ومواجهة أو التخفيف من - المشكلات ذات الأسباب الاجتماعية .
- المساهمة في عملية التنشئة الاجتماعية باستخدام وتوجيه التفاعل الجماعي، بغرض تشكيل أنماط سلوكية يمارسها المواطن في تفاعله اليومي العادي، بحيث تتمشى مع القيم السائدة في المجتمع .
- مساعدة سكان المجتمعات المحلية على وجه الخصوص بغرض توفير قدر من الخدمات التي يريدونها، بالاعتماد على جهودهم الذاتية وما يمكن توفيره من موارد نابعة من مصادر خارجية .
- مساعدة منظمات الرعاية الاجتماعية Social Welfare Organizations على القيام بوظائفها، وتطوير أهدافها وزيادة فعاليتها فى أدائها لوظائفها التي يتطلبها المجتمع .
- المساهمة في وضع سياسة اجتماعية Social Policy لزيادة الخدمات التي يؤديها المجتمع للمواطنين، وفى وضع الخطط التنفيذية لهذه السياسة .
- تكوين صورة ايجابية Positive Image للخدمة الاجتماعية لدى المواطنين، ومتخذي القرارات كي يزداد اعتراف وتأييد المجتمع للخدمة الاجتماعية في سعيها لتحقيق أهدافها .
2- القاعدة المعرفية والأساس النظرى للخدمة الاجتماعية :
Theoretical and Knowledge Base
تحتل المعارف النظرية مكانة محورية في ممارسة الخدمة الاجتماعية التي لا يمكن آن تتم على الوجه المطلوب، وتحقق أهداف المهنة ووظائفها دون آن ترتكز على أساس متين من المعرفة العلمية Scientific Knowledge، وأن تكون موجهة بإطار معرفي نظري متماسك وقوى يمكنها من تفسير وفهم المواقف المختلفة التي تتفاعل معها، ووضع برامج التدخل المهني لإحداث التغيير المطلوب في تلك المواقف .
ولما كانت المعرفة العلمية على هذا القدر من الأهمية لممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية، كما أنها - كما اشرنا - تشكل مقوما أساسيا من مقومات العمل المهني، فان ثمة مجموعة من التساؤلات التي نحاول الإجابة عليها لمناقشة هذا المقوم الهام، ومن تلك التساؤلات :
- ما طبيعة تلك المعارف النظرية التي تحتاجها الخدمة الاجتماعية وتستند اليها الممارسة المهنية لتحقيق أهدافها ؟
- ما المصادر التي تستمد منها الخدمة الاجتماعية تلك المعارف.. وهل تستمدها من العلوم الاجتماعية، أم أن الخدمة الاجتماعية ذاتها تعتبر أحد العلوم الاجتماعية، وبالتالي لها معارفها الخاصة بها ؟
- إذا كانت الخدمة الاجتماعية تستمد معارفها غيرها من العلوم الاجتماعية، فما تلك العلوم تحديدا، وما طبيعة العلاقة بين الخدمة الاجتماعية وبين تلك العلوم، وما نوعية المعارف التي يمكن للخدمة الاجتماعية استعارتها من تلك العلوم ؟
وقبل أن نجيب على تلك التساؤلات نشير أولا إلى أن تلك المعرفة إنما تتضمن النظريات والمفاهيم والتعميمات والمبادئ التي توجه الممارسة المهنية في الواقع الإمبيريقي .
وتحدد إحدى الدراسات ألوان المعرفة التي لا بد وأن يستوعبها الأخصائي الاجتماعي لحاجته إليها في الممارسة الميدانية ومن ثم في تشكل القاعدة المعرفية النظرية التي ينطلق منها في عمله المهني على النحو التالي : (6)
* السلوك الإنساني الفردي والجماعي، السوي والمنحرف .
* العمليات الاجتماعية.
* تاريخ الخدمة الاجتماعية وتطورها.
* مخاطر الحياة
* التفكك الاجتماعي.
* مناهج الإصلاح الاجتماعي.
* المؤسسات الاجتماعية.
* القيم والأخلاقيات المهنية.
* النظريات التربوية ومناهج التربية.
* مبادئ البحث العلمي والإحصاء .
* المناهج الأساسية في الخدمة الاجتماعية .
هذا وتستطرد تلك الدراسة فتشير إلى أنه لما كان العمل الأساسي للأخصائي الاجتماعي هو تطبيق ( التدخل المهني ) أكثر منه المعرفة النظرية، فإن المعارف المشار إليها من شأنها أن تمده بالمفاهيم الأساسية اللازمة للقيام بمتطلبات عمله المهني مثال ذلك :
* الاصغاء . Listen
* ملاحظة السلوك . Behavior Observation
* المقابلة الشخصية . Personal interview
* تكوين العلاقات. Relations configuration
* ريادة الجماعات . Groups Leadership
* تشجيع المشاركة الشعبية . popular participation Encourage
* الاستعانة بموارد المجتمع وتجنيد المتطوعين . Use of community resources and volunteer recruitment
* الاتصالات . Communications
* تفسير الخدمة الاجتماعية. Social Work Interpretation
* تنظيم السجلات. Records Management
* استخدام طرق البحث والمسوح الاجتماعية. Use research methods and social surveys
ولكن ما المصادر التي تستمد منها الخدمة الاجتماعية تلك المعارف ؟ وتشكل منها قاعدتها العلمية التي لا غنى عنها للممارسة المهنية، إن تلك المصادر يمكن تحديدها في ثلاثة مصادر لا رابع لها وهى :
- قاعدة علمية توليفية منتقاة من علوم أخرى ومثلت داخل المهنة كي تكون صالحة للاستخدام المباشر .
- قاعدة علمية خاصة بالخدمة الاجتماعية مكونة من نتائج البحوث العلمية التي أجريت لتحسين مستوى أداء المهنة لوظائفها ( وهى التي تشكل علم الخدمة الاجتماعية Social Work Science ) .
- معلومات ومعارف ناتجة عن خبرات ميدانية ذات تعميمات واسعة ومقبولة مهنياً، وهى تمثل أضعف حلقات القاعدة العلمية للخدمة الاجتماعية .(7)
غير ان هذا الفرع الثالث من المعرفة شائع في بعض التخصصات العلمية، فنظرية (التحليل النفسي) لفرويد -على سبيل المثال- نتجت عن خبرات ميدانية لعالم واحد وهو " سيجموند فرويد" وهى لم تختبر علمياً بالقدر الكافي، ورغم ذلك فقد كانت حجر الزاوية في العلاج النفسى لفترات طويلة، بيد أن الخدمة الاجتماعية يجب أن تزيد من اعتمادها على المعرفة الناتجة عن " علم الخدمة الاجتماعية " Social Work Science للإسهام في التعجيل بتحويلها إلى مهنة كاملة . Full profession
وتأسيسا على ما سبق فإن المصدر الأول والأهم في تكوين القاعدة المعرفية للخدمة الاجتماعية إنما يتمثل في تلك المعارف المستقاة من مجموعة العلوم الأخرى، سواء كانت العلوم الاجتماعية الإنسانية فى المقام الأول، أو بعض العلوم الطبيعية ذات الصلة الوثيقة بأهداف الخدمة الاجتماعية ومجالات ممارستها .
فالخدمة الاجتماعية منذ نشأتها كمهنة أفادت كثيراً من معارف وحقائق ونظريات العلوم الاجتماعية كعلم النفس، حيث كان أول العلوم التى نهلت منها الخدمة الاجتماعية خاصة في المرحلة النفسية، ومازالت تتأثر بعلم النفس وفروعه ونظرياته إلى اليوم .
وتستفيد الخدمة الاجتماعية في قاعدتها المعرفية من القانون، والعلوم السياسية، وعلم الاقتصاد، والإدارة العامة، وإدارة الأعمال، وعلم السكان، وعلم الاجتماع وفروعه المختلفة .
كما أن القاعدة العلمية للخدمة الاجتماعية تتسع لتشمل ما يمكن آن يستفاد به من الطب، وبعض العلوم البيولوجية وعلم الإحصاء .
هذا ومن الجدير بالذكر القول بأن علاقة الخدمة الاجتماعية كمهنة بتلك العلوم، والإفادة منها في تكوين قاعدتها المعرفية التي تشكل أساسا تنطلق منه كافة الممارسات المهنية التي تتم في محيط المهنة، تلك العلاقة انما تقوم على جوانب ثلاثة هامة هي :
- الإنتقاء Selection
- التحويل Conversion
- الاستخدام Usage
وهذا يعني أن الخدمة الاجتماعية تنتقى – أولا - من تلك العلوم ما يتلاءم معها من حقائق وجوانب معرفية، ثم تقوم بتحويل المعارف والحقائق التي يتم انتقائها وتعديلها بما يجعلها صالحة للاستخدام والتطبيق في المجالات المختلفة، وهي أخيرا تقوم باستخدام تلك المعارف وتوظيفها لتصميم وتنفيذ وتقوية برامج التدخل المهني في الواقع الاجتماعي .
يتبـــــع
===========
الهوامش :
=====
(1) – مصطلح " أدبيات " literature يستخدم في البحوث والكتابات العلمية ليشير إلى كافة الكتابات والبحوث والدراسات التي تتم في حقل معرفي ما، أو تخصص معين، وعلى ذلك فإن أدبيات الخدمة الاجتماعية تشير إلى كل من الكتب، والدراسات، والبحوث، والمقالات، والتقارير المتصلة بموضوعات تدور في فلك الخدمة الاجتماعية،
وإذا كان الحديث عن أدبيات شخص معين مثلا ( مفكر، عالم، فيلسوف، مصلح اجتماعي، داعية إسلامي ) فإن المعنى في هذه الحالة ينصرف إلى مجمل العطاء العلمي أو الفكري أوالعقدي أو الدعوي الذي قدَّمه للناس خلال مراحل حياته شفاهةً، أو كتابةً، من خُطَب، ومحاضرات، ومحاورات، ومناظرات، ومقالات، ودراسات وبحوث، وكتب، ورسائل عامة، وخاصة ....... وغيرها،
(2) - عبد الحليم رضا عبد العال : مرجع سبق ذكره، ص : 121-122 .
(3) - مصطلح "الضبط الاجتماعى "Social control يشير إلى تلك العمليات التى تساعد على توفير مستوى مقبول من التماسك الاجتماعي Social Cohesion في المجتمع يكفى لاستمرار وبقاء واستقرار المجتمع "، أو هو في معناه العام يشير إلى العمليات والإجراءات، المقصودة وغير المقصودة، التي يتخذها مجتمع ما، أو جزء من هذا المجتمع، لمراقبة سلوك الأفراد فيه، والاستيثاق من أنهم يتصرفون وفقاً للمعايير والقِيم أو النظُم التي رسمت لهم،
(4) - الفاروق زكى يونس : مرجع سبق ذكره، ص : 152.
(5) - عبد الحليم رضا عبد العال : مرجع سبق ذكره، ص : 125 .
(6) - الفاروق زكى يونس : مرجع سبق ذكره، ص : 155.
(7) - عبد الحليم رضا عبد العال : مرجع سبق ذكره .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: