يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5895
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم تكن ثمة مفاجأة في وجود هذا الخبر فالكل كان يتكهن به ويجزم بحدوثه ويعتبره حقيقة واقعة بل ويتعجب من العكس إن حدث، ولكن المفاجأة كانت في إعلانه بهذه الصورة الفجة، وبهذه الطريقة البالغة السوء والتي تستهين جدا بالناس وخصوصياتهم والتي لا تخشى أيضا من ردود أفعالهم .
فيطرح موقع تويتر أرشيف تغريدات المشتركين عليه للبيع في مزاد علني لمن يدفع أكثر دونما اعتبار لكون هذه التغريدات مملوكة لأصحابها، وليس لتويتر ولا لغيره الحق في بيعها وانتهاك خصوصياتهم وتسليمها لأية جهة لا يدري أحد ماذا تفعل بها وبخصوصيات أولئك المشتركين .
فبحسب موقع Mashable الذي يشتهر بمتابعته لأخبار شبكات التواصل الاجتماعي وإحصاءاتها، والذي ذكر في الأسبوع الماضي ذلك الخبر الذي خفي عن الكثيرين من متابعي الشبكات الاجتماعية، وهو أن تويتر أمضت عقد وكالة لشركة "داتاسيفت" البريطانية لكي تتولى الأخيرة بيع أرشيف جامع لكل تغريدات المشتركين في "تويتر" بالعالم الذين يزيد عددهم عن 300 مليون مشترك لمن يرغب بشرائها ويدفع ثمنها .
وبالنظر لعدد العرب على تويتر نجدهم يصلون إلى المليون عربي من شتى البلدان والمدن والقرى، من الشبان والشابات، من الشيوخ والأحداث، الأغنياء والفقراء، العلماء والبسطاء، فيها نموذج مجتمعي عربي متكامل من كل الطبقات والأفكار والأعمار والمستويات قل أو استحال أن تجد له مثيلا على الواقع .
فيها يمكن قياس اهتمامات الناس وطريقة تفكيرهم ونمط حياتهم، ما يشغلهم وما يحزنهم وما يسعدهم، ومن يستطيع أن يقود مسيرة التغيير فيهم، من أول من ألقى بالفكرة ومن تبعه عليها والمدة الزمنية التي استغرقتها الفكرة للخروج من دائرة الأفكار إلى دائرة التنفيذ، وتأثير الإشاعة عليهم وكيفية صياغة إشاعة مؤثرة وضد من والأسلوب الأمثل لنشرها، وغير ذلك الكثير مما لا تحلم الدول الاستعمارية في معرفته عن الأمم والشعوب التي تريد ان تحكمها أو تتحكم فيها أو تغير أنظمتها دون أن تتكبد أي مبلغ من المال أو تبذل قطرة من دماء ولا تريد أن تبدو في الصورة كمحركة للأحداث .
وماذا تطلب أجهزة المخابرات أكثر من ذلك ؟، ولماذا تحتاج إلى زراعة جواسيسها على الدول الأخرى إلا للوصول لمثل هذه المعلومات ؟، والتي إذا حصلوا عليها بالطرق التقليدية مع تكبد الأخطار لن تكون إحصائية ودقيقة بأي حال مثل المعلومات التي سيحصلون عليها من تويتر الذي يتحدث فيه الناس طواعية عن مشاكلهم السياسية والاجتماعية والنفسية والصحية، ومعاناتهم مع زملائهم ورؤسائهم وأقاربهم بلا تحفظ ولا إدراك بخطورة ما يفعلون على المستوى الشخصي أو المستوى الأمن القومي لبلدانهم .
وماذا تطلب أجهزة امن الدولة في أي بلد للتجسس على مواطني نفس البلد أو ممن يتحدثون عن بلدهم أكثر من تغريدات تويتر ؟، التي تبين أيضا النشطاء بأسمائهم الأصلية أو الحركية - ويمكن التعرف عليهم بسهولة عن طريق المعرف الشخصي لكل حاسب -، والذي ستكون فيما بعد تغريدات تويتر التي كتبها الناس وهم في غرفهم المكيفة ويظنون أنهم يكتبون بحرية وأمان سيجدونها بعد فترة في مسودات التحقيق معهم عندما يُقبض عليهم .
إن تويتر الذي يطلق مشتركوه أكثر من ملياري تغريدة يومها منها أكثر من مليونين من تغريدات العرب بالعربية بالإضافة لتغريداتهم باللغات الأخرى يوميا، سوف تصبح وجبة شهية ورخيصة الثمن جدا لكل جهاز امني أو اقتصادي دعائي أو حتى تطفلي، وستتميز بالدقة والتنوع والثراء وسيكشف الباطن العربي والإسلامي أمام كل الأعين .
فـ تويتر الذي يخبر أنه يحذف التغريدات بعد مدة زمنية معلومة لكل المشتركين، وبالفعل تختفي عن أعين الناظرين لكنه في الحقيقة لا يحذفها إلا من واجهة الموقع للمشتركين فقط ولكنه لا يحذفها من أرشيفه، مثله مثل ما يفعل الفيسبوك وكل مواقع التواصل، بل إن هذا ما يحدث مع الرسائل البريدية التي يحذفها أصحابها، فهي لا تحذف إلا من أمام ناظريهم فقط، أما على أجهزة الخوادم الخاصة بالمواقع فكل شيئ موجود ومؤرشف ومحفوظ، ويمكن الرجوع إليه واستخراج أي بيان يحتاجونه، وأي بريد من أي جهة إلى أي جهة، وأي تغريده كتبت في يوم من الأيام حتى هذه اللحظة .
إن تويتر الذي يرتكب جريمة أخلاقية ببيع ما لا يمتلكه منفردا دون اتفاق أو قبول من الشريك الآخر مقابل المال ودون مجرد إخبار للطرف الآخر أنه سيبيع أسراره وخصوصيته ومكان كتابته لكل تغريدة عليه للغير دون تمييز واو انتقاء فكل من سيدفع المال سيمكنه من الإطلاع على الأسرار كلها، وستكون المبررات ثلاث، اقتصادية وأمنية وفضولية .
إن أكثر بلدين من الدول العربية يمكن الإطلاع على أسرارهما وخباياهما هما :
المملكة العربية السعودية التي يمتلك الزوار منها 38 % من حسابات تويتر العربية، ومصر التي يمتلك الزوار منها 30 ٪، وذلك في أحدث دراسة أجراها موقعklout المتخصص في قياس تأثير الشخص على المواقع الالكترونية الاجتماعية ونشرها في 25 يناير 2012 .
لا اطمع بعد نقل هذا الخبر أن يقاطع العرب تويتر، لان الأيام تثبت أن القرار الجماعي للعرب صعب جدا وربما يستحيل، لأننا دائما نختلف حول كل شيئ ولا نحسم أمرنا حتى على الثوابت – فمن كان يصدق ألا يتفق العرب والمسلمون على ضرورة التصدي لمن يسيئ الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت الذي يظهر فيه من يدافع عن حقوق الشواذ في أن يحميهم المجتمع في ممارسة شذوذهم ؟ !! .
ولا اطمع أيضا في أن يرفع العرب على تويتر قضايا انتهاك الخصوصية لان غيرهم ممن ينتصرون لحقوقهم ولا يجدون حرجا في محاكمة أي شخص ينتهكها سيقومون بها عنهم، وغالبا ما سيتفرج العرب كالعادة، وسيدعون غيرهم يقوم عنهم بواجباتهم .
ولكن كل ما أطمع فيه أن يحافظ أبناء العرب والمسلمين وأخص أبناء السعودية ومصر باعتبارهم أكثر المستخدمين على أمن بلدانهم، وأن يدركوا أن تغردياتهم التي يكتبونها بعفوية وتلقائية وبساطة يمكن أن تتحول إلى سلاح خطير ضد بلدانهم، وأطنع أيضا ألا ينساق المغردون في تويتر حول كل الشائعات وأن يدركوا أن تويتر وأي كتابة على الانترنت ليست آمنة ولا محفوظة، وليس لهؤلاء – مالكي المواقع - عهد ولا ميثاق، فيجب عليهم أن يحذروا حتى لا يباغتون من حيث يطمئنون، وحتى نتجنب أن تصدق فينا – نحن العرب - مقولة أكثم بن صيفي حكيم العرب " مِنْ مأمَنِهِ يؤتَى الحَذِرُ "
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: