أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1660
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم أسمع باسم لطفي زيتون إلا في العشرية الأخيرة من القرن الماضي لمّا عثرت له على بعض النصوص كما شاهدته في قناة الحوار الإخوانية صحبة الغنوشي وهو يتحدث عن مسائل تهمّ تاريخ الوطن، فحرصت على متابعته فخطابه مختلف عن بقية رفاقه في الحركة لأنه يشي بأن لصاحبه خلفية ثقافية، بعد أحداث 2011 وعودته إلى تونس ظهر اسمه بكثافة على الساحة حيث كان المعبّر الحقيقي عمّا تُضمر حركته وتخطط له من وضع اليد على الإعلام بتنظيمه حملة اكبس ودفاعه عن التعويضات والاستقواء علينا بنظام المرشد في مصر ودفاعه عن الإرهابيين الذي سفروا إلى سوريا ورفضه تسميتهم بالإرهابيين وغير ذلك من المواقف المُوَثقة صورة وصوتا وكتابة، بعد كل ذلك بسنوات خرج علينا زيتون بخطاب آخر مهّد له بالدفاع عن بشرى بلحاج حميدة ولجنتها المتعلقة بالتسوية في الميراث والحياة الخاصة للمثليين ودفن الرئيس السابق في تونس وغيرها من المواقف الجزئية التي لا ينظمها ناظم فكري لأنها وليدة الظرف والحسابات السياسوية لينتقل بعد ذلك إلى المرحلة الموالية وهي إعلان انسحابه من حركة النهضة وكأني به أراد أن يشعرنا بأنه قام بمراجعات أدت به إلى رسالة الاستقالة التي وجهها إلى الغنوشي تمهيدا للقيام بأدوار أخرى لصالح الحركة من خارجها.
والذي نراه أن لطفي زيتون ما زال لحد الآن إخوانيا ملتزما بالبيعة التي أداها وتحدث عنها بتفصيل بدءا من انتسابه إلى "حلقة المسجد" ثم إلى "الأسرة المفتوحة" وهذه لا تخوّل لصاحبها المشاركة في المؤتمر أو الاطلاع على بعض المحتويات والنشاطات الحزبية بل تسمح له بالمشاركة في المخيمات شبه الكشفية التي تعقد بعيدا عن أعين الحرس والبوليس وتتم في هذه المرحلة المتابعة اللصيقة للمنتسب وتكوينه تكوينا عقديا وسياسيا وقد بقي لطفي في "الأسرة المفتوحة" من سنة 1981 إلى سنة 1984 وهناك من بقي حتى عشر سنوات في هذه الأسرة دون أن يتحوّل إلى "الأسرة ملتزمة" وهو ما يتطلب توفّر جملة من الشروط من بينها حفظ ستة أحزاب من القرآن الكريم وأن لا يدخن وأن ينجح في تجربة الأسرة المفتوحة يقول لطفي: "القيادة هي التي تختار من ترشحهم، كل منطقة ترشح مجموعة من الأعضاء وفيما بعد تقع الغربلة على المستوى المركزي وتختار مجموعة تطرح عليهم المسالة وهي أنهم مرشحون لأداء البيعة والالتزام ومن يريد أن يرفض له أن يرفض منذئذ... وهناك من حصلت لهم صدمات فهم يظنون أنفسهم ملتزمين في الحركة ثم يتبين للواحد أنه ليس عضوا فيقوم بردّ فعل سلبي ينفعل ويقول ماذا كنت إذن لأصبح الآن عضوا"(1) والمستفاد ممّا ذكر أنّ:
1) عضوية الحركة ليست بالأمر المتاح لأي كان كما هو حال باقي الأحزاب فالترشح له شروطه التي تضع المترشح تحت المراقبة لسنوات متعددة.
2) هنالك غربلة أولى على مستوى الجهة وثانية على المستوى المركزي.
وفي تقديري أن هذا الأسلوب ما زال معتمدا حاليا ولكن اقتضت ظروف العلنية أن تظهر الحركة شيئا من التفتح ولكنه محسوب فالأعضاء الجدد لا يتجاوزون "الأسرة المفتوحة" ويتوقف دورهم عند تأثيث الاجتماعات والتظاهرات والتصويت في الانتخابات أما النواة الصلبة فلا يمكن أن يدخلها إلا من ثبت ولاؤه المطلق للحركة وزعيمها.
إن نجح المترشح في المرور بهذه المراحل يؤدي البيعة وهي نوع من العقود التي يلتزم فيها المُعاهد أو المُبايع بالطاعة والولاء لمقتضى شرع الله بحسب الفهم الإخواني، هذا البعد الديني نجده حاضرا لدى كل التنظيمات الإخوانية حيث يتم القسم على القرآن وبالنسبة لأعضاء النظام الخاص أو ما يسمى التنظيم السري يضاف المسدّس(2)، هذه البيعة مؤبّدة لا يقبل التراجع عنها بعد أدائها وإلا عُدّ صاحبها مرتداّ، ولهذا السبب بالذات نلحظ أن كل الذين أعلنوا انسحابهم من الحركة منذ تأسيسها توقفوا عن الانتماء الحركي للتنظيم فقط ولكنهم لم ينقضوا البيعة التي في أعناقهم وفي أوّل فرصة تجدهم يعودون والأمثلة على ذلك كثيرة وهذه قائمة أولية في من أعلنوا خروجهم من الحركة ثم عادوا إلى خدمتها من داخلها ومن مواقع أخرى حيث نجد احميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي ومحمد القوماني وعبد الفتاح مورو وكمال بن يونس والفاضل البلدي ومهدي مبروك ونور الدين البحيري ولطفي الحاجي وعبد الحميد الجلاصي ورياض الشعيبي وحمادي الجبالي وغيرهم كثير.
ولأن البيعة شرط أساسي في الانتماء نجدها حاضرة في الفصل السادس المتعلق بإجراءات كسب العضوية، جاء في الفقرة الثالثة منه ما يلي: "يؤدي العضو بيعة الالتزام بالولاء وطاعة قيادة الحركة وحفظ أمانتها وبذل الوسع في تحقيق أهدافها والانضباط إلى نظمها ومناهجها"(3) هذا الشرط الذي نجده في كل أدبيات الحركة قبل أن تحصل على الرخصة القانونية تم إخفاؤه من النسخة التي قُدّمت لوزارة الداخلية وفيما صدر له من طبعات لاحقة لأنه يثير الشكوك والريبة حول صدق الصورة التي تريد الحركة ترويجها عن نفسها باعتبارها تنظيما مدنيا ديمقراطيا، فالانتماء للتنظيم الإخواني ومنه حركة النهضة هو انتماء ديني ولا أدل على ذلك من أن القاعدة التي يتم على أساسها الانتماء ليست برنامجا سياسيا يتم إعداده في مؤتمر يناقش فيه بل إن قاعدة الانتماء بيعة تستند إلى نصّ عقدي عنوانه "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة النهضة" حيث تغيب المفاهيم السياسية والاقتصادية التي على أساسها يتمّ الانتماء والعمل في الأحزاب المدنية لنجد الحديث عن الإيمان بالله وبالملائكة وبالكتب وبالرسل وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وغير ذلك من المسائل التي تندرج ضمن علم الكلام ( ويسمى كذلك علم العقيدة وأصول الدين والفقه الأكبر) وهو ما يجعل من المنتسب مناضلا عقائديا (لديه الاستعداد لتفجير نفسه فضلا عن أنه يعتبر نفسه الأعلى من بين خلق الله بإيمانه وهو ما يسمى لديهم الاستعلاء بالإيمان) وليس مناضلا سياسيا يمكن أن ينتقل من الموقع إلى غيره بحسب قناعاته الفكرية والسياسية وليس الدينية، لهذا السبب بالذات نلاحظ أن الذين يعلنون انفصالهم عن الحركة يعودون إليها في أوّل فرصة لأن في أعناقهم بيعة لا تنفصم ومن الجدير بالملاحظة أن الوحيدين الذين خرجوا من الحركة ونقضوا بيعتهم للغنوشي هم الذين انخرطوا في التيارات السلفية التي تعتبر الغنوشي مرتدا وفي أفضل الأحوال مارقا مشوّها للإسلام.
من خلال المتابعة اللصيقة لحركة النهضة يمكن أن يلاحظ المرء بأنها في تعاملها مع خصومها تلجأ إلى أسلوبين:
1) أسلوب الاندساس في الأحزاب والمنظمات لتفجيرها من الداخل وهو ما حصل مع كل الأحزاب التي تحالفت معها بعد 2011 ليصبح المشهد على ما هو عليه من شتات ومجموعات لا ثقة فيما بينها.
2) تكليف شخصيات بتجميع الشتات في أحزاب مستحدثة ولكنها لم تنجح رغم المحاولات الكثيرة التي آلت كلها إلى فشل محتم.
وفي تقديري أن استقالة زيتون من الحركة وترويجه خطابا يلامس القوى المدنية بجانب النقاشات التي يجريها لتأسيس حزب استعدادا لانتخابات 2024 تندرج جميعها ضمن خطة حركة النهضة في تجميع بعض أطراف ما يسمى العائلة الوسطية تحت لافتة جديدة هي حزب زيتون الذي هو بصدد الإنشاء حاليا، وهذه التجربة منقولة عن إخوان مصر الذين دفعوا فيها بأحد قادة الطلبة لديهم إلى تأسيس حزب الوسط ذي المرجعية الإسلامية حتى تنأى به عن التاريخ الدموي للإخوان المسلمين ولكن في نهاية الأمر وقف الحزب في صف حكم المرشد ومحمد مرسي ووصف هبة الشعب المصري في 30 جوان 2013 بأنها انقلاب عسكري بمباركة شيخ الأزهر وبابا الكنيسة.
لطفي زيتون إخواني لم يتغير ولن يتغير ما لم ينقض البيعة وهو فيما يروّج حاليا إنما يقوم بذلك في إطار تكليف بمهمة من طرف حزبه تتمثل في تجميع ما تيسر من خلق الله وفيما يلي أورد مواقفه التي هي مواقف حركة النهضة من بعض المسائل التي يعتبر التخلي عنها تخليا عن نحلة الإخوان والتحاقا بالصف المدني الوطني وهي التالية:
1) يقول زيتون: "إن حزب حركة النهضة لا يعتبر الدين الإسلامي إيديولوجية أو مصدرا لأيديولوجية بل يعتبره رسالة من الله عزّ وجلّ إلى العالمين وليس إلى أمة بعينها أو شعب أو فئة...لتنظيم الكون..."(4) هذا الكلام قيل قبل انعقاد المؤتمر العاشر بشهر وهو المؤتمر الذي ادعت فيه الحركة أنها فصلت بين الدعوي والسياسي وفيه إصرار على استعمال الدين في الشأن السياسي ووصاية على الآخرين بما ترجمته الاستعلاء بالإيمان فحزبهم الأفضل لأنه يحمل أمانة تنظيم الكون.
2) في نص طويل عنوانه "السياسة الأمنية والدفاعية لدولة الاستقلال في تونس، إلى أين؟" للطفي زيتون نشر في موقع تونس نيوز بتاريخ 23 أكتوبر 2001 ولكنه حجب لإغلاق الموقع بعد أحداث 2011، وردت مواقف من بينها القول بأن صالح بن يوسف يمثل التيار الوطني يقابله التيار البورقيبي الذي قامت سياسته الأمنية على "الاعتماد على الأجنبي دوليا والتوجس من الأشقاء إقليميا والاستبداد داخليا... وقد قَوَّت الحرب الأهلية النفس العسكري والأمني داخل الحزب الذي شكل ميليشيا تحوّلت فيما بعد إلى جهاز شبه عسكري سُمِّي الحرس الوطني.... والمتتبع لسياسة بورقيبة يكاد يجزم أن تكوينه للجيش لم يكن إلا مراعاة للشكليات باعتباره من مظاهر سيادة الدول ولسحق أي تمرّد داخلي"(5).
3) عن التنظيم السري للحركة وهو التنظيم الذي اعترف به قياديون كالمنصف بن سالم في كتابه الذي صادرته الحركة بجمعه من الأسواق، ينكر لطفي زيتون وجوده قائلا: "أنا سمعت بالتنظيم السري من خلال ما تقدمت به هيئة المحامين.... لكن يبقى ربط هذا الموضوع باستشهاد الشهيدين هو الذي خلق مشكلا.... حتى علي العريض عندما كان وزيرا كان يمتنع عن تقديم أية معلومات تخص وزارته.. غضبوا منه داخل الحزب وثمة اللي قالو أحنا حطيناك غاديك لكنه تمسك بالرفض وأكد أنها أسرار الدولة"(6) نمرّ دون تعليق.
4) في جوابه عن سؤال حول استقالته من الحركة وهل يعني ذلك تأسيس نهضة جديدة قال: "نهضة جديدة في إطار التواصل وليس في إطار القطيعة"(7) وهو ما يعني أنه في تأسيسه لحزبه الجديد سوف يحافظ على المرتكزات التي قام عليها حزبه وذكرنا بعضها أعلاه.
5) عن علاقة حزبه بحزب التحرير والسلفيين قال: "نعم حزب التحرير تقدّم بتأشيرة إبان حكومة السبسي وتمّ رفضها ونحن مستعدون لمنحه التأشيرة إذا تقدم بطلبها كما لا نرفض تحوّل السلفيين إلى حزب سياسي قانوني بهياكل معروفة وبرامج واضحة"(8) بعدها مباشرة مُكِّن حزب التحرير المعادي للنظام الجمهوري من الترخيص القانوني واستلمه من لطفي زيتون(9).
فالحذر كل الحذر من أن يتم التعامل مع حركة النهضة باعتبارها حزبا سياسيا ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من الأحزاب بل هي نحلة دينية تختلق الفتوى لكل ما يخدم مصلحة الجماعة والتبرير لكل ما يضعف خصومها.
-------------
الهوامش
1) "سيرة ابن نقابي عاشوري أصبح نهضويا" لطفي زيتون، دار آفاق للنشر تونس 2017، ص69 و70 و71 و77 و89 و91.
2) "النقط فوق الحروف" أحمد عادل كمال، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الثانية، القاهرة 1989، ص137.
3) "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" راشد الغنوشي، دار المجتهد للنشر والتوزيع بيروت، طبعة تونس الأولى 2011، ص384.
4) جريدة الشروق بتاريخ 14 أفريل 2015 ص6.
5) تجدون النص في الرابط التالي بعد إغلاق تونس نيوز، https://www.facebook.com/anas.chebbi.9/posts/2475804339142204
6) الشارع المغاربي بتاريخ 12 فيفري 2019 ص5.
7) الشارع المغاربي بتاريخ 19 فيفري 2019 ص6.
8) الأنوار التونسية بتاريخ 25 فيفري 2012 ص5.
9) المغرب 18 جويلية 2012 ص8.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: